نهضة مصر: بعد 25 يناير 2011 -------- أ. د/ ممدوح عبد الغفور حسن

أكثر من نصف قرن مع المواد النووية والثروة المعدنية

اكتشاف الزمرد (البريل) فى سيناء

     تم اكتشاف الزمرد لأول مرة فى سيناء يوم الخميس 3/12/1992، وقد حقق  هذا الاكتشاف فريق من الجيولوجيين من قسم تنمية سيناء بهيئة المواد  النووية بقيادة الأستاذ الدكتور ممدوح عبد الغفور حسن أستاذ الجيولوجيا ورئيس  قطاع الانتاج بالهيئة. ويقع هذا الاكتشاف فى الصخور الجرانيتية فى وادى  غزالة غرب مدينة نويبع، وهو اضافة جديدة الى الثروة المعدنية بسيناء.  ويعتبر الزمرد من الأحجار الكريمة عندما يكون نقيا، ولكنه أيضا المصدر  الرئيسى لأحد الفلزات النادرة وهو البريليوم، ولذلك يعرف الزمرد فى  المجال الجيولوجى باسم "البريل". ومن المعروف أن قدماء المصريين كانوا أول من اكتشف الزمرد فى الصحراء الشرقية واستخرجوا بعض نوعياته  الكريمة، وتركوا لنا النوعيات الأخرى، الا أنهم لم يكتشفوا هذا الموقع  الجديد فى سيناء، وكأنهم تركوا اكتشافه لزمرة من أحفادهم فى هيئة  المواد النووية.

 

    وقد أفاد الدكتور ممدوح عبد الغفور حسن أن هذا الاكتشاف قد تم فى  وقت مناسب حيث أن سيادته قد تقدم مؤخرا الى أكاديمية البحث العلمى  والتكنولوجيا لتنفيذ مشروع حصر وتقييم رواسب البريل فى مصر، والذى  أدرجته الأكاديمية فى خطتها الخمسية. وأضاف سيادته أن الصحراء الشرقية  بها خمسة مواقع لهذا المعدن الاستراتيجى الهام وقد سبق له دراستها فى  السبعينات بالاشتراك مع زميله فى هيئة المواد النووية المرحوم الأستاذ  الدكتور حامد الشطورى.

 

    وقد أكد الدكتور ممدوح على الأهمية الاستراتيجية الفائقة لهذا الكشف  الجديد، مما دفعنا الى اجراء الحوار التالى معه.

 

س: فى بداية الحديث عن هذا الكشف الجديد أرجو اعطاء القراء فكرة مبسطة  عما هو الزمرد ؟ أو البريل، كما يسميه الجيولوجيون؟

 

ج: أولا أحب أن أوضح الفرق بين "المعدن" و "الفلز" بالمفهوم الجيولوجى  حتى تكون الاجابة واضحة. فالمعدن هو مادة صلبة ذات مواصفات معينة تتكون  فى الطبيعة نتيجة العمليات الجيولوجية المختلفة دون تدخل من الانسان،  وهذه المعادن هى التى تكون مادة القشرة الأرضية التى نعيش عليها ونحصل  منها على احتياجاتنا، وأهم خاصية للمعدن هو قابليته لتكوين بلورات ذات  شكل منتظم، وهذه الخاصية تعكس الترتيب المنتظم للذرات والجزيئات التى  يتكون منها المعدن. ولكل معدن ترتيب ذرى خاص به، وهو بمثابة بصمة  المعدن، ولذلك فان أفضل وسيلة للتعرف على المعادن هى تعيين ترتيبها  الذرى بواسطة أشعة أكس. ولكل معدن تركيب كيميائى محدد، الا أنه ليس  ثابتا حيث أن المعادن تقبل احلال بعض عناصرها بعناصر أخرى فى حدود  معينة، وبالتالى نجد أن التركيب الكيميائى لأى معدن يختلف  من عينة الى  أخرى فى حدود ضيقة، ومن الممكن أن يتكون المعدن من عنصر واحد فقط مثل  الذهب والفضة والماس، ولكن الغالبية هى المعادن التى تتكون من اتحاد  عنصرين أو أكثر، فمثلا الهيماتيت، وهو أحد معادن خامات الحديد، تركيبه  هو أكسيد الحديد، والكالسيت، وهو المعدن الرئيسى فى الحجر الجيرى  والرخام تركيبه هو كربونات الكالسيوم. وما صخور القشرة الأرضية الا معادن  مترابطة مع بعضها، فالمعادن اذن هى اللبنات التى تتكون منها الصخور.  أما الفلز فهو عنصر كيميائى له مواصفات خاصة أهمها جودة التوصيل  للحرارة والكهرباء والقابلية للطرق والسحب أو التشكيل بصفة عامة مثل  النحاس والذهب والقصدير، بعكس اللافلز وهو العنصر الذى يفتقر الى هذه  الصفات مثل الكربون والكبريت والفوسفور. وهكذا ترى أن الاستخدام الدارج  لكلمة "معدن" لا تتفق مع التعريف الجيولوجى للمعدن، بل يقصد بها "فلز".  والزمرد هو معدن نادر الوجود يتكون من اتحاد أربعة عناصر رئيسية هى  الأكسجين والسيليكون والألومنيوم والبريليوم مع نسب ضئيلة من بعض عناصر  أخرى. ويوجد هذا المعدن فى عدة صور منها ما يتميز بصفات جمالية تجعلها  ضمن الأحجار الكريمة، ومنها ما ليست له هذه الصفات الجمالية، وهى  النوعيات الغالبة، ولذلك يعرف المعدن جيولوجيا باسم "البريل"، ولا يطلق  اسم "الزمرد" الا على بعض النوعيات الكريمة منه.

