authentication required

 

 ان التجربة الحزبية الثانية في مصر ، تعد من أكثر التجارب الحزبية ثراء وتنوعا سواء من الناحية الفكرية أو السياسية ، كما أن أثر هذه التجربة علي الشارع السياسي كان كبيرا أيضا ، أي انها تجربة كانت لها امتداداتها الجماهيرية . هذا من ناحية، ومن ناحية أخري امتازت هذه التجربة بقوة العلاقة بين الأحزاب والسلطة بمعني وجود ممثلين عن الأحزاب في المؤسسات السياسية المختلفة من تنفيذية وتشريعية أي في الوزارة والبرلمان. فباستثناءات قليلة كانت تركيبة الوزارة والبرلمان- ابتداءً من وزارة سعد زغلول الأولي (يناير 1924) الي وزارة النحاس الاخيرة (يناير عام1950) ، تركيبة حزبية.
وهو أمر يختلف عن التجربة الحزبية الأولي التي لم تكن علي نفس القدر من النضج أو الحضور السياسي. واستمرت التجربة الحزبية الثانية الي أن قامت ثورة 23 يوليو عام 1952.

3 -
التجربة اللاحزبية والتنظيم الواحد (1953 - 1976):
دخلت قيادة ثورة 1952 ، في مرحلة تثبيت سلطتها ، في مواجهة مع الأحزاب السياسية مما أدي الي انتهاء التجربة الحزبية الثانية وبدء مرحلة جديدة اتسمت برفض تعدد الأحزاب ولكن دون الاعتماد علي حزب واحد بالمعني الذي سبق توضيحه في الفصل الثاني .
فقد كانت نظرة قيادة الثورة الي الأحزاب سلبية ، حيث ربطت بينها وبين المصالح الخاصة والمغانم والفساد . ولذلك فعندما تم تأسيس أول تنظيم واحد في يناير عام 1953، وهو تنظيم هيئة التحرير ، قيل انها (ليست حزبا سياسيا يوزع المغانم علي الأعضاء أو يستهدف شهوة الحكم والسلطان ، وإنما هو اداة لتنظيم قوي الشعب وإعادة بناء المجتمع علي أسس جديدة).
وسبق ذلك اتخاذ اجراءات متتالية ضد الأحزاب السياسية التي كانت قائمة . وبدأت تلك الاجراءات بتنظيم الأحزاب في 9 سبتمبر 1952 وانتهت بحلها وإلغائها في 18 يناير 1953.
فقد اصدر مجلس قيادة الثورة قراره لتنظيم الأحزاب في 9 سبتمبر عام 1952 بهدف (تطهير الحياة السياسية من العناصر التي ساهمت في افسادها خلال الفترة السابقة) . وبموجب هذا القرار تم الزام الأحزاب بإخطار وزير الداخلية بأنظمتها الداخلية وأعضائها المؤسسين ومواردها المالية، بما في ذلك الأحزاب التي كانت قائمة والتي نص القرار علي انه يتعين عليها (ان تعيد تكوين نفسها وفقا لأحكامه) .
وأعطي القرار وزير الداخلية حق الاعتراض علي تكوين الأحزاب وطلب وقف نشاطها أو اسقاط عضوية احد اعضائها أو تصحيح أي أوضاع خاطئة .
وقد حاولت الأحزاب التي كانت قائمة أن تكيف نفسها مع النظام الجديد والقيود التي فرضها علي الحياة السياسية والحزبية . ولكن لم يسعفها الوقت، اذ سرعان ما صدر قرار الغاء دستور 1923 في 10 ديسمبر عام 1952 في بيان من القائد العام للقوات المسلحة اعلن فيه (بإسم الشعب سقوط دستور 1923 ، وأنه ليسعدني ان اعلن في نفس الوقت أن الحكومة آخذة في تأليف لجنة تضع مشروع دستور جديد .. والي أن يتم إعداد هذا الدستور تتولي السلطات في فترة الانتقال التي لابد منها حكومة عاهدت الله علي أن ترعي مصالح المواطنين جميعا دون تمييز أو تفريق).
ولكن الاعلان الخاص بقيام فترة الانتقال ، التي وردت في بيان سقوط دستور 1923، لم يصدر إلا في 16 يناير عام 1953عن القائد العام للقوات المسلحة ايضا متضمنا حل الأحزاب السياسية التي قال عنها : (لما كانت الأحزاب علي طريقتها القديمة وبعقليتها الرجعية لا تمثل إلا الخطر الشديد علي كيان البلاد ومستقبلها ، فإنني أعلن حل جميع الأحزاب السياسية منذ اليوم ومصادرة أموالها لصالح الشعب بدلا من ان تنفقه لبذر بذور الفتنة والشقاق).
وحدد الاعلان فترة الانتقال بثلاث سنوات مع تهديد (بالضرب بمنتهي الشدة علي يد كل من يقف في طريق أهدافنا التي صنعتها آلامكم الطويلة وتتمثل فيها رغباتكم وأمانيكم).
وبعد 48 ساعة، أصدر القائد العام للقوات المسلحة قرارا تفصيليا لالغاء الأحزاب علي اساس أنها (لم تظهر ذاتها ولم تفصح عن نية جادة في هذا الاتجاه الأمر الذي استلزم حلها تماما). كما تم منع اعضاء هذه الأحزاب والمنتمين اليها من القيام بأي نشاط حزبي علي اي صورة كانت ، كما يحظر تقديم أي مساعدة لهؤلاء الاشخاص في سبيل قيامهم بالنشاط الحزبي). كما تم حظر تكوين أحزاب سياسية جديدة .
وبذلك انتهت رسميا تجربة تعدد الأحزاب الثانية والتي كانت قد وصلت الي نهايتها فعليا بقيام ثورة 1952. وبدأت قيادة هذه الثورة في تأسيس تنظيماتها السياسية التي لم تأخذ طابعا حزبيا كالذي تتسم به نظم الحزب الواحد. فكانت هذه التنظيمات ذات طابع فضفاض . ولم تكن هي اداة الحكم علي النمط المعروف في حالة الحزب الواحد ، وإنما اقرب الي هيئة سياسية عامة لملء الفراغ الذي ينتج عن الغاء الأحزاب .
وينطبق ذلك ، أكثر ما ينطبق ، علي اول تنظيم سياسي في عهد الثورة ، وهو تنظيم هيئة التحرير الذي تم اعلانه رسميا في 23 يناير عام 1953.

