كتبت: د. عبير بشر
أصبح لدى النساء الأن ولع شديد بمادة البوتكس التى أحدثت الطفرة الهائلة فى علاج تجاعيد الوجه بدون جراحة، ولكى نعلم مدى إنتشارها وإسمها العلمى "البوتيولينم توكسين" علينا ملاحظة الوجوه الجامدة الخالية من التعبير لبعض المشاهير من نجوم الفن والحياة لنعرف نتيجة الإسراف فى إستخدامها، إلا أن هذا لم يردع الكثيرات عن إستخدامها تحت إشراف طبى سليم ومتخصص منذ أصبحت الوسيلة العلاجية الأكثر قبولا بين نساء المجتمع الباحثات عن الجمال والشباب الدائم.
ومثلما تستخدم السموم فى تدمير الحياة يمكنها أيضا أن تصبح عنصرا مهما لعلاج المرضى، والعجيب أن كثيرات لا يعرفن أن مادة بوتيولينم توكسين هى سم الفسيخ، وتستخلص من بكتيريا معينة تفرز مادة سامة تؤدى إلى التسمم الغذائى وتسبب شللا فى عضلات الجسم يمكن أن يؤدى إلى الوفاة وهنا كانت للعلماء ملاحظات ذكية بشأن توظيفها فى إضعاف العضلات التى تعمل بشكل زائد، فقاموا بفصل تلك المادة السامة وتنقيتها وتخفيفها ودراستها ووجدوا أن حقنها فى مواضع معينة من أى عضلة يمكن أن يسبب ضعفها وإرتخاءها بدون أن تؤثر على باقى عضلات الجسم لأن التركيز المستخدم فى مجال التجميل بالذات، يمثل واحد على خمسمائة على الأقل من التركيز الذى يشكل ضررا على باقى أجزاء جسم الإنسان.
ويوضح لنا الدكتور أحمد عادل نور الدين أستاذ جراحة التجميل بالقصر العينى، أن بعض تجاعيد الوجه تسمى التجاعيد الحركية، وتظهر أثناء الضحك أو رفع الحاجب أو الغضب، ولأن جراحى التجميل لديهم دراية كاملة بعضلات الوجه وكيفية تحريكها، أمكن تحديد عضلات كل منطقة مطلوب التحكم فى حركتها وحقن تلك المادة فيها حتى نحدث توازنا فى حركة عضلات الوجه، وتقوم المادة بمنع توصيل الإشارات العصبية القادمة من المخ إلى العضلة فترتخى التجاعيد الناتجة عن إنقباضها الشديد.
ويؤكد د. أحمد عادل أن تلك المادة أحدثت ثورة فى مجال جراحة التجميل الذى شهد ثورات مثل التقشير الكيماوى فى الستينات، تلاه ثورة الليزر فى الثمانينات، ثم البوتيولينم فى التسعينات، وقد بدأ إستخدامه فى مصر بكفاءة منذ عام 1998، أى منذ حوالى عشر سنوات وهى فترة كافية للحكم على مضاعفات أى علاج إن وجدت.
كما أن عملية الحقن يكون تأثيرها مؤقتا لأنها مادة بروتينية يستهلكها الجسم وتختفى، لذلك نحتاج لإعادة الحقن بعد فترة حسب قوة العضلة، فعضلات المرأة تكون ضعيفة عن عضلات الرجل لذلك يحتاج الرجل إلى جرعات أكبر على فترات أقل قد تصل إلى أربعة شهور فى مقابل ستة أشهر للمرأة.
ومعظم العضلات التى تعالج لأغراض تجميلية تكون فى منطقة الوجه وتحت الأبط واليدين، حيث يتم حقن غدد العرق أسفل الإبط بجرعات قليلة جدا بحيث يقلل إفراز العرق لمدة قد تصل إلى سنة، ويتم الحقن بإبرة طولها 4 مم بشكل سطحى فى طبقة الجلد لعزل الأعصاب عن غدد العرق، ولا تشكل أى خطورة. وعادة ما يبدأ الحقن بغرض التجميل فى أواخر الثلاثينات وأوائل الأربعينات، ويرتبط بمدى إحتياج عضلات الوجه أكثر من إرتباطه بسن معينة، ولا يفضل جراحو التجميل الحقن فى مرحلة النمو والبلوغ.
وكل يوم تظهر إستعمالات جديدة لتلك المادة، فأى مرض ينشأ من عضلة متقلصة أو متيبسة يمكن علاجه بها، بدءا من حول العين والديسك وألام عضلات الظهر والشرخ الشرجى وبعض أنواع المغص المرارى. وتنشأ مشكلات سم البوتيولينم من حقن جرعات أكبر من المسموح بها عالميا، ويؤكد الدكتور حاتم سمير أستاذ مساعد أمراض المخ والأعصاب بطب القصر العينى عدم حدوث أى مضاعفات فى مصر لأن عمليات الحقن لا تتجاوز 600 وحدة وهى الجرعة المسموح بها عالميا، لأنه من غير المنطقى أن نبالغ فى الكمية نظرا لإرتفاع سعر الأمبول وبالتالى تكلفة العلاج فى مصر بالنسبة لدخل المريض، بل على العكس معظم الأطباء يستخدمون عادة جرعات أقل من الحد الأقصى.
وبالنسبة للأطفال فإن هناك طريقة لحساب الجرعة الخاصة بهم طبقا لوزن الطفل وعدد العضلات التى سيتم حقنها. ويوضح د. حاتم سمير أن سم البوتيولينم يستخدم فى علاج حالات التقلصات العضلية والشلل الدماغى والتيبس العضلى والصداع النصفى، إلا أن مشكلة علاج حالات المخ والأعصاب لا تقتصر على مجرد عملية الحقن بل تعتمد أساسا على خطة متكاملة، لأن معظم الحالات تهدف إلى إعادة تأهيل المريض وتستلزم تنسيقا مع أطباء علاج طبيعى وعظام، أى أن عملية الحقن تكون ضمن منظومة علاج متكامل.
ويؤكد أن تأثير الحقن يبدأ بعد حوالى خمسة أيام، وتصل إلى ذروة الفاعلية بعد اسبوعين ويستمر إلى أربعة شهور حسب كفاءة العلاج الطبيعى ودرجة التيبس العضلى والجرعة التى تم حقنها. أما الحالات المؤقتة الناتجة عن إصابة أو جلطة قد لا تحتاج إلى إعادة حقن إذا إستجابت للعلاج الطبيعى ، إلا أن هناك حالات تزداد حدتها مع الوقت، وهنا لابد من إعادة عملية الحقن.
ويفضل إستخدامها فى حالات التقلص العضلى الموضعى لأنها أفضل من الدواء التقليدى بأثارة الجانبية على الكبد والكلى والمعدة، وما يسببه من إرتخاء فى كل عضلات الجسم مما يربك حياة المريض. وتقتصر محاذير إستخدامه على حمل المرأة وأثناء الرضاعة، كما أن هناك مجموعة من المضادات الحيوية التى لا يجوز تناولها معه، ولا يتجاوز معالجة مرضى وهن العضلات به، ولا يوجد لعملية الحقن نفسها أى أثار جانبية سوى ألام بسيطة أثناء الحقن، وقد يحدث تجمع دموى خفيف بعد الحقن.
ساحة النقاش