8
ـ توافر النموذج والقدوة :
يتعامل الشباب عبر مراحل عمره المختلفة مع العديد من المؤسسات التى يتولى الاشراف عليها قيادات مختلفة.
والانسان كما يتلقى تعليمه وثقافته عن طريق الاضطلاع والقراءة والدرس، فإن جزءاً كبيراً من خبراته ومعارفه تنتقل إليه نتيجة احتكاكه بمن حوله فى مواقف الحياة الاجتماعية المختلفة.
فالطفل أثناء عملية نموه يكتسب أنماطاً من السلوك نتيجة تفاعله مع أفراد أسرته أو مجتمع الدراسة أو النادى وخلافه .. وفى جميع مراحل الحياة يكون فى حاجة إلى الموجه الذى يوجهه ويأخذ عنه، فأحيانا يكون الأب أو الأم وأحياناً أخرى يكون المعلم وربما أى شخص يظن فيه الانسان القدرة على النصح والتوجيه وهداية السلوك. ومن الخطأ الظن أن الإنسان يمكن أن يستغنى عن القدوة فهو كائن اجتماعى يتأثر بالمجتمع، ومن الخطأ المبين الظن أن الأخلاق الفاضلة والسلوك المستقيم للفرد والمجتمع تتحقق بمجرد سن القوانين وتوقيع العقوبات، وإنما يلزم مع ذلك وجود القدوة الحسنة فى مختلف مجالات الحياة الاجتماعية.
لذلك يجب أن تحرص القيادات على أن تكون مثالاً للقدوة الطيبة فى الحفاظ على الوقت والانضباط فى العمل، والصدق فى القول، والحفاظ على المال العام. فالأخلاق الفاضلة دعاية صامتة أما إذا اتصف سلوك القيادة بالغش والخداع وعدم المطابقة بين القول والعمل، فإن هذا سيؤدى إلى إشاعة مناخ من الإحباط لدى الشباب بما يعيق نمو شعورهم بالولاء والانتماء للمجتمع.

رابعاً : آفاق جديدة لمشاركة الشباب فى قضايا الوطن
يعد التعليم المدنى أحد القضايا بالغة الأهمية مع بداية القرن الجديد لاعتبارات اقتصادية واجتماعية وثقافية عديدة وهو يعنى التعليم السياسى أى التشكيل الثقافى بغرض تكوين
المواطن المشارك فى نظام حكم صالح بكل شروطه ومقوماته، وتنبع هذه الأهمية من عدة ظواهر لعل فى مقدمتها.. العولمة بكل الفرص والمخاطر التى تطرحها ومناخ الأزمات المتشابكة وضرورات إدارة التغيير ـ الأمر الذى يملى حتمية التركيز على بناء وقدرات وتنمية مهارات الإنسان الذى يستطيع أن يتعامل بذكاء واقتدار مع كل هذه التحديات.
ومثلما ننادى باستثمار الثورة العلمية التكنولوجية والاسراع بمعدلات التنمية الشاملة والمتواصلة وإيجاد طبقة جديدة من المستثمرين الجدد وشباب رجال الأعمال، لابد أيضا من تدريب أبنائنا وبناتنا على المشاركة الواعية والسلوك الرشيد كمواطنين لهم حق المشاركة فى الانتخابات والحياة العامة واختيار الحكام والمفاضلة بين السياسات المطروحة، بل وبذل مجهود عملى لإنجاز التنمية الذاتية والنهضة الوطنية، لأن التنمية والاستثمار وتحسين الانتاجية وثمار التقدم مهددة فى حالة غياب نظام سياسى ديمقراطى يضمن توسيع المشاركة فى صنع القرار وحرية الاختيار القومى.
فالتعليم السياسى فى مفهومه المعاصر بهدف تنمية المجتمع المدنى ليس تعليماً حزبياً وإنما يقوم على التعددية الثقافية والدينية والاجتماعية، وهو بمثابة دعوة مفتوحة للمشاركة فى الشئون العامة فكراً وقولاً وعملاً بهدف تأمين الوحدة الوطنية.
