من أجلك

خدمة وتنمية المرأة والأسرة العربية .

كتبت: د. عبير بشر

الأم هى أكثر الناس دراية بأبنائها، وتعرف مزايا وعيوب كل واحد منهم: هناك من هو يتحمل المسئولية ويمكن الإعتماد عليه فى إستذكار الدروس، يساعد فى الأعباء المنزلية، يسعد بتقديم كل مساعدة ممكنة للأهل والجيران. وأخر يعتمد عليه فى شئونه الخاصة فقط، دائم الشكوى عندما تطلب منه أى مساعدة. وثالث بشكل ما متأخر، نادرا ما ينهى واجباته المدرسية فى الوقت المناسب، يبدى رغبة فى المساعدة إلا أن تلك الرغبة الشفهية لا تترجم إلى واقع عملى.وسط هذا الإختلاف والتباين كيف تستطيع كل أم أن تربى أطفالها على المسئولية ومساعدة المحتاج والمشاركة فى العمل الجماعى؟

تجيب د. فريدا شما خبيرة مناهج التعليم بالولايات المتحدة الأمريكية على هذا التساؤل بأن هناك خمسة عوامل على الأقل يجب أن تؤخذ فى الحسبان عند تربية الأطفال، ويأتى على رأسها شخصية الطفل، كما يعرف الأباء الذين لديهم أكثر من طفل، أن كل واحد منهم يولد بشخصية مختلفة وطريقة مختلفة فى التعامل مع العالم من حوله ولقد حدد العلماء 8 شخصيات لحديثى الولادة حتى عمر ثلاثة شهور، فعندما يصدر صوتا مزعجا أو يسطع ضوء قوى نجد أن هناك رضيعا سوف يبكى، وأخر سوف يجفل ويضطرب، وطفل سيهتم بالتعرف على ما يحدث، ورابع يتصرف كأن شيئا لم يكن. وهنا يجب على الأباء والأمهات تحديد شخصية طفلهم وبالتالى طريقة مساعدته فى التعامل مع مستجدات الحياة.
هناك طفل متميز يمكنه أن يقتسم لعبه مع الأخرين عند عمر سنتين، فى حين أن الطفل العادى لا يستطيع القيام بذلك حتى يبلغ ثلاث أو أربع سنوات، ويوجد أطفال يعتبرون الأمر بمثابة التحدى الأكبر فى حياتهم. وسنسرد فيما يلى العوامل الهامة التى تساعد فى تربية الأطفال:

العامل الأول: عدم المقارنة بين الأطفال، ومن ثم لا تتوقعين من أحد أبنائك شيئا لمجرد أن أخاه يقوم به عن طيب خاطر.

العامل الثانى: هو تأمين طفولته، إذ يجب على الطفل أن يشعر دائما أن والديه سيكونان بجانبه عندما يحتاجهما، وأن يشعر بالأمان تجاه حبهما له، هذا الأمان سوف يمكنه من التجربة والخطأ دون خوف من فقد حبهما إذا فشل والطفل الذى لا يحظى بالإحساس بالأمان سيرفض منظومة القيم التى يحاولان تربيته عليها عندما يكبر، أو سيكون معتمدا عليهما بالكامل، ولا يثق أبدا فى حكمه على الأشياء.

العامل الثالث: هو الحاجة إلى قدوة، نحن لدينا إلتزام بأن نكون قدوة حسنة لأولادنا، وتتبلور أهمية القدوة الحسنة فى الصدق. إذا سألت نفسك: هل أنت إنسانة صادقة بحق؟ سوف تكون إجابتك الفورية والتلقائية بالتأكيد نعم، ولكن فكرى فى الأمر مليا، هل أمرت طفلك أن يخبر من يتصل تليفونيا بأن "ماما فى الخارج" لأنك لا تريدين محادثته؟ هل وعدت طفلك بمكافأة إذا لزم الهدوء أثناء نومك ظهرا ثم رفضت بعد ذلك الوفاء بوعدك؟ هل أجبت طلب طفلك بالمقولة الشهيرة "إن شاء الله" ونيتك الرفض؟ كل هذه المواقف تعتبر كذبا يعلم طفلك رسالة مباشرة بعدم أهمية الصدق.

العامل الرابع: هو الثقة، فأنت تعلمين طفلك المسئولية عن طريق منحه الثقة بأن يفعل ما يعد به، على سبيل المثال عندما تقولين لطفلك أنه يمكنه أن يستريح لمدة ساعة عقب عودته من المدرسة على أن يذاكر دروسه فيما بعد، إذا وافق على ذلك وكان محل ثقتك لا يجب أن تنظرى فى الساعة كل يوم لمراقبة إنقضاء ساعة الراحة وتذكيره بأن الوقت قد حان للإستذكار، لأنه سيفهم من ذلك أنك لا تثقين به، وأنه ليس عليه تحمل مسئولية المذاكرة لأن "ماما" ستتواجد دائما لحثة على الإستذكار. تماما مثلما تكذبين عليه المرة تلو الأخرى، فلا تتوقعى منه أن يكون صادقا معك.

