رسالة في أدب الحوار

نعمة البيان

إن من أجل النعم التي أسبغها الله على الإنسان وكرمه به على سائر الخلق هي: نعمة البيان، قال الله تعالى: {الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان}[1].

وعلى قدر جلال النعمة يعظم حقها ويستوجب شكرها ويستنكر كنودها.[2]

وإذا كانت للدعاية مجموعة من الأدوات ووسائل يسعى من خلالها إلى نشر دعوته بين الناس، فإن عليه أن يتذكر دائمًا أن أداته الأولى المتقدمة على ما سواها هي: حسن الحوار.

ذلك؛ لأن الكلمة المؤمنة الطيبة هي سلاحه الأول في أداء رسالته النبيلة، سواء في عرضها على الآخرين ابتداء، أو الدفاع عنها حيال شبهة أو فرية، كما أنها سبيله الأول في التعامل مع الآخرين من الدعاة أمثاله، خاصة إذا تباينت بينه وبينهم وجهات النظر في قضية، أو أسلوب، أو أولوية.

لذلك يمكن أن يقال: إنه بالمقدار الذي يكون الداعية فيه متمكنًا من فن الحوار يكون أقدر على النجاح، ففي العصر الحديث شاع تخصص يتصل بشكل أو بآخر بموضوعنا هذا، وهو فن العلاقات العامة، وحسن الاتصال بالآخرين للإقناع بالرأي.

ومَن ينظر في تراث الأمة المسلمة يجد نتائج كثيرة تتصل بهذا الجانب، وينبغي ألا نستهين بأن صحة الفكرة تستدعي بالضرورة نجاح المحامي في عرضها، وكم من أفكار ثمينة خسرت بسبب محاميها العاجز، وكم من أفكار منحرفة كتب لها الفوز بسبب محاميها القدير.

من أجل ذلك نريد أن نقترح مجموعة من الآداب والتوجيهات التي يحتاج إليها الجميع في مناقشتهم، وحواراتهم، وأحاديثهم تساعد على الوصول إلى الحق، وجمع القلوب، وتضييق مساحة الخلاف، وتوسيع الاتفاق.

ولعل من المفيد أن يشار إلى المقصود من الحوار و المحاور.

الحوار:

هو نوع من الحديث بين شخصين أو فريقين يتم فيه تداول الكلام بينهم بطرق متكافئة، فلا يستأثر به أحدهما دون الآخر، ويغلب عليه الهدوء، والبعد عن الخصومة والتعصب، ومثال ذلك ما يكون بين صديقين في دراسة، أو في عمل، أو في مجلس، أو ناد[3].

ومعنى ذلك أن المحاوِر غير الخطيب الذي جاء جمهور الناس ليسمعوه وهم سكوت، وغير المدرس، والمحاضر.

الفرق بين الحوار والجدال

والحوار والجدال يلتقيان في أنهما حديث أو مناقشة بين طرفين، ولكن الجدال يغلب عليه الخصومة بالكلام، فالجدال والمجادلة والجدل كل ينحو منحنى الخصومة، ولو بمعنى العناد والتمسك بالرأي والتعصب له، أما الحوار فهو مراجعة الكلام والحديث[4].

ولقد عني القرآن عناية بالغة بالحوار؛ لأنه الطريق الأمثل للإقناع، والإقناع هو أساس الإيمان الذي لا يمكن أن يفرض إنما ينبع من داخل الإنسان.

والنماذج في القرآن كثيرة نذكر منها على سبيل المثال: الحوار بين الله وملائكته في موضوع خلق آدم، ومنها ما دار بين الله وبين إبراهيم عليه السلام عندما طلب من ربه أن يريه كيف يحيي الموتى، وإنما تستعمل كلمة (قال) في الحوار، وقد وردت (527)  مرة في القرآن[5].

أما ما ورد في السنة فكثيرًا أيضًا نذكر منه كما أورده ابن هشام حين جهر النبي بالدعوة حارت قريش وارتبكت وفكرت ودبرت، وكان مما صنعته أنها أرسلت عتبة بن ربيعة إليه يحادثه ويفاوضه، قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ، قَالَ: حُدّثْت أَنّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَكَانَ سَيّدًا، قَالَ يَوْمًا وَهُوَ جَالِسٌ فِي نَادِي قُرَيْشٍ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَلَا أَقُومُ إلَى مُحَمّدٍ فَأُكَلّمَهُ وَأَعْرِضَ عَلَيْهِ أُمُورًا لَعَلّهُ يَقْبَلُ بَعْضَهَا، فَنُعْطِيهِ أَيّهَا شَاءَ وَيَكُفّ عَنّا؟ وَذَلِكَ حِينَ أَسْلَمَ حَمْزَةُ وَرَأَوْا أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَزِيدُونَ وَيَكْثُرُونَ فَقَالُوا: بَلَى يَا أَبَا الْوَلِيدِ قُمْ إلَيْهِ فَكَلّمْهُ.

