مستشارك النفسى و الأسرى ( د. أحمد شلبى)

موقع للارشاد النفسى للمتميزين وذوي الإعاقة والعاديين

 

وقبل أن نصل من الحديث ما انقطع، إليك خالص تحياتي، واسمح لي أن نكمل ما بدأناه حول هذ الموضوع الخطير والهام:

رابعا: وعلى المستوى الاجتماعي:

1-      عليك ألا تقطع علاقاتك بأهلك وأصدقائك وأقاربك وأرحامكما استطعت ، لكن اجعل التواصل معهم عن طريق الهاتف أو الرسائل أو منصات التواصل الاجتماعي ما أمكن ، وإن كان الكثير من الناس بدأ يفعل ذلك دون وجود وباء ، والحقيقة أن حدوث ذلك لأمر طارئ مفهوم ، أما حدوثه في الظروف العادية فإنها –من وجهة نظري- مشكلة تتطلب الحل.

2-      لا بد أن ندعم جميعا الأجهزة الصحية وكل الجهود المبذولة والمشكورة لمكافحة ومحاصرة والوقاية من فيرس كورونا (فهؤلاء هم الأبطال في هذا الميدان وعلينا الوقوف معهم ومن خلفهم ودعمهم بكل جهد وعون ممكن حتى يواصلوا الصمود والمقاومة والسيطرة على هذا الشبح المرعب، وتخيل بلدا بغير أجهزة صحية وميدانية مرابطة كيف سيكون حالها في مثل هذه الظروف ؟ ستنفرط حبات المسبحة ويختلط الحابل بالنابل والمريض بالسليم ، فاللهم وفقهم وأعنهم واحفظ بلادنا والعالم بأثره.

3-      لا بد من الوقوف إلى جانب الأسر التي انقطع دخلها بسبب هذه الظروف بخاصة ونحن في أيام خير.

4-      نرجو من الأسر التي قامت بتخزين أغذية أو أدوية وبعض المنظفات والمطهرات فوق حاجتها أن يبادروا بتوزيعها على الأسر الفقيرة التي هي في حاجة إليها أو التبرع بها للمراكز الصحية المحتاجة لها: فلا بد أن نتحلى بروح المسئولية والعطاء والإيجابية والحكمة السائرة تخبرنا أنه (ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط، وحتى نكون أهلا لأن يكشف الله هذا البلاء.

5-                              استمرار حملات  التوعية وبخاصة للأسر التي تعيش في الريف أو البادية أو ليس عندها القدرة على التواصل مع أجهزة الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي : وقد ذُكِرَأنه في إحدى البلدان شرب بعض الناس الكحول بدل أن يستخدموه في التطهير والنظافة فكانت النتيجة وفاتهم جميعا وقد أرادواالوقاية من فيرس كورونا ، ولا شك أن هذا حدث بسبب الفهم الخاطئ أو الأزمة في الوعي بهذا الأمر ، وربما تكون هناك أسر كثيرة عندها أزمة في الوعي ولم تتعرف على أساليب الوقاية المطلوبة .

 

خامسا : وفي مجال ذوي الاحتياجات الخاصة: نرجو منهم ما يلي:

1-      ألا يخرج صاحب الاحتياج الخاص من بيته إلا لضرورة.

2-      أن يقوم بتطهير الأدوات والأجهزة التعويضية التي يستخدمها بصفة متكررة (كالعصا البيضاء والكرسي المتحرك ونحو ذلك)

3-      ألا يقوم بالسير مع أو مخالطة من يجد عنده كحة حادة أو عطس أو رشح أو ارتفاع حرارة ما أمكن ، فإن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع.

4-      أن يكون من يتعامل مع صاحب الاحتياج الخاص أو من يقدم له الخدمة، أن يكون اأمينا معه ، ومن أمانته ألا يختلط به أو يقوم بمساعدته أو توصيله إذا كان يعاني من الأعراض التي سبق الإشارة إليها.

5-      أنني أناشد الأجهزة الصحية والخدمات الإنسانية أو المؤسسات التي تقدم خدماتها لذو الاحتياجات الخاصة –في البلدان التي ظهر فيها الوباء- أن تخصص خطا ساخنا لهم ولكبار السن يمكن أن يتصلوا به في حالة عجزهم عن الحركة أو التصرف.

