الموضوع: آراء مهدي المخزومي في تيسير النحو(قراءة في المصطلح)
أ ـ تقديم:
تكتسي جهود مهدي المخزومي(1930م-1993م) في تيسير النحو أهمبة بالغة،كونها تصدر من عالم بشهد له بالتخصص في النحو العربي ، فقد اشتغل بتدريسه عقودا من الزمن ،وتسابقت أعرق المدارس من أجل ضمه للتدريس في مدرجاتها، وألف في النحو مؤلفات قيمة،نالت كثيرا من التقدير ، وأثارت نقاشا هاما ،بل إن المخزومي نال جائزة أحسن كتاب في النحو عن سنة 1966م عن كتابه (في النحو العربي:نقد وتوجيه)،من قبل جمعية الكتاب ببيروت،ونال جائزة الحكومة السعودية للأعمال الراقية عن كتابه (في النحو العربي:قواعد وتطبيق)، وله مؤلفات أخرى في النحو العربي ومدارسه أهمها :الفراهيدي عبقري زمانه ـ الدرس النحوي في بغداد ـ أعلام في النحو ـ الخليل وأعماله ومنهجه ـ مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة اللغة والنحو، وقام بتحقيق معجم العين للفراهيدي بالاشتراك مع الدكتور إبراهيم السامرائي في سنة 1980م.
ولم يكن المخزومي أول من نادى بتيسير النحو وتجديده بل سبقه علماء وباحثون في القديم وفي العصر الحديث، منهم الزمخشري(ت538هـ)صاحب كتاب المفصل في صنعة الإعراب، وقد نهج في منهجا علميا يسهل الدراسة على المعلم والمتعلم، وابن مضاء القرطبي (ت592هـ) الذي( وجد مادة العربية تتضخم بتقديرات وتأوبلات وتعلبلات وأقيسة وشعب وفروع وآراء لا حصر لها، ولاغناء حقيقي في تتبعها، أو على الأقل في تتبع الكثير منها فمضى بهاجمها في ثلاثة كتب هي المشرق في النحو ، وتنزيه القرآن عما يليق بالبيان ، وكتاب الرد على النحاة "1"
وقام آخرون بجهود محمودة قامت على إصلاح ما اضطرب في مسائل التبويب والمصطلح النحوي حيث يمكن القول :( إن نحو ابن مالك وأبي حيان وابن هشام أكثر تهذيبا وأتقن تفصيلا وتبويبا منه في العصر الخالي) "2"
وفي العصر الحديث كثرت الدعوات وتطورت ،بعضها ينادي بالتيسير ،وبعضها بالتجدبد ،وأخرى تنادي بالإحياء، ولعل أبرزها دعوات مصطفى إبراهيم في كتابه إحياء النحو، وشوقي ضيف في كتابيه
تجديد النحو وتيسير النحو،وآخرون منهم ساطع الحصري،وتمام حسان ،وإبراهيم السامرائي،وأنيس قريحة،وعبد الرحمن أيوب.
ولم تقتصر دعوات التيسير على الأفراد بل امتدت إلى بعض الحكومات العربية التي أقامت ندوات ومؤتمرات لهذا الغرض .
ب ـ خلاصة مشروع المخزومي النحوي:
1 ـ الدعوة إلى إلغاء نظرية العامل "3" وما يرتبط بها من أبواب كالتنازع والاشتغال والإعراب المحلي والإعراب التقديري.
2 ـ ربط النحو بالمعنى وليس بالإعراب أو بالشكل "4"
3 ـ يرى المخزومي أن النحو لا يتأتى إلا بالعناية بمختلف مستويات التحليل اللغوي وإدراكها "5"
ومن ثم فإن التخصص اللغوي يجب أن يكون من أولى اهتمامات الباحثين.
4 ـ برى المخزومي أن الحركات الإعرابية من عمل اللغة وليست آثارا لعوامل "6"، أي الفصل بين دلالات الحركات الإعرابية ونظرية العامل.
5 ـ دعا المخزومي إلى تبني منهج علمي لغوي لتنظيم البحوث والأبواب النحوية،عن طريق التصنيف والتبويب والتفريع.