العامل الخامس: والأخير فى تربية طفل مسئول هو التدريب، فمن النادر أن يولد الطفل مسئولا من نفسه، أو أن يتحمل مسئولية المذاكرة بمجرد أن تطلبى منه ذلك. ولنأخذ مثالا على ذلك إيقاظ الطفل مبكرا للذهاب إلى المدرسة. فى البداية يتحتم على الأم أن تبقى فى غرفة الطفل بعد إيقاظه لتتأكد من مغادرته الفراش، وعندما يعتاد أن ينهض مسرعا تعرفين أنه تقبل مسئولية الإستيقاظ من أجل المدرسة، هنا يصبح الإستيقاظ مبكرا تدريبا تمرس الطفل عليه ويمكنك بعدها ضبط منبه لإيقاظه، ثم تدريجيا أطلبى منه أن يقوم هو بإيقاظك، وإذا نسى أيقظيه برفق وأخبريه أن عليه مسئولية إيقاظك. وعندما يقوم بما عليه على أكمل وجه إمتدحى سلوكه بشكل إيجابى، وتدريجيا إسندى إليه المزيد من المسئوليات وستدهشك النتائج.

تؤكد د. فريدا أن من أشق مهام الوالدين الإعتماد على الطفل فى إستذكار دروسه وبصفة خاصة فى فترة الإمتحانات النهائية. إذ تقوم كل أم بتذكير أبنائها وحثهم ودفعهم دفعا من أجل الجلوس للإستذكار، ثم تجلس بجوارهم للتأكد من تركيزهم فى المذاكرة، وقد يصل الأمر ببعض الآباء إلى إستمرار تلك الأوضاع حتى المرحلة الثانوية، ولذلك ننصح كل أم أن تطالب طفلها بعد رابع أو خامس عام فى المدرسة بتحمل مسئولية المذاكرة تدريجيا على مدى عام.

وقد يتطلب الأمر أحيانا أن تتركى طفلك يرسب فى أحد الإختبارات لأنه يتعلم كيفية تحمل المسئولية يعنى تعلم التعايش و الإستفادة من الأخطاء. إن أكثر الطرق فاعلية فى تعليم الطفل المشاركة وتحمل المسئولية هى أن يكون سلوك الوالدين مطابقا لما يطالبان به أطفالهما ورغم أنه من المفضل إلا نجهر بأعمال الخير التى نقوم بها، لكن عندما نربى أطفالنا يجب أن نشرح لهم ما نقوم به حتى يدرك الطفل مدى تحملنا للمسئولية فى مساعدة الفقراء وزيارة المرضى ومساعدة العاجزين.

يجب على كل أم وأب أن يذكرا أبنائهما منذ الصغر بأن الأب لديه مسئولياته خارج المنزل وداخله وكذلك الأم من أجل جميع أفراد الأسرة، وفى المقابل حثى طفلك على المساعدة سواء بتجهيز مائدة الطعام أثناء إعدادك له فى المطبخ أو بترتيب حجرته وإحرصى على المساواة بين أبنائك بتوقع المساعدة من البنت مثل الولد، فالأولاد يجب أن يشاركوا فى الأعمال المنزلية، فغسل الأطباق وإخراج أكياس القمامة مثلا لن يضيرهم والأباء الذين يتوقعون من بناتهم خدمة أخواتهم الذكور ولا يتوقعون معاملة مماثلة لا يجب أن يندهشوا من إبن بالغ لا يعترف بمسئوليته تجاه أبويه وأخواته البنات.

عزيزتى الأم يجب أن تعرفى أن تحمل الطفل المسئولية من الأشياء الصعبة التى يجب عليه أن يتمرسها من الصغر. أما الشعور بالمسئولية تجاه الأخرين فيتعلمه من خلال مراقبة الوالدين وهما يمنحان من وقتهما وأموالهما لمساعدة الأخرين، كما أن وصف الطفل بالغبى أو الكذاب يفقداه الثقة بالنفس بينما يشعره الثناء والتشجيع بالنضج والقدرة على تحمل المسئولية وإذا أظهر طفلك عدم قدرة على أداء ما وعد به، أوكلى له مهام أبسط وبعد أن يتمها إمتدحيه وإتركيه يختار ما يشاء ليرتديه وأثنى على إختياره، خطوات صغيرة كهذه تساعده على الشعور بقدراته على تحمل المسئولية.

المصدر: د. عبير بشر - مجلة من أجلك

ساحة النقاش

من أجلك

menaglec
من أجل تنمية المرأة والأسرة العربية ومشاركتها اهتماماتها المختلفة. »

ابحث

تسجيل الدخول