كيف تربّي نفسك في عشرة أيام !
انتشر بيننا هذا السؤال : كيف نحقق الربانية ؟ وها هي أيام التربية قد جاءتنا , فالتربية في حقيقتها منسوبة للرب , وقد عرفها العلماء بأنها الوصول بالأمر شيئا فشيئا إلى الكمال , ولما كان الكمال لله وحده اتفق خبراء التربية على عبارة : مناشدة الكمال , ومن ثم كان العزم والتشمير والاجتهاد والسعي والعمل والتصميم والإرادة هي الطريق الوحيد لمناشدة الكمال , وبالتالي تحقيق التربية .
ومعني أن تربي نفسك إجمالاً هو التعرض لنفحات الله وعطاياه المستمرة , فنفحات الله ومننه وأنواره نازلة نازلة , فإن وجدت فلوباً متيقظة وأرواحاً نشطة ونفوساً فتية , استقرت بها ونال صاحبها الرضا , ورحبت الدنيا في قلبه , واتسع الكون في روحه , فنهض نحو التغيير والسلوك القويم , ولذلك كانت وصية المصطفي صلي الله عليه وسلم : ( إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها ) , والتعرض لها هو العزم والإرادة والتصميم في توجهنا إليها , فهي فرصة للاغتنام , فالغنيمة في الحرب لا تكون إلا بعد عناء ومعاناة , كذلك هذه الأيام المباركات .
وقد تأملت في الطاعات الكثيرة : من صيام وقرآن ونوافل وسنن وصدقات واستعداد للعيد وإسعاد للمجتمع وتقديم الخدمات واتصال دائم بالله من قيام ليل ومناجاة وذكر ودعاء ….. فقلت : إن الله فضل هذه الأيام فأقسم بها في قرآنه : ( والفجر وليال عشر ) ودعا لمناجاته فيها : ( واذكروا اسم الله في أيام معلومات ) يقول ابن عباس : إنها العشر الأوائل من ذي الحجة .
فقد جاء كل ذلك من أجل هدف يريده الله لكل مسلم في حياته اليومية , وهي على صعيدين :
الأول : ما نراه من مشاهد الأمة وقد جاءت من كل فج عميق
لتؤدي مناسك الحج الواحدة , وتعظم شعائر بعينها , ثم يعودون وكل منهم مولود جديد ينبؤ بميلاد جديد للأمة , فنتعلم من المشاهد أمرين بهما نبدأ عاما جديدا بصفحة بيضاء وهما :
1 – الانشغال بالآخرة
وهو ما يخفف علينا عمل الدنيا والسعي والاكتساب والكبد , وكيف نجعل ذلك بابا للآخرة مصداقا لقول السلف : ( من نافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة ) فها هو وفد الله لا ينشغل إلا بالآخرة , وهذه رسالة واضحة لكل مسلم لم يحج , وهذا الانشغال بالآخرة هو منة من الله وفضل لعباده : ( إنا أخلصناهم بخالصة ذكري الدار ) .
2 – التشمير للجنة
ففي كل ما نراه من أعمال الحج ومشاهده مشقة وعناء ومكابدة في القدوم والطواف والمبيت بمنى والسعي ورمي الجمرات وكأنها تقول لنا في رسالتها : الجنة الغالية تنتظرك فماذا أعددت لها ؟!.
كان النبي يقول لصحابته : ألا من مشمر للجنة ؟ فيقولون : نحن المشمرون لها ؟ فبقول لهم النبي : قولوا إن شاء الله .
أي بالاجتهاد والتشمير وليست بالراحة والدعة , وإن كان هذا الرد النبوي لصحابته الكرام فبماذا نحن نتلقى هذا الرد النبوي وحالنا كما نري ؟
الصعيد الثاني : على مستوى حياتنا اليومية
فهذه أيام تربية ننشد فيها الكمال عسى الله أن يكتب لنا المغفرة فهي الطريق الأوحد إلى الجنة يقول تعالى : ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعددت للمتقين ) , ونجمل أيام التربية في التالي :
1 - تربية النفوس :
بهذه الطاعات وأثرها في النفس , فتعطينا طاقة وزادا نواجه به معارك الحياة , إن الطاعة لا تتحقق إلا حينما تكون خالصة لله , ويكون لها أثر في المجتمع والحياة , فإن لم يكن لها أثر في تغيير السلوك وإصلاح المجتمع فيجب مراجعة إخلاصها لله , وإن لم يكن لها أثر في الأنس بها والانشراح لها وزيادة الايمان وانفساح القلوب , فيجب مراجعة إخلاصها لله تعالى : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا ) .
ساحة النقاش