أولاً: أُعبر عن عظيم امتناني وشكري لمشاعر الحب والاهتمام التي غمرني بها الآلاف (من داخل وخارج مصر ومن كل محافظات مصر ومن كل التيارات السياسية ومن مواطنين بسطاء)، سواءً الذين قاموا بزيارتي في المستشفى أو في البيت، أو الذين قاموا بالاتصال الهاتفي (حيث لم يتوقف تليفوني دقيقة واحدة – تقريبًا- طوال عدة أيام عن استقبال المكالمات للسؤال والدعاء.. فجزى الله الجميع عني خيرًا).

 

مع يقيني أن هذه الحفاوة لم تكن لشخصي المتواضع بقدر ما كانت لوجودي في قلب المشهد الذي يحاول تجسيد مشروع تحرير إرادة الوطن، وتخليصه من ركام عقود طويلة من الفساد والاستبداد والعفن والتخلف، الذي صاحب اختطاف إرادة الجماهير ومصادرة حقوقها وقمع حرياتها.
 
مظاهرة 3 مايو

كنا قد دعونا لمظاهرة بميدان التحرير يوم الإثنين 3 مايو 2010م لتأكيد مطالب القوى الوطنية المصرية من أجل التغيير, ودار شد وجذب بيننا نحن النواب الستة الذين تقدمنا لمديرية أمن القاهرة بإخطار بشأن المظاهرة والمسيرة، حذرنا فيه من تكرار ما حدث يوم 6 أبريل، أو الاستجابة لدعوات نواب الحزب الوطني بإطلاق الرصاص على المتظاهرين, وردت الداخلية علينا بإنذار على يد مُحضر بالتحذير من القيام بالمظاهرة، والتهديد بتحميلنا المسئولية عنها.

 
وفي يوم الأحد 2 مايو تلا علينا السيد رئيس المجلس رسالة وزارة الداخلية مصحوبةً بالتهديد برفع الحصانة، وربما تطبيق القانون على النواب بالحبس ستة أشهر، ورددنا نحن النواب الستة بأننا مصرون على ممارسة حقوقنا المشروعة كمواطنين- وفقًا للدستور والمواثيق الدولية-، وأننا لا نبالي برفع الحصانة عنا أو حتى باعتقالنا.

 عقب الجلسة طلب السيد رئيس المجلس الاجتماع بنا للمناقشة في كيفية الخروج من المأزق الذي عبرت عنه عناوين بعض الصحف (اليوم.. اختبار القوة بين "الداخلية" و"نواب المسيرة"), وإزاء إصرارنا على موقفنا وافق السيد رئيس المجلس- بعد اتصال بالسيد وزير الداخلية- على المظاهرة، واتفقنا على استبدال المسيرة بحضور وفد محدود يقدم مطالب القوى السياسية لرئيس المجلس.

 وكان ما كان من احتشاد رموز القوى الوطنية المصرية بمختلف تياراتها في تلك المظاهرة بميدان التحرير، وإعلان المطالب الأربعة للقوى السياسية: (إنهاء حالة الطوارئ- إقرار قانون لمباشرة الحقوق السياسية يحقق ضمانات النزاهة الانتخابية- الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين- تعديل دستوري للمواد 76 و77 و88), وكانت رسالة ناجحة تمامًا في هذا الجزء منها, غير أن جزءًا آخر من المشهد طغى عليه يومها حين أصر الشباب على اقتحام الأطواق الأمنية الكثيفة، والخروج في مسيرة للمجلس، بينما رأى رموز القوى الوطنية الموجودون أن هذه المحاولة لن تحقق المرجو منها وقد تحدث من الصدامات والاشتباكات؛ مما سيؤثر بالطبع على رسالة المظاهرة الناجحة حين تخرج الصحف في اليوم التالي تتحدث عن اشتباكات وانقسامات، وتنسى رسالة الإجماع على المطالب السياسية الأربعة.. وكان أن حدث ما تخوفنا منه.

