موقع الدكتور الشارف لطروش/ جامعة مستغانم/ الجزائر

يهتم هذا الموقع بالفكر والعلوم الإنسانية

 

 

الكاتب : د. لطروش الشارف

           الحس الديني والحضاري في شعر مفدي زكرياء     

نشأ مفدي زكرياء ( 1908 ـ 1979م) بن سليمان الشيخ صالح في أسرة عريقة عرفت بوطنيتها و صلاحها ، فشب على نهجها و هديها ، و قد إلتحق بالمدرسة القرآنية في سن مبكرة ، و سافر إلى تونس فانتسب إلى مدرسة السلام القرآنية ، ومنها إلى المدرسة الخلدونية ، ثم التحق بجامع الزيتونة .

 وكان لتلك الرحلة العلمية أثرها البارز في تكوينه العلمي و الديني و السياسي ، فقد (فتح عينه على الحركة الوطنية التي عرفتها تونس ، و قد كان يحضر و هو ما يزال يافعا تلك الجلسات التي كانت تجمع بين عمه الشيخ صالح و عبد العزيز الثعاليبي  و هما قطبان من أقطاب الحركة الوطنية في كل من تونس و الجزائر ، إضافة إلى هذا انتماؤه إلى الحركات التحريرية داخل الوطن و خارجه)1.

  وإن الدارس لآثار مفدي الشعرية يلاحظ دونما  عناء أن شعره مفعم بالحس الديني والحضاري إلى جانب الحس الوطني و الإنساني ، و من ذلك إشارته إلى الأهداف الحقيقية للثورة الجزائرية ، و التي يراها في تحقيق الأصالة و التربية بكل أشكالها ، حيث يقول :2

إذا ما إنتصرنا بحرب الخلاص                  فثورتنا اليوم حرب أصالة

فهدنا لمعركة المستوى

 نربي النفوس و نغزو الجهالة

ويصنعنا إيمانناأمـةقواما

وترجف منها الضلالة

و قد دفعه حسه الحضاري إلى الإيمان بوحدة الصف و الأخوة بين أبناء المغرب العربي و أبناء العروبة عامة ، و يظهر ذلك في قوله :3

وفي المغرب الجبار ناشدت وحدة      

سبقت بها في فجر عمر أقراني

و أحببت أوطاني رضيعا ولم أزل  

   أغني مع الدنيا بأمجاد أوطاني

وهمت بأبناء العروبة يافعا 

  أرى كل أبناء العروبة إخواني

و من ذلك أيضا تهليله و فرحته بإستقلال الجمهورية التونسية الشقيقة في العشرين من شهر مارس 1956 م ، التي عبر عنها في قصيدته الموسومة (الجار بالجنب) التي يقول فيها  :4

 

أشرق العيد فانشروا الأعلاما                   و املأوا  الكون بهجة و سلاما

و ارفلوا اليوم في المدائن تيها                  و ارفعوا اليوم في السموات هاما

و اشربوها يوم الخلاص كؤوسا                           باركتها الدما فصارت مداما 

و كذلك في استقلال المغرب إهتز فرحا و نشوة و إعتبر الأمر بمثابة إستقلال وطني ، و هنأ الشعب المغربي بقصيدة (هيا بني أمي) التي يقول فيها :

على نبضات الشعب وقعت ألحاني             و من نشوة التحرير لحقت أوزاني

و أشندت في أفراح شعبي وترحه        روائع لم يصدع بإعجازها ثاني

و خلدت من مجد العروبة صفحة         رسمت  على عنوانها وجه قحطان

و قد إعتبر نصر المغاربة في ثورة الريف المغربي المشهورة نصرا للإسلام حيث قال :5

أجبريل هلل بأي الظفر كبر و خط جليل الخبر

ورف بأجنحة النصر فوق   

بني الريف حول القنا المتشجر

و رتل على الجيش إن تنصروا  

         الله ينصركم ببلوغ الوطر

و أبلغ رسول الله البرية أحمد                                  هادي الشريعة بادي البشر

