من المعلوم لنا جميعا أن شهر يناير هو بداية السنة الميلادية ، وأن شهر المحرم هو بداية السنة الهجرية ، ونحن نعتقد أن شهر رمضان هو بداية السنة التعبدية لدى المسلمين-إن صح التعبير- أو هو (بداية لانطلاقة تعبدية جديدة) وذلك لشواهد وفوائد عديدة نسوق طرفا منها :
1 أنه في شهر شعبان ترفع الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى وكأنه الحساب الختامي للعام بعده يبدأ المسلم انطلاقة تعبدية جديدة مع بداية شهر رمضان ، وذلك كما ورد في الحديث الذي رواه سيدنا أسامة بن زيد (رضي الله عنهما ) قلت يا رسول الله لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان قال ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ...أخرجه النسائي وإسناده حسن .
2 - في شهر رمضان يظل المسلم يعمل حتى يغفر له ما تقدم من ذنوبه والتي منها ما تضمنه الحساب الختامي السابق الإشارة إليه، كما ورد في الأحاديث الصحيحة :
(من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)
(من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)
(من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)(صحيح البخاري).
ولاحظ في الأحاديث الثلاثة عبارة (ما تقدم من ذنبه).
3- كما يقوم رمضان بمحو الذنوب الصغيرة السابقة عليه ما اجتنبت الكبائر كما ورد في الحديث: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة وان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) (صحيح مسلم).
4-ويظل المسلم يعمل حتى يغفر له ويكون من العتقاء من النار خلال هذا الشهر الكريم ومن الفائزين بدخول الجنة، ، وذلك كما في الحديث الذي رواه سيدنا جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) : (أُعطيت أمتي في شهرِ رمضانَ خمسًا لم يُعطهنَّ نبيٌّ قبلي: ...
وأما الرَّابعةُ: فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يأمرُ جنتَه فيقولُ لها: استعدي وتزيني لعبادي أوشك أنْ يستريحوا من تعبِ الدنيا إلى داري وكرامتي ، وأما الخامسةُ: فإنه إذا كان آخرُ ليلةٍ غُفر لهم جميعًا فقال رجلٌ من القومِ: أهي ليلةُ القدرِ؟ فقال: لا ألم تر إلى العمالِ يعملون فإذا فرغوا من أعمالهم وُفُّوا أجورَهم؟
(المتجر الرابح ، رقم:132: إسناده لا بأس به)
وليس معنى أن يأخذ العامل أجره أن يتوقف عن العمل أو أن يفتر فيه بل أحيانا يكون أخذ العامل لأجره أو لجائزة أو لشهادة تقدير حافزا له على زيادة عمله والتجويد له كما نشاهد في حياتنا العملية .
5- وأيضا يعد شهر رمضان بمثابة دورة تدريبية أو معسكرا تعبديا ياخذ منه المسلم شحنة وزادا يكفيه حتى يأتي رمضان القادم، كما ورد في الأثر (أن الصحابة (رضي الله عنهم) كانوا يودعون رمضان في ستة أشهر ويستقبلونه في ستة أشهر) وكأنهم كانوا يستصحبونه طوال العام.
6- ونحن نعلم أن الصيام ينقسم إلى 3 أقسام كبيرة:
# فريضة : ويتم أداءها خلال شهر رمضان وفقا لما ورد في الحديث الشريف؛ ( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه ...) (أخرجه النسائي وصححه الألباني).
# والنوع الثاني فدية أو كفارات : يصومها بعض المسلمين بمواصفات معينة تكفيرا عن بعض الذنوب والأخطاء التي بدرت منهم كما يحدث مع بعض الحجيج من غير المقيمين عند المسجد الحرام عندما لا يجدون الهدي (... فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب(البقرة ، 196)، ومثل كفارة الظهار ؛ (سورة المجادلة ؛ الآيتان 3-4)وغيرها .
# والنوع الثالث يتمثل في مجموعة من السنن أو النوافل يؤديها المسلم ليجبر بها ما قد يحدث من قصور في أداء الفريضة ، وللتكفير عن بعض الذنوب التي يقترفها خلال العام وللحصول على المزيد من حسناته ، ومن أمثلة هذه النوافل :
صيام ست من شوال ، - صيام العشر الأوائل من ذي الحجة ، صيام يوم عرفة ، صيام يوم عاشوراء وصيام التاسع من المحرم صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع ، صيام 3 أيام من كل شهر ،
إلى غير ذلك )(وسيأتي حديث مفصل عن فضل صيام هذه الأيام والأحاديث الواردة في كل منها في مقالة تالية بإذن الله )
وكأني بشهر رمضان مركز رئيسي أو واحة للصائم يذوق فيها حلاوة الصيام في رمضان ثم ينطلق إلى هذه المراكز أو الواحات التطوعية الموزعة عبر أشهر السنة ليتلقى شحنات معنوية طوال العام ويكفر عن بعض ما بدر منه ويستمتع بحلاوة الصيام، ويزيد من رصيده ويرفع درجاته خلال بقية أيام السنة ، عبر إتيان ما استطاع من هذه النوافل والسنن.
7- وتجدر الإشارة إلى أن شهر رمضان (مدرسة وحديقة زاخرة) يأتي للمسلم بالعديد من الهدايا والرحمات والعبادات والقربات من قبل المولى عز وجل ومن أعظمها فريضة الصيام بما لها من فوائد لشتى جوانب شخصية المسلم وفي شتى مجالات الحياة ، وسوف نشير تفصيلا إلى أمثلة لهذه الهدايا والقُرُبات ، في أحاديث تالية -بإذنه تعالى-نسأل الله أن يوفقنا للانتفاع بها
وهكذا يكون شهر رمضان بداية -وليس نهاية- لفتح صفحة جديدة يصحح فيها المسلم مساره،
ويعمل على محو ما تبقى من ذنوب في صفحة عامه الماضي،
ويذوق فيه حلاوة الصيام وبعض القربات الأخرى ، ويجتهد خلال هذا الشهر ليكون من العتقاء من النار ومن الفائزين بدخول الجنة ، ويأخذ الشحنة والزاد من الإيمان والقيم والسلوكيات والأخلاقيات ما يتزود به حتى يأتي رمضان التالي بإذن الله.
نرجو الله أن يعيننا على ذلك في رمضان وبعد رمضان وأن يجعلنا فيه من الفائزين.
(وللحديث بقية)
ساحة النقاش