م. محمد سودان

تواجه ثورة 25 يناير المباركة أخطاراً عدة ، منها ماهو ظاهر و منها ما هو مستتر ، أما الظاهر فهم رجال و نساء النظام القديم ، وكل المنتفعين بهذا النظام البائد و الذين تحولوا تحت مظلة الفساد إلى قططٍ سمان توحشوا و أستوحشوا ، و انقضوا على مناحى الحياة بمصر و أفسدوها و جعلوا الحياة فى مصر درباً من العذاب للمواطنين ، فقد ركبوا على ظهور الشعب و نمت ثرواتهم على حساب أقوات الشعب المنهك ، امتلأت خزائنهم بالأموال المنهوبة من أقوات الشعب و من ثرواته ، ثم فوجئوا بثورة 25 يناير التى أرقّت مضاجعهم ، و أطاحت ببعضهم و ألقت بآخرين خلف القضبان ، و أخرجت الأبرياء من سجون الظلم و أنعمت على الشعب بالأمان الذى حُرم منه أكثر من نصف قرن ، و أعادت إلى الشعب كرامته التى سلبتها منه الأنظمة العسكرية المتكررة على حكم مصر بنظام "حكم حتى الموت" ، و أما المستتر فيأتى من مصادر عديدة ، أحد هذه المصادر الأيادى الخبيثة التى لا تريد إستقراراً لمصر و لا تريد نجاحاً لثورتها و لا تحريراً للشعب المصرى من قيود المستبدين الطغاة ، منهم دول غربية عظمى و منهم جيران على حدودنا الشرقية ، و منهم دولاً عربية تخشى أن تنتقل عدوى الثورة إليهم ، فهم أحد قاطرات الديكتاتورية فى الوطن العربى ، و يخشون أن تمسهم نيران إنتفاضة الشعوب المتلهفة للحرية ، فتشتعل بلادهم بنيران الثورات المحررة لقيود العبودية و الإستبداد .

لكن العدو الظاهر أيسر على الشعوب من العدو المستتر ، و هؤلاء المستترين الجبناء ، لم يصرحوا بنواياهم و خططهم ، لأنهم أجبن من أن يواجهوا أو يجهروا أمام شعوبهم المخدوعة بإسم الديمقراطية المزيفة بخططهم الشيطانية ضد الربيع العربى ، فانهالوا بصب غضبهم على أجهزة مخابراتهم التى أمدتهم بالتقارير الخاطئة عن أحوال تونس و مصر و ليبيا و سوريا و اليمن و البحرين و حقائق الأمور فى هذه البلاد ، و لأن المفاجأة كانت قوية و غير متوقعة لكل أجهزة استشعارهم عن بُعد وعن قُرب ،  فليس أمامهم إلا أن يستخدموا كل الوسائل الشريفة و الغير شريفة للإمساك بزمام هذه البلاد مرة اخرى قبل أن يفوت الأوان . بدأ سباق الزيارات المكوكية للدبلوماسييين الغربيين إلى التحرير لتحسس الأمور و معرفة ما يدور من قلب الأحداث و للوقوف على ردود أفعال الثوار على الدسائس و الفتن التى يُحدثها فلول النظام البائد و المنتفعيين ، ثم بدأت الخطة الجديدة بسرقة الثورة من بين أيادى أصحابها و قذف العديد من الإشاعات بأن هناك من يرتب لهذه الثورة من سنوات ، و هناك العديد من التدريبات جرت فى العديد من البلاد الغربية داخل أكاديميات التغيير ، ثم توالت المؤتمرات و الندوات فى قاعات الفنادق ذو الخمس نجوم التى يُدعى إليها الشباب الثائر الذى ليس لديه أى فكرة عن قواعد اللعبة السياسية ، و تحت مظلة تعليم الديمقراطية و تكريس مفهوم الديمقراطية لدى هؤلاء الشباب ، ثم تطور السباق إلى أن بدأ المشروع الأكبر بإرسال بعض الشباب المنتخب للعديد من تلك البلاد لتلقى دورات مكثفة مدفوعة الأجر من خزائن الغرب ، لإعادة إستخدام هؤلاء الشباب لتوطيد العلمانية و غرس حب الغرب فى عقولهم و غرس كره كل ما له علاقة بالدين ، و أن الدين دائما ما يجر أصحابه إلى الخلف و الرجعية ، و التحرر من العادات و التقاليد الشرقية و الدينية هو الحل الأوحد للحصول على الديمقراطية الحقيقية ، و الوصول بالبلاد إلى قمة الحضارة كما يعيشها الغرب .