 
يوم السبت 8 مايو زارني بمكتبي عديد من شباب حركة 6 أبريل، وتناقشنا في تقييم ما جرى يوم 3 مايو, وتقاربت وجهات النظر حين تفهم الشباب أن عدم قيامنا بالمسيرة كان تقديرًا للنتائج المتوقعة، ولم يكن تراجعًا أو تخاذلاً منَّا, وحين تفهمت أنا أن موقف الشباب أيضًا لم يكن نزقًا أو تهورًا بقدر ما كان نتيجة عدم معرفة بما اتفقنا عليه بيننا نحن رموز القوى الوطنية, أثناء الحوار بيننا علم الشباب مني أن تمديد العمل بقانون الطوارئ سيتم بالمجلس يوم الثلاثاء 11 مايو؛ فاقترح بعضهم أن تكون هناك مظاهرة في ذلك اليوم أمام المجلس لرفض هذا التمديد, فاتفقنا على مناقشة الموضوع أولاً بين ممثلي القوى السياسية؛ حتى يتم العمل من خلال توافق لا تتكرر معه خلافات أو انقسامات (وهكذا تنضج تجربة العمل الجبهوي المشترك), وبالفعل دار النقاش بين الأطراف الممثلة في الجمعية الوطنية للتغيير (برعاية منسقها العام د. حسن نافعة)، واتفق الجميع على عقد هذه المظاهرة لرفض تمديد الطوارئ.

 جلسة الطوارئ

مساء الإثنين 10 مايو شاركت في برنامج (بلدنا بالمصري) على قناة (أون تي في) حول تمديد الطوارئ، وتداخل أحد نواب الحزب الوطني الذي كان قد أقسم بالطلاق سنة 2006م أن يكون هذا التمديد في 2006م هو آخر تمديد للطوارئ, وقال الرجل إن هناك مفاجأة غدًا سيعلنها السيد رئيس الوزراء.

 أثناء عودتي من مدينة الإنتاج الإعلامي ليلاً اشتريت صحف الثلاثاء لأجد (الأهرام) تصدر صفحتها الأولى بمانشيت (إلغاء الطوارئ وقصرها على الإرهاب والمخدرات), لم أنم تلك الليلة انشغالاً بحقيقة ما جاء في الأهرام، وما هي الضمانات لتحوله إلى حقيقة, وكذا شغلتني اتصالات من عدد من السياسيين يسألونني عن حقيقة الخبر، وهل سيغير أم لا في سيناريو المظاهرة أو سيناريو جلسة المجلس؟, سهرت على دراسة قانون الطوارئ بالتفاصيل التي قيل إن الشيطان يكمن فيها.

 صباح الثلاثاء 11 مايو شاركت في المظاهرة أمام المجلس, تلك التي حضرها عشرات من رموز القوى الوطنية بمختلف تياراتها، إلى جانب العشرات من الشباب الذي كان شديد الحماس في التعبير عن أمله في وطن بلا طوارئ, ثم دخلت مع زملائي النواب إلى قاعة المجلس لنستمع للسيد رئيس مجلس  الوزراء وهو يتلو علينا قرار رئيس الجمهورية رقم (126) لسنة 2010م بمد حالة الطوارئ لمدة سنتين، والذي ذكر أنه سيقتصر تطبيق أحكامه على مواجهة أخطار الإرهاب وتمويله، وجلب المواد المخدرة والاتجار بها، فضلاً عن اتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على الأمن العام لمواجهة هذه الأخطار دون غيرها.

قلت في نفسي لا جديد تحت الشمس.. ما يعلنه د. أحمد نظيف اليوم على لسان السيد رئيس الجمهورية هو نفس ما ردده د. أحمد نظيف على مسامعنا تحت هذه القبة في 2006م, 2008م، حين كان يتعهد أمام المجلس أن حكومته لن تستخدم قانون الطوارئ إلا في حالات مواجهة الإرهاب ومكافحة المخدرات, وهو ما كذبه الواقع طوال هذه السنوات تحديدًا؛ حيث كان الاستخدام الأوسع لتطبيق الطوارئ هو مصادرة الحريات ومكافحة المشاركة السياسية, حين كانت القاهرة المدينة الوحيدة في العالم التي مُنعت من التظاهر ضد العدوان على غزة، واعتُقل يومها بالطوارئ 2000 معتقل, وحين كانت الحكومة تستبق كل انتخابات (طلابية أو عمالية أو محلية أو تشريعية) باعتقال المرشحين أنفسهم، فضلاً عن أنصارهم لتقضي على كل أمل في انتخابات حرة في هذا الوطن.

 في بداية الجلسة أرسلت للسيد رئيس المجلس أطلب الحديث في الدستور؛ لأني أرى أن مجرد مناقشة تمديد الطوارئ بعد 29 سنة من استمرارها هو انتهاك صريح لنصوص الدستور الذي أقسمنا على احترامه, ورغم أن لائحة المجلس تنص على أن الحديث في الدستور مقدم على أي حديث آخر، إلا أن السيد رئيس المجلس أعلن أنه لن يعطيني الكلمة, فوقفت في مقعدي صامتًا رافعًا الدستور بيدي في مواجهة رئيس المجلس لأذكره بواجبه.