فقد حدد ميثاق الهيئة اهم أهدافها كالتالي :
أ - تحقيق الاهداف والمصالح السياسية للشعب .
ب - كفالة الحقوق والحريات الاساسية من الناحيتين السياسية والاجتماعية .
ج - تبصير المواطنين بواجباتهم وحثهم علي التضامن والتضافر والعمل المنتج للنهوض بتبعات الاصلاح .
وكان شعار هيئة التحرير (الاتحاد - النظام - العمل ) يعبر عن نظرة قيادة الثورة الي دور التنظيم السياسي في تلك الفترة ، وهو دور يؤدي بعض وظائف الحزب الواحد التي سبقت الاشارة اليها ، وخاصة الوظائف التوحيدية والتنموية.
واستمرت هيئة التحرير حتي 2 ديسمبر عام 1957 ، حيث تم الغاؤها بعد عدة شهور من اعلان قيام التنظيم السياسي الثاني في عهد الثورة، وهو تنظيم الاتحاد القومي الذي تم تأسيسه تنفيذا لما ورد في الدستور المؤقت الذي صدر في 16 يناير عام 1956 . فقد نص هذا الدستور في المادة 192 منه علي ان (يكون المواطنون اتحادا قوميا للعمل علي تحقيق الاهداف التي قامت من أجلها الثورة وحث الجهود لبناء الأمة بناءً سليما من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية).

 

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 337 مشاهدة

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

274,454