الباشا الوزير

دق جرس التليفون فأمسك السماعة بيده، وهو ينفث دخان السيجار من فمه

<!--آلو

<!-- صباح الخير يا باشا

<!-- صباح الخير.. وابتسمت على وجهه ابتسامة عريضة يكاد محدثه على الجانب الآخر أن يفطن إليها من خلال سماعة التليفون، فلقد كانت كلمة "باشا" ترضى غروره وتشعره بالعظمة التى كان يتطلع إليها.

<!-- ما هذا الذى قرأناه اليوم فى الصحف؟

<!-- ماذا تقصد؟ وأى شىء قرأت اليوم فى الصحف؟  .. لقد كان يعلم كل حرف كتب اليوم فى الصحف، فقد كانت أمامه كل الجرائد والصحف والمجلات التى صدرت فى صباح هذا اليوم، والأيام العشر الأخيرة قبل هذا اليوم.

<!-- لماذا تحرمنا يا باشا من إمكانيات العظيمة، وخبرتك الطويلة فى هذا المجال، وأنت تعرف حاجة البلاد إلى أمثالك فى هذه الفترة.

<!-- شكرا ..شكرا.. ولكن لا أفهم عن أى شىء تتحدث؟

<!-- هكذا أنت يا باشا متواضع دائما.. وسوف تكون خسارة عظيمة ألا تكون فى هذا المكان.. ومن غيرك يستحق هذا المكان!

<!-- فى الحقيقة أنا ما زلت لا أعرف عن أى شىء تتحدث .. وابتسامة عريضة ترتسم على شفتيه جعلت شاربه يطول بمقدار الضعف.

<!-- قهقهة عالية .. والله يا باشا إن إعجابى بك يتزايد يوما بعد يوم، ولكن يبدو أنك لم تقرأ ما كتب اليوم فى كل الصحف عن سيادتكم

<!-- كتب عنى.. أنا .. ما الذى كتب ؟

<!-- الصحف كلها تتحدث عن رفض سيادتكم لتولى منصب الوزارة فى التشكيل الوزارى الجديد

<!-- ها ها ها أنتم تعرفون جيدا أنى لا أحب المناصب، فخدمة الناس لا تحتاج إلى منصب

<!-- والله يا باشا إن كل من قرأ هذا الخبر صباح اليوم قد ازداد إعجابه بك، والرأى العام فى البلد كلها بعد موقفك هذا قد ازداد تمسكا بك

<!-- شكرا ..شكرا 

 ويختتم المكالمة ، ويضع السماعة ويشعل السيجار مرة أخرى ، فقد شغلته المكالمة عنه، فيدق جرس التليفون

<!--آلو

<!-- مساء الخير يا باشا.. ما هذا الذى قرأناه اليوم فى الصحف

…………………………………………………………………

 ويكاد أن يكون هذا الحوار مثل الحوار الذى دار فى المكالمة السابقة

ولم ينقطع جرس تليفون الباشا طوال اليوم والحوار فى كل مكالمة واحد

***

 

فى مكتب رئيس الوزراء تنهال المكالمات من مختلف الشخصيات تطالب بالإصرار على تعيين الباشا وزيرا، فمثل هذه الشخصيات الزاهدة فى المناصب هى التى تستحق أن تقوم على مصالح الشعب.

ويبدو أن هذا السيل الجرار من التليفونات التى تطالب بتولى الباشا منصب الوزارة قد ألهت الجميع عن أن يفكروا فيمن عرض على الباشا منصب الوزير ولكنه رفض، ولم يعد أمام رئيس الوزراء الجديد مفرا من محادثة الباشا وعرض الوزارة عليه، حتى لا يغضب الرأى العام فى أول تجربة له فى رئاسة الوزارة، ويرن جرس تليفون رئيس الوزراء، فيرفع السماعة، وما إن يسمع صوت المتحدث الآخر حتى يقف على قدميه

<!--أنا رهن إشارتك يا أفندم.

<!--……………

<!-- نعم ..نعم..  سيكون اسم الباشا فى أوائل أسماء الوزراء الجدد

<!--……………

<!-- نعم ..نعم.. إن هذا الاختيار سيكون تعبيرا عن نبض الشعب كله

<!--……….

<!-- مع السلامة يا أفندم.

***

 

فى منزل الباشا يرن جرس التليفون، فيرفع الباشا السماعة، فهو لم يفارق مكانه بجوار التليفون طوال اليوم

<!--آلو.. من معى

<!-- رئيس الوزراء

<!-- أهلا وسهلا

<!-- أرجو من سيادتك التكرم بالحضور إلى اليوم، فسيادتك مرشح للوزارة

<!-- أنا شاكر جدا على هذا التقدير العظيم .. ولكن

<!-- لا داعى لكلمة لكن ، فهذه توجيهات عليا ولا بد أن أقنعك بتولى هذا المنصب

<!-- (ابتسامة عريضة تبتسم على وجهه) فى الحقيقة أنا أخجل من أرفض هذه التوجيهات العليا، ولم يعد أمامى مفرا الآن من القبول

<!-- على بركة الله

***

 

فى مكتب الباشا الوزير

يرن جرس التليفون، فيرفع الباشا الوزير السماعة

<!--ألو

<!-- لقد اتصلت بك لأهنئك على هذا المنصب يا معالى الباشا الوزير

<!-- شكرا .. شكرا

<!-- أظن أنه قد آن الأوان لتحقق لى ما وعدتنى به

<!-- نعم نعم  أنا لم أنس مجهوداتك العظيمة معى

<!-- أنت تعرف يا باشا أنى لا أطمع فى شىء كثير  كل ما أريده أن أتولى رئاسة مجلس إدارة الجريدة التى أعمل بها.

<!--رئاسة مجلس الإدارة مرة واحدة

<!-- نعم يا باشا ولا تنسى أننى قمت بتأليف خبر رفضك لقبول الوزارة، وقمت بنشره فى جريدتنا، وقامت كل الصحف بنشره عن جريدتنا بعد ذلك، فالفكرة من تألبفى وإخراجى (ها ها ها)

<!-- لم أنس شيئا وسوف أحقق لك ما وعدت به، وجهز نفسك لخبر جديد سأبلغك به فى حينه

<!-- (قهقهة عالية) وما الثمن المنتظر إذن؟

 

<!-- ربما يكون الكرسى الذى أجلس عليه.

المصدر: قصة قصيرة من تأليفي 1995
  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 382 مشاهدة
نشرت فى 12 إبريل 2014 بواسطة mohamedalkady

ساحة النقاش

الدكتور/ محمد محمود القاضي

mohamedalkady
موقع شخصي يهتم صاحبه باللغة العربية ودراساتها، والثقافة الإسلامية، والثقافة العامة، والتأليف للطفل. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

242,152