فَقَامَ إلَيْهِ عُتْبَةُ حَتّى جَلَسَ إلَى رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، إنّك مِنّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ مِنْ السّطَةِ فِي الْعَشِيرَةِ وَالْمَكَانِ فِي النّسَبِ، وَإِنّك قَدْ أَتَيْت قَوْمَك بِأَمْرِ عَظِيمٍ فَرّقْت بِهِ جَمَاعَتَهُمْ وَسَفّهْت بِهِ أَحْلَامَهُمْ وَعِبْت بِهِ آلِهَتَهُمْ وَدِينَهُمْ وَكَفّرْت بِهِ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِمْ فَاسْمَعْ مِنّي أَعْرِضْ عَلَيْك أُمُورًا تَنْظُرُ فِيهَا لَعَلّك تَقْبَلُ مِنْهَا بَعْضَهَا.

قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ: قُلْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ أَسْمَعْ.

قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، إنْ كُنْت إنّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَالًا جَمَعْنَا لَك مِنْ أَمْوَالِنَا حَتّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ شَرَفًا سَوّدْنَاك عَلَيْنَا، حَتّى لَا نَقْطَعَ أَمْرًا دُونَك، وَإِنْ كُنْت تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلّكْنَاك عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الّذِي يَأْتِيك رِئْيًا تَرَاهُ لَا تَسْتَطِيعُ رَدّهُ عَنْ نَفْسِك، طَلَبْنَا لَك الطّبّ، وَبَذَلْنَا فِيهِ، غَلَبَ التّابِعُ عَلَى الرّجُلِ حَتّى يُدَاوَى مِنْهُ أَوْ كَمَا قَالَ لَهُ.

حَتّى إذَا فَرَغَ عُتْبَةُ وَرَسُولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْتَمِعُ مِنْهُ قَالَ: أَقَدْ فَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ ؟

قَالَ نَعَمْ، قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: فَاسْمَعْ مِنّي ؛ قَالَ: أَفْعَلُ.

فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ { حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ كِتَابٌ فُصّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنّةٍ مِمّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ }

ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهَا يَقْرَؤُهَا عَلَيْهِ، فَلَمّا سَمِعَهَا مِنْهُ عُتْبَةُ أَنْصَتَ لَهَا، وَأَلْقَى يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا يَسْمَعُ مِنْهُ، ثُمّ انْتَهَى رَسُولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى السّجْدَةِ مِنْهَا، فَسَجَدَ ثُمّ قَالَ: قَدْ سَمِعْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ مَا سَمِعْتَ فَأَنْت وَذَاكَ.

ففي القصة أكثر من درس

1) إعطاء الفرصة: حيث إن النبي لما قال عتبة ما عنده أعطاه الفرصة لإضافة شيء قد يود أن يقوله، ربما نسيه أو غفل عنه، وسأله أفرغت يا أبا الوليد دون أن يعاجله، وهذه قمة الأدب والذوق مما يجعل الطرف الآخر تتفتح نفسه للسماع.

2) اعرض خير ما عندك: وذلك حينما تلا عليه النبي آيات من الذكر الحكيم تنتهي بسجدة، ثم قال لعتبة: فأنت وذلك، أيهما تختار، وهذا يجعل المستمع مستعدًا للتلقي دون إلزام، لذلك لا غرابة أن قال له قومه بعد أن عاد إليهم: سحرك يا أبا الوليد وقالوا: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بوجه غير الوجه الذي ذهب به.

3) عدم تسفيه رأي الآخر حتى وإن لم يكن مقنعًا: وذلك نراه في حوار النبي مع عتبة في أنه لم يسفه رأيه رغم أنه لا يمكن أن يساوي بين كلام عتبة وبين كلام الله الذي تلاه عليه.

وأما ما ورد في سيرة أصحابه الكرام الذين تربوا على الأدب والذوق الرفيع ما جاء عن مصعب بن عمير حين خرج إلى المدينة سفيرًا لها يدعو إلى الإسلام

قالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُعَيْقِبٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ خَرَجَ بِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ يُرِيدُ بِهِ دَارَ بَنِي

عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَدَارَ بَنِي ظَفَرٍ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ

بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ ابْنَ خَالَةِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَدَخَلَ بِهِ حَائِطًا مِنْ حَوَائِطِ بَنِي ظَفَرٍ.