من هنا بدأت الخدعة الكبرى ، و سُلبت إرادة الشباب الحر فاقد الخبرة السياسية ، و أصبحوا ينادون بالعلمانية خوفاً من أن يسرق ديمقراطيتهم الإسلاميين ، من يجب إعلاء راية العلمانية و الجهاد فى سبيلها ، دون أن يعى الكثير منهم  ما هى الأهداف الخفية وراء هذا المسمى و ما حقيقة العلمانية و العلمانيين ، و ما علاقة العلمانية بالإسلام .

لفظ العلمانية ترجمة خاطئة لكلمة Secularism في الإنجليزية ، أو Secularite بالفرنسية ، وهي كلمة لا صلة لها بلفظ العلم ومشتقاته على الإطلاق .. والترجمة الصحيحة للكلمة هي اللادينية أو الدنيوية ، لا بمعنى ما يقابل الأخروية فحسب ، بل بمعنى أخص هو ما لا صلة له بالدين ، أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد.

وفي دائرة المعارف البريطانية مادة " Secularism " هي حركة إجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الإهتمام بالآخرة إلى الإهتمام بهذه الدنيا وحدها . وهل الدينا والآخرة طريقان منفصلان؟! وهل هذه لإله وتلك لإله؟! وهل الإله الذي يحكم الدنيا ، غير الإله الذي يحاسب الناس يوم القيامة؟!

ولذلك فإن المدلول الصحيح لكلمة "العلمانية" هو : فصل الدين عن الدولة ؛ أو هو إقامة الحياة على غير الدين ، سواء بالنسبة للأمة أو للفرد ، ثم تختلف الدول أو الأفراد في موقفها من الدين بمفهومه الضيق المحدود ، فبعضها تسمح به ، وتسمى العلمانية المعتدلة ، فهي  بزعمهم  لا دينية ولكنها غير معادية للدين ، وذلك في مقابل المجتمعات الأخرى المضادة للدين ، وبديهي أنه لا فرق في الإسلام بين المسميين ، فكل ما ليس دينياً من المبادئ والتطبيقات فهو في حقيقته مضاد للدين ، فالإسلام واللادينية نقيضان لا يجتمعان . ولا وسط بينهما . وإذن فالدولة العلمانية هى دولة لا تقوم على الدين ، بل هي دولة لا دينية ، تعزل الدين عن التأثير في الدنيا ، وتعمل على قيادة الدنيا في جميع النواحي السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأخلاقية والقانونية وغيرها بعيداً عن أوامر الدين ونواهيه .

والعلمانية دولة لا تقبل الدين إلا إذا كان علاقة خاصة بين الإنسان وخالقه بحيث لا يكون لهذه العلاقة أي تأثير في أقواله وأفعاله وشؤون حياته ، ولا شك أن المفهوم الغربي العلماني للدين ، على أنه علاقة خاصة بين العبد والرب ، محلها القلب ، ولا علاقة لها بواقع الحياة ؛ جاء من مفهوم كنسي محرف ، شعاره "أدِّ ما لقيصر لقصير، وما لله لله"، ومن واقع ما عانته النصرانية خلال قرونها الثلاثة الأولى ، حين كانت مضطهدة مطاردة من قِبل الإمبراطورية الرومانية الوثنية ، فلم تتمكن من تطبيق شريعتها ، واكتفت بالعقيدة والشعائر التعبدية اضطراراً ، واعتبرت ذلك هو الدين وإن كانت لم تتجه إلى إستكمال الدين حين صار للبابوية سلطان قاهر على الأباطرة والملوك ، فظل دينها محرفاً لا يمثل الدين السماوي المنزل . فلما جاءت العلمانية في العصر الحديث وجدت الطريق ممهداً ، ولم تجد كثير من العناء في فصل الدين عن الدولة ، وتثبيت الدين على صورته الهزيلة التي آل إليها في  الغرب .

