القرآن       

 

 لا شك أنه بقدر إقبالك على القرآن يكون إقبال الله عليك، وبقدر إعراضك عن القرآن يكون إعراض الله عنك، وإنما يكون حظ الإنسان في الجنة بقدر حظه من القرآن. قال خباب بن الأرت لرجل: تقرب إلى الله ما استطعت واعلم أنك لن تقرّب إلى الله تعالى بشيء هو أحب إليه من كلامه. وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: لو طهُرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم.

ومن أعظم الذنوب أن يهجر الإنسان القرآن، وهجر القرآن لا يقتصر على ترك تلاوته أو حفظه وإنما هناك أنواع كثيرة من الهجر. فقد ذكر ابن القيم في كتابه الفوائد خمسة أنواع من هجر القرآن وهي: الأول: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه، والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وإن قرأه وآمن به، والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين، والرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه، والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به.

وكل هذا داخل في قوله تعالى " وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا "  الفرقان: ٣٠

ولقد فهم السلف الصالح هذه الحقائق فكانوا كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" كنا نحفظ العشر آيات فلا ننتقل إلى ما بعدها حتى نعمل بهن" وروي عنه أنه حفظ سورة البقرة في تسع سنين، وذلك ليس للانشغال عن الحفظ أو رداءة الفهم ولكن بسبب التدقيق والتطبيق.

لقد ذهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن ينشرون هداياته حتى وصلوا به إلى كسرى وقيصر فهل ذهبوا إلى كسرى أو قيصر بنسخة جيدة من المصحف الشريف أو باسطوانات المصحف المرتل ؟! كلا ولكن ذهب إليه ناس على درجة مذهلة من فهم القرآن ووعيه وتدبره. بهذا ملكوا العرب ودانت لهم العجم. فواجب على شباب الأمة أن يفهموا القرآن وأن يتأثروا به.

ومما يعين على التأثر بالقرآن ومعايشته بعض الأمور هي:

1- استحضار الجو الإيماني ومعايشة الحالة الإيمانية التي يتم بها الفهم والتدبر، والتعامل مع القرآن بكافة المشاعر والأحاسيس والانفعالات " اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ " الزمر: ٢٣

2- أن نحسن نظرتنا للقرآن وننظر إليه على أنه كتاب شامل ومنهج حياة متكاملة وقدوتنا في ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم (كان خلقه القرآن )

يقول الدكتور "ريكورد ألفريز كوستيله" الأستاذ بجامعة المكسيك والذي سمى نفسه (محمد ألفريز): لا أملك ما أقوله عن القرآن الكريم إلا أنه جامعة كبرى بهذا الوجود لو درسه العالم دراسة مستفيضة لوجد أنه لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وله فيها منهج سليم وحل ميسور فالقرآن يتحدث عن المستقبل وما سيحدث فيه من تطور في كل المجالات وما سيكون عليه حال الأمم والجماعات والأفراد فضلاً عن سرده لأحوال وعادات وتقاليد الأمم السابقة وما سيصل إليه عقل الإنسان من علم وتكنولوجيا.

ويقول (محمد أسد) والذي كان اسمه (كيوبول فايس): القرآن الكريم جاء ليحل مشاكل العالم الحالية والمستقبلية أياً كان كان نوع هذه المشاكل ومهما كانت مستعصية.

3- الالتفات إلى الأهداف الأساسية للقرآن وعدم الوقوف فقط عند بعض الأهداف الفرعية، والأهداف الأساسية للقرآن تتمثل في: الهداية إلى الله تعالى وبيان التوحيد – بيان الأحكام الشرعية وما يصلح أحوال الناس – إيجاد المجتمع الإسلامي القرآني الأصيل – قيادة الأمة المسلمة في معركتها مع الجاهلية من حولها.

4- المحافظة على جو النص القرآني وعدم الانشغال بأي شاغل أثناء التلاوة.

5- الاعتناء بمعاني القرآن التي عاشها الصحابة عملياً ومحاولة الاقتداء بهم.

