جون جاك روسو(1712-1778) ,يعتبر الأب الروحي للثورة الفرنسية 1789,ولد بعد ثمان سنوات من وفاة "جون لوك" أب الليبرالية السياسية.
سنة 1762 ألف كتاب "العقد الاجتماعي " , الذي ساهم في التطور الديمقراطي خلال القرنين 18و19.وكان لأفكار روسو دورا كبيرا في التمهيد للثورة الفرنسية . وسجل إعلان الحقوق الفرنسي 1789 الكثير من أرائه مثل سيادة الشعب ,والحريات الفردية ,والقانون تعبير عن الإرادة العامة ,والديمقراطية المباشرة . فالإنسان –حسب روسو – ولد حرا , وكان يعيش منعزلا إلا انه كان سعيدا ,وخروجه من الوضعية الطبيعية كان بسبب ظهور الملكية الخاصة ,والبحث عن الأمن والحفاظ عن الحرية ,مما حتم على الناس الخروج من حالة الانعزال ليعيشوا حياة الجماعة في شكل مجتمع مدني سيتطور ليصبح دولة قائمة الذات , ومن هنا جاءت فكرة العقد الاجتماعي .
فالقانون نابع من الإرادة العامة ,والسيادة ملك للشعب ,وهي غير قابلة للتجزيء ولايمكن التصرف فيها ,وبالتالي فان السيادة هي الإرادة العامة المعبر عنها بواسطة الأغلبية التي هي مصدر القوانين.
أساس هذه النظرية يرتكز على مسلمة هامة وهي أن. الناس سواسية ,والسيادة ملك للجميع ,وبذلك فان الديمقراطية ليست تمثيلية بل هي مباشرة . وبناء عليه فان روسو لا يوافق على النظام النيابي الذي قال به لوك و مونتسكيو .
إن النظام الذي يراه –روسو-يقوم على فكرتين رئيسيتين هما :
1) الحرية : وتعني الاستقلال وخضوع الفرد للقانون الذي يسنه بنفسه ,وحريته لا تتجاوز حرية غيره .
2) المساواة : أي المساواة في الاستقلال الفردي ,والمساواة في الحريات .فلا ضمان لان تكون الحرية للجميع إلا بالمساواة.
تعتبر آراء روسو احد مصادر المذهب الفردي الحر ,كما يعتبر هو احد فلاسفة الديمقراطية التقليدية , وان كان البعض يرى بان أفكاره لاتؤدي إلى إقامة الديمقراطية الشاملة ,بحيث يصبح الفرد وسيلة وليس غاية من النظام ,مما قد يؤدي إلى إهدار حقوقه وحرياته.
وسواء اعتبر روسو من أنصار الفرد أو الجماعة ,فلا يمكن نكران إسهاماته في الفكر السياسي ,فإليه يرجع الفضل في تأكيد السيادة الشعبية ,وإعلاء حكم القانون .
وقد اختلف فقهاء القانون بخصوص موقف روسو من مبدأ فصل السلطات إلى فريقين متناقضين .
-الفريق الأول يرى بان روسو من أنصار فصل السلط ,ويستنتج ذلك من فكرته عن السيادة العامة التي هي للشعب والتي يمارسها بإصدار القوانين التي تعبر عن الإرادة العامة . وبما أن الشعب لا يمكنه تنفيذ القوانين بنفسه فانه يكلف السلطة التنفيذية بذلك مع بقائها خاضعة للسلطة التشريعية المعبرة عن الإرادة .غير أن سيادة القانون يقتضي استقلالية السلطة القضائية.
-الفريق الثاني يرى بان روسو ليس من أنصار مبدأ فصل السلطات ,وحجته في ذلك أن روسو يعتبر بان السيادة هي للشعب وحده وهو الذي يعبر عن الإرادة العامة بسن قوانين موضوعية مفروضة على الجميع .
أما السلطة التنفيذية فهي مجرد وسيلة وأداة لتنفيذ القوانين ,وتبقى خاضعة وتابعة للسلطة التشريعية .وبذلك فان فصل السلطات لدى روسو يطرح علامة استفهام ,وقد يكون لمنتقديه الحق في ذلك إذا ما قورن بمونتسكيو .
وإذا كان لنظام روسو نجاحا نظريا ,فان البرجوازية لم تكن مستعدة لترهن سلطتها الفعلية بيد الشعب ,لذلك فكرت في نظرية أخرى تقوم على أساس نظرية السيادة الوطنية بدل السيادة الشعبية ,فالشعب في مجموعه هو الأمة (شخص معنوي) التي هي كيان يتميز عن الأشخاص المكونين لها , وسيادة الأمة تمارس بواسطة التمثيل من طرف الحكومة ,وأعضاؤها لا ينتخبون بواسطة الاقتراع العام .فالانتخاب ليس حقا كما هو الشأن في نظرية السيادة الشعبية بل وظيفة هدفها التعبير عن سيادة الأمة .وقد تم تقيده بشروط منها حصره في الفئات التي تتوفر على ممتلكات عقارية ,والفئات المتعلمة ,والذكور دون الإناث ,والمسنين دون الشباب ,ودافعي الضرائب ,والتوفر على الكفاءة . كما تم سن مبدأ التصويت غير المتكافئ ,والفوارق الفعلية في التمثيل والتصويت غير المباشر وهي كلها أساليب غير ديمقراطية .
لم يتم التوصل إلى تعميم الاقتراع العام باروبا إلا بعد صراع مرير ونضال دءوب طيلة القرن 19 إلى درجة أن دمقرطة الأنظمة قد ارتبطت بالاقتراع العام والإلغاء التدريجي لشرط تقييد هذا الحق .
و إذا كان هذا شان الأنظمة الديمقراطية فماذا عسانا نقول بشان بعض الأقطار التي لا تزال تعيش عصر ما قبل النهضة في جميع الميادين.؟
ساحة النقاش