أولا : مفهوم الاقليم والاقليمية:

فى البداية، ربما يكون من الضرورى التعرف على معنى الاقليم والاقليمية ، قبل محاولة تحديد ما هو المقصود بالمنظمات الإقليمية ، وخاصة أن المفاهيم النظرية تستند الى أكثر من معيار او محدد لتحديد مفهوم الإقليم.
بالنسبة لمفهوم الإقليم، نجد انه لغويا يعنى رقعة الارض التى يقطنها شعب الدولة، ولكن فى المقابل نلحظ انه قد جرى العرف على استعماله بمعنى اصطلاحى اوسع من مدلوله اللغوى.ولذا فقد تعددت معانى الإقليم وفقا لتطورها التاريخى من جانب، ووفقا لطرق استخدام الإقليم من جانب ثان. ففى الأصل لم يكن الإقليم سوى قطعة من اليابسة يستقر عليها شعب معين الى جانب كونه مصدرا للثروات وللقوة، كما أن أهمية الإقليم لم تقتصر على العنصرين السابقين ( قاعدة لاستقرار الشعب ومصدر للثروات) إذ إننا نلاحظ اليوم أن الأقاليم الصحراوية الجرداء تتمتع بأهمية كبرى على الرغم من أنها غير مأهولة بالسكان ، نظرا لتعدد أشكال الاستفادة منها وخاصة من الناحية الاستراتيجية.
كذلك فإن فكرة الإقليم مرتبطة بتنظيم وتوسيع السلطة السياسية . ويبدو ذلك بوضوح فى ظل النظام الاقطاعى حيث كانت علاقة الإنسان بالأرض هى التى تحدد توزيع السلطة داخل الدولة. وفى العصر الحديث نلاحظ أن ظاهرتى الاستعمار والاتحاد قد تسببتا فى ظهور نظريات جديدة فى طبيعة الإقليم، فنجد أن الدولة الاستعمارية تفرق فى المعاملة بين مواطنيها من جانب، وسكان مستعمراتها من جانب آخر، فقد اصبح إقليم الدولة الاستعمارية يتمتع بأهمية اكبر من أقاليم المستعمرات، فإقليم الدولة الاستعمارية يعتبر عنصرا أساسيا من عناصر كيان الدولة على حين أن أقاليم المستعمرات لا تقوم بهذه الوظيفة بصفة أساسية، ويظهر هذا الاختلاف على سبيل المثال فى مجال تنفيذ المعاهدات الدولية.
ويضاف الى ذلك، ما أفرزته ظاهرة الاتحاد بين الوحدات السياسية من تجديد فى تحديد الطبيعة القانونية للإقليم. ويستند هذا التجديد الى ضرورة تبرير ازدواجية السلطة فى الدولة الاتحادية، فكيف يمكن اعتبار رقعة معينة من الأرض جزءا من إقليم الدولة العضو فى الاتحاد، حيث تعتبر جزءا من إقليم الدولة الاتحادية ذاتها ـ كما اتضح فى الكتاب السابق فى هذه السلسلة عن الدولة. فإذا أخذنا بنظرية الملكية التقليدية والتى تقرر ملكية الدولة لإقليمها، فإنه يتعذر تفسير ظاهرة ازدواج السلطة فى الدولة الاتحادية. فالإقليم هنا يبدو وكأنه إطار جغرافى لممارسة اختصاصات يحددها القانون.اكثر من ذلك فإن ظاهرة الاتحاد لا تقتصر على تكوين دول اتحادية ولكنها تمتد لتشمل اتحادات اقتصادية ترتكز على قاعدة إقليمية، وإن كانت فى هذه الحالة يطلق عليها اصطلاح المناطق مثل المناطق النقدية والتجارية ، وبالتالى يكون مفهوم الإقليم هنا قاصرا على أنماط معينة من المبادلات والمعاملات النقدية والتجارية.
ولذا برز ما يسمى بالإقليمية الجديدة لتوصيف تلك الموجة التى بدأت منذ منتصف الثمانينيات من علاقات وتنظيمات التكامل الاقتصادى والتجارى الاقليمى ويستند هذا المفهوم الى نموذجين، الأول هو التكتل التجارى الإقليمى القائم على فرصة تيسير العلاقات التجارية بين الدول الأعضاء وبدرجات تميزها عن العلاقات التجارية مع الدول غير الاعضاء. ولهذا النموذج مستويات متعددة أدناها هى المناطق التجارية الحرة وأعلاها الاتحاد الاقتصادى، مثال ذلك منظمة الكوميسا ، والسوق المشتركة لأمريكا الوسطى ومنطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية وغيرها. أما النموذج الثانى فهو قائم على أساس التخصص وتقسيم العمل الصناعى فى مجموعة من الصناعات او صناعة واحدة بين مجموعة من الدول التى يجمعها هذا التخصص والتقسيم فى العمل ، مثال ذلك مثلث النمو الاقليمى الفرعى الذى ربط بين التكنولوجيا والقوة المالية السنغافورية والعمالة والموارد فى أرخبيل ريو بإندونيسيا.
بعبارة أخرى، ان عملية إعادة هيكلة النظام الاقتصادى العالمى بما يتوافق مع المتغيرات العالمية الجديدة هى ابرز سمات مفهوم الإقليمية الجديدة ، حيث انه يهدف الى جعل الكتل الاقتصادية الإقليمية حلقة ربط وسيطة بين الدول من ناحية، والنظام العالمى من ناحية اخرى. وبالتالى فإن الإقليمية الجديدة تختلف عن مفهوم الإقليمية الذى شاع فى الستينيات بغلبة الطابع الاقتصادى .
وقد اعترف ميثاق الأمم المتحدة بفكرة الإقليمية ونظر الى المنظمات التى تحمل هذه السمة باعتبارها إحدى وسائل تحقيق الأمن والسلم الدوليين ، ولذا أخذت فكرة الإقليمية فى التبلور فى شكل العديد من المنظمات الإقليمية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وقيام الأمم المتحدة عام 1945، مثال ذلك منظمة الدول الأمريكية وجامعة الدول العربية والاتحاد الاوروبى وغيرها، وهو الأمر الذى يعود الى عدد من الأسباب يأتى فى مقدمتها: (أ) أن الدولة لم تعد ـ كقاعدة عامة ـ قادرة بمفردها على الوفاء باحتياجات شعبها خاصة فيما يتعلق بمجالات الأمن. (ب) وجود تكتلات وتجمعات معينة فرض على الدول الأخرى ضرورة مواجهتها بذات المستوى الجماعى. فالتكتل يخلق التكتلات المضادة. (ج) تعاظم درجة الاعتماد الدولى المتبادل لتعزيز القوة التفاوضية لمجموعة من الدول فى مواجهة مجموعة او مجموعات دولية أخرى.

 

 

المصدر: أ/ أيمن عبد الوهاب - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN51.HTM
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 197 مشاهدة
نشرت فى 5 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

272,814