5 - الوساطة والتوفيق:

أي التوسط بين الحكام والجماهير من خلال توفير قنوات للاتصال ونقل أهداف ورغبا ت الحكومة والمواطنين بطريقة سلمية. وتسعى جماعات المصالح فى هذا الاطار للحفاظ على وضعها وتحسينه واكتساب مكانة أفضل لها في المجتمع، ولذا فإنها تتحرك مباشرة للتأثير على عملية تشريع ووضع القوانين وتهدف إلى الوصول إلى نقطة اتفاق والتقاء بين الآراء المتعددة كأساس للاستقرار .
وترتبط وظيفة التعبير والتمثيل والتحدث بإسم جماعات معينة بتلك الوظيفة التنظيمية حيث تتولى مؤسسات المجتمع المدني مهمات متعددة تبدأ بتلقي المطالب التي عادة ما تكون متعارضة ومتضاربة وتجميعها وإعادة ترتيبها وتقسيمها إلى فئات محددة قبل توصيلها إلى الحكومة، فلو تصورنا غياب تلك الوظيفة التنظيمية ستكون النتيجة هي عجز الحكومة عن التعامل مع هذا الكم الهائل من المطالب المختلفة التي تعبر عن تعارض مصالح الجماعات والأفراد في المجتمع مما يصيبها بالارتباك. وقد تأتي سياساتها بشكل متحيز للبعض دون البعض الآخر بما يعكس اختلال التوازن بين الجماعات ويتعارض مع مبدأ الحياد الذي يجب أن تلتزم به الدولة إزاء المواطنين حتى لا يؤدي انحيازها إلى فئة معينة إلى فقدان تأييد الفئات الأخرى لها، الأمر الذي يهدد النظام والاستقرار ويثير حفيظة الفئات التي تشعر بالإهمال أو الظلم ويدفعها إلى التمرد والعصيان ضد الحكومة وضد الفئات الأخرى المتميزة .
وكلما زاد التنوع والاختلاف في المجتمع كلما احتاج إلى عدد أكبر من المنظمات والجمعيات للتعبير عن هذا التنوع وتنظيمه والتوفيق بين أطرافه المتعددة .
هذه الوظيفة كما رأينا تعني أن المجتمع المدني لا يحقق الحماية للمواطنين المحكومين ضد الحكومة فقط ، وإنما هو أداة لحماية الحكومة ذاتها من خطر التعرض للاضطرابات والاحتجاجات العنيفة ، كما أنه يوفر عنصر الوقاية للمجتمع ككل من الانقسام والصراع والتفكك .
6 -
التعبير والمشاركة الفردية والجماعية :
فوجود المجتمع المدني ومؤسساته يشعر الأفراد بأن لديهم قنوات مفتوحة لعرض آرائهم ووجهات نظرهم بحرية حتى لو كانت تعارض الحكومة وسياساتها للتعبير عن مصالحهم ومطالبهم بأسلوب منظم وبطريقة سلمية ودون حاجة إلى استعمال العنف طالما أن البديل السلمي متوافر ومتاح. والحقيقة أن هذه الوظيفة تؤدي إلى تقوية شعور الأفراد بالانتماء والمواطنة وبأنهم قادرون على المبادرة بالعمل الإيجابي التطوعي دون قيود، بل تشجعهم الحكومة على التحرك المستقل بحرية دون اعتماد عليها لخدمة المجتمع وهم مطمئنون إلى أن حقوقهم وحرياتهم مصانة لأن هناك حصناً يلجأون إليه للاحتماء به في حالة تعدي الدولة عليها .
