authentication required

 


ويذكر علماء النفس أنه فى حالة إخفاق الفرد فى التوافق مع الذات وتأكيدها فإنه يلجأ إلى أسلوب لا توافقى يتراوح بين حالتين هما : الاغتراب أو التطرف. وعادة ما يوجه المغتربون اهتماماتهم على وجه الأخص إلى الداخل، فى حين أن المتطرفين يوجهون اهتماماتهم إلى الخارج، وهو نفس السلوك السياسى لبعض الأقطار الذى يتراوح بين الانغلاق الداخلى أو العزلة وبين التطرف العدوانى. هذا فضلاً عن الاحساس بالقصور والعجز والضعف وعدم التكافؤ وتزايد الاحساس بعدم الثقة فى العالم المحيط.
وتكمن جذور أزمة الهوية فى عدة عوامل من أبرزها السيطرة الأجنبية وما تلاها من تبعية وما يترتب عليها من تشويه اقتصادى واجتماعى حضارى ونفسى وكذلك تعميق التبعية بمعنى كثافة الاعتماد من جانب الحكومات على القوى الخارجية لتحقيق الأهداف الوطنية، وأيضا شدة الاعتماد من جانب الشعوب على حكوماتها لتحقيق الآمال الجماهيرية، فضلا عن النظرة الأحادية للأمور بمعنى أن كافة الأشياء والظواهر والمواقف هى إما ابيض أو أسود ولا وسط مما يضيع نسبية الحقائق والأحكام ويدفع إلى التعصب والتطرف وعدم القبول بالحلول الوسط.
صفوة القول أن أزمة الذاتية تتبلور فى أن المشكلة ليست أزمة معرفة وإنما هى أزمة تقييم، بحيث نعجز عن تقييم موقعنا فى خريطة الأسرة الدولية المعاصرة وتحديد مركزنا على مر الزمن الذى يمتد عبر ثلاث نقاط من الماضى إلى الحاضر فالمستقبل.
وفى إطار البحث عن الذات أو الهوية الحضارية هذه ، تحدث نزعة الخلط بين موقفين : البحث عن الذات، والعودة إلى الذات، وهذه الأخيرة تعنى العودة إلى الداخل ونحو الماضى. وأصحاب هذه النزعة حينئذ يكونون بمثابة قوم يمسكون بمرآة عظيمة ينظرون فيها ليهتدوا بها إلى طريقهم، وهم فى الواقع لا يرون إلا انفسهم وعلى هذا النحو قد يضيع منهم الطريق الصحيح.
وتتمثل مشكلة تحديد الهوية فى تحديد تعريف الذات، ذلك أن هذه المشكلة تحدد مواقعنا فى مواجهة الآخرين. فلكى تتحدد الهوية لابد من تحديد علاقات الأشخاص ببعضهم ومدى انتمائهم أو بعدهم عنهم.
وهنا تبرز مشكلة الهوية لدى الشباب كجماعة اجتماعية متميز . فالشباب جماعة اجتماعية لها ثقافتها الفرعية الخاصة. وقد أدى طول فترة التعليم إلى توافر الوقت الطويل للشباب والذى نتج عنه ما يمكن تسميته بالمراهقة الممتدة .. تلك المراهقة الممتدة التى تؤدى إلى الهوية المشتتة.
ويرجع ظهور مشكلة الهوية لدى الشباب الى عوامل مثل :
أ ـ سرعة التغير فى المجتمع :
ان الحالة العامة للحياة وسرعة التحرك فيها وشعور الانسان بهذه الحياة من زاوية مفاهيمه عن الزمان والمكان والعلاقات الاجتماعية تتعرض لهزات عنيفة، بل ان مفاهيم المجتمع نفسه والثقافة قد أصابهما التغيير.
ب ـ التحديث :
تتمثل مشكلة التحديث فى التغير الضخم الشامل فى كل مكان، حيث لا تستطيع أى جماعة أن تفلت من التغيير فى هذا القرن. لقد نتج عن عدم القدرة على التعامل بنجاح مع مجتمع ديناميكى كثير من التغيير والفوضى وعدم الرضا. وفى النهاية اهتزاز الهوية لدى الشباب نتيجة لصدمات التغيير.

