قضايا تربوية
الماسنجر وغرف الدردشة
البحث عن الصديق الإفتراضي الإلكتروني
والعالم الوهمي في الكمبيوتر عبرالإنترنت
بقلم:
أ. د/ مراد حكيم بباوي
أستاذ المناهج وطرائق التدريس المتفرغ
رئيس قسم التكنولوجيا .س
المركز القومي للبحوث التربوية والتنمية
استفد من ميزة محادثات الفيديو، استفد من مزايا تحسينات سهولة الاستخدام مثل تجميع قائمة جهات الاتصال، وقوائم جديدة على أساس المهام، ورموز مشاعر جديدة رائعة ... حمل إصدار من Windows Messenger يعمل مع كلٍ منNET Messenger Service وخدمة الاتصالات ...ويعدMessenger سهل الاستخدام، كما يوفر جودة صوت وفيديو عالية, كما يمكن ابداعات شيقة وجديدةمع الكثير من المنتجات والخدمات الأخرى التي تستخدمها كل يوم، ومنه ما يعد جزءاً منWindows XP Professional وWindows XP Home Edition... بهذا يغري الشباب لاستخدام الماسنجر بالكمبيوترمع بساطة تحميله ، وأمكاناته الأتصالية المميزة المجانية، كما تتاح غرف الدردشة والرسائل الإلكترونية غير المكلفة.
إن الماسنجر وغرف الدردشة هما مجالان للإتصال عبر الإنترنت، مع وجود فروق في الوظائف والاحتياجات من هذه الاتصالات، فالماسنجر ربما يتحدد بالاتصال بمن نحمل عناوينهم في البريد الإلكتروني E-mail ،أو من ندعوهم للحديث في المشاركة في الفيديو كونفرانس وهو ما يلجأ إليه ـ في رأيي ـ كثير من الجادين في الاتصال لأي سبب، ولكن غرف الدردشة تشبه الجلوس على المقاهي فالأحاديث ليس لها هدف إلا الرغبة في تفريغ شحنات المناقشين وإتسام أحاديثهم بالسفسطة وإلقاء الألفاظ دون ضابط ولا رابط لاعتقاد من في غرفة الدردشة أنهم غير مراقبين كما أنهم يتحدثون مع أشخاص لا يعرفونهم إلا من خلال رموز وأسماء وهمية، ويلجأ إلى غرف الدردشة كل من يخاف المواجهة والمسؤولية لأنه ليس على المدردش حرج ولا يدري أن غرف الدردشة والماسنجر يخضعان لرقابات الشركات التي تتيح هذه البرامج وهناك استفادات اقتصادية وسياسية وعلمية وراء إتاحة الفرصة لأحاديث البشر فمن يتكلم أكثر يفصح بأسرار أكثر، فكلنا نعرف المثل القائل "لسانك حصانك إن صنته صانك وإنهنته هانك"... بشيء من الفطنة يجب أن نسأل أنفسنا لماذا تطرح هذه البرامج بالمجان؟
ومن الدوافع والأسباب وراء هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة، هي العولمة ورفع الحواجز بين الدول والتي أحدثتها علوم الاتصالات بثورتها فقد تخطت حواجز الزمن وأخترقت كونة الإنسان، وتصنتت على دقات قلبه وتجسست على أفكاره وأحاديثه، وحددت رقم وماركة ملبوساته، كماعدت عليه شعر رأسه وحسبت أنفاسه، ومع إمتداد الأرض وزيادة أعداد السكان وزيادة متطلباتهم الاقتصادية والحياتية وغياب دور الأسرة والخطاب الديني في متاهة هذا التوسع، وتفتح الأجيال فكرياً مع عصر السموات المفتوحة، وانتشار شركات التربح فيما وراء الفضيلة والتي تستغل تهافت الشباب في سن المراهقة ومن في حكمهم كالمراهقين في الفكر، لتدفعهم للحصول على رغباتهم المكبوته دون قيود، وفوق رغبات أهلهم وقيود مجتمعاتهم
<!--الدافع للصداقة بين الولد والبنت :
قال حكيم : ليس من الصعب أن يضحي الإنسان من أجل صديق ولكن من الصعب أن يجد المرء الصديق الذي يضحي من أجله، ومن هنا فالصداقة شيء هام ونادر في هذا العصر وكلنا نحتاج إلى الصديق الذي يتسم بالوفاء والأمانة والمحبة والإخلاص والذي ينصت لنا حينما نتكلم أو نعبر ويستجيب لمشكلاتنا ويبادلنا الأحاسيس والمشاعر، ونجده عند الشدائد، والولد والبنت هما الأخ والأخت والإبن والإبنة وهما أبناء العمومة في المجتمع، ونشأة الصداقة بينهما شئ إيجابي وضروري وظاهرة صحية مطلوبة للمشاركة الحياتية فهما شقيَّ الحياة ويتقاسماها ويتنفسا هوائها، ولكن في حدود الأمن المظلل برعاية الأهل والمدرسة ودور العبادة والضمير والحب والتوجيه التربوي والديني الصحيح.