فَجَلَسَا فِي الْحَائِطِ، وَاجْتَمَعَ إلَيْهِمَا رِجَالٌ مِمّنْ أَسْلَمَ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْر ٍ يَوْمَئِذٍ سَيّدَا قَوْمِهِمَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَكِلَاهُمَا مُشْرِكٌ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، فَلَمّا سَمِعَا بِهِ قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ لِأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ لَا أَبَا لَك، انْطَلِقْ إلَى هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ اللّذَيْنِ قَدْ أَتَيَا دَارَيْنَا لِيُسَفّهَا ضُعَفَاءَنَا، فَازْجُرْهُمَا وَانْهَهُمَا عَنْ أَنْ يَأْتِيَا دَارَيْنَا، فَإِنّهُ لَوْلَا أَنّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ مِنّي حَيْثُ قَدْ عَلِمْت كَفَيْتُك ذَلِكَ هُوَ ابْنُ خَالَتِي، وَلَا أَجِدُ عَلَيْهِ مُقَدّمًا.

قَالَ: فَأَخَذَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ حَرْبَتَهُ، ثُمّ أَقْبَلَ إلَيْهِمَا، فَلَمّا رَآهُ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ قَالَ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ: هَذَا سَيّدُ قَوْمِهِ قَدْ جَاءَك، فَاصْدُقْ اللّهَ فِيهِ.

قَالَ مُصْعَبٌ: إنْ يَجْلِسْ أُكَلّمْهُ.

قَالَ: فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا  مُتَشَتّمًا.

فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمَا إلَيْنَا تُسَفّهَانِ ضُعَفَاءَنَا ؟ اعْتَزِلَانَا إنْ كَانَتْ لَكُمَا بِأَنْفُسِكُمَا حَاجَةٌ.

فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ: أَو َتَجْلِسُ فَتَسْمَعَ فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرًا قَبِلْتَهُ وَإِنْ كَرِهْته كُفّ عَنْك مَا تَكْرَهُ قَالَ: أَنْصَفْتَ، ثُمّ رَكَزَ حَرْبَتَهُ وَجَلَسَ إلَيْهِمَا، فَكَلّمَهُ مُصْعَبٌ بِالْإِسْلَامِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فَقَالَا: فِيمَا يُذْكَرُ عَنْهُمَا: وَاَللّهِ لَعَرَفْنَا فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلّمَ فِي إشْرَاقِهِ وَتَسَهّلِهِ. ثُمّ قَالَ مَا أَحْسَنَ هَذَا الْكَلَامَ وَأَجْمَلَهُ كَيْفَ تَصْنَعُونَ إذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا فِي هَذَا الدّينِ ؟

قَالَا لَهُ: تَغْتَسِلُ فَتَطّهّرُ وَتُطَهّرُ ثَوْبَيْك، ثُمّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقّ ثُمّ تُصَلّي.

فَقَامَ فَاغْتَسَلَ وَطَهّرَ ثَوْبَيْهِ وَتَشَهّدَ شَهَادَةَ الْحَقّ، ثُمّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ.

ثُمّ قَالَ لَهُمَا: إنّ وَرَائِي رَجُلًا إنْ اتّبَعَكُمَا لَمْ يَتَخَلّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِهِ وَسَأُرْسِلُهُ إلَيْكُمَا الْآنَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، ثُمّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ وَانْصَرَفَ إلَى سَعْدٍ وَقَوْمِهِ وَهُمْ جُلُوسٌ فِي نَادِيهِمْ، فَلَمّا نَظَرَ إلَيْهِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُقْبِلًا قَالَ: أَحْلِفُ بِاَللّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أُسَيْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ، فَلَمّا وَقَفَ عَلَى النّادِي قَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَا فَعَلْت ؟

قَالَ: كَلّمْت الرّجُلَيْنِ فَوَاَللّهِ مَا رَأَيْت بِهِمَا بَأْسًا، وَقَدْ نَهَيْتُهُمَا، فَقَالَا: نَفْعَلُ مَا أَحْبَبْتَ وَقَدْ حُدّثْت أَنّ بَنِي حَارِثَةَ قَدْ خَرَجُوا إلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ لِيَقْتُلُوهُ، وَذَلِكَ أَنّهُمْ قَدْ عَرَفُوا أَنّهُ ابْنُ خَالَتِك، لِيُخْفِرُوكَ.

