Subject:الإسلاميون المتطرفون في مصر بين العدد والطبائع
الثقافة غذاء، وتبادل الفكر دواء، والتواصل الاجتماعي شفاء، وتفاعل الفكر نماء.
إن لم يعجبك قولي فأرشدني،
وإن ضقت بي ذرعا فأخبرني،
أو بلوكمي، أو سبام مي.
أ.د. محمد نبيل جامع [email protected]
الإسلاميون المتطرفون في مصر بين العدد والطبائع
إذا كنت من أعداء الثورة فلن يفيدك هذا المقال
مع رجاء نشر هذه الرسالة أو نشر معانيها
بقلم
29 أغسطس 2011
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
0127435754
لولا خوفنا من استسلام المجلس العسكري والسياسيين (من غير رجال الدولة) بوجه عام لضغوط المتطرفين والتحالف معهم لأغراض سياسية لما كتبنا في هذا الموضوع. ولا يعني ذلك إهمال المتطرفين وعدم الإنصات إليهم في الأحوال العادية، إذ يجب أن ننصت لهم ونتحاور معهم لأنهم مواطنون وبشر ولم يخلو من العقول والضمائر. أما في الأحوال الانتقالية والحرجة، كما هو الحال حاليا بعد الثورة، فالأمر لا يتحمل الانصياع لثقافتهم المتطرفة لأن الدول لا تبنى على التطرف، خاصة، وكما قال مهاتير محمد، أن بعض المتطرفين يفسرون الدين بطريقة معينة تقودهم إلى الثراء والشهرة على حساب تقدم الأوطان واستقرارها، وقد أكد على قيمة العدل (عدم التطرف) في الشريعة الإسلامية، ووصف تقسيم الدولة إلى دينية ومدنية بأنه أسلوب رخيص لا يؤدي للنهضة والتقدم.
الهدف من هذا المقال نقاط ثلاث: تقدير عدد المتطرفين الإسلاميين في مصر، ووصف الطبائع الشخصية والعامة لهم، ثم كيفية التعامل معهم.
أولا- العدد: نظرا لصعوبة التحديد الدقيق لمن هو المتطرف الإسلامي فيستحيل في المقابل تحديد عدد دقيق متفق عليه لهذه الفئة من السكان. ولذلك فلن يتعدى تقديرنا لعددهم هذا مجرد تقدير، ولكنه تقدير يعتمد على فروض علمية، ومعايير إحصائية متفق عليها بين علماء الإحصاء. من ناحية الفروض العلمية فهي تتمثل تبعا لقانون الأعداد الكبيرة في علم الإحصاء في أن سكان المجتمع أو أعضاء أي فئة كبيرة العدد يتوزعون توزيعا طبيعيا تبعا للخصائص والطباع، أو ما يقال عنها إحصائيا "السمات المتغيرة" أو "المتغيرات" في كلمة واحدة.
إذن سمة التدين، أو متغير التدين، للمجتمع المصري سيتغير من طرف أقصى من سوء التدين (المتنطعين أو المغالين أو المتشددين) إلى طرف أقصى من حسن التدين (العارفين بالله)، وبين الطرفين مساحة وسطية هي السكان العاديون والذين يتركزون بصورة خاصة في المنطقة الوسطية. اتفق علماء الإحصاء على أن فئة التطرف السيء تمثل 2.5% من المجتمع، كما تمثل فئة التطرف الحسن أيضا 2.5%. الفئة الأولى، والتي نتحدث عنها هنا، هي فئة الذين يسيئون فهم الدين وتطبيقه إلى أقصى درجة والفئة الثانية عكس ذلك. إذن فالتطرف ظاهرة طبيعية، منه تطرف محمود ومنه تطرف مذموم.
وباعتبار أن المجتمع المصري تعداده 85 مليون نسمة، فإن نسبة الـ 2.5% مذمومي التطرف تنتج 2.1 مليون متطرفا رجلا وامرأة مسلمين ومسيحيين. وباعتبار أن نسبة المسيحيين في مصر حوالي 10%، فباستبعاد المسيحيين، يتبقى 1.9 مليون مسلم ومسلمة. ولو استبعدنا النساء (50%) يتبقى 0.95 مليون رجل. ولو استبعدنا من هم أقل من 20 سنة (حوالي 50% أيضا) يتبقى 475000 رجل مسلم متطرف فوق العشرين عاما. هذا هو حجم الإسلاميين المتطرفين في مصر. ولا ندعي إطلاقا أنهم يتركزون في فئة السلفيين أو الإخوان المسلمين أو الشيعة أو البهائيين أو أي طائفة دينية أخرى، فهناك مثقفون حاملو شهادات عليا يدخلون في عداد المتطرفين.
