4 ـ مصر ومنظمة الكوميسا:
انطلاقا من حرص مصر على دورها الأفريقى ورؤيتها لأهمية بناء تكتلات اقتصادية فيما بين الدول النامية للمحافظة على مصالحها، برز الاتجاه الداعى لتنمية العلاقات الاقتصادية بين مصر والدول الأفريقية. وفي هذا السياق، تم تشكيل لجنة وزارية عالية المستوى في عام 1997 لتنمية العلاقات المصرية الأفريقية برئاسة رئيس الوزراء وعضوية 9 وزراء يمثلون الجهات التنفيذية ذات الاختصاص في هذا المجال. وقد جاء انضمام مصر إلى السوق المشتركة لأفريقيا الشرقية والجنوبية الكوميسا تتويجا لهذه الجهود.
ففى 28 يونيو 1998 تم تحول عضوية مصر من صفة عضو مراقب إلى عضو كامل . وبهذا التحول فى صفة العضوية يمكن الحديث عن نوعين من المكتسبات، أولهما المكتسبات الاقتصادية وتتمثل فى التعامل مع مشكلة العجز في الميزان التجاري المصري وهى المشكلة التي تؤرق صانعي السياسة الاقتصادية المصرية، هذا الى جانب الوفاء بالالتزامات المصرية الخاصة بالمساهمة فى قيام الجماعة الاقتصادية الأفريقية والتي تستهدف تحقيق الوحدة بين دول القارة خلال فتره زمنية لا تتجاوز 34 سنة (منذ بدء التنفيذ في مايو 1994)، بالاضافة لما يمثله هذا التجمع الاقتصادى من توافق مع طبيعة العلاقات الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين. إذ أن هذا القرن هو قرن التكتلات الاقتصادية العملاقة، الأمر الذي يشكل تحديا بالنسبة للدول الأفريقية.
وتسعى مصر الى زيادة حجم التبادل التجارى مع دول الكوميسا، لاسيما وأن حجمه يظل متواضعا مقارنة بما هو متاح وممكن. فتشير البيانات الى ان حجم التجارة بين مصر وهذه الدول بلغ 106.3 مليون دولار في النصف الأول من عام 1999 وبلغت الصادرات المصرية إلى دول الكوميسا خلال نفس الفترة 27.3 مليون دولار بنسبة 1.21% من صادرات مصر، بينما مثلت الواردات الآتية من هذه الدول 79 مليون دولار بنسبة 1.23% من جملة واردات مصر الخارجية.
وبالنظر الى معدل التبادل التجاري بين مصر ودول الكوميسا، يمكن القول ان امكانيات نموه عالية ولكن بشرط تجاوز عدد من المشكلات ابرزها ما يلي:
ـ صعوبات نقل البضائع، حيث لا توجد خطوط مباشرة للنقل البحرى تربط مصر بالدول الأفريقية، الأمر الذى يجعل نقل المنتجات المصرية يتم عن طريق الموانئ الأوروبية، مما يرفع من تكلفته، كما أنها تكون عرضة للتلف وبالتالى تكون مهددة بإلغاء التعاقدات في أي لحظة.
ـ مشكلات التسويق، حيث يعتمد المستوردون فى كثير من الأحيان على الائتمان طويل الأجل مع قصر التعامل مع البنوك الأوروبية مما يؤدي إلى ضعف قدرة المصريين على المنافسة.
ـ صعوبات التسويق، حيث يوجد قصور شديد في المعلومات لدى المصريين المصدرين بشأن طبيعة الأسواق الأفريقية واحتياجاتها فى نفس الوقت يقابله قصور خاص بإمكانيات إقامة معارض دائمة للمنتجات المصرية في الدول الأفريقية، فضلا عن ضعف التمثيل التجاري المصري في أفريقيا، وتدهور نشاط مكاتب شركة النصر للتصدير والاستيراد.
ـ افتقاد العلاقات الاقتصادية التي تعمل على تسهيل التبادل التجاري وضمان انتظام المعاملات الاقتصادية وتشجيع حركة رؤوس الأموال، الأمر الذى بدأ تداركه من جانب مصر بانضمامها وتوقيعها على اتفاقية الكوميسا للتجارة الحرة ، حيث تأمل الحكومة المصرية في أن يمثل الانضمام بداية قوية للعلاقات الاقتصادية مع دول الكوميسا من خلال تنظيم وتشجيع الاستثمار مع هذه الدول وإقامة المشروعات المشتركة بين الدول الأعضاء.
ولذا أطلقت مصر مبادرة هي الأولى من نوعها في إطار هذا التجمع، وذلك بالدعوة إلى عقد المؤتمر الاقتصادي الإقليمي الذي عقد بالقاهرة في 28 و29 فبراير 2000 تحت رعاية الرئيس مبارك وقد حضره العديد من الرؤساء الأفارقة ووزراء خارجية الاقتصاد في دول الكوميسا، بالإضافة إلى ممثلين عن رجال الأعمال والقطاع الخاص والمسؤولين بكبرى الشركات الوطنية فيها.
اما ثانى المكتسبات الخاصة بانضمام مصر، فترتبط بالجوانب السياسية، فعلاقات مصر السياسية مع دول الكوميسا يحكمها عدد من المحددات التى تضفي مزيدا من الأهمية على انضمام مصر للمنظمة أهمها الخصائص الجغرافية والثقافية.