6 ـ يرفض التقسيم الشكلي الشائع الذي اعتمده النحاة القدامى للكلام العربي ، المبني على ثلاثة أقسام ( اسم وفعل وحرف)،واقترح تقسيما رباعيا يقوم على فعل واسم وأداة وكنايات "7"
7 ـ يرى المخزومي أن النحو دراسة وصفية تطبيقية ويجب أن لا تتعدى ذلك "8"
8 ـ وضع المخزومي مصطلحات للنحو بعضها جديد وبعضها من التراث العربي،( من أجل بناء نحو جديد لا نحس فيه بأثر العامل ولا نلوك فيه مصطلحات غربية، أقحمت في النحو إقحاما) "9"
9 ـ ينادي المخزومي بأن يكون موضوع الدرس النحوي الجملة وما يعرض لها من ظروف قولية، وما يعرض لأجزائها من عوارض "10"
10 ـ يرى الباحث أن المقام والسياق لهما دور هام في التبليغ والتواصل و( لن يكون الكلام مفيدا
ولا الخبر مؤديا غرضه ما لم يكن حال المخاطب ملحوظا) "11"
11 ـ رفض تقسيم الجملة إلى اسمية وفعلية وظرفية كما هو الشأن عند القدامى ،ورأى أن الجملة الظرفية هب جملة تتأرجح بين الاسمية والفعلية. "12"
12 ـ يقول المخزومي في تعريف الجملة الفعلية : (هي الجملة التي يدل فيها المسند على التجدد ,
أو التي يتصف فيها المسند إليه بالمسند اتصافا متجددا، وبعبارة أوضح هي التي يكون فيها المسند فعلا ) "13"
وانطلاقا من التعريف السابق عد المخزومي جملة البدر طلع جملة فعلية مخالفا النحاة الذين عدوها جملة اسمية بناء على التفريق اللفظي المحض.
13 ـ يرى المخزومي أن الأفعال كلها مبنية ، وأن العلامات في آخر الفعل المضارع المعرب ليست علامات إعرابية وإنما لتمييز زمن الفعل وتخصيصه "14"
14 ـ دعا المخزومي إلى عدم المغالاة في التأويل النحوي الذي من مظاهره فكرة الإضمار "15"
ج ـ أهم المصطلحات النحوية التي اقترحها المخزومي في مشروعه النحوي:
1 ـ الأداة :هو اصطلاح أطلقه المخزومي على القسم الثالث من أقسام الكلام وهو ما كان يريد به سيبويه الحرف، والأداة كما هو معروف مصطلح كوفي ، ويعرفها المخزومي بأنها ما لا يدل على معنى إلا في أثناء الكلام " 16" ومن أمثلة الأدوات ( هل) التي يقول عنها إنها أداة تستعمل في الاستفهام ، ولكن الاستفهام لا يتحقق إلا إذا استعملت في جملة.
وقد بين المخزومي أن الأدوات في العربية تنتظم في مجموعات ، تشترك في دلالة عامة وتختلف فيما بينها من الاستعلامات الخاصة ولذلك وجب دراستها في مجموعات ولبس منفردة ، ورأى أنها لا تعمل ولا تؤثر في ما بعدها ، بل إنها تعبر عن المعاني العامة التي تطرأ على الجمل مما يقتضيه حال الخطاب ومناسبات القول.
2 ـ الفعل الدائم : وهو اسم الفاعل عند النحاة القدامى ، وعند المخزومي يحمل معني الفعل حيث يقول عنه: ( هو فعل في معناه وفي استعماله إلا إنه يدل في أكثر استعمالاته على استمرار وقوع الحدث ودوامه ) "17"
وهذا التعريف الذي يتبناه المخزومي أخذ به الكوفيون حيث ( إن الزجاجي أيد الكوفيين بوجود فعل للحال سماه الفعل الدائم وهو صيغة ( فاعل)إذا استعملت مع ضمائرها في الكلام ، ولعلهم قالوا بذلك لما لمحوا في هذه الصيغة من دور وظيفي يشبه دور الفعل ). "18"
ويرى الساقي أن صيغة (فاعل) تختلف عن الفعل شكلا ووظيفة ،ويقول : ( الفعل معناه الحدث والزمن وهذه الصيغة معناها الموصوف بالجدث ، والزمن في الفعل هو وظيفته الصرفية وهو زمن صيغي بينما الزمن في صيغة( فاعل ) زمن نحوي يستفاد من السياق وتحدده القرائن القولية والسياقية,هذا على مستوى الوظيفة,أما على مستوى الشكل فإن هذه الصيغة لا تقبل علامة شكلية واحدة من علامات الفعل ) "19"
ولما كان اسم الفعل يشبه الاسم من حيث اللفظ ،ويشبه الفعل من حيث المعنى، اقترح الساقي20 إطلاق مصطلح القرين على اسم الفاعل واسم المفعول وأفعال المبالغة.