والواقع أنه فى المجتمعات المعاصرة يلعب نظام التعليم دوراً محورياً فى إعداد النخبة السياسية وتأهيل حكام الغد من القيادات والمرؤوسين .. وتتوقف أبعاد هذا الدور على غاية العملية التعليمية فى مختلف المراحل وعلى امتداد سنى الدراسة من الطفولة فالصبا حتى الشباب فى إطار فلسفة النظام السياسى.
فقد تكون الغاية هى تخريج الموظفين والفنيين وقد تتسع لتكوين وإعداد المواطن الراشد والانسان الايجابى. كل ذلك من منطلق أن التعليم الذى نعنيه أوسع بكثير من مفهوم التعليم المدرسى والجامعى ليشمل الثقافة والاعلام والتدريب والصحة والرعاية وكل صور التنمية البشرية بل والتنمية السياسية التى تشمل تقاليد الحكم والممارسات الدستورية ومستوى المشاركة الديمقراطية والمساهمة فى التنمية.
وجدير بالذكر أن التعليم المدنى أو التعليم السياسى للشباب ليس مسئولية مؤسسات التربية والتعليم كالمدارس والجامعات ومراكز الشباب فقط، بل انه يمتد إلى جميع المنظمات التى تشارك فى التنشئة السياسية للمواطنين مثل الأسرة والنادى ودور العبادة والخدمة العسكرية، وأجهزة الاعلام والمنظمات الأهلية التطوعية.
ومن جهة أخرى فإن آفاق التعليم السياسى الذى يستهدف تنمية فعاليات المجتمع المدنى الجديد الذى نحاول ارساءه بدلاً من المجتمع التقليدى العسكرى الموروث ـ يشمل العديد من الاهتمامات والمسئوليات التى يتوجب على الشباب فتيات وفتيان القيام بها ـ مع الأخذ فى الاعتبار توسيع مفهوم العمل السياسى والمشاركة الشعبية ـ لتشمل فى ظروف الاقطار النامية أهمية بث روح الخدمة العامة والعمل التطوعى لدى الشباب وهكذا تشمل قائمة مهام التعليم المدنى والعمل الاجتماعى أنشطة عديدة مثل :محو الأمية وترشيد المستهلك وحماية البيئة ، وقيد المواطنين فى جداول الانتخابات والتنمية المحلية وأصدقاء السائح وحملات النظافة وهناك ايضا العديد من القضايا الأخرى مثل قوافل العلاج التى تخدم العشوائيات والريف والتدريب على مهارات العصر وتنظيم الرحلات الترفيهية من خلال أعرف بلدك.
كما يزخر العمل التطوعى والعام بكثير من مناحى النشاط مثل القرية المنتجة والتعاون مع المحليات ومعسكرات الجوالة والكشافة وكذا مشروعات التخلص من القمامة وتجفيف البرك وتطهير الترع والمصارف ومكافحة الذباب وتشجير الشوارع ومشروعات التنمية المحلية مقابل أجور رمزية يوفرها رجال الأعمال.(وغير ذلك من الأنشطة التى سيرد ذكرها فى الملحق).
إن التعليم المدنى هو الباب المفتوح أمام شبابنا لتأهيلهم للقرن الجديد وإعداد مجتمعنا للنهضة الوطنية. وفى هذا الإطار نؤكد على أهمية الانتقال بالتعليم من مرحلة التلقين إلى مرحلة الممارسة فأذكر أننى خضت تجربة شخصية خلال تدريسى لمقرر العلوم السياسية لطلاب الجامعة فى كليات مختلفة حيث تبين لى عدم جدوى الاعتماد على التلقين واستظهار المقرر الذى يتحدث عن الانتخابات والمشاركة والحقوق والحريات السياسية دون ممارسة يومية أو تدريبية لها. فكان أن كلفت الطلاب كجزء من الواجبات الأكاديمية قيد أسمائهم فى جداول الانتخابات حين بلوغهم سن الثامنة عشر. كما قاموا أيضاً بالزيارات الميدانية للمجلس الشعبى المحلى والاتصال الشخصى بأعضاء البرلمان وإجراء الاستطلاعات المبسطة للتعرف على اتجاهات الرأى العام تجاه القضايا المختلفة.