قَالَ: فَقَامَ سَعْدٌ مُغْضَبًا مُبَادِرًا، تَخَوّفًا لِلّذِي ذُكِرَ لَهُ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ فَأَخَذَ الْحَرْبَةَ، ثُمّ قَالَ: وَاَللّهِ مَا أَرَاك أَغْنَيْت شَيْئًا، ثُمّ خَرَجَ إلَيْهَِا، فَلَمّا رَآهُمَا سَعْدٌ مُطْمَئِنّيْنِ عَرَفَ سَعْدٌ أَنّ أُسَيْدًا إنّمَا أَرَادَ مِنْهُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمَا، فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا مُتَشَتّمًا، ثُمّ قَالَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ ( أَمَا وَاَللّهِ ) لَوْلَا مَا بَيْنِي وَبَيْنَك مِنْ الْقَرَابَةِ مَا رُمْت هَذَا مِنّي، أَتَغْشَانَا فِي دَارَيْنَا بِمَا نَكْرَهُ وَقَدْ قَالَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ: أَيْ مُصْعَبُ جَاءَك وَاَللّهِ سَيّدُ مَنْ وَرَاءَهُ مِنْ قَوْمِهِ إنْ يَتّبِعْك لَا يَتَخَلّفُ عَنْك مِنْهُمْ اثْنَانِ.

قَالَ: فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ: أَوَتَقْعُدُ فَتَسْمَعَ، فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرًا وَرَغِبْت فِيهِ قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَرِهْته عَزَلْنَا عَنْك مَا تَكْرَهُ ؟

قَالَ سَعْدٌ: أَنْصَفْت.

ثُمّ رَكَزَ الْحَرْبَةَ وَجَلَسَ فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ

قَالَا: فَعَرَفْنَا وَاَللّهِ فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ قَبْل أَنْ يَتَكَلّمَ لِإِشْرَاقِهِ وَتَسَهّلِهِ ثُمّ قَالَ لَهُمَا: كَيْفَ تَصْنَعُونَ إذَا أَنْتُمْ أَسْلَمْتُمْ وَدَخَلْتُمْ فِي هَذَا الدّينِ ؟

قَالَا: تَغْتَسِلُ فَتَطّهّرُ وَتُطَهّرُ ثَوْبَيْك، ثُمّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقّ، ثُمّ تُصَلّي رَكْعَتَيْنِ

قَالَ: فَقَامَ فَاغْتَسَلَ وَطَهّرَ ثَوْبَيْهِ وَتَشَهّدَ شَهَادَةَ الْحَقّ، ثُمّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ فَأَقْبَلَ عَامِدًا إلَى نَادِي قَوْمِهِ وَمَعَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ.

قَالَ: فَلَمّا رَآهُ قَوْمُهُ مُقْبِلًا، قَالُوا: نَحْلِفُ بِاَللّهِ لَقَدْ رَجَعَ إلَيْكُمْ سَعْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ، فَلَمّا وَقَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ كَيْفَ تَعْلَمُونَ أَمْرِي فِيكُمْ ؟

قَالُوا: سَيّدُنَا ( وَأَوْصَلُنَا ) وَأَفْضَلُنَا رَأْيًا، وَأَيْمَنُنَا نَقِيبَةً.

قَالَ: فَإِنّ كَلَامَ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ عَلَيّ حَرَامٌ حَتّى تُؤْمِنُوا بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ

قَالَا: فَوَاَللّهِ مَا أَمْسَى فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إلّا مُسْلِمًا وَمُسْلِمَةً.

وَرَجَعَ أَسْعَدُ وَمُصْعَبٌ إلَى مَنْزِلِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَأَقَامَ عِنْدَهُ يَدْعُو النّاسَ إلَى الْإِسْلَامِ حَتّى لَمْ تَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إلّا وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مُسْلِمُونَ[6].

ومن هذا يتبين أن مصعب استطاع بحكمته وذكائه السياسي وحصافته الحوارية أن يحقق انتصارات كبيرة للإسلام، واستطاع في عام واحد أن يفعل ما لم يفعله رسل كرام في عشرات الأعوام.

فعلى ولاة الأمر أن يختاروا السفير المؤمن الملتزم الموهوب، الذي يستطيع أن يمثل بلاده ودينه قولًا وعملًا

--------------------------------------------------------------------------------

[1] الرحمن (4:1).

[2] خلق المسلم للغزالي(أدب الحديث).

[3] في أصول الحوار إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي.

[4] في أصول الحوار إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي

[5] المسلم المعاصر من مقال للأستاذ عمر بهاء الدين الأميري.

1 سيرة ابن هشام ج1 ص435

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: [1] خلق المسلم للغزالي(أدب الحديث). [2] في أصول الحوار إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي. [3] في أصول الحوار إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي [4] المسلم المعاصر من مقال للأستاذ عمر بهاء الدين الأميري. 1 سيرة ابن هشام ج1 ص435
moslh

مع خالص تحياتى

ساحة النقاش

أحمد محمد مصلح حموده السلايمه

moslh
أهلاً ومرحباً بكم فى موقعى الخاص تم انشاء هذا الموقع عن طريق دورة تدريبية لوزارة الأتصالات" جمعية الفيروز " »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,148