مستشارك النفسى و الأسرى ( د. أحمد شلبى)

موقع للارشاد النفسى للمتميزين وذوي الإعاقة والعاديين

بعد أن قمنا بجعل تربية الأبناء في بؤرة التفكير وذلك في الخطوة الأولى ، ننتقل إلى الخطوة الثانية و نقوم بوضع تربية الأبناء في دائرة الاهتمام ، و رغم أن غالبية الناس – على اختلاف الزمان و المكان – يجمعون على أهمية التربية إلا أن كثيرين منهم لا يعطون التربية ماهي جديرة به من اهتمام رغم أنه من الحقائق الثابتة أنه لا تتقدم المجتمعات و لا يلتقي الأفراد إلا بالتربية الحسنة و التعليم الجيد ، و التاريخ و الواقع و العقل الراجح خير شهود على ذلك ، و هم يؤكدون على الحقائق الآتية :

1-   كرم الله الإنسان و سخر له الكثير من الكائنات و جعله سيداً على هذا الكوكب بالعلم ( وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ، قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ) ( البقرة : 31 ، 32 ) .

2-   حتى في العصور القديمة و قبل نزول الأديان السماوية المعروفة قامت حضارات و دول كثيرة كان لديها نظريات و فلسفات و أساليب تربوية عرفنا بعضها و غاب عنا البعض الآخر ، و ذلك مثل ما شهدته أرض الهند و الصين و شبه الجزيرة العربية و مصر و الشام و العراق و اليونان و إيطاليا و غيرهم ، و لا يتسع المقام هنا لتفصيل الحديث عن هذا .

3-   ثم جاءت الأديان السماوية لتؤكد على أن التربية و التعليم حق و واجب على كل إنسان ، ففي اليهودية التربية حق لكل يهودي ، و في المسيحية و الإسلام التربية حق لكل إنسان بغض النظر عن لونه أو جنسه أو عرقه ، و لا بد من تزكية النفس و الوصول بها إلى أقصى إمكانات الكمال البشري : ( سعد مرسي أحمد ، سعيد إسماعيل علي : تاريخ التربية و التعليم )

4-   وفي القرآن الكريم نجد أمراً مباشراً و اجب النفاذ و الذي يخالفه سيتعرض لأشد العقوبة : ( يأيها الذين أمنوا قوا أنفسكم و أهليكم ناراً وقودها الناس و الحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يأمرون ) ( التحريم : 6 ) .

5-   و يوضح لنا الرسول الكريم (ص) أن تربية الأبناء أمانة سنسأل عنها بين يدي الله سبحانه و تعالى ، و قد يكون ذلك محل استغراب عند بعض الناس فيتسأل : هل سنسأل فعلاً عن تربيتنا لأبنائنا ؟ و أنا أجيب بسؤالاً آخر : و هل أولادك شيئاً مهم ؟ بالقطع نعم ، فكيف لا يسألك الله عن الأشياء المهمة ؟ و حتى لا نذهب بعيداً فتعالوا نتأمل هذا الحديث الشريف الصحيح : ( إن الله سائلٌ كل إمرئ عن ما اصترع حفظ أم ضيع ) .

6-    أما الإمام ابن القيم في كتابه إغاسة اللهفان فيشير إلى أن معظم فساد الأبناء إنما يأتي من إهمال الآباء وتضييعهم لهم .

7-   وقد كان خلفاء الدولة الأموية والعباسية يعهدون بأبنائهم إلى مربين متخصصين ليعلموهم ويتعهدوهم بالتربية والتأديب ولنستمع إلى عبد الملك بن مروان و هو يوصي مؤدب أولاده فيقول : ( علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن ، و احملهم على الأخلاق الجميلة ، و رويهم الشعر يشجعوا و ينضجوا و جالس بهم الرجال و أهل العلم منهم ، و جنبهم السفلة و الخدم فإنهم أسوء الناس أدباً و وقرهم و نفرهم من الكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور و الفجور يهدي إلى النار .

8-    وفي العصور الوسطى في الغرب نهض بعض المفكرين لينفضوا عن أوربا  و غبار التخلف والظلام إبان النهضة الحديثة، ومنهم جون لوك الذي أصدر كتابه (أفكار في التربية 1693م ) والذي يرى فيه أن الإنسان مزود بطبيعته بقوة يحمي بها ممتلكاته وحياته وحريته من غيره من البشر .

أما جان جاك روسو - الذي توفي 1778 م - ، فيرى عدم تدليل الأطفال بالمغالاة في كسائهم وتدفأتهم شتاءاً ، لكن لا بد من ترك الطفل حراً وسوف تعلمه الطبيعة وتدربه.

9-   في مصر الحديثة وبعد عصر محمد علي ظهرت بعض الدعوات الإصلاحية ومعها ميلاد لأفكار تربوية جديدة كما هو الحال عند رفاعة الطهطاوي وعلي مبارك والشيخ محمد عبده وغيرهم ، وكان ذلك كرد فعل لما عاناه التعليم في عصر الاحتلال وماقبله من ضيق أفق واضمحلال كمي وتدهور كيفي وعشوائية في التخطيط... إلخ .

10- وقد واكب الشعراء والعلماء هذا الاهتمام بالتربية قديماً وحديثاً فنجد ابن سينا العالم والطبيب يكتب قصيدة مكونة من 1700بيت يتناول فيها العديد من قضايا تربية الأبناء ، و لنستمع إلى قول الشاعر الذي يهمس به في أذن كل أب و أم وينبههم :

    و ينشأ ناشئ الفتيان منا                 على ما كان عوده أبوه                                     

11- ونجد المأثور الشعبي أيضاً يهتم بأمر التربية فمعظمنا يحفظ الحكمة التي تقول : ( من شابه أباه فما ظلم ) و هي موجودة في لغات عديدة ( like father like sun )  و في المثل الشعبي العامي: ( ابنك على ماتربيه و إن كبر ابنك خاويه )

12- وما أحوجنا هذه الأيام أن نهتم بتربية أبنائنا : فالتربية الاجتماعية هي التي تجعل معظم أفراد أي مجتمع يتبعون طرائق للحياة منسجمة و متوافقة ، مع بعضها البعض وهي التي تحفظ أبناءنا من أن يقعوا في براثن الإدمان أو العنف أو السلوكيات المنحرفة أو الأفكار المضللة أو الثقافات المستوردة ...إلخ.

 وبعد  فهذا غيض من فيض وقليل من كثير ولكنه كافٍ في الدلالة على أن الناس في مختلف الأعصار والأمصار ومهما كانت مشاربهم وتخصصاتهم وثقافتهم قد أدركوا أهمية التربية ودورها في تحسين حياتهم وواقعهم فهل تضع أنت أيضاً التربية لأبنائك و التوجيه لأسرتك في دائرة اهتمامك ؟ لا بد أن تكون الإجابة بنعم.

أما عن آثار التربية ونتائجها الخطيرة على حياتنا وواقعنا فهو ما نفصله في الخطوة التالية.

 

mostsharkalnafsi

بقلم د. أحمد مصطفى شلبي [email protected]

ساحة النقاش

د.أحمد مصطفى شلبي

mostsharkalnafsi
• حصل علي الماجستير من قسم الصحة النفسية بكلية التربية جامعة عين شمس في مجال الإرشاد الأسري والنمو الإنساني ثم على دكتوراه الفلسفة في التربية تخصص صحة نفسية في مجال الإرشاد و التوجيه النفسي و تعديل السلوك . • عمل محاضراً بكلية التربية النوعية و المعهد العالي للخدمة الاجتماعية . »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

327,786