بأن الهلال على أفق العز   

      و المجد بعد الأفول ظهر

ولا يفتأ شاعرنا بذكر الأجيال مشيدا بقيم الإسلام كالتضامن الذي حصل بين الجزائريين   و الأتراك في وجه عدوان الصلبيين و قراصنة البحار فيقول :6

و أوعز قلب الصليب الحقودا           

علنا و أمعن فينا الحسود

و طافت بوهران جيطان غدرا      

  و زيان  ما اسطاع حشد الجنود

و لعلع في بربروس نداها  

   فثار و أقسم أن لا يعود

و للدين خير يصون حماه   

   و أسطولنا في البحار يسود 

و يقول في القصيدة نفسها مشيدا بالوفاء :

و أزرنا الترك حتى إنتصرنا            

و لم يخفر الترك ماضي العهود

و قمنا نسوس البلاد بعدل    

    و نسدي الجميل و نرعى الحدود

و نحن أناس نعد الجميل    

   و نرعى دمام الصديق الودود

و يرى مفدي زكارياء أن كل شيء قائم بمشيئة الله ، فالثورة الجزائرية قامت بمشيئة الله                و رادة الشعب ، و في هذا المعنى يقول :7

تأذن ربك ليلة قدر  

ألقى الستار على ألف شهر

و قال له الشعب أمرك ربي

       و قال الرب أمرك أمري

 و قد أكد الشاعر أن الثورة الجزائرية نابعة من الإسلام و أنها غير متحيزة للأفكار الغريبة عنه و التي حاول غرسها الهدامون في نفوس الشباب فيقول : 8

أمنا من الخطر الداهم 

 و من معول قاصف هاد

غزا المذهبيون عقال  

الشباب بمستورد آثم

و زاغوا بهم دون إسلامهم

غلى مذهب ليس بالسالم

و في شعره كشف لمحاولات التنصير التي رافقت الإحتلال و التي خابت ، و في هذا المجال يقول الشاعر :9

فحسب المبشر قرن و نصف           تجارب للزيغ كانت بليدة

فإماننا شامخ كعلانا   

                و نظرتنا ظلت فيه بعيدة

ليغز المبشر أبناءه              

       فقد أصبحوا كالقرود الطريد

و سجل في شعره أثر الفتح الإسلامي الذي قلب حياة الأمة الجزائرية ، و أشاع الإيمان و العدل و المساواة ، و عمل على تحرير الإنسان و ترقية المرأة  حيث قال : 10

لاح الصباح فهز السكارى                    و أجل الندامى و رض الكؤوسا

و أيقظ حلم الليالي الحبالى 

             و أسرج في الكائنات الشموسا

و أهوى على بغي يدر و الجدوع

و يغرس في الجبروت الفؤوسا

و حذر آدام و  ظلم أخيه                

و سوى الحظوظ و أعلى الرؤوسا

و أخرج حواء من رمسها                                    فألهمت الروح هدي الرسوما

و خلد في شعره كثيرا من الخيرين الذين جاهدوا لنشر الدين و العلم ، حيث قال مآثر الفاتح عقبة بن نافع رضي الله عنه : 11

فأهلا وهلا بأبناء عم  

                نزلتم جزائرنا فاتحينا

و مرحا لعقبة في أرضنا    

            ينير الحجى و يشيع اليقينا 

ويعلي الصوامعفي القيروان                 

و يرفعها للدفاع حصونا

يبث المراحل في كل فج                                   فراعت أسالبه العالمينا

و قال عن الإمام عبد الرحمان بن رستم مؤسس الدولة الرستمية : 12

و هال إبن رستم أن لا نسود    

         و نبني كيانا لنا مستقلا

فقام بتاهرت يعلي اللواء       

         و يرسي نظاما و ينشر فضلا

يوجه حكم البلاد الشراة               

  بوحي الشريعة حقا و عدلا

و يجعل أمر جماعة شورى                  

و حق إنتخاب الإمامة فضلا

وقال في تمجيد جهود جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و أعمالها الحضارية : 13