· لماذا يقضي أولادنا معظم أوقاتهم في غرف الدردشة ؟
تلاهي الحياة وانصراف الأهل لمسايرة التطور الهائل في النواحي الاجتماعية والاقتصاديةالمادية والمتطلبات المعيشية، أدى إلى التغير في أيدلوجية المجتمع وكثرة الإنجاب الذي أدى إلى الانفجارات السكانية لدرجة أن هناك الكثير من الأهل والأباء لا يعرفون أسماء أبنائهم، ومشكلات الانفصال والطلاق في الأسر، جعل هناك إنفلات تربوي رفع عن أبنائنا الرعاية اللازمة لبناء وجدانهم ومهاراتهم ومعلوماتهم وخبراتهم المطلوبة للحياة مع فقدانهم للحب والدفئ العاطفي والأسري، لذلك يندفع الأولاد لسد فراغات حياتهم ويبحثون ويكتشفون بأنفسهم ـ في غياب الأهل ـ عما يحتاجون من علم أو لعب أو جنس بما هو مفيد من وجهة نظرهم أوقتل الملل وإثبات الذات، وقد أدت الكثير من العادات والتقاليد العربية، والحرمان العاطفي والجنسي التربوي، إلى إعمال الفكر الخيالي والحلم الجنسي، كأن يرى الفرد محبوبة تناغيه وتلاطفه وتحاوره وتشبع حرمانه، فيندفع إلى أحضان ما يتيحه الكمبيوتر بالفعل كمجال خصب للخيال، ويصبح الصديقة أوالصديق الذي يتيح فرص اللقاء العاطفي المشبع حيث يفتح من خلال برامج الكمبيوتر فرصاً للمحادثة مع الآخر من خلال غرف الدردشة والماسنجر مهما كان نوعه أو جنسيته،والبحث عن وهم الصديق الذي يصنعه لهم الكمبيوتر الذي يتيح لهم محادثة أي أحد يسمعهم ويفرغ كل فرد معه شحنته الإنفعالية ويخلع عليه فخره ومباراته في الحديث
وينسج عليه خيالات فكره، ويحيا الكثيرون في بحر من الخيال المنسوج للإبهار وإثبات الذات وتحقيق الرغبة في الظهور بثوب الجميل (غير المرئي) بالرغم من العيوب والقبح التي ربما يتسم بها المتحدث وخاصة في عدم وجود كاميرا لتصوير الحقيقة... وباستخدام ميكرفون وسماعة وكاميرا فيديو يمكن للخيال أن يصبح حقيقة ويصبح المدردش والمدردشة عاريا الفكر والعقل والجسد، ويذهب العقل وتضعف الإرادة وتزداد الإثارة بالصوت والصورة فتقتل الفضيلة، وخاصة في غياب الاقتناع التربوي والمظلة العائلية، والوازع الديني، والحب والتوجيه الأسري...