فالسوق المشتركة لشرقي وجنوب أفريقيا (كوميسا) يضم مجموعة من الدول تغطي رقعة جغرافية واسعة تبلغ 12.4 مليون كيلو متر مربع. وتنتمى دول السوق الى عدة اقاليم فرعية أهمها الاقليم العربى الذى يضم الأطراف العربية في شمال شرق أفريقيا وهي مصر والسودان وجيبوتي وجزر القمر ويبلغ تعداد سكانه 97.4 مليون نسمة. وبجانب ذلك يوجد الإقليم الأنجلوفوني ويشمل عشر دول هي أوغندا وتنزانيا ( قبل انسحابها) وكينيا وملاوي وسوازيلاند وسيشل وموريشيوس وناميبيا وزيمبابوي وزامبيا وهذا الإقليم يضم كتلة سكانية تبلغ 121 مليون نسمة وتنتشر اللغة الإنجليزية بين سكانه.
أما الإقليم الثالث هو الإقليم الفرانكفوني المتحدث بالفرنسية ويضم 4 دول هى مدغشقر وبوروندي والكونغو الديمقراطية ورواندا وهذا الإقليم يتعدى عدد سكانه 80 مليون نسمة.
وداخل هذه الأقاليم الثقافية هناك بعض الأقاليم الثقافية الفرعية التي تقوم على انتشار لغات محلية كاللغة السواحيلية.
وبالاضافة لأهمية الوجود فى تجمع اقليمى كبير مثل الكوميسا ومايوفره من تفاعل منتظم بين مصر وباقى دوله، وإيجاده لشبكة من المصالح المتداخله، فإن الانضمام لهذا التجمع يطرح أيضا مسألة المحافظة على الأمن القومى المصرى. فدول الكوميسا تمثل نوعا من العمق الاستراتيجى لمصر، وخاصة فيما يتعلق بالدائرتين النيلية والبحر الأحمر.
فبالنسبة للدائرة النيلية، نجد ان جميع دول حوض النيل( باستثناء تنزانيا) اعضاء فى الكوميسا، الأمر الذى يضيف مدخلا ملائما من مداخل تنمية العلاقات البينية بين مصر وهذه الدول، ولاسيما في ظل عدم وجود أي تنظيم إقليمي فرعي يربط مصر بدول حوض النيل، فمن المعروف ان الأطر القائمة يقتصر التعاون فيها على الجوانب الفنية فقط .
أما بالنسبة لأمن البحر الأحمر، فإنه يعتبر أحد المحددات الرئيسية للعلاقات بين مصر ودول الكوميسا والتى تضم أربع دول مطلة على البحر الأحمر وهي مصر والسودان وإريتريا وجيبوتي. وأهمية البحر الأحمر بالنسبة للأمن القومى المصري والعربي لا تحتاج الى دليل، كما ان البحر الاحمر باعتباره شرياناً بحرياً بين أوروبا وأفريقيا وآسيا، يمثل اهمية متزايدة وخاصة فى ضوء التزايد المتوقع في حركة التجارة العالمية. كذلك يحظى البحر الأحمر بأهمية خاصة نتيجة تداخل حوضه مع اقاليم اخرى مثل العالم العربي والشرق الأوسط والقارة الأفريقية والمحيط الهندى. لذا فإن عدم استقرار هذه الاقاليم ينعكس بالسلب على أمن البحر الأحمر، مما سيؤثر بالسلب أيضا على الأمن المصري والعربي. لذا كان التحرك المصري تجاه تنمية الروابط التعاونية مع دول البحر الأحمر أحد أهم الخطوات الرئيسية الداعمة لضمان الأمن والاستقرار في هذه المنطقة.
الخــــاتـــمـة
بالرغم من تعدد التعريفات الخاصة بالمنظمات الإقليمية وتعدد أنواعها وتصنيفاتها وفقا لدورها، إلا انه يمكن الإتقاق على عدد من الأسس والركائز المحددة للإقليمية والمنظمات الإقليمية، منها، التأكيد على أهمية وجود هوية إقليمية من جانب، والوعى بالتقارب والتضامن بين أعضاء النظام الإقليمى مع العالم الخارجى كوحدة (اوعلى الأقل السعى الى تحقيق ذلك) من جانب آخر، بالإضافة الى التأكيد على وجود تفاعلات إقليمية ذات خصائص ذاتية بعيدا عن إرادة النظام السائد.
هذه السمات العامة عبرت فى مضمونها عن التطور الذى شهده دور المنظمات الإقليمية بعد أن ازداد عددها. وبسبب اتساع عضويتها بدت مكملة لدور الأمم المتحدة كحارس على استقلال الدول، وسبيلا لتعزيز الأمن والاستقرار العالميين، كما أنها وفرت وسائل إضافية لتعزيز التعاون الاقليمى وفض المنازعات بالطرق السلمية، كذلك سعت هذه المنظمات للتعبير عن مصالح دول العالم الثالث فى المنظمات العالمية.
ولكن باستثناء عدد محدود من المنظمات الإقليمية لم تستطع غالبية المنظمات أن تحقق الأهداف المنشودة من قيامها. وما بين الجمود والتحرك عند المستوى الأدنى تقف معظم المنظمات الإقليمية ، الأمر الذى يمكن إرجاعه الى أسباب ذاتية خاصة بالدول الأعضاء وبطبيعة عمل المنظمة وأسباب خارجية تتعل
ساحة النقاش