من أجلك

خدمة وتنمية المرأة والأسرة العربية .

كتبت: الداعية ألفت مهنا

قال تعالى: {...اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} الشورى13

وقد عرضنا في المقال السابق نموذجا لمن إجتباه الله وإصطفاه فطوى له الطريق إليه، والآن ومع من يريد أن يلتمس طريق الهداية، فقد بين سبحانه أنه يهدى إليه من ينيب، أى من يرجع إليه ويجتهد للوصول إليه وقد وعد سبحانه فقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} العنكبوت69، إذا الطريق إليه واضح وهو طريق المجاهدة، فمن نجاهد؟

ونحن في طريقنا إلى الله يعترض الطريق أعداء لا يريدون لنا الفوز بالقرب من الله وهؤلاء الأعداء لابد لنا من مجاهدتهم لنصل إلي مقصودنا وهو الله، أولهم الشيطان قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} فاطر6 
نعم الشيطان عدو لنا، ولكن من فضل الله أنه جعل كيد الشيطان ضعيفا.

ولكن هناك عدو أخر وهو أخطر ألا وهو النفس فقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} النازعات40، ونلاحظ هنا أن الله سبحانه لم يجعل النفس عدو فى ذاتها كما أخبرنا عن الشيطان أنه لكم عدو، ولكن جعل ميل النفس إلى الهوى هو المذموم، أما حقيقة النفس فهى لا تذم لذاتها ولكن لفعلها، فإن تربت وهذبت إرتقت فى مقامات القرب إلى الله فيزول عنها صفات الذم لتحل صفات المدح.
 
إذا النفس التى كانت فى بدايتها أمارة بالسوء {.. إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي ....} يوسف53، وتميل إلي الهوى  فإذا خضعت للمراقبة والتربية والمجاهدة استطاعت أن ترتقى إلى نفس لوامة {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} القيامة2، ثم نفس ملهمة {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} الشمس8، ثم  راضية فمرضية {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً} الفجر28، ثم نفس مطمئنة فيقول سبحانه: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} الفجر27، حتى تصل النفس الكاملة ..

ولكى نفهم سويا هذه المعركة، نرجع إلى ما ورد في الأثر أن الله سبحانه وتعالى عندما خلق الأرض قال لها: يا أرض من خدمك فإستخدميه ومن خدمنى فإخدميه .. فتأتيه الأرض وهى راغمة. فإذا نفخت الروح – التى هى من الله،  ولا ترضى به بديلا، ولا ترى غيره - فى الجسد الذي هو من الأرض التى تريد أن تكون مخدومة لا خادمة تبدأ المعركة والمجاهدة . فيريد الجسد – الأرض – أن تكون كل حياة هذه النفس فى تلبية رغباته وشهواته، فتأمره وتزين له كل شهوة وكل شبهه حتى لا يعصيها، وتظل هكذا تأمره بالسوء والمنكر حتى إذا جاء لطف من الله وإستيقظ هذا الإنسان من غفلته وبدأ طريق مجاهدة هذه النفس، إستطاع بفضل الله وتوفيقه أن ينقذها من هذه العبودية للجسد وشهواته إلى العبودية لله التي تحقق له الفوز والنصر عليها حتى يصل بهذه النفس إلى أعلى المقامات.

ولكي نضع أنفسنا في بداية هذا الطريق من المجاهدة كان لزاما أن نفرق بين ما يكون داخل الإنسان من دوافع. فقد قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} آل عمران14، وقد جاء لفظ زين مبنى للمجهول، ولذلك قال العلماء أن تزين الشهوات له مستويات وحالات، فإن كان في حدود ما شرع الله فيكون التزين هنا من الله سبحانه لأنه لولا أن الله قد حبب للإنسان الشهوة وحب الخيرات ما تحقق مراد الله سبحانه في بقاء النسل وعمارة الأرض ولكن قد يأتى التزيين خارج حدود الشرع وفيما لا يرضى الله فمن الذى يزين إذا؟

يقول الإمام البوصيرى فى البوردة موضحا من هم الأعداء:
وخالف النفس والشيطان واعصهما      وإن هما محضاك النصح فاتهم.

نعم النفس والشيطان فكيف يمكن لنا أن نفرق بينهما؟ يقول العلماء إذا جاء الخاطر بالمعصية والعياذ بالله ثم طردت ذلك الخاطر باللجوء إلى الله والإستعاذة به من الشيطان الرجيم فانصرف فهو من الشيطان، وكذلك إذا لم يلح عليك وإنما خنس ليظهر في خاطر أخر، فهذا دليل على إنه من الشيطان لأنه كل مراده أن تعصى الإله ولا يهتم بنوع المعصية.

أما إذا كان الخاطر يصر على معصية بعينها ولا ينصرف بالإستعاذة بالله، فندرك أن هذا الخاطر من النفس لأن لها حاجة وهوى في هذه المعصية بذاتها، ولا يمكن الجهاد لهذه النفس إلا بالإستعانة بالله ومخالفتها حتى تنقاد للروح، وهنا تبدأ طريق الرقى حتى تعود إلى ربها وتصل إليه فتفوز فوزا عظيما.

وبعد أن عرفنا من نجاهد سيكون السؤال التالى كيف نجاهد إن شاء الله. اللهم إنا نسألك أن تنظر إلينا بنظرة رضا تنقلنا وتحملنا بها إليك حمل الكرام عليك.
            أمين    أمين    أمين

المصدر: الداعية ألفت مهنا - مجلة من أجلك

ساحة النقاش

من أجلك

menaglec
من أجل تنمية المرأة والأسرة العربية ومشاركتها اهتماماتها المختلفة. »

ابحث

تسجيل الدخول