جنوب السودان,ميلاد إحدى أفقر الدول في العالم.
شهد يوم :09-07-2011,الإعلان عن ميلاد دولة جنوب السودان –الدولة 54 إفريقيا و193 عالميا- عاصمتها جوبا . ميلاد تم بعد مخاض عسير , حيث كانت المنطقة مسرحا لحرب أهلية دامت عقدين من الزمان ,راح ضحيتها الملايين وسجل نزوح الآلاف .
جاء الاستفتاء المنظم خلال شهر يناير 2011 ليتوج مخطط انفصال جنوب السودان عن شماله ,بعد اتفاقية السلام الشامل الموقعة بين الطرفين سنة 2005 في نيفاشا.
تباينت ردود الأفعال بين فرح بالاستقلال لدى الجنوبيين , وحزن عن الانفصال ادخل الشمال في حالة حداد ,حيث خلت الشوارع من المارة تعبيرا عن المرارة والأسى لتمزيق الوطن الواحد فعوامل الوحدة تطغى على عوامل التفرقة .
جمهورية جنوب السودان ,مساحتها : 619745 كلم2 ( 28في المائة من المساحة الإجمالية للسودان البالغة : 2.5 مليون كلم2 ). أصبحت للجنوب حدودا تمتد على مساحة 2000 كلم تقريبا مع دول : إثيوبيا-كينيا-إفريقيا الوسطى-أوغندا –الكونكو- و السودان الشمالي.عدد السكان يصل إلى : 8260490 نسمة ,والكثافة السكانية : 13 ساكن/كلم2 .
اللغة الرسمية المعتمدة هي الانجليزية ,مع وجود 12 لهجة محلية .يتكون الجنوب من قبائل : الدينكا ,النوير ,و الشلك.
نسبة الأمية تبلغ : 80 في المائة , كما إن 90 في المائة من السكان يعيشون تحت عتبة الفقر , بنصف دولار في اليوم ,كما إن نسبة وفيات الأطفال تعد الأعلى في العالم.ومؤشر التنمية على المستوى التعليمي يعد من اضعف المؤشرات دوليا, وبالتالي فان دولة جنوب السودان الحديثة هي إحدى أفقر الدول في العالم .
ورغم اعتراف السودان براسة عمر البشير باستقلال دولة جنوب السودان التي يرأسها سلفا كير ميارديت , المزداد سنة 1951 , والمنتمي لقبيلة الدينكا التي تشكل الأغلبية داخل النسيج القبلي لهذه الدولة الفتية ,وقد لعب إلى جانب القائد الراحل جون غرن ,دورا فعالا في نضال الحركة الشعبية لتحرير السودان , فان بعض القضايا العالقة بين البلدين تشكل بؤرة توتر قابلة للاشتعال في أية لحظة وهي :
- لم يتم الحسم في مشكل الحدود ,وقد ظهرت بوادر الخلاف بشأنها جراء إحداث آبيي وجنوب كرد فان – ملف النفط معقد للغاية ,إذ إن 90في المائة من الحقول النفطية توجد في الجنوب , بينما تتمركز محطات التصفية وأنابيب النقل بالشمال ,فكيف سيتم اقتسام عائدات هذه الثروة الطبيعية , ؟ مع العلم أن الشركات المستغلة هي شركات من الصين والهند وماليزيا وغيرها من الشركات الأجنبية .
مع الإشارة إلى استحالة التفكير في تحويل مجاري النفط لأسباب تتعلق بالبنيات الأساسية وعوامل إستراتيجية واقتصادية .
- مياه النيل , هل سيتم اقتسام حصة السودان من هذه المياه وهي 18.5 مليار م3 سنويا (اتفاقية 1959) بين الشمال والجنوب ,أم ستتم إعادة تقسيم مياه النيل بعد ميلاد الدولة الجديدة ,؟ وما موقف مصر من ذلك ؟
- مشكل المديونية الخارجية التي لم يحسم بعد في كيفية اقتسامها والمعايير المعتمدة في ذلك .
-مشكل الجنسية بحيث تحول الجنوبيون العاملون في الشمال إلى أجانب مطالبين بمغادرة مناصبهم ,وكيف سيتم التعامل مع بعض الحالات الخاصة كالمناطق المتنازع حولها ؟.ووضعية "البدون".التي قد تظهر في المشهد السياسي الناشئ.
بلادي وان جارت علي عزيزة وأهلي وان ضنوا علي كرام
إن هذا الوضع السياسي الجديد لا يلغي الروابط الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بين طرفي السودان ,وسيظل نهر النيل العظيم يخترق البلاد من الجنوب إلى الشمال غير عابئ بالحدود ,كما أن علاقات المصاهرة والأخوة تجعل انصهار الشعبين قدرا محتوما لاتؤثر فيه عوامل بشرية من صنع قوى داخلية وخارجية لا تقيم وزنا لاللتاريخ ولا للجغرافيا.
رغم وعود هيئة الأمم بجعل الجنوب محروسا بعناية, وتعهدها بالحرص على تطبيق اتفاقية السلام بين البلدين الجارين ,فان هذا السلام يبقى هشا وقد لا يصمد طويلا بسبب الخلافات المؤجلة ,والمشاكل العالقة بين الطرفين ,كما إن هناك حركات مسلحة تتربص بالنظام الجديد ,بالإضافة إلى تنامي التيار السلفي بالجنوب ,والفكر القاعدي الذي يرى بان جنوب السودان أرضا صليبية اقتطعت من بلاد الإسلام.
ففي زمن تكرس فيه الجهود لتحقيق وحدة الشعوب لمواجهة تحديات العصر والتكتل في اتحادات قارية وجهوية , يكون نصيب الأمة العربية والقارة الإفريقية بالخصوص مزيدا من التشتت و التشرذم بخلق كيانات ضعيفة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ,لإرضاء بعض الأهواء ,والرضوخ لسطوة وهيمنة الأقوياء الذين يهرولون للاعتراف بصنيعتهم .
وحتى إسرائيل تولي أهمية كبرى لهذا الموضوع ,وعينت منسقا خاصا في هذا الشأن ,كما كانت تتبادل الرسائل السرية مع حكومة جنوب السودان , فإذا ظهر السبب بطل العجب .
إنها جريمة العصر بامتياز.
جمال مصباح
ساحة النقاش