 

سادسا: وفي المجال الوجداني والروحي:

1-      لعل إحدى النقاط الإيجابية التي نتعلمها من هذا الدرس هي أنه ليس لنا ملجأ إلا الله وأن الذي يكشف البلاء هو الله:

فإذا كانت بعض الدول الكبرى والمتقدمة والتي تسهم في توجيه دفة الحضارة المعاصرة قد أعلنت أنها غير قادرة على السيطرة على الفيرس ودول أخرى قالت هذا بلسان حالها فلمن يلجأ الإنسان لرفع هذا البلاء؟

·         * إما أن يلجأ الإنسان إلى الحيرة والرعب والاكتئاب ثم الانتحار والدمار كما فعل أحد الوزراء الألمان.

·         * وإما أن يلجأ إلى الله القادر الوحيد على السيطرة على السماوات والأرض وما فيهن فهو الذي خلقهن وخلق الإنسان، والله هو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ، وهو المسيطر والقادر الوحيد على أن يرفع الضر ويكشف البلاء أي عقل يقول : لا بد أن نلجأ إلى الله جميعا ونرفع أكف الضراعة إليه: (فإما أن نلجأ إلى الله وإما الدمار) كما هو مشاهد ، وفي كل الأحوال وطال الزمان أم قصر نحن راجعون إلى الله في جميع الأحوال.

 

2- لا بد من التوبة والاستغفار وتصحيح المسار إن لزم الأمر:

يقول د. عمر عبد الكافي : (الناجي من هذا البلاء ليس هو من ينقضي الوباء دون أن يمضي ولكن الناجي من فهم الرسالة وسارع بالتوبة وأعاد ترتيب حياته؛ الناجي هو من نظر حوله فأيقن أن الأمان ليس في مال يكنزه  ولا منصب مرموق يصل إليه ولا في دولة متقدمة يعيش فيها ولا في أسرة حاكمة ينتمي إليها ، لكن الأمان الحقيقي أنه إذا رفع وجهه للسماء وقال يا رب أجابه الله : لبيك عبدي.

وأيضا لا بد من التوبة والاستغفار حتى لا يكون الوباء أو الابتلاء عموما عذابا لنا وذلك لقوله تعالى: (... وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) (الأنفال ، 33).

3- التقرب إلى الله بأداء الفرائض وما استطعنا من النوافل ، فقد ورد في الحديث القدسي الجليل: (... وما تقرب إلي عبدي بشيئ أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزالعبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ....) ((أخرجه البخاري).

4-التوسل إلى الله بالدعاء والافتقار إليه: فقد ورد في القرآن الكريم : (أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإلاه مع الله قليلا ما تذكَّرون )؟ (النمل ، 62)

وقوله تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يَرْشُدون) ( البقرة، 186).

ولعلنا نلحظ في  الآية أمر بأ نؤمن بالله ونستجيب لأوامره قبل الدعاء وأثناءه وبعده حتى نكون من الراشدين.

 

5-والعلاج النفسي الديني من أساليب العلاج  المستقرة في مجال الصحة النفسية ؛ لما للفهم الصحيح للدين من أثر في تحقيق الصحة النفسية السوية والاطمئنان والراحة النفسية للفرد والتغلب على الاضطرابات والمخاوف والقلق وبخاصة في أوقات الأزمات ، يقول د. حامد زهران -في كتابه الصحة النفسية والعلاج النفسي ص353- : (لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وهو يعلم من خلق . والخالق هو الذي يعلم كيف يصير الإنسان سويا ، ووضع لذلك القوانين السماوية ، وهو الذي يعرف ماذا يفسد الإنسان وهو الذ يعرف طريق وقايته وصيانته ، وهو الذي يعرف طريقة علاجه وصلاحه ، وعلى علماء  النفس العلاجي أن يستفيدوا من الدين وأن يلتزموا بقوانين الخالق لأنهم ليسوا أعلم بالإنسان من الله الذي خلقه)

ويلفتنا القرآن الكريم لأثر اتباع تعاليم السماء في تحقيق الأمن والسلام مع النفس وبخاصة في أوقات الأزمات ، وذلك على لسان سيدنا عيسى (عليه السلام) حين يقول : (والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا) (مريم، 33(

وفي وصفه لحال سيدنا يحيا حين يقول : (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا).(مريم، 15(

فنلحظ من الآيتين أن الفهم الصحيح للدين واتباع تعاليمه يعطي النفس والروح الطمئنينة والسلام وبخاصة في أوقات الفزع والأزمات كيوم ولادة الإنسان ، وعند وفاته ، وعندما يقوم للوقوف بين يدي الله تعالى للحساب : فاللهم ألهمنا الصواب وأنزل على نفوسنا ، وعلى أسرنا ومجتمعاتنا السكينة والسلام.