7 -
ملء الفراغ في حالة غياب الدولة أو انسحابها:
مع قدوم الثمانينيات من القرن العشرين شهد العالم ظاهرة واسعة الانتشار هي انسحاب الدولة من عديد من الأدوار والوظائف التي كانت تؤديها في الماضي، وخصوصاً في مجالات النشاط الاقتصادي كالإنتاج وتوفير خدمات التعليم والعلاج وتولي مسؤولية رب العمل بالالتزام بتعيين وتشغيل الناس في الحكومة، فقد بدأت الحكومات تعاني من اشتداد أزمة الديون وعجزها عن سدادها وعجزها في نفس الوقت عن الاستمرار في أداء نفس أدوارها التي صارت تشكل عبئاً ثقيلاً عليها لا تستطيع تحمله. وعندما بدأت الدولة في الانسحاب تركت وراءها فراغا يحتاج إلى من يملؤه لمساعدتها فى أداء تلك الوظائف. وهنا كان لابد أن يتحرك المجتمع المدني لشغل هذا الفراغ وإلا تعرض المجتمع للانهيار خصوصا حين توجد مشاعر عدم الرضا لدى الفئات التي كانت تستفيد من الدور السابق للدولة وتعتمد عليها لإشباع احتياجاتها والتي قد تشعر أن الحكومة قد تخلت عنها .
وإلى جانب الأزمة الاقتصادية والمالية هناك حالة أخرى يمكن أن تختفي فيها الدولة وتعجز عن أداء وظائفها تجاه المجتمع تحت تأثير الغزو والاحتلال الأجنبي أو الحرب الأهلية. ولنا في وطننا العربي أمثلة عديدة في فلسطين ولبنان والكويت أثبتت تجارب الاحتلال والحرب القاسية مدى أهمية المجتمع المدني وإمكانية أن ينهض بدور بديل للحكومة ويمر بالمجتمع من أزمته بسلام دون أن يهتز إحساس المواطنين بالانتماء بعدما غابت الدولة من أمام أعينهم.
8 -
توفير الخدمات ومساعدة المحتاجين:
صحيح أن جزءاً مهماً من وظيفة منظمات المجتمع المدني هو الدفاع عن المصالح الخاصة المشتركة لفئات بعينها إلا أنها كذلك تمد يد العون والمساعدة للمحتاجين مع تقديم خدمات خيرية واجتماعية هدفها مساعدة الفئات الضعيفة التي توجد على هامش المجتمع. وتتنوع أشكال المساعدة تلك ما بين مساعدات مالية وأخرى خدمية كبناء المدارس أو المستشفيات لتوفير خدمات التعليم أو العلاج مجاناً أو بأسعار رمزية تناسب أصحاب الدخول المنخفضة مع تقديم المعونات إلى الأرامل والأيتام وضحايا الكوارث والمعوقين وأسر السجناء بإقامة مراكز التأهيل والرعاية الاجتماعية وتمويل مشروعات صغيرة لإعالة الأسر التي بدون عائل أو إقامة دورات التدريب لرفع المهارات مثل تعليم الفتيات حياكة الملابس .......الخ.
9 -
تحقيق التكافل الاجتماعى:
وتتضح أهمية هذه الوظيفة الخطيرة إذا ما تخيلنا ضعف أو ضيق منافذ التعبير عن الرأي أمام الناس بحيث يفقدون القدرة على التأثير في القرارات السياسية التي تمس حياتهم بشكل مباشر، فيتعرض الساخطون على الأوضاع القائمة لكبت مشاعرهم الغاضبة وهذا الكبت قد يولد الانفجار عند وصوله إلى نقطة الغليان طالما أنه ليس متاحاً له فرصة التنفيس عن نفسه بحرية، وهو ما يعني تعريض المجتمع بشكل متكرر للاحتجاجات العنيفة لأن الأفراد والجماعات لم يجدوا منظمات تستقبل مطالبهم .
هذا الشكل الذي يدل على الانفجار الثوري يهدد كيان المجتمع ووحدته ويعرضه للانهيار والتقسيم. ويكفي النظر إلى ما حدث في الاتحاد السوفيتي السابق نتيجة إنكاره لحق المعارضين والمختلفين في التعبير عن آرائهم المخالفة لسياسة الحزب الشيوعي الحاكم، بينما حققت دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية نجاحاً في استيعاب المهاجرين من أصول أوروبية وأفريقية وآسيوية مختلفة وتذويب ما بينهم من اختلافات ودمجهم في أمة واحدة متكاملة يعتزون بالانتماء لها. ولاشك أن ذلك النجاح جاء ثمرة لنضال وكفاح جماعات ومنظمات عديدة في المجتمع المدني وعلى رأسها حركة الحقوق المدنية التي يعود لها الفضل في نيل الأمريكيين من أصل أفريقي لحقوقهم بعد معاناة طويلة من الاضطهاد والتمييز .
