<!--

<!--<!--

أيها المهموم بغير دينه

د. محمد القاضي

أخي،  أيها المهموم بغير دينه، هل فكرت يوما فيما مضى من عمرك، وماذا قدَّمت فيه لدينك؟!

وهل راجعت يوما نعم الله عليك التي اختصَّك الله بها ونظرت فيم سخَّرتها؟!

وهل استحوذَت عليك دنياك أم ادَّخرت منها شيئا لدينك؟!

وهل يؤرِّقك نشر الهداية وتوسيع رقعة الصالحين كما يؤرِّقك السعي على الرزق وتأمين حياة أبنائك المقرَّبين؟!

أخي، إن ربك ما خلقك إلا لعبادته وطاعته، وعمارة كونه بما يرضيه، ولذلك كرمك ربك بين خلقه، ورفع قدرك، وأعلى شأنك، وأحب منك أن تكون حاملا للخير أينما كنت وأنى حللت.

أخي، إن الشيطان يريد منك أن تعيش ذليلا في حياتك بعيدا عن مرضاة ربك، ولذلك إن لم تهاجم شيطانك هاجمك، وإن لم تُتعبه أتعبك، وإن لم تحمله على الركوض خلفك أركضك ذليلا لاهثا وراءه، وحين تتخدَّر غيرتك على دعوتك وتتبلد مشاعرك تجاه مصاب أمتك فاعلم أن الشيطان قد غزاك.

أخي، أنت صاحب دعوة ينتظرها المسلمون في جميع الأرض، وأنت صاحب رسالة في هذه الحياة، وصاحب الرسالة لا يحتاج إلى سماع صرخة استغاثة ضحية تحتضر بين يديه لينتفض، ولا يحتاج إلى من يذكِّره بدوره بل هو من يذكِّر غيره، فما نزل بالأمة يوقظ الأموات ويطرد السبات.

أخي، اعرف قدر نفسك .. وموضع قدمك .. واقتف أثر نبيك .. والبس لأمته في معركته مع الباطل .. فأنت خليفته في دعوته ووارث رسالته. ..وراقي منبره لتعظ الأمة من ورائه..

أخي، يا من حملت شعلة الهداية في يدك لتنير بها الوجود .. احذر ألا تنطفئ الشعلة في يديك أبدا.

أخي، عش في هذه الدنيا رجلا ، واعلم أن تاريخ الأمم جميعا إنما هو تاريخ ما ظهر بها من الرجال النابغين الأقوياء النفوس والإرادات . وإن قوة الأمم أو ضعفها إنما يقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال الذين تتوفر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة، والرجل الواحد في وسعه أن يبني أمة إن صحت رجولته.. فلماذا لا تكون أنت هذا الرجل؟! أنت الأمل المرتقب .. أنت المعجزة الربانية .. فكيف لا تسعى لنيل هذا الشرف وحيازة قصب السبق؟! 

أخي، لا تكن غافلا عن كيد أعداء لا يغفلون عنك لحظة.. أمتنا اليوم تواجه عدوا شرسا.. كشَّر عن أنيابه .. وأظهر ما كان مستورا في فؤاده .. سخَّر طاقاته وثرواته لبلوغ مراده، وتحالف مع أمثاله لتعجيل أهدافه، أيواجه هذا كله بهمم خائرة وعزائم مريضة وتسويف فعال وسط كومة أقوال؟

أخي، اعلم أنه من أوجب الواجبات عليك أن تنصرف إلى أمتك أكثر مما تنصرف إلى نفسك، وأنت إذ تفعل ذلك تفز بالخير العاجل في ميدان النصر، والخير الآجل من مثوبة الله.

أخي، دينك دينك فإنه هو لحمك ودمك، إن يسلم لك دينك يسلم لك لحمك ودمك، وإن تكن الأخرى فنعوذ بالله، فإنها نار لا تطفئ، وجرح لا يبرأ، وعذاب لا ينفد أبدا، ونفس لا تموت .

أخي، اعلم أن الدعوة إلى الله سبقت غيرها من الأعمال، ولذلك فقد سبق حاملوها غيرهم من العباد في ميدان الأعمال.

أخي، إنه لشرف عظيم ونعمة عظمى أن اصطفاك الله من وسط خلقه لتحمل رسالته، وتنال شرف اتباع نبيه صلى الله عليه وسلم، ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾  فصلت: 33

أخي، إن قيمتك من همتك، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "العامة تقول: قيمة كل امرئ ما يحسن، والخاصة تقول: قيمة كل امرئ ما يطلب "، فاجعل همتك أعظم همة وغايتك أعظم غاية، فعن أبي الدرداء قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَفَرَّغُوا مِنْ هُمُومِ الدُّنْيَا مَا اسْتَطَعْتُمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّهِ أَفْشَى اللَّهُ عَلَيْهِ فَاقَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ أَكْبَرَ هَمِّهِ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَمَا أَقْبَلَ عَبْدٌ بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ تَفِدُ إِلَيْهِ الْوُدَّ وَالرَّحْمَةَ، وَكَانَ اللَّهُ إِلَيْهِ بِكُلِّ خَيْرٍ أَسْرَعَ» (رواه الطبراني في المعجم الأوسط).

 

 

 

المصدر: مقالة شخصية
  • Currently 1/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 448 مشاهدة

ساحة النقاش

الدكتور/ محمد محمود القاضي

mohamedalkady
موقع شخصي يهتم صاحبه باللغة العربية ودراساتها، والثقافة الإسلامية، والثقافة العامة، والتأليف للطفل. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

241,868