 

سابعا : وفيما يختص بالنظرة المستقبلية :

فإن الحقيقة المؤكدة أن العالم سيتغير بعد درس كورونا ، لكن إلى أين ؟ وكيف؟ وهل سيكون تغير إلى الأحسن أم إلى الأسوء؟ إن الذي سيحدد ذلك 3 أمور:

1-      نفسية الإنسان الفرد الموجود بعد كورونا؛ فهل سيتخلى بعض الأفراد عن أنانيتهم وطمعهم وتنمرهم وظلمهم لبعضهم البعض ، ويكونون أكثر إنصافا وعدالة ، أكثر إيجابية وعطاءا ، وأكثر احتراما للمشاعر والقيم الإنسانية وأكثر اقترابا من الله خالقهم؟ (نرجو ذلك).

2-      وهل ستتخلى بعض المجتمعات الموجودة بعد كورونا عن التمييز العرقي والطائفي والطبقي؟، هل ستترك نصب لحروب لأتفه الأسباب؟ هل سيتخلى بعضها عن مطامعه والصراع على الثروات بحق وبغير حق؟ ، ثم تجنح المجتمعات الموجودة إلى التعاون فيما بينها لحل مشكلات العالم الحقيقية الموجودة كالسرطان (الذي يسبب ربع الوفايات في العالم تقريبا الآن) ، والاحتباس الحراري ، وتزايد نسبة الإعاقة (حيث يشير تقرير منظمة الصحة العالمية 2011، إلى تزايد نسبة أصحاب الإعاقة من 10 بالمائة من سكان العالم في الربع الأخير من القرن الماضي إلى أكثر من 15 بالمائة في نهاية العقد الأول من هذا القرن الواحد والعشرين بسبب زيادة الحروب والكوارث ونحوها) ، نرجو أن يستوعب الإنسان وبخاصة في المجتمعات المهيمنة هذا الدرس.

3         أما الأمر الثالث فهو إرادة الله القادر التي تراقب وتتابع ، تجازي وتعاقب، وكل شيئ عندها بمقدار، هل سيطول صبرها على بعض الإنسان الذي استخدم التقدم العلم في الحرب والدمار أكثر من الإصلاح والإعمار؟ هل سيستبدل الله أقواما ويستعمل آخرين؟ هل أصبح قيام الساعة وشيكا؟ كل هذه أمور لا تزال في رحم الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله،

لكن من الحقائق المؤكدة: أن العالم سيتغير بعد كورونا، وأن الله لن يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وأن الزبد سيذهب جفاءا ولن يبقى إلا ما ينفع الناس وأنه في النهاية لن يصح إلا الصحيح.

وختاماً أسأل الله أن يلهمنا الهداية والرشاد ، وأن يرفع هذا الكرب والوباء عن كل العباد والبلاد ، وأن يجعل حاضرنا ومستقبلنا  أكثر إشراقا وإسعاد : إنه على كل شيء قدير وهو ولي التوفيق

 

 

 

mostsharkalnafsi

بقلم د. أحمد مصطفى شلبي [email protected]

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 432 مشاهدة
نشرت فى 1 إبريل 2020 بواسطة mostsharkalnafsi

ساحة النقاش

د.أحمد مصطفى شلبي

mostsharkalnafsi
• حصل علي الماجستير من قسم الصحة النفسية بكلية التربية جامعة عين شمس في مجال الإرشاد الأسري والنمو الإنساني ثم على دكتوراه الفلسفة في التربية تخصص صحة نفسية في مجال الإرشاد و التوجيه النفسي و تعديل السلوك . • عمل محاضراً بكلية التربية النوعية و المعهد العالي للخدمة الاجتماعية . »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

368,346