جـ ـ التشتت النفسى :
ويحدث هذا الشتت بين القديم الأصيل والجديد المستورد، وبين قيمة العمل اليدوى وعائده وبين الوظيفة ونتيجة لتلك المشاكل يشعر الشباب بالاغتراب فى وطنه بسببب فتور العلاقات الانسانية وشكه فى كل شىء، مما يؤدى إلى وجود صراع بين الهوية القومية أو الوطنية وبين الحضارة الحديثة، وقبول أو عدم قبول تقويم الحضارة الغربية لحضارتنا الوطنية وقيمها ورموزها وطريقة حياة شعبنا.
وفى هذا الاطار يمكن أن نميز بين هويات متعددة هى الهوية الوطنية والهوية العربية والهوية الإسلامية والهوية العالمية.
(1)
الهوية الوطنية :
تتحدد الدائرة الوطنية بالحدود السياسية للدولة .. وقد غلب هذا التيار الداعى للانتماء إلى الوطن (مصر) والدولة، على أى من الدوائر الأخرى.
ولقد كان هذا التيار قوياً فى فترة الجهاد من أجل الاستقلال، ثم ضعف بعد ثورة التحرير وقيام الدولة المستقلة لكنه عاد إلى القوة مرة أخرى بعد حرب يونيو 1967 ثم ازداد قوة بعد توقيع معاهدة السلام بين مصر واسرائيل والمقاطعة العربية لمصر.
(2)
الهوية العربية :
تؤكد الهوية العربية على الانتماء إلى الدائرة التى تشمل الوطن العربى الكبير من المحيط إلى الخليج. ويؤكد هذا التيار على روابط مصر العربية، والمتمثلة فى اللغة والثقافة والحضارة والأصل السامى لكل الأمة العربية.
كما يركز هذا التيار على إنكار رسوخ الدولة الوطنية ويتجاهل الخصوصيات الثقافية المشتركة فى بلاد الوطن العربى ويركز على تحقيق الوحدة العربية.
(3)
الهوية الاسلامية :
يؤكد التيار الاسلامى على الانتماء إلى دائرة الحضارة الاسلامية التى ساهم فى بنائها العرب، وغلب على هذا التيار الانتماء إلى العقيدة اكثر من الوطنية والانتماء القومى، وسعى إلى التواصل مع التنظيمات المعبرة عنه فى العالم الاسلامى. وقد عمل هذا التيار على استقطاب العديد من الشباب. بالتركيز على الإحباط الثقافى والحضارى .
(4)
الهوية الإنسانية العالمية :
ان النظرة العالمية هى النظر إلى الجنس البشرى كأسرة واحدة تقوم على تنمية المصالح المشتركة باستخدام مصادر الثروة الطبيعية وتسيير المجتمع نحو الرفاهية. وتظهر لدى الشباب الرغبة فى التمثل بالأنماط السلوكية المتبادلة التى تنتجها الحضارات المختلفة فى مراحل تماسكها واحتكاكها المباشر، تعبيراً عن طبيعة العلاقات المتطورة بينها.
كما ينتج عن ذلك صراع بين الحضارات، وتمزق شباب الدول النامية بين قيمه الموروثة والمحببة، وبين مقتضيات ومتطلبات الحضارة العالمية الصناعية إذ لا يمكن تفادى وقوع التغيير الحضارى الذى اتسعت فيه الاتصالات الفكرية والمادية مما يؤدى إلى وقوع الشباب فريسة الصراع الثقافى وتنافس الهويات بالأخص فى ظروف التحول نحو العالمية فى الاقتصاد والاتصال والاعلام والثقافة، الأمر الذى يعلى من شأن المؤثرات الخارجية على القيم السياسية لكافة المواطنين وفى مقدمتهم الشباب.
ومع ذلك .. فإنه يمكن القول أن أزمة الهوية الحضارية والثقافية لدى الشباب ينبغى ألا تثير الانزعاج بيننا، لأننا نشترك فيها مع معظم دول المعمورة.
أما وجه القلق فيها فيكمن فى الخطورة التى تترتب على عدم حسمها والتى تتلخص فى تأخيرنا عن اللحاق بقطار العالمية السريع الذى يتوجب أن نأخذ فيه مكاناً مناسباً.
والحل المنشود قد يكون غير تقليدى ومبتكر فلابد أن نسعى لاستيعاب الشباب ودمجه فى قضايا مجتمعه وابتكار اساليب وجهود لتنمية ولاءات الشباب تجاه هويتهم الوطنية مع عدم اغفال للتيارات القومية والعالمية حتى نتمكن من مواجهة التحديات القادمة وسوف نحاول طرح بعض الأساليب المبتكرة لعلاج هذه القضية فى الفصل القادم (المشاركة السياسية).

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 87 مشاهدة
نشرت فى 2 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

286,885