ثانيا: طبائع المتطرفين الإسلاميين: بالرغم من نسبية التطرف إلا أن المتطرفين بوجه عام يتسمون بخصائص تكاد تكون مشتركة فيما بينهم، ومن هذا المنطلق نفترض أيضا أن هذه الخصائص العامة تنطبق على فئة المتطرفين الإسلاميين مع التأكيد على أنها ليست بالضرورة تمثل حزمة متلازمة:
<!--افتقاد المنطق حيث يعشق المتطرفون الشعارات، والاستعراض بالعبارات البلاغية المنمقة، والمظاهر الشكلية المعينة، ولا يمتلكون معلومات كافية حول مواقفهم القهرية، ولا يجادلون إلا في غاياتهم دون التدقيق في صحة مفترضاتهم ووسائلهم.
<!--عدم الموضوعية في عرض البيانات حيث يختارون منها ما يؤكد مواقفهم القهرية، دون الاعتقاد في احتمال خطأ تلك البيانات.
<!--غالبا ما يلجأ المتطرفون إلى السخرية والبذاءة والشتائم والتهكم والاستئساد على الأفراد المعارضين لهم بدلا من التركيز على الأفكار المعارضة.
<!--الإيمان بالفكر التآمري ضدهم، أي الإيمان بنظرية المؤامرة، وذلك من جانب معارضيهم.
<!--صعوبة التفاوض معهم والوصول إلى حلول وسطى، ذلك لأن المتطرف لا يرى أي إيجابيات في الفكرة أو السلوك الذي يعترض عليه، كما أنه يعتقد أن التفاوض سوف يوقعه في موقف الطرف الآخر لشدة خوفه على موقفه، ولذلك يصعب الحوار معه.
<!--اطراد وزيادة الطبيعة التطرفية كما ونوعا بمرور الزمن في الوقت الذي يعتقد المتطرف فيه أنه من الفرقة الناجية.
<!--استخدام الوسائل العنيفة، والإرهاب، وهم يتسمون بالعنف حتى فيما بينهم، ويعتبرون من ينتقدونهم من داخلهم خونة.
<!--لا يصبرون ولا يقبلون الحلول التدرجية، ويصرون علي فورية تحقيق أهدافهم نظرا لنرجسيتهم الناتجة عن شعورهم بأنهم حماة الدين وسفراء الله في الأرض.
<!--يتسمون بدرجة عالية من التنظيم المبني على السلطة الدينية والانصياع لثقافة الأمر والائتمار لمشايخ وفقهاء بعينهم.
<!--حب التطرف في حد ذاته وليس حب الفكرة المتطرفة. ولذلك فيمكنهم التنقل من فكرة متطرفة إلى أخرى، ويمثل الجنس والنساء أحد المجالات السائدة في الفكر المتطرف.
<!--لا يؤمن المتطرف بتوافق المجتمع فهو يظن أن المجتمع كله خاطئ بالضرورة.
<!--لا يمتلك المتطرف سلسلة من الأولويات لعقائده أو إيمانياته، كل أفكاره صحيحة، كلها مهمة، وكلها لا مجال للتفاوض فيها.
<!--يتسم المتطرف بالجبرية، أي أحادية السبب، بمعنى أنه لا يؤمن بأن الأسباب قد تكون مجموعة من الأسباب المرتبطة ببعضها، وهذا لمما يجعل المتطرفين يؤمنون بأن الدين واحد ولا دين غيره جدير بالبقاء، بمعنى أنهم يتناسون حقيقة "لكم دينكم ولي دين".
<!--يصمم المتطرفون على تقنين جميع مواقفهم حتى المواقف الجدلية، ومن السهل عليهم اللجوء إلى قوانين الطوارئ والأحكام العرفية، وذلك لأنهم يرفضون القوانين المدنية بل وحتى الديمقراطية على أساس أن القانون هو قانون الله فقط.
<!--ترتبط القومية بالتطرف الديني، ذلك للاعتقاد بأن الحياة الأخلاقية على منهج الله لا يمكن تحقيقها إلا في ظل الأخوة المؤمنة بها، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال تطبيق الأحكام الإلهية من خلال الأجهزة الوطنية التنفيذية والتشريعية والقضائية. ومن هنا تأتي ضرورة إقامة الدولة الدينية في نظرهم والتي تضع القضايا الأخرى مثل التنمية الاقتصادية في مرتبة ثانوية.
ثالثا: كيفية التعامل مع المتطرفين: في كلمات ثلاث- الحرية الدينية، الالتزام القانوني والأمني وفعالية نظم الثواب والعقاب، وأخيرا الحوار بالحسنى.
وفي النهاية نتساءل: هل يستطيع أقل من نصف مليون من المتطرفين الإسلاميين المصريين أن يحددوا مسار مصر بعد الثورة الينايرية المستنيرة؟ سؤال بسيط، ولكن إجابته قد تكون بداية النهاية، وانطلاق الزغاريد في أمريكا وإسرائيل.
وكل عام وأنتم بخير.
ساحة النقاش