شهد القرنان السابع عشر والثامن عشر الميلاديين ,تفجر الثورات الانجليزية, الأمريكية ,و الفرنسية. وكان من نتائجها تغيير الفكر والأنظمة السياسيين .ففي انجلترا تم الانتقال من الملكية المطلقة إلى الملكية الدستورية المقيدة -بعد ثورتي 1648 و1688- ,والتي تقوم على الاعتراف بحقوق الشعب وحرياته المنصوص عليها في المواثيق والقوانين ,وانتهى التطور الديمقراطي بان أصبح الملك مجرد رمز للدولة ,بدون أية سلطة  أو  نفوذ فعليين .

وفي أمريكا ,ثورة الشعب على الاستعمار الانجليزي انتهت باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1776 ,وإعلان النظام الجمهوري ,والاعتراف بحقوق الأفراد وحرياتهم .

أما في فرنسا فقامت الثورة الفرنسية سنة 1789 وتمت صياغة إعلان حقوق الإنسان والمواطن في: 26 غشت 1789.

وبذلك يكون القرنين 17 و18 قد شهدا بروز الفكر الديمقراطي ,الذي كان وراء نهاية الحكم المطلق ,وانتصار حقوق الإنسان .

ومن الرواد المدافعين عن الحقوق ,والديمقراطية ,- كل حسب نظرياته وأفكاره الفلسفية –هناك : جون لوك-مونتسكيو- روسو........وغيرهم .

جون لوك (1632-1704 )فيلسوف تجريبي ,ومفكر سياسي انجليزي ,مؤلفه عن "الحكم المدني " هو حجر الزاوية في النظرية الحديثة للديمقراطية في انجلترا وأمريكا .

درس بجامعة اوكسفورد  ,اهتم باللاهوت ,الفيزياء والكيمياء ,والطب ثم القانون .

حذا حذو"هوبز" في الافتراض بان الإنسان كان يعيش حالة طبيعية بدائية قبل نشوء الدولة ,وبينما يرى هوبز بان الناس كانوا يعيشون في حروب , وكان الإنسان بمثابة الذئب لأخيه الإنسان ,فان لوك يرى بان الناس كانوا أحرارا متساوين , وقد وقع اتفاق بينهم تنازلوا بمقتضاه عن  حقوقهم الفردية في القصاص والعقاب  للجماعة التي أصبحت هي الحاكم الفعلي ,وتختار بواسطة التصويت رئيسا أعلى ينفذ إرادتها .وذلك في إطار "عقد اجتماعي" ,والجميع ملزمون بتطبيق القوانين التي تسنها الجماعة حكاما ومحكومين. وفي حالة مخالفة الحاكم أو"الملك" لهذا التعاقد يكون  للجماعة الحق  في تنحيته واختيار خلف له.

كما اعتبر لوك بان حماية الملكية الخاصة من اسما أهداف الدولية ,ولا يمكن انتزاعها إلا برضا صاحبها .بالإضافة إلى ضمان الحرية و المساواة ,والعدالة الاجتماعية.

تقوم نظرية لوك على انه لايمكن للملكية أن تكون مطلقة ,وممارساتها ترتكز على التشريع و التنفيذ ,وفصل السلط هو بمثابة رقابة لسلطة على أخرى ,وقد حدد اختصاصات كل سلطة على الشكل الأتي:

السلطة التشريعية:

مهمتها وضع القانون لكونه القاعدة التي تحقق الصالح العام ,وهي سلطة مركبة-حسب لوك تتكون من ممثلين للشعب يسمى المجلس التشريعي ,والذي من أهدافه وضع قواعد عامة مجردة ,ولا يجوز له اتخاذ قرارات أو إجراءات فردية  .ومن جهة أخرى فالملك يعتبر عضوا تشريعيا لا تصدر القوانين إلا بعد موافقته.

السلطة التنفيذية:

يتولاها الملك ومهمتها تنفيذ القوانين.

السلطة الاتحادية : وظيفتها إعلان الحرب و السلام ,وعقد المعاهدات مع الدول الأجنبية وهي من اختصاص الملك.

يتبين مما سبق بان لوك لا يعترف بالسلطة القضائية كسلطة مستقلة بل يلحقها بالسلطة التنفيذية ,وهو ما كان عليه الحال بانجلترا قبل ثورة1688

حيث كانت تلحق بالتاج.

وإذا كان لوك يقر بسمو السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية ,فان مبدأ فصل السلطات وتوازنها يصبح موضوع شك أمام سلطات الملك الذي يعتبر عضوا تشريعيا لابد من موافقته لإصدار التشريعات ,كما أن حيازته للسلطة التنفيذية وسلطات التاج, قد يجعل هذا المبدأ يتحول إلى نوع من اندماج السلط ,بالإضافة إلى أن تبعية السلطة القضائية للملك يشكل نوعا من الخطورة ,ويكرس تركيز السلط بيد الملك .لذلك كان من الضروري تأكيد استقلال القضاء ضمانا لسيادة القانون كما نادى بها لوك نفسه.

وظل تأثير لوك على الفكر السياسي مسيطرا حتى ظهور كارل ماركس ,وانتقلت أفكار لوك إلى فرنسا مع فولتير 1729,واعتنقها مونتسكيو عند زيارته لانجلترا 1729-1731, وكان لها صدا طيبا عند روسو ,وغيره قبل وأثناء الثورة الفرنسية.وبرزت في "إعلان حقوق الإنسان" و في الدستور الأمريكي.أما نظريته في فصل السلط كما وسعها مونتسكيو لتشمل السلطة القضائية ,فقد أصبحت عنصرا أساسيا في النظام الأمريكي.وفي الأنظمة الديمقراطية الحديثة.

كما كان لفكره حول التسامح الديني ,فضلا في  فصل الكنيسة عن الدولة وإقرار الحرية الدينية .

فحسب الدارسين فانه من النادر جدا أن نجد مفكرا حضي بمثل ماحضي به جون لوك ,الذي ترك أثرا لازال خالدا إلى اليوم .

 

جمال مصباح .

  • Currently 50/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
16 تصويتات / 1345 مشاهدة
نشرت فى 26 يوليو 2011 بواسطة mesbah56

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

14,731