و في الدار جمعية العلماء               تغذي العقول بوحي السماء

و تهدي النفوس الصراط السوي       

و تغرس فيها معاني الإباء

تبني المدارس عبر البلاد    

فيعلي ابن باديس سرح البناء

كذا عبد العلماء الثنايا   

بوحي السماء و وحي الدماء

و قد تحركت في الشاعر عاطفته الدينية و حسه الحضاري في الكثير من المواقف و وجدناه يحمل على كل مظاهر التقليد للأجنبي و التخنث و منها قوله :14

طبائعنا الصالحات الجليلة      

تعاف انحلال النفوس الذليلة

و تأبى رجولتنا الإعتدال        

   و أحلامه و الشعور الطويلة

تخنث هذا الزمان و دبت                جنافس (هيبي) يشيع الرذيلة

و قد سخر من أنصار الزواج بالأجنبات فقال :15

و بعض تزوج بالأجنبية      

           و قال مثقفة حضرية

تراقصني و تراقص هذا           

      و ذاك و تعبث عن حسن نية

و تختال بالميني جيب دلالا        

      و تستعرض المغريات الخفية

و تتركني لا جناح عليها             

    و تذهب للسهرة النرجسية

و له قصيدة أخرى بعنوان (كبش الفداء) نظمها في رثاء أضحية العيد تدل على رقة قلبه و على عاطفة الرحمة التي تسكن روحه ، يقول في مطلعها 16

لهفي على شاة لنا قد قيدت              للذبح و هي نقية الأدران

استضعفوك فلذ لحمك عندهم   

         هلا استلذوا لحم ليث قاني

و لما كان مفدي زكاياء مؤمنا أشد الإيمان بعروبة الجزائر و إسلامها فإنه رفض أي تخل عن معالم الشخصية الجزائرية و هاجم المخدوعين بزيف الإندماج قائلا :17

عصبة افندماج مهلا رويدا    

          حبك اليوم خدعة و اختيالا

إن أردتم الجزائر أرضا                 فاهجروا الأرض و السما و الرمالا

و إن يكن بينكم فيوليت 18 يرضى       ليس يرضى سبحانه و تعالى

و رفات النبي من طيبة الغراء           ينادي على الجزائر لا..لا

ولموسى وعقبة وابن زياد                    صراخ يزعزع الأجيال

ويلتاه على الجزائر رباه                أجرها و فكٌ عنها العقالا

و مثلما هاجم دعاة الاندماج فقد حمل كذلك على دعاة التجنيس ، و رفض أن يتحول الجزائريون عن دينهم الحنيف و كيانهم المختلف عن الفرنسيين قائلا: 19

فلسنا نرضى الامتزاجا      

     و لسنا نرضى التجنيسا

و لسنا نرضى الاندماجا       

   و لا نرتد فرنسيسا

رضينا بالإسلام تاجا          

   كفى الجهال تدنيسا

فكل من يبغي اعوجاجا    

       رجمناه كإبليسا

و قد عاهد الشاعر الوطن بالإخلاص

و الجهاد و التضحية باللسان و بالنفس قائلا : 20

وطني بالدم الزكي أفديك       

         يمينا شريفة و عهودا

وطني في هواك أخلصت شعري  

       و ضميري و مهجتي و الوجودا

وطني إننا منحناك

في السلم  و في لاحرب بغية أن تسودا

فإذا شئت فاتخذنا سيوفا 

                و غتخذنا إذا أردت وقودا

و عندما إهتزت الأرض في مدينة الشلف عام 1954م ، وصف الزلزال و إستعطف الطبيعة و تأسف لما رآه من تقاعس الناس الذين كان عليهم واجبا أن يتداعوا لنجدة المنكوبين ، رأى أن الآثام و المنكرات  هي سبب تلك البلاوي و المحن حيث قال : 21

هو الإثم زلزل زلزالها                   فزلزلت الأرض زلزالها

و حملها الناس أثقالهم                  فأخرجت الأرض أثقالها

فلا تسألوا الأرض عن رجٌة                     تحاكي الجحيم و أهوالها

ألا إن إبليس أوحى لكم               

  إلا أن ربك أوحى لها

تعاليت يا رب ، كم عابث      

          بآيك ، لم يك يصغي لها

و في وصفه للطبيعة الجزائرية يربط بين الدين و عظمة الله و الدليل على وجوده فيقول:22