وإذن فالعلمانية ، رد فعل خاطئ لدين محرّف وأوضاع خاطئة كذلك ، ونبات خرج من تربة خبيثة ونتاج سيئ لظروف غير طبيعية ، فلا شك أنه لم يكن حتماً على مجتمع اُبتلى بدين محرف أن يخرج عنه ليكون مجتمعاً لا دينياً بل الإفتراض الصحيح هو أن يبحث عن الدين الصحيح . فإذا وجدنا مجتمعاً آخر يختلف في ظروفه عن المجتمع الذي تحدثنا عنه ، ومع ذلك يصرُّ على أن ينتهج اللادينية ويتصور أنها حتمية وضرورة ، فماذا تحكم عليه ؟ !!  وكيف يكون الحكم أيضاً إذا كان المجتمع الآخر يملك الدين الصحيح ، فقط نُعيد السؤال ، ونترك لا نقول لكل مسلم  بل لكل عاقل الإجابة عليه ؟

أما نحن فنكرر هنا أنه لا يوجد دين جاء من عند الله هو عقيدة فقط ، والدين الذي هو عقيدة فقط أو عقيدة وشعائر تعبدية ، دون شريعة تحكم تصرفات الناس في هذه الأرض ، هو دين جاهلي مزيف لم يتنزل من عند الله !!!! .

وبعد هذا التوضيح عن العلمانية و العلمانيين ، هل يصح لدولة الأزهر أن تنادى يوماً برفع شعار العلمانية بحجة التقدم و التحرر من قيود الدين ، العلمانية حررت أوربا من تسلط الكنيسة و ظلمها لشعوبها على مدى العديد من القرون ، و بالفعل تحررت أوربا من قيود الكنيسة ولكن فقدت الكثير من القيم الإنسانية بتركها القيم الدينية بالكلية ، و تحطم الوفاق الأُسرى و المجتمعى ، و أصبح الإنفلات الأخلاقى هو القاعدة المعمول بها فى كل الأوساط حتى وصل بهم الأمر لأن تكون الفتاه التى بلغت من العمر الثمانية عشر و لم تفقد عذريتها بعد ، يجب أن تُعرض على طبيبٍ نفسياً لمعالجتها من العفاف ، أصبحت حفلات تبادل الأزواج و الزوجات شيئاً يتباهى به الغرب ، ولا نريد الخوض فى الفارق بين الدولة الدينية و الدولة المدنية بمرجعية إسلامية كما ذكرت فى أحد مقالاتى من قبل ، أقولها و لا أستحى من قولى و بصوت عال ، مصر بلد متدين ، أهلها عكفوا على التدين و القيم الحميدة طوال أربعة عشر قرناً مسلمون كانوا أو مسيحيون ، فلنطرد جميعاً شبح العلمانية كما يعمل على طردها الآن  الأتراك ، بعد أن تنبهوا أن أوربا لن تضمهم إلى الإتحاد الأوربى حتى و لو نادوا بأنهم علمانيون للنخاع ، و أنما تقدمت تركيا بعد أن تكاتفت الأيدى على بناء بلادهم و بدأوا بإسقاط شعارات العلمانية من حياتهم بعد أن رأوا الحكومة الإسلامية ترتقى ببلادهم و تأخذهم نحو التقدم والرخاء و الحضارة.


  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 45 مشاهدة
نشرت فى 7 يونيو 2011 بواسطة mohamedmedhat1

ساحة النقاش

محمد مدحت عمار

mohamedmedhat1
طالب فى الاعدادى واحب الاسلام وهوايتى الكمبيوتر والمقالات والنت و كاتب صغير »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

43,791