تمتلأ شوارع مصر بلافتات انتخابية لمرشحين لانتخابات مجلس الشعب القادمة والتي يحين موعدها في نهاية شهر نوفمبر القادم, وقد ظهرت  هذه اللافتات منذ عدة أشهر رغم أن القانون يمنع بدأ هذه الدعاية إلا بعد فتح باب الترشيح وإعلان قوائم المرشحين , والمفروض أن اللجنة المسماة  باللجنة العليا للانتخابات تمنع  وتحاسب هؤلاء الذين خالفوا القانون وتفرض عليهم عقوبات وفقاً للقانون تصل إلى الشطب من جداول الترشيح وفرض غرامات , لكن اللجنة العليا تجاهلت هذه الانتهاكات وسكتت عنها مخالفة بذلك القانون , الأمر الذي يستوجب تحريك الدعاوى القضائية ضد اللجنة العليا للانتخابات ذاتها.


لكن السؤال الذي أطرحه لماذا قام هؤلاء المرشحين بوضع هذه اللافتات أصلاً؟ وهل المخاطب بها  جماهير شعب مصر الذين يسعون لكسب تأييدهم وتعاطفهم وضمان أصواتهم ؟ وهل يعتقد هؤلاء المرشحون أن هناك انتخابات حقيقية ينافسون عليها غيرهم ومن ثم يسعون لحشد الناخبين حولهم؟ وإذا كانت الحقيقة الجلية أنه لا توجد انتخابات ولا منافسة فلماذا إذن ينفقون هذه الأموال على هذه الدعاية؟ ولماذا لا يسعون (باعتبارهم أطراف حقيقية ذات مصلحة مباشرة ) مع الساعين للمطالبة بضمانات لحرية ونزاهة الانتخابات أولاً؟ ولماذا لم تتحدث هذه الدعاية عن أي وعود أو شعارات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو خدمية وإنما فقط حملت الأسماء والصور؟  وما الفارق إذن بين هؤلاء المرشحين وبعضهم البعض أمام ناخبيهم ؟

الحقيقة أن هؤلاء المرشحين ( أو غالبيتهم) لم يقصدوا بالدعاية واللافتات الجماهير وإنما قصدوا أمانات الحزب الوطني الديمقراطي بل إن البعض ركز لافتاته أمام مقار الحزب في عواصم المحافظات بشكل مباشر!!!

والمرجح أن كثير من هؤلاء ستنتهي دعايته عند هذه الجولة وسيتوقف عن الدعاية بمجرد أن يعلن الحزب الوطني أسماء مرشحيه, ليس ذلك بسبب الالتزام الحزبي فغالبية هؤلاء لم يعرف الحزبية بل ولا السياسة أصلاً, وإنما بسبب أن هؤلاء جميعا يدركون أنه لم تعد هناك انتخابات ولا منافسة ولا أهمية لشعبية أو حسن او سوء سيرة بين الجماهير ولا لسجل أعمال سابقة لصالح أو لغير صالح الشعب أو الوطن فضلاً عن الأفكار والبرامج , وإنما المهم عندهم أن يختارك الحزب لتضمن التزوير لك وتأمن من التزوير ضدك , ومن ثم فقد سعى كل منهم لتقديم نفسه لأمانة الحزب ليس فقط بالتبرعات التي بلغت المليون جنيه في بعض المحافظات وإنما بإثبات وجوده في الشارع وإثبات قدرته على الصرف على حملته بل حملة الحزب الانتخابية, وسيستمر البعض في المنافسة الحزبية حتى لو لم يختاره الحزب مرشحاً رسمياً له أملاً في أن يختاره الحزب ضمن المقاعد المخصصة  لغير مرشحي الحزب ( تكملة الديكور والمسرحية السياسية ) لينضم بعد إنجاحه (بالتزوير له ضد مرشح الحزب على نحو ما حدث لمرشحي أحزاب المعارضة الأربعة الذين نجحوا في انتخابات الشورى الأخيرة ضد مرشحي الحزب الوطني) إلى حزب الأغلبية المصطنعة.  

والمرجح أن اللجنة العليا للانتخابات تفهمت الطبيعة الحزبية وليست السياسية لهذه اللافتات وأنها لا علاقة لها بالجماهير أصلاً ومن ثم فلم تحاسب أصحابها, وكذلك تفهمت الإدارات المحلية تلك الطبيعة فلم تطلب رسوماً على هذه اللافتات, وتفهم السادة المحافظون ذلك أيضاً فلم يأمروا بإزالة اللافتات وبتنظيف الشوارع على حساب أصحابها كما يفعلون مع أغلب خلق الله.

في نهاية المطاف فهؤلاء الذين سيقع عليهم إختيار أمانة تنظيم الحزب كمرشحين رسميين ,وكذلك الذين سيتوقفون إحتراماً لإرادة الحزب والذين سيستمرون لينضموا للحزب بعد نجاحهم , هم جميعاً يلعبون ضمن فريق الحزب الوطني الديمقراطي ولكن في مواقع مختلفة بعضها أساسي وبعضها إحتياطي , وهم في أغلبهم مرشحين ونواب للحزب وليس للشعب, هم يدركون جيداً ان الحزب هو الذي سيأتي بهم وهو صاحب الفضل والمنة عليهم وسيبقوا مدينين له بالفضل ومن ثم فلن يخذلوه أبداً في كل ما يطلبه منهم , و هم يدركون كذلك أن رأي وموقف الجماهير لم يعد له كثير أهمية فالانتخابات بلا ضمانات ولا شهود وقد رأوا بأعينهم زملاءهم في مجلس الشورى الأخير يفوزون بمقاعدهم ويحصلون على مئات الألوف من الأصوات دون أن يكلف الناس أنفسهم عناء الذهاب لصناديق الاقتراع أصلاً, وفي هذا ميزة كبيرة حيث لن يبقى النواب مدينين للجماهير بالنجاح ومن ثم فلن يصبح على النواب أية التزامات قبل الجماهير ومن ثم فلا حاجة لوعود ولا لبرامج ولا لأفكار ولا لمطاردة وملاحقة الجماهير بالمطالب والمشكلات التي تثقل كاهل الحكومة المسكينة.
هذه خلاصة المسألة, قل لي من جاء بك إلى البرلمان أقل لك ستعمل لحساب من وستخدم أجندة من وستكون أميناً على مصالح من؟

