جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
جلست ذات مرة في حلقة لتعليم الأطفال في أحد المساجد، والتف حولي الصغار ينتظرون بداية الدرس، فقلت لهم: سنلعب اليوم لعبة مسلية أعتقد أنها ستعجبكم.
واستطردت وعيونهم الصغيرة تتلهف للعب: سأكتب خبرا قصيرا في ورقة، ثم سأخبر أول الجالسين منكم على يميني بهذا الخبر في أذنه، وعليه أن ينقله إلى من بجواره في أذنه، وهكذا حتى يصل الخبر إلى من يجلس على يساري في الحلقة فيذيعه على الجميع.
وبعد أن انتهوا وأذاع الطفل الأخير الخبر الذي كنت أنا مصدره الأول قرأت عليهم أصل الخبر المكتوب في الورقة فإذا به يختلف تماما عن ما أذاعه الغلام، ثم قلت لهم: هذه نتيجة منطقية لعدم الدقة في النقل، الكلمة أمانة إذا تحملتها فانقلها كما هي حتى تكون قد أديت الأمانة على وجهها وإلا فلا تحملها.
إن سلفنا الصالح عندما تكلموا عن خطر اللسان وآفات الكلام نبهوا على أهمية أمانة النقل وخطورة الاستهتار في نقل الأخبار دون استيثاق من صحتها وصحة نسبتها إلى قائلها، وقد قام علم الرواية الذي ضبط للأمة الإسلامية طريقة نقل الشرع من جيل إلى جيل على هذه المبادئ الصارمة التي تراعي الأمانة والدقة في كل كلمة بل في كل حرف ينقل.
وعلى أبناء الصحوة الإسلامية أن يحافظوا على هذه المنقبة، وأن يفشوا هذا الخلق، وأن يروضوا أنفسهم ومن حولهم على تحري الدقة في النقل تعظيما لأمانة الكلمة، وينبغي أن تختفي مظاهر الاستهتار في نقل الأخبار والكلام من حياتنا.
كلنا يعلم أقوال النبي صلى الله عليه وسلم عن خطورة الكلمة ومدى فاعليتها في الأحداث وفي الحياة عامة ومدى تأثيرها بالتالي على حال العبد يوم القيامة من سعادة أو شقاء، ولكن من منا يجعل من هذه الأقوال دستورا يحكم أفعاله وأقواله، فلا يتفوه بحرف إلا وهو يعرف مصدره ويتيقن من صحته؟!
ألا نعتبر ونحن نقع يوما بعد يوم في فخاخ من الفتن بسبب خبر مفبرك أو معلومات غير دقيقة أو كلام مبتور عن سياقه لم يقله من نسب إليه؟! ألا تجعلنا هذه الفتن التي تمر بها بلادنا وصحوتنا - بالإضافة إلى وعينا الشرعي- على أعلى درجة من اليقظة تجاه ما يقال وتجاه ما نقول حتى لا نقع فيما يقع علينا وعلى صحوتنا بالضرر؟!
نحتاج بلا شك إلى وعي أكبر وإلى جهد أكثر في سبيل ترسيخ ثقافة أمانة الكلمة ودقة النقل في مجتمعنا، حتى نرتقي بأنفسنا وبصحوتنا وحتى لا نكون فرسية لشراك أعدائنا.
سبحان الله و بحمده . سبحان الله العظيم
ساحة النقاش