تراث حل المنظوم في العربية
الدكتور/ إبراهيم عبد الفتاح رمضان
كلية الآداب- جامعة المنوفية
الحمد لله رب العالمين والصلاة السلام على خير المرسلين .
وبعد...
فمن القضايا الفرعية التي ارتبطت بقضية السرقات الأدبية قضية حل المنظوم ، فقد عدها النقاد العرب القدامي إحدى الحيل الأدبية التي يلجأ إليها الأديب حتى يخفي سرقته وأخذه، وقد أثنى النقاد على الشاعر الذي يتفنن في إخراج القديمة في صور جديدة حتى تظهر في صورة تخالف صورتها التي كانت عليها ، وجعلوا حل المنظوم ونظم المنثور ضمن صور أخرى يتصرف فيها الأديب في معناه المأخوذ فيصبح صاحب المعنى الجديد ، ومن هذه الحيل (<!--) : حل المنظوم ونظم النثر تعدّ هذه الحيلة في منزلة عالية ، إذ إنها تخرج بالمعنى من قالب فني إلى قالب فني آخر ، ولهذا حظيت باهتمام واسع من النقاد القدامي ؛ سواء بالحديث عنها في إطار الحديث عن السرقات ، أو اختصاصها بحديث منفرد في كتب تخص الظاهرة وحدها بالحديث .
ولعل أهمية هذه الظاهرة وما فيها من فن يضاهي الفن الذي أخذت عنه ، واعتداد أصحابها بأنفسهم حيث سلكوا طريقا غير معبدة ، وتفضيلهم ما قاموا بعمله من فن أدبي على الأشعار الأصلية ، وتفضيل أنفسهم على الشعراء بعض ما دفعني إلى دراسة هذه الظاهرة الفنية .
على أنني أشير إلى جهود بذلت في هذا المجال لكنها ليست على السعة والشمول الذي يطمح إليه هذا البحث ، إذ تسير الجهود السابقة في إطار أعمال جزئية اهتمت بكتاب واحد من كتب الظاهرة ، أو درستها من جهة تخالف ما تنوي الدراسة التوجه إليه ، ومن هذه الدراسات السابقة :
<!--المنثور البهائي ، للهمذاني : وهو عبارة عن تحقيق للكتاب قام به الدكتور عبد الرحمن بن عثمان بن عبد العزيز الهليل في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، وقد قام بدراسة حول الكتاب قسمها إلى قسمين : الأول تعريف بالكاتب ، والثاني دراسة للكتاب . لكنها تبقى في إطار عمل جزئي إذا ما قورن بالبحث الماثل الآن.
<!--ومثل ذلك تماما كتاب الوشي المرقوم ، لابن الأثير ، وهو تحقيق أيضا للكتاب قام به البحث : يحيى عبد العظيم حسانين وهو رسالة ماجستير قدم لها لكي تنشر في سلسلة الذخائر الدكتور عبد الحكيم راضي .
<!--الحل والعقد في التراث النقدي ، للدكتور / ياسر بن سليمان شوشو ، وهو منشور في مجلة جامعة أم القرى وقد ذكر في مقدمة بحثه أن هذه الدراسة تسعى إلى محاولة الكشف عن مكانة ظاهرة "الحلِّ والعقد" بين ظواهر النقد الأدبي وقضاياه في تراثنا العربي . فكثيراً ما ذكرت لدى نقاد الأدب مقترنةً بقضية السرقات الأدبية ، على أنها صورة من صورها ، غير أن بعضاً منهم حاول أن يستقلَّ بالحديث عنها بعيداً عن هذه القضية ، على أنها وسيلة من وسائل الإبداع الفني التي لا يُلام صاحبها أو (مبدعها) ، بل يستحق من الحمد والثناء والتقديم على غيره ، متى ما التزم بما وضعوه لها من قيودٍ تضمن لها عدم الخروج عن دائرة الإبداع . وبين مستحسن ومستقبح ، ومؤيدٍ ومعارض ، تحاول هذه الدراسة الوقوف على ماهية ظاهرة "الحلِّ والعقد" بين ظواهر النقد العربي القديم ، ورصد آراء النقاد حولها ، سواء منهم من ربطها بقضية السرقات ، أو من تحدث عنها حديثاً مستقلاً على أنها إحدى ظواهر النص الأدبي التي يجب أن يقف عندها النقد . وصولاً من خلال ذلك إلى كلمة فصل يستطيع الدارس من خلالها أن يحكم حكماً مقنعاً مؤيداً بما بين يديه من آراء النقاد حولها وترجيحاتهم .