<!--الإنترنت إدمان أم حاجة ملحة :
الإدمان يرتبط بالعادة والاحتياج وعدم قدرة المدمن على الخروج من دائرة الشئ المدمن لتسلطه وسلطته، فمع تغلغل الكمبيوتر داخل البيوت ومكاتب العمل وأندية ومقاهي الإنترنت وفي الأحقبة والسيارة، وجاءت العولمة تطرق باب البشر من خلال السموات المفتوحة والإنترنت وهجمة الاتصالات، لتقدم خدمات جليلة للبشر، وتساهم في الإنتاج العلمي والتربوي لكثير من البشر، فقد حلت محل العمالة والأسرة، وساهمت في شغل أوقات الفراغ عند البعض حيث زحمة الحياة وكثرة البشر وتباعدهم، الذي جعل العنوسة الشبابية تتفاقم، وظهرت على الأفق ظاهرة التعامل مع الإنترنت كصديق إفتراضي إلكتروني عبر الكمبيوتر، يجلس إليه الشاب ليجد ضالته النفسية والوجدانية العاطفية حيث ينفس عن رغباته المختلفة، كما يجد الطفل إحتياجاته من أدوات تسلية وألعاب مثيرة من أشكال وصور وأفلام وألوان وموسيقى وحركة ترضي ذاته، وتتحدى قدراته وتعوضه ما يفقده من حنان الأهل الذين يعترضون على سلوكه وتصرفاته واتهامه بالشقاوة وهذا ما لا يجده الطفل والشاب من اعتراض عند معاملة الصديق الغائب الحاضر المتمثل في الإنترنت... فيلجأ كل منهم لسد احتياجاته الملحة بإستمرار حتى تصبح لهم عادة اللجوء إلى منافذ الإنترنت المنفثه لمكبوتاتهم... ولايمكن أن نسمي هذا إدماناً لأنه يمكن التخلص من التعامل مع الإنترنت والكمبيوتر عند ظهور مثيرات حياتية جديدة ومؤثرة بشكل أقوى كوجود تيار عاطفي أو اقتصادي مادي في صورة عمل يستنفذ كل طاقات الفرد فينحو نحوه.. والبقاء للأصلح والمفيد.
<!--التأثير على النفس والسلوك:
السلوك أداء يقوم به الإنسان وفقاً لرغباته لتأدية عمل معين بناء على عوامل نفسية وجدانية تنطلق من خلال ما أكتسبه من خبرات حياته في البيت والمدرسة ودور العبادة، وإدمانه على شئ يعني خروجه عن النظم المعمول بها في مجتمعه ليتعامل بأنانية مع رغباته التي ربما يكون المجتمع والأهل أحد هذه الأسباب، ومن هنا يبرز دور المجتمع والأسرة في حصانة الشباب من أخطار العولمة المتلاحقة وتطعيمه بالفكر المتفتح للجوء إلى إيجابياتها ومواجهة سلبياتها بوضع ضوابط تنظيمية واللجوء إلى الكمبيوتر عند الضرورة.
· لم يقبل الشباب والفتيات على غرف الدردشة والماسنجر :
في الحقيقة أن بعض الأسر المتحفظة توجه نظر أبنائها لاستخدام الماسنجر لأنه محدد بعناوين أشخاص محددين بالبريد الإلكتروني مثل الياهو أو الهوتميل ويمكن الاستفسار من أولادنا عن شخصياتهم، أما في غرف الدردشة فالحوارات بالرغم من وجود عناوين للدخول إلا أنه سهل دخول أفراد لا نعرف هويتهم، ويفضل الأولاد استخدامها في غياب الرقابة للحوار بدون ضابط ويلاحظ أن الكثيرين في الغرف يفعلون مايريدون بعيداً عن السلطة أو المراقبة الأسرية. أما على أيهما يقبل الشباب فهذا يحتاج لبحث إحصائي يكون من ضوابطه خواص المجتمع وسمات الشعب ومنظومة التربية وأساليب التعليم وهو ما يختلف من مجتمع لآخر تبعاً لأيدلوجية المجتمع ذاته.
<!-- إيجابيات وسلبيات الإنترنت:
من الإيجابيات الهامة في الإنترنت أنه عبارة عن مكتبة طائرة محملة بالمعرفة والعلم والثقافة شاملة مدعمة بالوسائط المتعددة والمثيرات العلمية التعلمية في شتى مجالات الحياة.. وهي عظيمة الفائدة في مجال التعليم والتربية بشكل عام.