 استمعت للسادة نواب الشعب!!! (د. مصطفى الفقي, اللواء سعد الجمال, د. آمال عثمان, النائب إبراهيم الجوجري والمستشار محمد الدكروري)، وهم يتحدثون عن اللحظة التاريخية التي جاءت في قرار السيد رئيس الجمهورية بتمديد الطوارئ لعامين جديدين!!, وأن العالم من حولنا يموج بالإرهاب الذي يجب أن نستعد له, وأن الداخلية أقدر منا على تقدير مصلحة الوطن!!!, وأن تطبيق القانون سيتم قصره على حالات الإرهاب والمخدرات، ومن ثمَّ يجب على المعارضة قبل الأغلبية أن تقوم بشكر وتقدير تلك اللحظة التاريخية.

 ألم يكن هذا هو نفس ما تعهدت به حكومة الحزب الوطني في 2006م , 2008م, بقيت واقفًا أستمع لهذه الكلمات والدم يغلي في عروقي، تحدث السادة النواب (د. محمود أباظة, محمد عبد العزيز شعبان, د. محمد سعد الكتاتني) فأكدوا أنه لا مبرر لتمديد الطوارئ، وأن الشعب كله يتضرر من استمرار الطوارئ، وأن النظام يستخدم الطوارئ أسوأ استخدام لقمع الحريات وضد الخصوم السياسيين.

أخيرًا يئس الدكتور سرور من قعودي فأعطاني الكلمة فوقفت أؤكد أن:

1- هذه المناقشة لتمديد الطوارئ باطلة وفقًا للدستور بل وفقًا لقانون الطوارئ نفسه, فالقانون في مادته الأولى حدد الحالات التي يجوز لرئيس الجمهورية فيها إعلان حالة الطوارئ، وهي تلك الحالات التي يتعرض فيها الوطن للخطر بسبب الحرب أو التهديد بالحرب، أو حدوث نزاع داخلي أو حدوث كوارث طبيعية, سألت د. مفيد شهاب: (أي من هذه الحالات الأربع هو حال مصر الآن كي تطلبوا تمديد الطوارئ؟)، فلم يجب.

 2- قلت للحكومة: هل تتحدثون في 2010-2011م عن ظروف طبيعية (وقد مللنا الحديث فيها منكم عن الاستقرار والازدهار والنمو)، ومن ثم فنحن مقبلون عن عرس ديمقراطية (انتخابات شورى ثم شعب ثم رئاسة)؟ أم أننا في ظروف استثنائية توجب العمل بقانون الطوارئ؟ إن عليكم أن تختاروا إما الانتخابات وإما الطوارئ فهذان النقيضان لا يجتمعان إلا في مصر!!.

 3-  قلت للدكتور سرور: لقد نص الدستور في مادته 148 على أن إعلان الطوارئ يكون لمدة محددة فهل ترى أن 31 سنة متصلة من تطبيق الطوارئ يتماشى مع مفهوم المدة المحددة (ولو كان الأمر كذلك فالألف سنة أيضًا تعتبر مدة محددة)؟، وهل قصدت إرادة وضمير المشرع في هذا النص شيئًا غير أن تكون الحريات هي القاعدة ة وتكون الطوارئ هي الاستثناء؟؟ وهل هذا هو حالنا مع تمديد 31 سنة طوارئ؟؟.

 4- قلت للذين يبشروننا بإلغاء العديد من إجراءات الطوارئ: إن المادة 41 من الدستور تنص على أنه لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو توقيفه أو حبسه أو تقييد حريته أو منعه من التنقل أو السفر إلا بأمر من القاضي المختص، أو بإذن من النيابة العامة, والبند الأول من الإجراءات التي بشرتمونا بعدم إلغائها ينص على استمرار (وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور في أماكن أو أوقات معينة، والقبض على المشتبه بهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم، والترخيص في تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية, وكذلك تكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال).

 قلت لهم باختصار شديد أسألكم: هل نحن في دولة مدنية تُحكم بالدستور والقانون أم في دولة بوليسية تحكم بالأحكام العرفية وشريعة الغاب؟!.

