من أجلك

خدمة وتنمية المرأة والأسرة العربية .

كتبت: الداعية ألفت مهنا

نعم .. عرفنا وتشوفنا وتشوقنا  إلى هذه المراتب العالية وهذه المقامات نعم .. أدركنا أن الإنسان لا تتحقق إنسانيته بالوجود المادى والحياة والنمو والتكاثر والتمتع بكل ما فى هذه الحياة فبعض هذه الصفات يشترك فيها الإنسان والحيوان وحتى أحيانا النبات بل ويشترك فيها المؤمن والكافر، فالبشرية صفة لحياة الجسد ولكن الإنسانية صفة لحياة الروح. وقد نفخ الله فى الإنسان من روحه وحمله الأمانة بالحفاظ على إرتباط هذه الروح به وحده فمن الناس من حفظ الأمانة فكان فى عليين ومن الناس من خان الأمانة فكان فى أسفل سافلين بل كان كالأنعام بل أضل كما قال تعالي:
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} الأعراف179

وإذ أدركنا هذا وأيقظنا الله من غفلتنا بفضله وكرمه علينا أن نجيب علي سؤال هام وهو كيف الطريق؟ أو ما هو سبيل الترقى فى مقامات القرب من الله.. من الإسلام الذى تفضل به علينا لنصل إلى مقام الإيمان فالإحسان؟ لإجابة هذا السؤال فقد أخبرنا سبحانه فى كتابه الكريم الذى ما فرط فيه من شىء ولكننا نحن الذين أغفلنا عن كل شىء فقال سبحان من قائل:
{ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} الشورى13

إذا هناك طريقان: طريق الإجتباء أو ما يسمى الإصطفاء، وهذا لا حول للإنسان فيه ولا قوة،  فهو محض فضل من الله سبحانه الذى لا يسئل عما يفعل. والطريق الأخر وهو طريق الإنابة والمجاهدة، فمن استيقظ من غفلته وصدق مع الله وسار فى الطريق هداه الله إليه، فهو الذى أخبرنا علي لسان حبيبه صلى الله عليه وسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقول الله سبحانه: أنا عند ظن عبدى بى. وأنا معه حين يذكرنى. فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى. وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم. وإن اقترب إلى شبرا اقتربت إليه ذراعا. وإن أتانى يمشى أتيته هرولة).

إذا ليس علينا إلا السير فى الطريق نحسن الظن فى الله ونصدق معه ونذكره علي كل حال كما قال: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} آل عمران191

ونحن هنا سندخل تحت ظل شجرة الإصطفاء ومع رجل إجتباه الله، فنقله من حال إلي حال من غير حول منه ولا قوة، هذا الرجل هو الزاهد الورع سيدنا مالك بن دينار وهو يقص علينا قصته فيقول مالك بن دينار أحد كبار التابعين ومن عباد الله الصالحين كيف كان، وما سبب توبته؟ اسمع حكايته وخذ منها العبر!
وإقرءوا التاريخ إذ فيه العبر                ضل قوم ليس يدرون الخبر!
كانت بدايته فاجرا شديد العصيان يقول هو عن نفسه: العصيان ما تركت ذنبا إلا فعلته...وظللت على ذلك عمرا أؤذى الناس وآخذ أموالهم حتى جاء يوم رأيت رجلا في السوق يشترى حلوى ويقول للبائع: أعطنى وزدنى، فإن لي ثلاث بنات، وإن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشّر من يحسن إلى بناته بالجنه! (قال عليه الصلاة والسلام: "ما من رجل تدرك له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنه" صحيح ابن ماجه. والمراد أن يكون رفيقا بهن ويكرمهن ويحسن تربيتهن على الإسلام وينشِّأهنَّ نشأة صالحه) يقول فوقع فى قلبى حب البنات فتمنيت أن أتزوج وأنجب بنتا.