3- لام التوكيد : وهي اللام التي يسميها البصريون لام الابتداء التي تدخل على المبتدأ ، وهي تكون مع جملة القسم ، وذكر المخزومي أن الكوفيين يسمونها لام القسم وقد وافقهم على هذه التسمية."21"
4 ـ الفاعل الإرادي والفاعل اللاإرادي : يرى المخزومي أن الجرة في قولنا ( كسرت الجرة) ليست هي الفاعل بنظر العقل ، ومع ذلك لم يستعمل مصطلح نائب الفاعل، بل وضع له مصطلحا آخر هو الفاعل اللاإرادي ،وأما الفاعل فسماه الفاعل الإرادي,
5- فعل الفاعل الذي لا اختيار له : وهو الفعل المبني للمجهول أو المعروف ب ( ما لم يسم فاعله ) عند النحاة القدامى."22"
6- الجحد : استعمل المخزومي هذا المصطلح في مكان مصطلح النفي.
7ـ النعت والصفة : استعمل المخزومي المصطلحين كليهما ، وإن كان الأول مصطلحا كوفيا والثاني بصريا "23"
8- المركب اللفظي : ويقصد به المخزومي الكلام الذي لا إسناد فيه ، وكل كلام لا إسناد فيه لا يعده جملة ومن ذلك النداء الذي يقول عنه: ( وخلاصة القول أن النداء ليس جملة فعلية ، ولا جملة غير إسنادية ، وإنما هو مركب لفظي بمنزلة أسماء الأصوات يستخدم لإبلاغ المنادى خاصة أو لدعوته إلى إغاثة أو نصرة أو نحو ذلك ) "24"
وقد أراد المخزومي بهذا المصطلح تقديم تصور جديد للجملة ، حيث يقول عنها : ( إنما تقوم على أساس من إسناد يؤدي إلى إحداث فكرة تامة ولا يقوم مثل قولهم ( يا عبد الله ) على محمل ذلك الأساس ولا يؤدي مثل تلك الفكرة ولأن مثل قولهم : يا عبد الله لا يعدو أن يكون أداة للتنبيه ، ولفت نظر المنادى ، ولا يختلف عن أمثاله من الأدوات التي تؤدي ما يؤديه مثل هذا التعبير من وظيفة ، مثل ( ألا) التي للتنبيه ، و( ها) التي للتنبيه أيضا ، وغيرهما إلا في انه مركب لفظي لا يرتفع إلى منزلة الجملة ، ولا يصح تسميته بالجملة أيضا) "25"
9- أداة التشريك : هي أدوات العطف في النحو العربي ، وقد اختار لها المخزومي مصطلح أدوات التشريك لأن أكثرها لا يفيد العطف ( إلا الواو والفاء وثم ) "26"
10ـ متعلقات الفعل : يرى المخزومي أن انسب اصطلاح لما سماه النحاة الأوائل فضلة هو متعلقات الفعل ، لأن مصطلح فضلة يعني أنها يمكن تركها الاستغناء عنها في حين أن ما اعتبر فضلة ( قد يكون عمدة في التفاهم) "27"
11- الخفض : وهو ما يعني به البصريون مصطلح الجر
12- المستقبل : وهو مصطلح استعمله المخزومي بديلا لمصطلح المضارع لأن المضارعة نعني المشابهة ، ولا تدل على صيغة زمنية.
13- المكنى به عن الزمان والمكان : وهو الظرف في عرف البصريين أو المفعول فيه في كتب النحو ، وقد برر المخزومي رفضه استعمال مصطلح الظرف بقوله : ( وقد تجنبنا مثل هذه التسمية لأنها تسمية عقلية لا مجال لمثلها في البحث<s
ساحة النقاش