جزائر يا مطلع المعجزات                     و يا حجة الله في الكائنات

و يا بسمة الرب في أرضه        

      و يا وجهه الضاحك القسمات

جزائر يا بدعة الفاطر                

   و يا روعة الصانع القادر

فلولا جمالك ما صح ديني           

    و ما ان عرفت الطريق لربي

ويسخر الشاعر من ضعفاء الناس الذين يطربون للمزامير و مجالس اللهو و لا تتحرك فيهم وزائع الدين ، فيقول : 23

و أزعج قوما آذان الصلاة               يجلجل في القمم الضارعات

فيلقي له السمع قلب شهيد              تموج بها لقيم الصالحات

و قرع الطبول و نفخ المزامير     

      لم يزعج المهج الفاجرات

ولائم يخجل إبليس منها             

    و يرشح زقومها بالهنات

و نجد في شعر مفدي زكارياء ذكرا لكثير من الأعلام ، منهم أعلام ورد ذكرهم في القرآن كعيسى و موسى و سليمان و يوسف عليهم السلام ، و منهم آدم و حواء ، و أما الرسول محمد فقد ذكره في مواضيع كثيرة مشيدا برسالته ، مذكرا بسيرته و شمائله.

و على الرغم من الطابع الثوري الذي يغلب على شعر مفدي زكارياء فإننا نجد أشعار ذات طابع صوفي ، منها قصيدته (حنانيك) التي يتوسل فيها إلى الإله تعالى برسوله الكريم و آل بيته والصحابة و الصالحين

والتي يقول فيها : 24

بسطت إلى الرحمن كفي توسلا   

      و بالمصطفى المختار و الآل و الصحب

و الشاذلي المرتضى وسره      

        و أحزابه اللاتي غمرت بها قلبي

و يقول حواس بري – إنطلاقا من قصيدة حنانيك – عن مفدي زكارياء : (أعربت القصيدة أن مفدي يؤمن بالتوسل إلى الله برسوله و آل البيت و الصالحين ، طما بينت أنه انتمى إلى جماعة الشاذلية المتصوفة ، و قد كان لهؤلاء وردا (البر و البحر) ، و تبين للشاعر أن الذكر يزيل الران  و يجعل النفس تسمو إلى العلا لتتقرب من الله تعالى ، و هذا هو حديث أهل التصوف) : 25

و يبدو الإحساس المرهف للشاعر و تعلقه بلاجمال الإلهي و إيمانه برحمة الله و جميل عفوه على التائبين من عباده ، حيث يقول : 26

فيا رب قد أغرقتني ذنوبي      

  و أنت العليم بما في الغيوب

أتوب إليك بإلياذتي             

  عساها تكفٌر كلٌ ذنوبي

عصيتك علما بأنٌك تعفو     

     على المسرفين فهانت خطواتي

إلى أن يقول:ولولا الجمال لعشت عقيما       وماهمت يوما بغزو القلوب

و إن أنا لم أعص أهلكتني     

   و أبدلتني بطروب لعوب

فيا رب ما حيلتي في الهوى  

           و فيك ؟  إذا لم تكٌفر ذنوبي

مصادر البحث ومراجعه 

1- حواس بري – شعر مفدي زكرياء (دراسة و تقويم) ، ديوان المطبوعات الجامعية ، ط 1 ،1996م ، الجزائر ، ص 388-389.

2-مفدي زكرياء – إلياذة الجزائر، المعهد التربوي الوطني ، الجزائر، دون تاريخ ، ص 41

3- مفدي زكرياء – اللهب المقدس ، الشركة الجزائرية للنشر و التوزيع ط2: 1983م ص 321.

4- المصدر نفسه ، ص 208.

margin-top: 0cm; margin-right: 28.

  • Currently 24/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
7 تصويتات / 1165 مشاهدة
نشرت فى 15 مارس 2011 بواسطة mouloud

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

99,250