وهذه رسالة من الله ولمن؟ لعاص فتأمل! يقول: فإشتقت للزواج ولكن تسائلت من سيزوجنى وأنا على فجورى هذا؟ فقللت من فجورى بعض الشىء، وتزوجت وأنجبت ابنة كما طلبت من الله سميتها "فاطمة"، أحببتها بشدة وكلما كبرت كلما كبر الإيمان في قلبى وضعف الفسق والفجور حتى أصبحت بنت ثلاث سنوات وكنت أسكر يوما فأزاحت بيديها الكأس عن فمي فشعرت أن الله هو الذى أزاحه! حتى حدث أمر عجيب...فجأة ماتت فاطمة، يقول: فرجعت أسوأ مما كنت من قبل لا أكاد أفيق من الخمر، ولم يكن لدى من الإيمان ما يصبرنى.

حتى جاءت ليلة فقلت لأسكرن كما كنت أسكر من قبل، فظللت أشرب وأشرب وأشرب حتى سقطت مغشيا على! فرأيت في المنام رؤيا عجيبة، رأيتنى وكأننى فى يوم القيامة والهول عظيم والبشر محشورون إلى ربهم، وقد دنت الشمس من الرؤوس فمنهم من يصل عرقه إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى رقبته، ومنهم من يسبح في عرقه. ثم بدأ النداء على أسماء البشر وشعر الناس بخوف شديد، فلان بن فلان..هلم للعرض على الجبار...فاختفى البشر من حولى ووجدتنى وحدى فى موقف العرض والحساب.

وإذا بثعبان ضخم يأتى فاتحا فاه ليبتلعنى، فأخذت أجرى وأجرى حتى رأيت شيخا كبيرا ضعيفا فقلت له: أنقذنى من هذا الثعبان، فقال يابنى أنا ضعيف، ولا أستطيع أنقاذك ولكن إهرب فى هذا الإتجاه فلعلك تنجو، فجريت كثيرا حتى وجدت النار أمامى والثعبان خلفى، فظللت أجرى بإتجاه آخر فوجدت الرجل العجوز مرة أخرى وهو يبكى على، فأشار إلى إمض فى هذا الإتجاه، فرأيت جبلا وعلى الجبل أطفال صغار وهم من ماتوا وتركوا آبائهم وأمهاتهم في الدنيا... فنادوا على إبنتى: يا فاطمة يا فاطمة أدركى أباكى! ..فجاءت فاطمة فعرفتها وعرفتنى، فأخذتنى بيدها اليمنى ودفعت الثعبان بيدها اليسرى وجلست في حجرى كما كانت تفعل فى الدنيا وأنا أرتعد فقلت: يابنتى ما هذا الثعبان العظيم؟ قالت: هذا عملك السيئ فقلت ومن هذا الشيخ الضعيف قالت هذا عملك الصالح، أنت أضعفته حتى لم يستطع أن ينقذك، ولولا موتى لما وجدت من ينقذك هذا اليوم ثم نادتنى يا أبت: "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق"، فإستيقظت وأنا أقول بلى يارب قد آن قد آن يارب...فقمت واغتسلت وجريت إلى المسجد فإذا آذان الفجر...فدخلت المسجد فإذا الإمام يقرأ نفس الآية! .. يقول مالك ففهمت عن ربى...فعلمت أننى إن لم أعد إليه هذا اليوم فقد لا يقبلنى بعد هذا اليوم !    
 
والأن أحبابى فى الله فليسأل كل منا  نفسه هذا السؤال:

"ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق".

ونهتف جميعا بصدق        بلي يا رب قد آن
                            بلي يا رب قد آن
                                 بلي يا رب قد آن

    اللهم فقبلنا     أمين أمين أمين

المصدر: الداعية ألفت مهنا - مجلة من أجلك

ساحة النقاش

من أجلك

menaglec
من أجل تنمية المرأة والأسرة العربية ومشاركتها اهتماماتها المختلفة. »

ابحث

تسجيل الدخول