<!--حل المنظوم بحث في نمط من الحيل الأسلوبية ، د/ أحمد صبرة ، مجلة علامات ، النادي الأدبي بجدة ، 1999م ، العدد 3 . وقد قام بتعريف الظاهرة ، وجعل ( السؤال المركزي في البحث هو : عن الكيفية التي ينتقل بها المعنى الواحد داخل وسائط لغوية مختلفة . ما الذي يلجأ إليه الناثر حين ينقل المعنى من النظم ؟ هل يوجز المعنى ؟ أم يفكك أجزاءه ؟ أم ينقله كما هو ؟ وكيف يتم كل ذلك ؟ )
<!--نثر المنظوم في الأدب العربي : المنثور البهائي نموذجا ، عالمة خذري وهو رسالة ماجستير في جامعة العقيد الحاج لخضر ، باتنة ، الجزائر. وجاءت رسالتها في أربعة فصول يسبقها تمهيد تحدثت فيه عن الهمذاني وكتابه ، وجعلت الفصل الأول بعنوان : تشكيل المفهوم وتقصد به مفهوم حل المنظوم. والفصل الثاني : نثر المنظوم بوصفه كتابة واصفة . والفصل الثالث : نثر المنظوم بوصفه كتابة مطابقة . والفصل الرابع بعنوان : نثر المنظوم بوصفه كتابة مشابهة .
ويأتي هذا البحث راجيا جمع ما تفرق من دراسات ، كما ينوي تصحيح بعض الأخطاء غير المقصودة التي وردت في بعض البحوث ؛ كالإشارة التي صدرت من الدكتور عبد الحكيم راضي بأن كتاب الهمذاني مفقود ، والإشارة الأخرى التي وردت في بحث الدكتور أحمد صبرة بأن كتاب ابن الأثير مفقود ، وهما موجودان الآن بين يدي الدارسين (<!--). والإشارة الثالثة التي ذكرتها الباحثة عالمة خذري في رسالتها للماجستير التي تشير إلى أن الثعالبي كان سابقا على الهمذاني ، وهذا غير صحيح حيث إن الباحثة لو نظرت لتاريخ وفاة كل من الهمذاني والثعالبي لتبين لها بوضوح أن الهمذاني أسبق حيث توفي سنة 414هـ ، وأن الثعالبي توفي سنة 429هـ ، فهما متعاصران لكن الهمذاني أسبق (<!--).
وسوف تسير الدراسة الماثلة في عناصر سبعة ، يسبقها تمهيد، وتليها خاتمة :
يتحدث التمهيد عن أمرين : 1- تعريف المصطلح وفك تشابكاته .
2- تاريخ المصطلح ورحلته عبر الزمن .
والمبحث الأول : حل المنظوم دراسة توثيقية إحصائية.
المبحث الثاني : التأليف في حل المنظوم .
المبحث الثالث : مناهج المؤلفين التقاء وافتراقا .
المبحث الرابع : بين التأثير والتأثر .
المبحث الخامس : القضايا المتعالقة مع حل المنظوم .
المبحث السادس : حل المنظوم هل وصل إلى حد النظرية ؟
المبحث السابع : علاقة الشعر بالنثر من خلال حل المنظوم .
وحين تتعرض الدراسة لمناهج الباحثين بنظرة شمولية لا يفوتها أن تتحدث عن منهج أحد الكتب التي لم يتعرض لها أحد من قبل بالدراسة وهو كتاب : نثر النظم وحل العقد للثعالبي . والله أسأل أن يوفق ويسدد ويحقق الآمال فهو وحده المستعان وعليه التوكل ، وإليه المصير .
<!--[if !supportFootnotes]-->
<!--[endif]-->
( <!-- ) استخدم ستيفن أولمان مصطلح الحيل ليعبر عن الإمكانات الأسلوبية للغات معينة ( ينظر في ذلك كتاب : اتجاهات البحث الأسلوبي ، د/ شكري محمد عياد ، مقالة ستيفن أولمان، 84، دار العلم للطباعة والنشر، الرياض، ط1، 1985م ) ونشير هنا أننا نستخدم الكلمة باعتبارها وسيلة يلجأ إليها الأديب إلى طريقة جديدة في التعبير ينقل بموجبها فنا أدبيا معينا ذا خصائص مختلفة إلى فن مناقض له فهي حيلة من الحيل يفر بها من الاتهام بالسرقة .
( <!-- ) حل النظم بحث في نمط من الحيل الأسلوبية ، أحمد صبرة ، مجلة علامات في النقد ، مج 89 ، ج3 ، ديسمبر 1998م .
( <!-- ) ينظر كلام عالمة خذري في بحثها : نثر المنظوم في التراث الأدبي العربي : المنثور البهائي نموذجا ، ص 51 ، بل إن ادعت أن بين الهمذاني والثعالبي تباعدا زمنيا وهذا غير صحيح .