س: يدل حديثك على أن المعادن تختلف كثيرا فى انتشارها فى الطبيعة،  فمنها النادر مثل البريل كما قلت ومنها الشائع كما فهمت من كلامك مثل  الكالسيت، فأرجو توضيح هذه النقطة مع اعطائنا بعض الأمثلة؟

 

ج: عدد المعادن التى تعرف عليها الجيولوجيون حتى الآن تصل الى بضعة آلاف،  ولكنها فى غالبيتها نادرة الوجود، وكثير منها لا يوجد الا فى بضعة أماكن  محدودة فى العالم، أما المعادن التى تكون السواد الأعظم من صخور القشرة  الأرضية فهى لا تزيد عن عشرين أو ثلاثين معدنا فقط، ولذلك نطلق عليها  تعبير "المعادن المكونة للصخور"، مثل الكوارتز الذى يكون حبيبات الرمال  ويكون حوالى 20% من الجرانيت ويظهر فيه على هيئة حبيبات زجاجية المظهر،  والكوارتز هو مادة الزجاج الرئيسية. ويأتى الكوارتز فى المرتبة الثانية  من ناحية الشيوع فى القشرة الأرضية بعد الفلسبارات، وهى مجموعة من  المعادن تكون ما يزيد عن 60% من الجرانيت وتظهر فيه على هيئة حبيبات  بيضاء أو وردية اللون، كما توجد أيضا بنسب متفاوتة فى الرمال. وأغلب  المعادن التى نحصل منها على الفلزات تعتبر معادن نادرة اذا قورنت  بالمعادن المكونة للصخور، لأنها لا توجد الا فى أماكن محدودة وبكميات تقل  كثيرا عن المعادن المكونة للصخور، ولذلك يحتاج العثور عليها الى جهود  جيولوجية خاصة. وهذه المعادن التى نحصل منها على الفلزات تسمى معادن  الخامات، مثل الهيماتيت الذى ذكرته سابقا، وهو من خامات الحديد الهامة،  ومثل الجالينا والذى يعرف لدى العطارين باسم حجر الكحل وهو المصدر  الرئيسى للرصاص، ومثل الروتيل وهو المصدر الرئيسى للتيتانيوم ويوجد  بكثرة فى الرمال السوداء المصرية، ومثل المونازيت والزيركون وهما من  المعادن النووية ومن مكونات رمالنا السوداء أيضا.

 

س: لقد أخذنا حديثك الممتع عن المعادن بعيدا عن هدفنا الرئيسى وهو الكشف الجديد فى سيناء، فعودة الى هذا الكشف نريدك أن تحدثنا عن  استخدامات الزمرد الممكنة بالاضافة الى أنه حجر كريم.

 

ج: تنبع أهمية البريل الحالية من كونه المصدر الرئيسى لأحد الفلزات  النادرة وهو "البريليوم"، الذى تبلغ نسبته في المعدن حوالى 5% تقريبا.  ولذلك تستخدم كل رواسب البريل تقريبا للحصول على هذا الفلز، أما  الزمرد، وهو كما قلت نوعية خاصة من البريل، فيتطلب الحصول علية مشقة  كبيرة، وربما لأننى لست خبيرا فى الأحجار الكريمة، فاهتمامى بالزمرد أقل  بكثير من اهتمامى بالبريل كمصدر للبريليوم.

