3 - حركات التحرر الوطني :
ففي ظل الاستعمار الأجنبي للمجتمعات العربية ارتبطت تجربة الكفاح والنضال الوطني من اجل الاستقلال منذ بداياتها الأولى بالمطالبة بالديموقراطية والإصلاح الدستوري والحياة النيابية السليمة مما يدل على وعي سياسي مبكر لدى الحركة الوطنية التي أدركت منذ البداية أنه لا انفصال بين الداخل والخارج وأن معركتها ضد الاستعمار لن يكتب لها الانتصار لو لم تكتمل بمحاربة أسلوب الحكم الاستبدادي لبلادها. واتضح ذلك من إصرار زعماء ثورة عام 1919 وعلى رأسهم سعد زغلول على رفع شعار الدستور والاستقلال ضد كل من الملك والاستعمار البريطاني. كما ربطت ثورة المجاهد عبد الكريم الخطابي بالمغرب ضد الاستعمار الفرنسي بين نفس المطلبين بشكل تلازمي عام 1944. كذلك عرفت ليبيا منظمات نشأت لأغراض اجتماعية ولعبت دوراً هاماً في المجتمع قبل الاستقلال وامتد نشاطها إلى المجال السياسي ومن أشهرها جمعية عمر المختار التي تأسست عام 1943 كجمعية ذات أهداف رياضية ثقافية اجتماعية معلنة ولكنها كانت في الحقيقة ذات طبيعة سياسية بالأساس تمثلت في تحريض الشعب على مقاومة الإدارة الإيطالية العسكرية والدعوة لاستقلال ليبيا .
تلك كانت الأشكال التاريخية القديمة التي مثلت جذورا للمجتمع المدني في تاريخنا العربي والإسلامي فكيف تطورت هذه الإشكال؟ وما هي الأشكال الحديثة القائمة حالياً ؟

ثانياً : الأشكال الحديثة للمجتمع المدني في مصر
تمثل الأساس الأول لنشأة ظاهرة المجتمع المدني بمعناها وأشكالها الحديثة المعروفة حاليا فيما شهده المجتمع المصري منذ القرن التاسع عشر - بفضل جهود التحديث في عصر محمد على- من تطورات اجتماعية واقتصادية أدت إلى انقسام المجتمع إلى فئات مختلفة. وكان من أبرز هذه التطورات اتساع وانتشار التعليم وزيادة اندماج مصر في الاقتصاد العالمي ونشأة الفئات الوسطى والعاملة ومطالبتهما بالحق في التجمع والتنظيم.
أضف إلى ذلك تحولات هامة كانتشار الصحافة وحركة الترجمة على نطاق واسع واشتداد الأزمة الاقتصادية في عهد كل من الخديوي سعيد والخديوي إسماعيل وزيادة عدد سكان المدن وزيادة دور كبار ملاك الأرض والأعيان والمثقفين الذين تلقوا تعليماً حديثاً في البعثات الأجنبية بالخارج وبدءوا عند عودتهم إلى مصر في المطالبة بالاستقلال والحرية والديموقراطية وتأسيس جمعيات ومنظمات غير حكومية للنضال من أجل تحقيق تلك الأهداف .

1 - المنظمات غير الحكومية والجمعيات الأهلية :
المقصود بها تلك التجمعات المنظمة غير الهادفة للربح والتي تعمل في مجالات الرعاية الاجتماعية وتعتمد في تمويلها على تبرعات القطاع الخاص وأشخاص من المجتمع أو من جهات أجنبية. كما أنها قد تحصل على دعم الحكومة لمساعدتها في إنجاز أهدافها غير السياسية. وكثير من الدول النامية تنظر الآن إلى هذا النوع من التنظيمات على أنه شريك لها يقف معها في خندق واحد لمواجهة مشكلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوفير سبل العلاج لها .
كما تعبر هذه المنظمات عن صورة حديثة لفكرة التكافل الاجتماعي خصوصا في أوقات الكوارث والأزمات وتشمل جمعيات للمساعدة الذاتية وأخرى تعاونية خيرية وغيرها من الروابط الدينية التابعة للكنائس والمساجد أو متخصصة في حقوق الإنسان وتلك التي تسعى إلى تنظيم الأسرة ورعاية الأمومة والطفولة وتقديم الخدمات الصحية بأسعار رمزية .
ومن بين هذه المنظمات ما يعمل في المجال الاجتماعي أو الرياضي أو الترفيهي وحده مثل تلك المهتمة بخدمة المعوقين أو إنشاء دور الحضانة ورياض الأطفال ودور المسنين وإقامة برامج لمحو الأمية ومساعدة الشباب ومنظمات المرأة التي تهتم بتوفير خدمات الرعاية الصحية والتعليمية والنفسية للأمهات والأطفال، كما تقوم بدراسات حول قضايا المرأة وتنظم الندوات والملتقيات الفكرية، وقد تزايد عدد هذه المنظمات بعدما شهدته قضايا المرأة من اهتمام عالمي متزايد في السنوات الأخيرة وخاصة منذ انعقاد مؤتمر المرأة في بكين عام 1995 والذي نبه إلى خطورة تجاهل حقيقة أن المرأة هي العنصر الرئيسي المحرك لعملية التنمية وأن تجاهلها وتهميشها هو السبب في فشل تجربة التنمية في عديد من الدول. غير أن تلك المنظمات لازالت تعاني من الضعف سواء لغياب مفهوم واضح لقضايا المرأة أو لغياب التنسيق فيما بينها أو لضعف مشاركة المرأة فيها.
وهناك منظمات تمارس نشاطا سياسيا ممزوجا بالنشاط الاجتماعي كمنظمات البيئة ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات والديموقراطية.
وتعود بدايات ظهور المنظمات الأهلية عموما في مصر إلى القرن التاسع عشر أيضاً حيث نشأت أول جمعية أهلية في عام 1821 بإسم الجمعية اليونانية بالإسكندرية ثم توالى تأسيس الجمعيات الثقافية مثل جمعية معهد مصر للبحث في تاريخ الحضارة المصرية عام 1859 وجمعية المعارف عام 1868 والجمعية الجغرافية عام 1875. وبعدها توالى تأسيس الجمعيات الدينية إسلامية وقبطية مثل الجمعية الخيرية الإسلامية عام 1878 وجمعية المساعي الخيرية القبطية عام 1881.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 125 مشاهدة
نشرت فى 3 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

270,550