ثانيا ً: عملية التنشئة السياسية
تشهد المجتمعات المعاصرة - بدرجات متفاوتة- أزمة تكامل قومى ، فمن الواضح ان اكثر الدول النامية بها العديد من الجماعات المختلفة عرقياً ولغوياً ودينياً ، الأمر الذى جعل من عملية بناء الآمة مطلباً ملحاً. وتواجه اكثر من دولة متقدمة وان كان بدرجة اقل حدة نفس المشكلة حيث تضم اقليات لم تستوعب فى النسيج الاجتماعى ومن هنا تصبح التنشئة السياسية لازمة لخلق شعور عام قوى بالهوية القومية.
ولقد شرعت الدول النامية عقب حصولها على الاستقلال فى القيام بعمليات تحديث اقتصادية واجتماعية وسياسية. وتتضمن التنمية فى بعدها السياسى تطوير المؤسسات السياسية وتحقيق نوع من التمايز التخصص الوظيفى فيها بمعنى إنشاء مؤسسات سياسية ودستورية متخصصة كالأحزاب والبرلمان ... الخ. كما شكل إحلال نسق من القيم السياسية الحديثة محل منظومة القيم التقليدية . وتعد التنشئة المخططة والمستمرة سبيلاً لاغنى عنه لإحداث التطوير الثقافى المنشود.
وتتعدد التعريفات التى طرحها الباحثون لمفهوم التنشئة السياسية. فليس هناك تعريف واحد متفق عليه. وسنعرض فيما يلى طائفة من هذه التعريفات، فنتناول أولا مفهوم التنشئة بصفة عامة ثم التنشئة السياسية.
وتعرف التنشئة على إنها عملية التفاعل الاجتماعى التى يتم من خلالها تكوين الوليد البشرى وتشكيله وتزويده بالمعايير الاجتماعية، بحيث يتخذ مكاناً معيناً فى نظام الأدوار الاجتماعية ، ويكتسب شخصيته، أو هى العملية التى يتم من خلالها تكييف الفرد مع بيئته الاجتماعية بحيث يصبح عضواً معترفاً به ومتعاوناً مع الآخرين.
وهو مصطلح يستخدم للاشارة الى الطريقة التى يتعلم بها الاطفال قيم واتجاهات مجتمعهم وما ينتظر ان يقوموا به من أدوار عند الكبر. ويعرفها البعض على انها تلك العملية التى يكتسب الفرد من خلالها ثقافة ومعايير جماعته فى السلوك الاجتماعى وهى عملية لا تحدث لفترة معينة ثم تتوقف ولكنها مستمرة وممتدة أى أن هناك اتجاهين للنظر إلى مفهوم التنشئة :
الأول : ينظر إلى التنشئة كعملية يتم بمقتضاها تلقين المرء مجموعة من القيم والمعايير المستقرة فى ضمير المجتمع بما يضمن بقاءها واستمرارها .
الثانى : ينظر إلى التنشئة على أنها عملية من خلالها يكتسب المرء تدريجيا هويته الشخصية التى تسمح له بالتعبير عن ذاته وقضاء مطالبه بالطريقة التى تحلو له.
ويمكن أن نخلص إلى تحديد عناصر مفهوم التنشئة السياسية على النحو التالى :
1-
التنشئة السياسية ببساطة هى عملية تلقين لقيم واتجاهات سياسية ولقيم واهتمامات اجتماعية ذات دلالة سياسية.
2-
التنشئة السياسية عملية مستمرة بمعنى أن الإنسان يتعرض لها طيلة حياته من الطفولة وحتى الشيخوخة.
3 -
تلعب التنشئة السياسية أدواراً رئيسية ثلاثة :
-
نقل الثقافة السياسية عبر الأجيال.
-
تكوين الثقافة السياسية.
-
تغيير الثقافة السياسية.
4-
هناك العديد من الأنساق الاجتماعية والمؤسسات الاجتماعية المختلفة تقوم بهذا الدور (التنشئة السياسية) بالنسبة للفرد.
5-
هذه العملية هى المحدد لسلوك الفرد السياسى سواء بقبول أو رفض النظام السياسى أو قبول أو رفض المجتمع ككل أو إحدى مؤسساته.

1
ـ أبعاد التنشئة السياسية :
أ ـ التنشئة والمشاركة السياسية :
تتوقف مشاركة الفرد فى الحياة السياسية جزئياً على كم ونوعية المنبهات السياسية التى يتعرض لها. غير أن مجرد التعرض للمنبه السياسى لا يكفى وحده لدفع الفرد إلى المشاركة السياسية وإنما لابد ايضاً أن يتوفر لديه قدر معقول من الاهتمام السياسى، وهو ما يتوقف على نوعية خبرات تنشئته المبكرة.
فالتجارب والخبرات التى تحدث فى مرحلة الطفولة تلعب دوراً هاماً فى تشكيل اتجاهات الأفراد وتوجيه سلوكهم الفعلى فيما بعد، ويستمر تأثير هذه التجارب والخبرات على الأفراد طوال سنوات المراهقة والنضج.
ولما كانت التنشئة لا تقف عند المراحل الأولى من العمر بل انها تحدث طوال حياة الفرد فإنه يمكن القول أن كل ما يتعلمه الفرد، وما يمر به من خبرات وتجارب على مدى عمره من الطفولة وحتى الكهولة، يؤثر بدرجة كبيرة على مدى مشاركته السياسية.
ب ـ التنشئة والتجنيد السياسى :
يقصد بالتجنيد السياسى تقلد الأفراد للمناصب السياسية سواء سعوا إليها بدافع ذاتى أو وجههم آخرون إليها.
وينحدر شاغلو المراكز السياسية من ثقافات فرعية مختلفة، ولذا تصبح التنشئة السياسية الفعالة عملية حيوية لتزويدهم بالمعارف والمهارات السياسية. ومما يذكر أن القيم والاتجاهات التى اكتسبها الفرد من معايشته للجماعات الأولية تظل تزاول تأثيرها عليه بعد تجنيده فى أى منصب سياسى.
جـ ـ التنشئة والاستقرار السياسى :
يشير الاستقرار إلى قدرة النظام على أن يحفظ ذاته عبر الزمن أى يظل فى حالة تكامل، وهو ما لا يتأتى له إلا إذا اضطلعت أبنيته المختلفة بوظائفها على خير وجه ومن بينها وظيفة التنشئة السياسية.
وللتنشئة السياسية بعدان باعتبارها وظيفة ضرورية لاستمرار النظام أولهما البعد الأفقى ومضمونه أن الجيل القائم ينقل ثقافته إلى الجيل اللاحق. وثانيهما البعد الرأسى ومؤداه أن يوجد اتساق بين قيم واتجاهات وسلوكيات أفراد الجيل السائد بما يضمن للجسد السياسى قدراً .... من التلاحم والترابط.
ويشير البعض إلى وظائف التنشئة على النحو التالى :
(1)
تعليم اللغة.
(2)
تشكيل السلوك الانسانى للفرد.
(3)
تشكيل السلوك الاجتماعى للفرد.
(4)
اكساب الفرد ثقافة المجتمع.
(5)
الحفاظ على نسق القيم السائد فى المجتمع.
(6)
تعليم المهارات.
(7)
تشكيل شخصية الفرد.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 92 مشاهدة
نشرت فى 2 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

286,885