ومن جهة أخرى يعرض الفتاه والفتى صورتهما طمعاً في فارس الأحلام دون معرفة للكينونه، أو الهوية أو الموطن.. طلباً في الإرتباط وليس السكنى العاطفية أو الأسرية.. مواصفات وسير ذاتية شاملة الأحلام والآمال يسردها الفتيان والفتيات، وأين حقيقة المعروض عبر الأثير، هل الصدق مصدرها؟
ربما يجد كل من الفتى والفتاة ضالتهم المادية المنشودة، في خضم سراب المغريات والمثيرات، والتي ربما يغلفها الكذب، ولكن أين التعاطف والتراحم والحب الذي يجمع الأحاسيس في لقاء مباشر، ويقرب العاطفة مدعماً بالإعجاب والتأكد من صدق المشاعر.. فحيثما يذهب المال يزداد الحب رسوخاً وهو ما لم يقدر على تحقيقه الزواج من خلال الإنترنت... ويعتبر هذا أحد سلبيات استخدام الإنترنت.
وكلمة في أذن الأباء... التكنولوجيا من الأساسيات الهامة في عالمنا الأن ، وهي قوة دافعة ومستقبلية ومن الصعب توقف الزمن، أو الحد من الزحف البركاني الهائل له، فهل من أحد يمتلك القدرة على التصدي لإنهيار جبل جليدي، أو إندفاع حمم لإنفجار بركاني، ألهم لايشفع إلا اللجوء للتضرع لله أن يحفظ من الأخطار، ومحاولة إعمال العقل واستخدام الذكاء في محاولة للتصدي للمشكلات التي تواجهنا بخبرة وحنكة، حتى نتفادى أكبر قدر من الخسائر المتوقعة.
لذلك تصبح التربية سبيلاً لإكساب الفرد القدرة على مواجهة المشكلات البيئية والحياتية المتلاحقة، ويصبح التعليم ذو معنى عندما يستخدم للخير والحق والجمال كما يصبح سلاحاً ضد الوهم والفقر الفكري.
لذا لا تحرموا أبنائكم من حنانكم ولا من الدنو منكم، لأنهم عندما لا يجدون عندكم إحتياجاتهم سوف يبحثون عنها وسط الزحام في مكان آخر، فيصطدمون برفقاء السوء ويجدون عندهم ضالتهم كما يجدون ما حرموا منه بالصوت والصورة والفيديو وما يصاحب ذلك من مؤثرات المالتيميديا ،من صداقة وجنس ومزاج الوهم ومتعة تعاطي المحرمات وربما السلوك الانحرافي من الكذب والنصب والسرقة.. فأحتضن أبنائك، واجعل إبنك وإبنتك يتحدثا ويتحاورا معك وأستمع إليهم جيداً لتتمكن من بث رأيك في أي قضية تهمهم وتهمك في الوقت المناسب ، و أتح لهم التحدث عبر الماسنجر والإنترنت، وأن يستخدموا الكمبيوتر في البيت وأمام أعين الأهل (دون أن يلحظوا أنهم مراقبين)، واجعل الكمبيوتر دائماً في مكان يمر منه الجميع وليس في غرفة مغلقة توحي بممارسة الشر والانحراف ، وأمنحوا أبنائكم الثقة والحرية المقننة المشمولة بالتوجيه التربوي، وتبصيرهم بخصائص العمل الإيجابية على الإنترنت من محاسن ومميزات علمية وتربوية وثقافية للأستفادة منها، والأخطار السلبية لتلافيها، بمحض إرادتهم.
ومن حسن الحظ أن بعض الحكومات وخاصة في البلاد العربية، قد تنبهت إلى وجوب مواجهة بعض شرور الإنترنت والخاص بالمواقع التي تبث الرذيلة القاتلة لأخلقيات أبنائنا، وذلك بما تتيحه تكنولوجيا الكمبيوتر ذاتها وهي من خلال وضع (حائط ناري Fire Wall ) لمنع تدفق الموضوعات الإباحية، ولكن تبقى قضية المسؤولية الكبرى للمجتمع والأسرة والمدرسة ودور العبادة المتمثلة في "عمليات التربية" وتهذيب الأخلاق، فهما من العوامل الهامة التي لاغنى عنهما لتغيير وتحصين "سلوك" الأبناء والتي لن تقدر الحكومات أو التكنولوجيا ذاتها على التصدي له، وهو الدردشة السوداء في الغرف الخفية عبر الإنترنت والماسنجر .