10 -
التنمية الشاملة :
صحيح أن المجتمع المدني هو أداة هامة في تحقيق الاستقرار إلا أن ذلك لا يعني أنه لا يحقق التغيير والتطوير. ومنذ فترة قريبة بدأت المنظمات الدولية المهتمة بالتنمية تؤكد على معنى جديد لها هو التنمية بالمشاركة على أساس أن تجارب التنمية العديدة قد أصابها الفشل لأنها تم فرضها من جانب الحكومة على المحكومين دون إشراكهم فيها. بينما أثبتت حالات أخرى أن مشاركة المستويات الشعبية الدنيا هي خير ضمان لتحقيق النجاح. فمقارنة حجم إنتاج العمال الوفير في المصانع التي تسمح باشتراكهم في مجالس الإدارة بحجم هذا الإنتاج الهزيل في المصانع التي ينفرد فيها المدير أو صاحب المشروع باتخاذ القرارات تكشف عن ذلك بوضوح. وما يصدق على مستوى المشروع أو المصنع يصدق على مستوى الاقتصاد الوطني .
فالحقيقة أن مشكلة التنمية لا تكمن دائما في قلة الموارد المادية، وإنما في كيفية استغلال تلك الموارد. وهذه الكيفية تتوقف بدورها على طبيعة ونوعية البشر الذين يقومون باستغلالها. ولذا، فإن الاستثمار الحقيقي لابد أن يتم في الثروة البشرية وليس المادية فقط ، وهنا تبرز أهمية المجتمع المدني في القيام بهذا النوع من الاستثمار، حيث يتم من خلال منظماته تنمية وتطوير المهارات والقدرات الفردية للأعضاء بشكل يقلل من العبء على الحكومة حيث يصبح لمؤسسات المجتمع المدني دور شريك للدور الحكومي في تنفيذ برامج وخطط التنمية الشاملة بمختلف جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية وهي تتلقى من الحكومة الدعم والمساندة للقيام بهذا الدور .
وبعد هذا الاستعراض لأهم وظائف المجتمع المدني يمكننا تسجيل عدد من الملاحظات :
أولها، وجود تكامل بين هذه الوظائف وبعضها البعض، فحماية المجتمع المدني لحقوق ومصالح الأفراد والجماعات لا يتعارض مع كونه أداة للتنظيم و الحفاظ على الاستقرار والوحدة في المجتمع ككل، كما أن دفاعه عن مصالح خاصة بفئات معينة لا يمنعه من الاهتمام بقضايا المصلحة العامة للجميع أو بتوفير المساعدة للفئات المحتاجة والضعيفة، ووقوفه ضد الدولة في حالة اعتدائها على الحريات لا يتعارض مع مساعدته لها في تنفيذ خطط وبرامج التنمية .....الخ.
ثانيها ، أن تلك الوظائف تتكامل مع وظائف الدولة، ويمكن القول أن هناك ما يشبه تقسيم المسؤوليات الاقتصادية والاجتماعية بين الحكومة والمجتمع المدني حيث يسد أي منهما القصور والنقص في دور الآخر لتحقيق نفس الغاية وهي حفظ كيان المجتمع والارتقاء به .
وثالثها ، أن كل وحدة من الوحدات المكونة للمجتمع المدني قد تجمع بين أكثر من وظيفة واحدة في الوقت نفسه.
ولكن كيف يقوم المجتمع المدني بهذه الوظائف ؟ لاشك أنه يعتمد على مجموعة من الأدوات والوسائل لتحقيق أهدافه فما هي تلك الوسائل ؟

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 114 مشاهدة

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

286,898