6- الشعور بأن الآية موجهة لك أنت وأن الخطاب يعنيك أنت شخصياً. روي أنه جاء في التوراة أن الله تعالى يقول:" يا ابن آدم أما تستحي مني يأتيك كتاب من بعض إخوانك وأنت في الطريق تمشي فتعدل عن الطريق وتقعد لأجله فتقرأه وتتدبره حرفاً حرفاً حتى لا يفوتك شيء منه وهذا كتابي أنزلته إليك انظر كيف فصلت لك فيه من القول وكم كررت عليك فيه لتتأمل طوله وعرضه ثم أنت معرض عنه فكنتُ أهون عليك من بعض إخوانك يا عبدي يقعد إليك بعض إخوانك فتقبل إليه بكل وجهك وتصغي إلى حديثه بكل قلبك فإن تكلم متكلم أو شغلك شاغل عن حديثه أومأت إليه أن كُف وها أنا مقبل عليك ومحدِّث وأنت معرض بقلبك عنى أفجعلتني أهون عندك من بعض إخوانك"

يقول الشهيد سيد قطب صاحب ظلال القرآن: "الحياة في ظلال القرآن نعمة لا يعرفها إلا مَن ذاقها، نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه والحمد لله لقد منَّ علي بالحياة في ظلال القرآن فترة من الزمان ذقت فيها من نعمته ما لم أذق قط في حياتي، لقد عشت أسمع الله سبحانه يتحدث إليّ بهذا القرآن أنا العبد القليل الصغير، أيُ تكريم للإنسان هذا التكريم العلوي الجليل، أيُ رفعة يرفعها هذا التنزيل، أيُ مقامٍ كريم يتفضل به على الإنسان خالقه الكريم.

يقول الصحفي الأمريكي (محمد ديب): كنت طوال أكثر من أربعين عاماً أبحث عن نفسي فلم أجدها مع المنظرين والفلاسفة والمشاهير ووجدتها مع كتاب الله.

7- تحرير النصوص القرآنية من قيود الزمان والمكان فهو صالح لكل زمان ومكان وتوجيهاته لكل الناس إلا ما فيه من استثناء أو تخصيص أو تقييد.

8- ألا يكون همُّ القارئ كثرة القراءة أو الانتهاء منها بأقصر وقت فقط فهذا يمنعه من تدبره والتأمل فيه.

9- أن يصحب مَن يعاونه على هذا الخير ويدله على الصدق ومكارم الأخلاق، فإن له أثراً كبيراً في تعميق قرائته والتأثر به. قال تعالى: " وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " التوبة: ١١٩

10- الإطلاع على تفسير مختصر لبيان كلمة غريبة أو تحديد معنى غامض أو معرفة حكم خاص.

11- حفظ الآيات في الصدر كما فعل سلفنا الصالح.

12- ترديد الآية للتدبر والتأثر بها، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بآية يرددها حتى أصبح. النسائي وابن ماجة

13- اعتقاد فضل القرآن على سائر الكتب السابقة وعلى سائر علوم وفنون البشر. يقول (روجيه جارودي) المفكر الفرنسي المعروف: إن الكتاب الذي أنزله الله ألغى كل الكتب والمؤلفات البشرية وجعلها إلى جانب القرآن لا تساوي حتى ذرة من تراب.

ويقول الفيلسوف الفرنسي (رينيه جينو) الذي سمى نفسه بعد الإسلام الشيخ (عبد الواحد يحيى): إنني تتبعت كل الآيات القرآنية التي لها ارتباط بالعلوم الطبية والصحية والطبيعية التي درستها في الصغر فوجدت هذه الآيات منطبقة كل الانطباق على معارفنا الحديثة ولو أن كل صاحب فن من الفنون أو علم من العلوم قارن كل الآيات القرآنية المرتبطة بما تعلم جيداً كما قارنت لأسلم بلا شك

نماذج من تأثر السلف الصالح بالقرآن :

- قالت أسماء بنت أبي بكر: كان أصحاب الرسول إذا سمعوا القرآن تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم كما نعتهم الله.

- وقال أبو بكر بن عياش: صليت خلف  الفضيل بن عياض صلاة المغرب وإلى جانبى علي بن الفضيل فقرأ: " أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ " فلما بلغ " لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ " سقط علىّ مغشياً عليه وبقي الفضيل لا يقدر  يجاوز الآية ثم صلى بنا صلاة خائف، قال: ثم لازمت عليا فما أفاق إلا في نصف الليل.

- سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا يتهجد في الليل ويقرأ سورة الطور،  فلما بلغ قوله:" إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ " الطور: ٧ - ٨  قال عمر: قسم ورب الكعبة حق. ثم رجع إلى منزله فمرض شهراً يعوده الناس لا يدرون ما مرضه.

 

المصدر: موقع منارات- الدكتور أشرف زاهر
moslh

مع خالص تحياتى

ساحة النقاش

أحمد محمد مصلح حموده السلايمه

moslh
أهلاً ومرحباً بكم فى موقعى الخاص تم انشاء هذا الموقع عن طريق دورة تدريبية لوزارة الأتصالات" جمعية الفيروز " »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,076