authentication required

 

كما أن دخول الفئات الاجتماعية الدنيا ، من عمال وفلاحين، الي الساحة السياسية أتاحت فرصة أكبر لزيادة نوع معين من الأحزاب ، وهي الأحزاب الاشتراكية بألوانها المختلفة الثورية (التي تسعي الي تغيير جذري وتؤمن غالبا بالماركسية أو الشيوعية ) والاصلاحية (أي التي تسعي الي اصلاحات في اطار النظام الرأسمالي وتحقيق عدالة اجتماعية دون تغيير هذا النظام) . ولكن هذا التطور يرتبط بالطريقة الثانية (نشأة الأحزاب) ، والتي سنتحدث عنها لاحقاً .
والمهم هنا هو ان التطور التاريخي للنظام الديمقراطي في أوروبا كان يسير في اتجاه يدعم أهمية الأحزاب السياسية ويحفز علي انشائها من خلال التوسع التدريجي الذي حدث في حق المشاركة في الانتخابات أو حق الاقتراع (التصويت).
وقد أخذ التطور في اتجاه إنشاء الأحزاب السياسية طابعا تدريجيا ايضا في معظم الأحيان، حيث كانت اللجان الانتخابية خطوة في هذا الاتجاه ، سواء كانت لجانا تضم أعضاء في المجالس النيابية وتأخذ صورة تكتل برلمانى ، أو كانت لجانا تشكل حول شخص واحد بهدف تأييد انتخابه أو اعادة انتخابه .
فكلما اتسع نطاق حق الاقتراع ، كلما اصبح المرشح في حاجة الي جهد جماعي والي فريق عمل لمساعدته في حملته الانتخابية التي كانت تقتصر - قبل ذلك - علي لقاءات مع رموز الفئات الاجتماعية العليا .
ولكن تدل الخبرة التاريخية من أن اللجان الانتخابية التي مثلت امتدادا لتكتلات برلمانية كانت أكثر قابلية للتحول الي أحزاب سياسية ، مقارنة باللجان الانتخابية التي كانت تدور حول مرشح فرد أو شخص واحد والتي إمكانات تحولها الي أحزاب كانت أقل .
فما أن تتشكل لجنة انتخابية لدعم بعض أعضاء تكتل برلماني معين حتي تزداد احتمالات تكوين حزب سياسي. وفي هذه الحالة (حالة النشأة الانتخابية والبرلمانية للأحزاب) ، تكون الاعتبارات الانتخابية علي رأس أولويات الحزب السياسي الذي يسعي - أول ما يسعي - عند انشائه الي ايجاد لجان انتخابية في المناطق التي لا توجد له لجان فيها . ولكن مع مضي الوقت، يتوازن أداء الأحزاب ذات النشأة الانتخابية والبرلمانية، ويشمل مختلف الوظائف التي يفترض أن يقوم بها الحزب السياسي، والتي سنتعرض لها لاحقا .
ثانيا : النشأة الخارجية للأحزاب :
يقصد بالخارجية هنا أنها خارج اطار المجالس النيابية أو البرلمانات من ناحية وليست مرتبطة بالعمليات الانتخابية ارتباطا مباشرا من ناحية أخرى، وأن يظل هناك ارتباط بدرجة ما لأن الهدف الأساسي لأي حزب سياسي - أياً كانت طريقة نشأته - هو الوصول الي السلطة أو المشاركة فيها عن طريق الانتخابات .
ولذلك تمثل الانتخابات أهمية خاصة لأي حزب سياسي ، ويدور حولها قسم كبير من أنشطته ومهامه . فالحزب دائما - أو هكذا هو المفترض - إما يخوض انتخابات أو يستعد لخوض انتخابات . فما أن تنتهي الانتخابات ، وبغض النظر عن فوز الحزب فيها أو هزيمته حتي يبدأ في الاستعداد للانتخابات التالية. ولا يختلف في ذلك الحزب ذو النشأة البرلمانية والانتخابية عن الحزب الذي يقال عنه أنه ذو نشأة خارجية .
ولذلك لا يوجد خط فاصل بشكل حاسم بين النوعين أو بين الطريقين المشار اليهما في نشأة الأحزاب. فالأحزاب ذات النشأة الخارجية تولي الانتخابات أهمية لا تقل أبداً عن الأحزاب ذات النشأة الانتخابية .
وتعتبر الجمعيات الثقافية والنقابات والنوادي والصحف أهم منابع النشأة الخارجية للأحزاب، أي النشأة التي تتم خارج اطار المجالس النيابية والعمليات الانتخابية بشكل مباشر.
فالأحزاب ذات النشأة الخارجية تتكون بفضل مؤسسة قائمة ولها نشاط خارج عن البرلمان وعن العمليات الانتخابية، أو بمبادرة من أفراد أو هيئات سياسية أو فكرية .
والملاحظ أن الأحزاب ذات التوجهات الاشتراكية تكون عادة ذات نشأة خارجية ، حيث كان تكوين الكثير منها في الدول الأوروبية مرتبطا بتطور العمل النقابي ، وإن كان أهم هذه الأحزاب وأقدمها (حزب العمال البريطاني) نشأ بفضل جمعية ثقافية فكرية هي (الجمعية الفابية) الشهيرة التي تبنت أفكارا اشتراكية اصلاحية .
كما لعبت الجمعيات التعاونية الزراعية والتكتلات الحرفية للفلاحين دورا مهما في النشأة الخارجية للأحزاب في أوروبا ، حيث ساهمت مساهمة أساسية في تكوين أحزاب زراعية . ورغم أن هذه الأحزاب الزراعية كانت أقل نموا من الأحزاب العمالية، إلا انها كانت فعالة في عدد من الدول الأوروبية وخاصة البلاد الاسكندنافية وكندا .
ولم تكن (الجمعية الغابية) في بريطانيا هي الحالة الوحيدة التي تدل علي دور الجمعيات والحركات الثقافية في النشأة الخارجية للأحزاب السياسية فقد لعبت منظمات طلابية وتكتلات جامعية أدوارا مؤثرة في تأسيس بعض الأحزاب السياسية، وخصوصا الاشتراكية أو اليسارية التي تعني بالقضايا الاجتماعية بوجه عام .
كما ساهمت الجمعيات الماسونية في إنشاء بعض الأحزاب وخصوصا في فرنسا وبلجيكا.
ولكن شرط نجاح الجمعية الثقافية أو الفكرية في تأسيس حزب سياسي هو أن تكون أفكارها قادرة علي اجتذاب حد أدني من الجمهور ، وإلا أصبح الحزب أقرب الي حلقة فكرية أو فلسفية. وكثيرة هي الحالات التي فشلت جماعات ثقافية أو فكرية في تأسيس أحزاب ذات وزن .
ولكن أشهرها في العقود الأخيرة الفشل الذي مني به الفيلسوف الفرنسي الشهير جان بول سارتر ، وهو أحد أبرز فلاسفة الوجودية ، عندما سعي الي تحويل ندوته الفكرية الي حزب سياسي يحمل إسم (التجمع الديمقراطي الثوري) .

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 100 مشاهدة
نشرت فى 2 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

272,898