هل فكرت يوما أن تناجي ربك؟

هل فكرت أخي أن تقف في ظلمة الله تناجي ربك وتدعوه بما تشاء.. فما أحلى مناجاة العبد لربه.. إنها لحظة صدق ستحتاج إليها يوم ينفع الصادقين صدقهم.. أسوق إليك مناجاة ابن عطاء الله السكندري لربه لعلك تقف يوما بين يدي ربك تناجيه بمثل هذه الكلمات الصادقة..

يقول ابن عطاء في مناجاته لربه:

إلهى: أنا الفقير فى غناى, فكيف لا أكون فقيرًا فى فقرى؟ وأنا المجهول فى علمى، فكيف لا أكون جهولاً فى جهلى؟

إلهى: منى ما يليق بلؤمى, ومنك ما يليق بكرمك، إن ظهرت المحاسن منى، فبفضلك ولك المنة على، وإن ظهرت المساوئ منى فبعدلك، ولك الحجة على.

إلهى: كيف تكلنى، وقد توكلت بى، وكيف أضام وأنت الناصر لى؟ أم كيف أخيب وأنت الحفى بى؟ ها أنا أتوسل إليك بفقرى.

وكيف أتوسل بما هو محال أن يصل إليك، أم كيف أشكو إليك حالى وهو لا يخفى عليك, أم أترجم بمقالى، وهو منك ظهر وإليك.

أم كيف تخيب آمالى، وهى قد وفدت عليك, أم كيف لا تحسن أحوالى وبك قامت وإليك.

إلهى: ما ألطفك بى مع جهلى, وما أرحمك بى مع قبيح فعلى, وما أقربك منى وما أبعدنى عنك, وما أرأفك بى، فما الذى يحجبنى عنك؟

إلهى: كلما أخرسنى لؤمى أنطقنى كرمك، وكلما أيأستنى أوصافى, أطمعتنى منتك.

إلهى: من كانت محاسنه مساوى.. فكيف لا تكون مساويه مساوى؟

ومن كانت حقائقه دعاوى، فكيف لا تكون دعاويه دعاوى؟

إلهى: كيف أعزم وأنت القاهر؟ وكيف لا أعزم وأنت الآمر؟

ترددى فى الآثار يوجب بعد المزار، فاجمعنى عليك بخدمة توصلنى إليك, كيف يستدل عليك بما هو فى وجوده مفتقر إليك؟ أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك، حتى يكون هو المظهر لك؟ متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟ ومتى بعدت حتى تكون الآثار هى التى توصل إليك؟

إلهى: عميت عين لا تراك عليها رقيبًا, وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبًا.

إلهى: هذا ذلى ظاهر بين يديك، وهذا حالى لا يخفى عليك منك أطلب الوصول, وبك أستدل عليك، فاهدنى بنورك إليك وأقمنى بصدق العبودية بين يديك.

إلهى: علمنى من علمك المخزون، وصنى بسر اسمك المصون, وحققنى بحقائق أهل القرب, واسلك بى فى مسالك أهل الجذب, وأغننى بتدبيرك عن تدبيرى، وباختيارك عن اختيارى، وأوقفنى على مراكز اضطرارى، وأخرجنى من ذل نفسى، وطهرنى من شكى وشركى قبل حلول رمسى.

بك استنصر فانصرنى, وعليك أتوكل فلا تكلنى، وإياك أسأل فلا تحرمنى، وفى فضلك أرغب فلا تخيبنى، ولجنابك أنتسب فلا تبعدنى، وببابك أقف فلا تطردنى.

إلهى: إن القضاء والقدر غلبنى، وإن الهوى بوثائق الشهوة أسرنى, فكن أنت الناصر لى، حتى تنصرنى وتبصرنى, وأغننى بفضلك حتى استغنى به عن طلبى.

أنت الذى أشرقت الأنوار فى قلوب أوليائك, وأنت الذى أزلت الأغبار من أسرار أحبائك، أنت المؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم, وأنت الذى هديتهم حتى استبانت لهم المعالم.

ماذا وجد من فقدك؟ وما الذى فقد من وجدك؟ ولقد خاب من رضى دونك بدلاً، ولقد خسر من بقى دونك تحولاً.

كيف يرجى سواك، وأنت ما قطعت الإحسان, وكيف يطلب من غيرك, وأنت ما بدلت عادة الامتنان.

يا من أذاق أحباءه حلاوة مؤانسته، فقاموا بين يديه متملقين,

ويا من ألبس أولياءه هيبته، فقاموا بعزته مستقرين.

أنت الذاكر من قبل الذاكرين، وأنت البادئ بالإحسان من قبل توجه العابدين، وأنت الجواد بالإعاء من طلب الطالبين, وأنت الوهاب لنا، ثم أنت لما وهبتنا من المستقرضين, فاطلبنى برحمتك حتى أصل إليك، واجذبنى بمنتك حتى أقبل عليك.

إلهى: إن رجائى لا ينقطع عنك وإن عصيتك، كما أن خوفى لا يزايلنى، وإن أطعتك، قد دفعتنى العوالم إليك، وأوقفنى علمى بكرمك على, فكيف أخيب وأنت أملى، أم كيف أهان، وأنت متكلى.

كيف أستعز وفى الذلة أركزتنى؟ أم كيف لا أستعز وإليك قد نسبتنى؟ كيف لا أفتقر وأنت الذى فى الفقر أقمتنى؟ أم كيف أفتقر وأنت الذى بجودك أغنيتنى؟

أنت الذى لا إله غيرك, تعرفت لكل شىء, فما جهلك شىء، وأنت تعرفت لى فى كل شىء، فرأيتك ظاهرًا فى كل شىء فأنت الظاهر فى كل شىء.

يا من استوى برحمانيته على عرشه، فصار العرش غيبًا فى رحمانيته، كما صارت العوالم غيبًا فى عرشه.

محقت الآثار بالآثار، ومحوت الأغيار بمحيطات أفلاك الأنوار, يا من احتجب فى سرادقات عزه، عن أن تدركه الأبصار, يا من تجلى بكمال بهائه، فتحققت بعظمته الأسرار, كيف تخفى وأنت الظاهر؟ أم كيف تغيب وأنت الرقيب الحاضر, وصلى الله على سيدنا محمد النبى الأمى الطاهر، وعلى آله صلاة تحل بها العقد، وتفرج بها الكرب، ويزول بها الضرر, وتهون بها الأمور الصعاب صلاة ترضيك وترضيه، وترضى بها عنا يا رب العالمين آمين.

 

المصدر: من كتابى تحفة التصوف
  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 760 مشاهدة

ساحة النقاش

الدكتور/ محمد محمود القاضي

mohamedalkady
موقع شخصي يهتم صاحبه باللغة العربية ودراساتها، والثقافة الإسلامية، والثقافة العامة، والتأليف للطفل. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

241,823