 5- قلت: أخيرًا: إذا كانت الدولة جادة في قصر تطبيق الطوارئ على جريمتي الإرهاب والمخدرات فلتعلن فورًا الإفراج عن كل المحبوسين بالطوارئ، وذكرت أمثلة لذلك: مسعد أبو فجر وبهاء فزاعة (المحبوسين منذ سنوات رغم صدور عشرات الأحكام القضائية بالإفراج عنهم)- ولم أذكر إخواني خيرت الشاطر ورفاقه- فقط كي لا أثير أرتيكاريا الإخوان فيظن البعض أن الطوارئ مشكلة إخوانية, قلت لهم: سيحاسبكم التاريخ وسيحاسبكم الله عن هؤلاء جميعًا؛ لأن الداخلية تقول في كل انتهاك تمارسه حين نسألها عنه: (هذا هو قانون الطوارئ الذي أقره المجلس الموقر ونحن نطبقه).

 6- وبناءً عليه: قلت لرئيس المجلس: لقد تقدمت إليك برفض كتابي موقع عليه من 103 نواب أظن أنهم يمثلون كل الشعب المصري، أما الذين سيوافقون على تمديد الطوارئ اليوم فلا أظن أن لهم علاقة بهذا الشعب.

 انتهيت من كلمتي وكنت في حالة انفعال شديدة فحين هممت بالجلوس في مقعدي لم أتمالك نفسي ودارت بي الأرض وسقطت في مكاني، وكان ما كان من نقلي لمستشفى القصر العيني الذي بقيت فيه حتى ظهر اليوم التالي، حين أكدت الفحوصات أن الأمور بفضل الله مستقرة.

 
ماذا بعد:

ماذا يجب علينا بعد موافقة الأغلبية الميكانيكية على تمديد الطوارئ؟ أتصور الآتي:

1- أن النظام في هذا العام وقد حاصرته ضغوط المعارضة (التي بدأت في التزايد في الآونة الأخيرة على النحو الذي عبرت عنها فعاليات القوى الوطنية في 6 أبريل- 13 أبريل, 2 و3 مايو ثم 11 مايو، وما صاحبها من يقظة نسبية للرأي العام المصري والدولي إزاء وضع الحريات في مصر)، ومع حاجة النظام للتجميل الظاهري في هذه الأجواء الانتخابية القادمة, فأظنه رسم خطته التكتيكية على نحو من التراجع الشكلي بالنص في قرار رئيس الجمهورية بقصر التطبيق على جريمتي الإرهاب والمخدرات, والقضية الآن هي كيف نحول هذا التراجع التكتيكي إلى واقع حقيقي لا يملك النظام العودة عنه من احترام حقوقنا وإرادتنا وكرامتنا؟.

 2- أرى أنه يجب علينا أن تستمر فعالياتنا لحين الإلغاء الكامل لحالة الطوارئ، وأول هذه الاختبارات (لنا وللحكومة معًا) هو أن الحكومة إذا لم تفرج يوم 1/6/2010م عن كل المعتقلين المحبوسين بالطوارئ- كما صرح بذلك د. سرور- فيجب أن ندشن في اليوم التالي فعاليات سلمية حاشدة (حتى لو صاحبتها اعتقالات واسعة)؛ لنؤكد أن الطوارئ تُستخدم ضد حرية التعبير وفي استمرار حبس السياسيين (أي في غير جريمتي الإرهاب والمخدرات اللتين نص القرار الجمهوري عليهما).

 3- أتمنى أن نبدأ حملة واسعة- يشارك فيها الكتاب وأصحاب الرأي- تدعو لعدم الخضوع لأي تجاوزات شرطية غير متقيدة بأحكام القضاء, فلنرفض جميعًا الخضوع لأكمنة التفتيش والتوقيف أو اقتحام البيوت ومداهمة واعتقال أصحابها، أو المنع من التنقل والسفر إلا بأمر من القضاء أو إذن من النيابة (طالما أننا لسنا جزءًا من جريمتي الإرهاب أو المخدرات).

 مرة ثانية نريد أن نختبر الحقيقة، هل نحن نعيش في دولة مدنية ذات مرجعية دستورية وقانونية أم نعيش في دولة بوليسية تحكم بالبلطجة وشريعة الغاب؟؟!!.

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 36 مشاهدة
نشرت فى 7 يونيو 2011 بواسطة mohamedmedhat1

ساحة النقاش

محمد مدحت عمار

mohamedmedhat1
طالب فى الاعدادى واحب الاسلام وهوايتى الكمبيوتر والمقالات والنت و كاتب صغير »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

43,791