تشكلت اول لجنة تنفيذية للاتحاد القومي في 29 مايو عام 1957 بقرار من رئيس الجمهورية . وحددت هذه اللجنة تعريف الاتحاد الجديد حينئذ بأنه (تجمع المواطنين - الحاكمين منهم والمحكومين - مجتمعين علي تحقيق هدف واحد هو المجتمع الاشتراكي التعاوني) . كما تضمن تعريف الاتحاد القومي أنه (منظمة قومية عربية تعمل علي تحقيق الوحدة العربية وبناء مجتمع تسوده الرفاهية ويتحقق فيه القضاء علي الاقطاع والاستغلال).
وعند تحديد اهداف الاتحاد القومي، كان واضحا الحرص علي نفي اي طابع حكومي له، حيث تم اعلان انه (ليس حكوميا ولكنه تنظيم يضم الحاكمين والشعب ويتيح الفرصة الحقيقية لتعاونهم علي علاج جميع المشاكل المحلية والقضايا العامة في ظل المجتمع الاشتراكي الديمقراطي التعاوني . وهو السبيل الي الديمقراطية السليمة التي تشعر الشعب بأنه يحكم نفسه بنفسه ولنفسه. والاتحاد القومي سيضع يده علي الخطأ وينادي بإصلاحه ، ويتلمس الصواب فيطالب بتحقيقه . والاتحاد القومي هو الذي يوجد الصلة الوثيقة بين القيادة والشعب. وعلاقته بالحكومة أساسها التعاون من أجل بناء الأمة بناءً سليما من جميع النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية . ولذلك سيعمل الاتحاد القومي علي تخطيط السياسة العامة للبلاد ، وستقوم الحكومة بتنفيذ هذا التخطيط ).
والواضح أن استخدام تعبير الاتحاد يعبر عن اعطاء أولوية قصوي لهدف تجميع الشعب كله في بوتقة واحدة ، باستثناء من كانت لهم ادوار سياسية قبل الثورة والذين تم استبعادهم .
فكان التنظيم الواحد ، اذن، اطارا فضفاضا للاتحاد والتضامن بين المواطنين واحتواء اي تناقضات في هذا الاطار. ولكن هذا الطابع للتنظيم الواحد طرأ عليه تغير عقب صدمة انهيار الوحدة المصرية - السورية في سبتمبر عام 1961 ، حيث تبين ان قادة الانفصال كانوا من قادة الاتحاد القومي في الاقليم الجنوبي أو سوريا .
وكان الدرس الذي استخلصه الرئيس جمال عبد الناصر من تلك التجربة أنه لم تكن هناك معايير للتنظيم الواحد، وخاصة علي صعيد الافكار والمواقف أي ما يطلق عليه الأيديولوجيا. ومن هنا جاء الميثاق الوطني الذي صدر في مايو عام 1962 يحدد اسس تطور المجتمع وقواه الأساسية ، أو ما اطلق عليه قوي الشعب العاملة (الفلاحون والعمال والجنود والمثقفون والرأسمالية الوطنية) ، في مواجهة القوي الرجعية التي تم اعتبارها صراحة من أعداء الشعب.
واقتضت تلك التطورات مرحلة جديدة في مجال التنظيم السياسي الواحد. فقد اصبح من الضروري أن يكون هذا التنظيم أكثر تحديدا أو لا يبقي فضفاضا بالشكل الذي كان عليه في حالة الاتحاد القومي. فلم يعد مطلوباً التنظيم الذي يضم الشعب كله ويسعي الي توحيده وإنما التنظيم الذي (يقود الشعب ويعبر عن ارادته ويوجه العمل الوطني ويعبر عن قوي الشعب العاملة ويتمثل فيه تحالف هذه القوي).
وفي هذا السياق ، تحدث الميثاق الوطني عن أن (الوحدة الوطنية التي يتضمنها تحالف قوي الشعب العاملة هي التي تستطيع أن تقيم الاتحاد الاشتراكي العربي ليكون السلطة الممثلة للشعب والدافعة لإمكانيات الثورة والحارسة علي قيم الديمقراطية السليمة).
وصدر قانون الاتحاد الاشتراكي العربي في 8 ديسمبر عام 1962 ليحدد طبيعة هذا الاتحاد باعتباره (الطليعة الاشتراكية التي تقود الجماهير وتعبر عن ارادتها وتوجه العمل الوطني وتقوم بالرقابة الفعالة علي سيره في خطه السليم في ظل مبادئ الميثاق)، وأنه (الوعاء الذي تلتقي فيه مطالب الجماهير واحتياجاتها)، حيث يشكل هذا الاتحاد (الاطار السياسي الشامل للعمل الوطني وتتسع تنظيماته لجميع قوي الشعب من فلاحين وعمال وجنود ومثقفين ورأسمالية وطنية علي اساس الالتزام بالعمل الوطني في ترابط وثيق بين المستويات المختلفة من قاعدة التنظيم الي قيادته الجماعية) .
وظل الاتحاد الاشتراكي العربي هو التنظيم السياسي الوحيد في مصر حتي أسفر الحوار، الذي تم تنظيمه عام 1974 حول مستقبل هذا التنظيم، عن فتح الباب أمام التعدد الحزبي اعتبارا من عام 1976 .
ساحة النقاش