وقد ثبت من إجابات الطلاب وتجاربهم الشخصية أن العقبات الإدارية والقيود البيروقراطية وموقف موظفى السجل المدنى تشكل صعوبات جمة أمام المشاركة الديموقراطية، وبالتالى تحتاج اصلاحاً عاجلاً والأهم همة عالية لدى الشباب تقوى من تصميمهم على اقتحام الجديد وأخذ زمام المبادرة فى العمل السياسى. وقد استعان الطلاب بالنماذج المرفقة لإجراء بحوثهم الميدانية التى أتاحت لهم خبرة عملية أعمق بالواقع المحلى والوطنى. (انظر الملحق المرفق كتدريب على التعليم بالممارسة).
وهنا يثار سؤال أساسى :
ما هى المجالات التى يستطيع الشباب أن يقتحمها للمشاركة بجهده وفكره وعقله وعرقه ؟
وإذا تهيأت مقومات المشاركة الناجحة أمام الشباب :
·
فتوفرت قاعدة بيانات أولية تفيد فى توضيح كيفية التعامل معه.
·
وتمت دراسة المنظمات والمؤسسات التى تعمل فى مجال الشباب ومبيناً إيجابياتها وسلبياتها.
·
وأحطنا الشباب علماً بقضايا مجتمعه.
·
وسعينا فى اتجاه تلبية احتياجاته وحل مشاكله.
·
واعتمدنا على أسلوب الحوافز المادية والمعنوية لشحذ همته وحفز طاقته.
·
وأوجدنا نموذج القدوة الذى يمكن أن يحاكيه الشباب.
·
على ضوء ذلك كله : ماذا عساه أن يفعل ؟ وما هى المجالات التى يمكن أن يشارك فيها الشباب ؟
هذا ما سوف نوضحه من خلال النقاط التالية :
1 -
المشروع القومى للشباب :
ينبغى استثمار طاقات أولئك الذين لا يذهبون إلى الخدمة العسكرية لسبب أو لآخر. وايجاد المشروع القومى للشباب الذى يقوم بتجميع هؤلاء الشباب تحت راية وزارة الشباب والرياضة وتوجيههم للعمل فى مشروعات خدمة الوطن.
وبناء على ذلك تتحول مراكز الشباب فى المدن والقوى الى خلية نحل، وعلى ضوء احتياجات المدينة أو القرية أو الحى يوزع الشباب إلى مجموعات أو تشكيلات تتولى كل مجموعة منها عملاً معيناً : فهذه تنظف منطقة ، وتلك تشجر طريقاً ، وأخرى تستصلح ارضاً ورابعة تمحو الأمية.
وينبغى فى النهاية أن نقوم بعملية تقويم للجهد المبذول، ونمنح المجيدين منهم الحوافز المادية والمعنوية. ومن الممكن تقديم الثقافة السياسية لهؤلاء الشباب وهو يعمل فى خدمة الوطن (ثقافة واقعية قائمة على الممارسة).
2 -
كتائب العمل فى زوايا تخصصية :
تعد جامعاتنا الشباب لأداء أدوار معينة، ويا حبذا لو اعتبرنا جهودهم فى الخدمة الوطنية والتطوعية من مشروعات التخرج بحيث يقومون بأعمال تدخل ضمن صميم تخصصاتهم.
فهذه كتائب الصحة لطلبة الطب والتمريض تنطلق تحت إشراف أساتذتهم لتزاول الارتقاء لوطنها من خلال علاج غير القادرين فى المدن والقوى والمستشفيات. وهذه كتائب التربية والتعليم لطلاب كليات التربية تمحو الأمية وتقدم الشرح والتفسير فى نواحى معرفية لغير القادرين. وهذه كتائب التعمير لطلبة الهندسة والفنون ترصف طريقاً أو تساهم فى بناء مدرسة. ويمكن أن تجمع هذه المعسكرات أو الكتائب بين تقديم الخدمة التطوعية والترفيه إلى جانب تقديم الثقافة السياسية الواقعية من خلال نماذج المشاركة.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 142 مشاهدة
نشرت فى 2 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

274,411