بعد عام من العمل المتواصل الدءوب ,تأتي العطلة السنوية ليستريح المرء من تعب الأيام والليالي التي قضاها في العمل وانشغالات الحياة,إنها استراحة محارب مستحقة .
حرارة الصيف بالمدن الوسطى تفرض على أغلبية ساكنتها الهجرة نحو المدن الشاطئية خاصة شمال المغرب ,كبطل رواية الراحل الطيب صالح في "موسم الهجرة إلى الشمال ",حيث تعج شواطئ البحرالابيض المتوسط والمحيط الأطلسي با لمصطافين الباحثين عن لون برونزي ,تزيده أشعة الشمس ودفؤها بريقا ,وللسباحة وركوب الموج طعم خاص لاتوازيه إلا قصور الرمال المشيدة في خيال الحالمين والحالمات.
وكما أن للبحر عشاقه ومحبيه ,فان للجبل هواته ومتيميه , فمرورا بايموزار كندر إلى افران إلى ازرو فخنيفرة , لوحات من الجمال الطبيعي الأخاذ وسط الغابات والأنهار ومنابع وعيون تنساب مياهها صافية رقراقة . ضايات عوة وحشلاف وافراح عادت إليها الحياة بعد سنوات عجاف أتت على الأخضر واليابس ,فيبس الزرع و جف الضرع , هاهي اليوم تحتضن ممارسي صيد الاسماك والتزحلق على الماء في منظر رائع ,وعلى جنباتها يصطف الزوار في جلسات عائلية تزينها كؤوس الشاي المنعنع وأطباق ما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات على أنغام موسيقية متنوعة بتنوع الأذواق والأعمار .
وبمجرد دخولك مدينة افران يستقبلك بعض الشبان عارضين عليك أماكن معدة للكراء , ومن خلال عملهم هذا صارت لهم معرفة مسبقة بأرقام السيارات والمدن التي ينتمي إليها أصحابها ,كما أن نوع السيارة ينبئهم بنوع السكن المرغوب فيه فيلا أو شقة أو منزل مستقل , لمن يحب الابتعاد عن اجواء الفنادق ,وكل ذلك بنوع من الدعابة واللطف والترحيب الذي هو شيمة من شيم الساكنة المحلية الامازيغية .
تنوع المناظر الطبيعية والمواقع السياحية والجو المعتدل في عز صيف حار يجعلك تمدد عطلتك لتتمكن من زيارة أكثر ما يمكن زيارته ,وحتما ستكون البداية من غابات الأرز الشاسعة التي تضفي مسحة من الجمال على افران ومحيطها ,وأنت تتجول وسط حدائقها الغناء ,وخرير مياهها المنسابة من النافورات والشلالات ,والمتجمعة في أحواض تتخذها الإوز ماوى,تخال نفسك في سويسرا أو كندا ...إنها الروعة في أبها تجلياتها حبا الله بها هذا المنتجع الجبلي ويسر لسكانه سبل العيش صيفا وشتاءا حين تكسوها الثلوج ملبسة إياها حلة بيضاء تغري الناظرين .كما ان موقع جامعة الاخوين وسط هذا المنظر البانورامي يزيدها حسنا وبهاءا.
و بالعودة إلى أشجار الأرز التي يتوفر المغرب على اكبر غاباتها بالأطلس المتوسط وجبال الريف ,فهي أشجار من فصيلة الصنوبريات دائمة الاخضرار وسريعة النمو يتراوح طولها مابين 25 و50 م .
تنمو في الأماكن المرتفعة عن سطح البحر من1000 إلى 2000م ,وتعمر لما يفوق الألف سنة .
تستعمل كأشجار تزينية كما أن خشب الأرز من أحسن الأخشاب جودة وله خاصيات ومزايا متنوعة .
وغير بعيد عن افران يوجد مكانا يسمى أرز غورو تتجمع فيه القردة التي الفت من الزوار إطعامها بحبات الكاوكاو قبل أن تتسلق أشجار الأرز الباسقة حاملة صغارها في منظر لا نراه إلا في أدغال إفريقيا من خلال الأشرطة الوثائقية التي تبث ببعض القنوات الفضائية .وقد يستغرب الزائر لضخامة شجرة الأرز وحجمها الذي يفوق كل التصورات ,ولكن هناك سيتأكد لديه فعلا أن الأشجار تموت واقفة وسيعاين ذلك في الواقع ويمكنه أن يخلد ذلك في صور تذكارية كما هو جار به العمل لدى السواح المغاربة والأجانب المتوافدين أفرادا وجماعات على هذا الموقع الأخاذ .
إلا أن موت شجر الأرز ليس سببه عامل السن أو المرض اونهاية الأجل المكتوب فقط بل هناك عوامل أخرى سببها العنصر البشري ,فهذه الأشجار أصبحت مهددة بالانقراض بفعل عمليات القطع الغير المشروع بتواطئ جلي.
فالكل واع بالمخاطر التي تتهدد غابات الأرز بالمغرب و التي تقارب مساحتها 140الف هكتار ,وان اجتثاث مساحات هامة كل سنة سيؤدي إلى اندثار هاته الثروة الوطنية ,التي لاوجود لمثيل لها في العالم باستثناء بعض المناطق المعدودة على رؤوس الأصابع ومنها لبنان الدولة التي اتخذت من شجرة الأرز شعارا مرسوما على رايتها لمكانتها واهميتها.
فعلى الجميع سلطات ومنتخبين وجمعيات المجتمع المدني وهيئات ومواطنين من جميع الفئات العمل على الحفاظ على أشجار الأرز وفضح كل مساهم في جرائم الإبادة التي تتعرض لها هذه الأشجار من طرف مافيا لاتهمها إلا سبل الاغتناء اللامشروع وتكديس الثروات على حساب الملك الغابوي عموما والأرز بالخصوص مما سيؤدي إلى كوارث طبيعية وخيمة العواقب من انجراف للتربة وتصحر يهدد التوازن البيئي في المنطقة ,كما أن غابات الأطلس المتوسط هي خزان للمياه ,وكل إخلال في التوازن ستكون له انعكاسات سلبية على البلاد بأكملها حسب المختصين ,كما أن التأثير السلبي سيشمل الغطاء الايكولوجي والثروة الحيوانية.
فمن هنا ينبغي أن تنطلق دعوات الإصلاح وتخليق الحياة العامة وربط المسؤولية بالمحاسبة لأنه ميدان حساس يمس الجميع دون استثناء وله مخلفات كارثية على البيئة والاقتصاد والسياسة العامة للدولة.
فلتتضافر الجهود للقضاء على هذه الظاهرة المجرمة قانونا والغير مقبولة أخلاقيا ودينيا....
جمال مصباح
ساحة النقاش