هكذا علمنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه حين وقف في الناس خطيباً يوم تولى أمانة ومسؤلية الأمة,  فعلم  أنه خادم وعامل أجير لدى الأمة (هي جاءت به ليعمل في خدمة ورعاية شؤنها, ومن واجبهم إن رأوه قائم على مصالحهم على النحو الذي يرتضونه أن يعينوه, ومن حقهم إذا وجدوه غير قائم بواجبه على النحو الذي يحقق مصالحهم –هم- أن يستبدلوه بغيره) , فقال لهم (وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فاعينوني وإن أسأت فقوموني) , وهكذا فقهت حكومتنا الدرس المقابل ففهمت أن المسؤلين والنواب إذا أدركوا أن الناس هي التي تجيء بهم وتذهب بهم بعيداً عن كراسي المسؤلية فسيعملون لأجل الناس ومن ثم فلن يكونوا أمناء على مصالح السلطان , وإذا أدركوا أن  ( الحزب- النظام ) هو الذي يجيء بهم ويذهب بهم فسيعملون لأجل الحزب والنظام, ومن ثم قررت حكومتنا النبيهة أن تجعل كل مقاعد المسؤلية في هذا الوطن بالتعيين أو بالتزوير (الذي هو أسوا من التعيين ), فمن العمدة وشيخ الغفر في القرية للعميد ورئيس الجامعة ,ومن مدير الشركة لرئيس الهيئة ,ومن الوزير لرئيس الحكومة فكل شيء بالتعيين, ومن عضو اتحاد الطلاب لعضو نادي التدريس, ومن عضو المجلس المحلي لعضو مجلس الشورى والشعب كل شيء بالتزوير.

هكذا فقهت حكومتنا النبيهة فاشتغلت بتكوين فريقها الذي يلعب (لأجلها هي),  وحرصت أن تخرج من الملعب كل لاعب لا يلعب لحسابها ولو كان ضمن الفريق الذي يمثل دور المنافس , ومن ثم قررت ألا تتكرر تجربة انتخابات 2005 (والتي جاءت ببعض اللاعبين الذين  لا يلعبون لصالحها) مرة ثانية.

 حان وقت انتخابات المجالس المحلية في أبريل 2006 فبادرت الحكومة بعمل قانون يمدد للمجالس المحلية القائمة سنتين جديدتين, ثم جاءت التعديلات الدستورية في مارس 2007 لتنهي الإشراف القضائي على الانتخابات كلها, ثم جاء  التشكيل النصفي لمجلس الشورى في 2007(بالمناصفة بين التعيين والتزوير) ثم جاءت انتخابات المجالس المحلية في أبريل 2008 ( 52 ألف مقعد  بالتزوير) , ثم جاء استكمال تشكيل مجلس الشورى في 2010(بالمناصفة بين التعيين والتزوير) وبقى مجلس الشعب في ثوبه الجديد (518 مقعد ) لتستكمل الفرق كلها تلعب لصالح من جاء بها.

بقيت نقطة جوهرية وهي ألا تنخدع الجماهير وتتوه بين هذه اللافتات ( التي لا تخاطبها ولا تعمل لها  أصلاً) فأغلبها سيلعب حتماً ضمن فريق الحزب الوطني , وهو الفريق الذي يجب أن تبدأ الجماهير بإخراجه من الملعب أولاً بصرف النظر عن أسماء لاعبيه وصورهم , فهو الحزب الذي بقى طوال الثلاثين سنة الماضية يعمل لاعبيه لصالح أنفسهم محتكرين ثروات وقدرات وخيرات هذا الوطن لهم ولذويهم, حلبوا كل شيء فيه فككوا مصانعه وشركاته, باعوا أرضه وصحرائه, احتكروا صناعاته وتجاراته, بل دخلوا على باطن الأرض فاستخرجوا بتروله وغازه الطبيعي واستخسروها فينا وباعوها لعدونا ليخفض سعر كهربائه ونعيش نحن في الظلام.
أخيراً: هل تملك الجماهير المصرية أن تخرج ذلك الفريق من الملعب؟ أظن أنه إذا بنت الجماهير الملعب بيدها ووضعت قواعد عادلة ومنصفة لتفرضها هي وتلزم بها  كل من يريد اللعب بشرف ورجولة وفق قواعد اللعبة , أظن أن ذلك الفريق وقتها سيخرج بنفسه من الملعب لحين أن يسمح له بالنزول بعد أن يتعلم قواعد اللعبة , ولهذا السبب انزعج النظام أن بدأنا نعلم الناس قواعد اللعبة بداية بالمطالب السبعة للتغيير والاصلاح

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 42 مشاهدة
نشرت فى 7 يونيو 2011 بواسطة mohamedmedhat1

ساحة النقاش

محمد مدحت عمار

mohamedmedhat1
طالب فى الاعدادى واحب الاسلام وهوايتى الكمبيوتر والمقالات والنت و كاتب صغير »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

43,683