 

س:  اذن ما هى استخدامات هذا الفلز النادر التى تجعل اكتشاف البريل فى  سيناء بهذه الأهمية التى وصفتها بأنها استراتيجية؟

 

ج: تتزايد استخدامات البريليوم فى مجالات الصناعات المدنية والصناعات  النووية تزايدا مطردا؛ ففى الصناعات المدنية يدخل هذا الفلز  (البريليوم) فى صناعة الأجهزة الملاحية للطائرات ومركبات الفضاء كما يدخل  فى صناعة الالكترونيات المتقدمة والسبائك عالية التحمل للحرارة. أما فى  الصناعات النووية فيدخل البريليوم فى صناعة المهدئات والعواكس  النيوترونية كما يستخدم فى تغليف الوقود النووى. وحيث أننى أتوقع أن  تبدأ مصر فى اتخاذ الاجراءات الفعلية لتوليد الكهرباء من المفاعلات  النووية فى المستقبل القريب تمشيا مع الاتجاه العالمى المتزايد وحفاظا على ثروتنا البترولية من النضوب، فان هذا الكشف يضيف اضافة قيمة الى  حصيلة مصر من المواد النووية اللازمة لتشغيل هذه المفاعلات، كما أنه  يعتبر اضافة قيمة الى الثروة المعدنية لسيناء.

 

س: طالما أنك تطرقت الى المفاعلات النووية التى تشغل بال الكثيرين الآن  فى معرض الحديث عن البريل، فنرجو أن توضح لنا دور البريل فى تصنيع  وقود هذه المفاعلات وما هى المواد الأخرى التى تدخل فى ذلك؟

 

ج: اليورانيوم هو العنصر الرئيسى فى وقود المفاعلات النووية، بل هو  المادة التى تحترق، بالمفهوم النووى طبعا، لتعطى طاقة المفاعل، وبدون  الدخول فى التفاصيل يجرى تصنيع الوقود النووى على هيئة قضبان بأطوال  مختلفة فى حدود بضعة أمتار غالبا وقطر فى حدود عدة سنتيمترات، وتستلزم  تصميمات المفاعلات أن تغلف قضبان الوقود بغلاف خاص لأسباب كثيرة، ويدخل  البريليوم ضمن العناصر التى يتكون منها ذلك الغلاف، وبالمناسبة يوجد فلز آخر اسمه الزركونيوم يدخل فى صناعة هذا الغلاف أيضا، ويستخرج هذا الفلز  من معدن اسمه "الزيركون" وهو من معادن رمالنا السوداء أيضا.

 

س: جاء فى الاعلان عن هذا الكشف الجديد أنه الكشف الأول فى تاريخ سيناء،  ولكنى أعلم أن الفراعنة قد استخدموا الأحجار الكريمة بكثرة، وأنهم  استخرجوا الزمرد من الصحراء الشرقية المصرية، فأرجو أن تحدثنا عن  الزمرد والبريل فى الصحراء الشرقية بمناسبة الكشف الجديد؟

 

ج: حسب معلوماتى لا يوجد فى المراجع الجيولوجية عن سيناء أى ذكر للبريل،  ولكن خامات البريل موجودة فى الصحراء الشرقية فى خمسة مناطق هى مناطق  زبارا ووادى الجمال و أم كابو و حمرة مكبد و حمرعكارم. وقد استغل  قدماء المصريين المواقع الثلاثة الأولى لاستخراج الحجر الكريم، ولا زالت  آثارهم باقية فيها على هيئة حفائر منجمية عديدة وأكوام ضخمة من كسر  الصخور التى تحتوى على البريل العادى الذى لا يصلح كحجر كريم. ويوجد  البريل فى صخور الشست وعروق الكوارتز على هيئة بلورات خضراء. والآثار  الباقية من هذه الأعمال تدل على أن حجم العمل كان كبيرا فهناك أطلال  قديمة أطلق عليها اسم مدينة نجرس ويبدو أنها كانت مساكن للعاملين فى  مناجم الزمرد، وهناك أيضا معبد محفور فى بطن الجبل على الجانب الشرقى  لوادى اسمه وادى سكيت قريبا من مناجم الزمرد، أما فى حمرة مكبد و حمر  عكارم فيوجد فيها البريل على هيئة عروق فى الصخور الجرانيتية، ولكن  القدماء لم يستغلوها، ربما لعدم احتوائها على النوعية التى يمكن  استخدامها كحجر كريم. وتعتبر هذه المواقع الخمسة من المصادر الهامة  للثروة المعدنية فى الصحراء الشرقية التى لابد من النظر اليها الآن على  أنها مصدر سهل للدخل القومى. 

 

س: يبدو أن لك دراية واسعة بخامات البريل، فهل قمت بأى دراسات فى هذا  المجال خلال حياتك العملية فى هيئة المواد النووية؟

 

ج: نعم، فالبريل من الخامات النووية و تدخل دراستها واستغلالها ضمن  مسئوليات واختصاصات هيئة المواد النووية، وكانت مواقع البريل فى وادى  الجمال فى اطار المنطقة التى كلفت بدراستها فى أواخر الخمسينات  واكتشفت فيها بعض الصخور والمعادن المشعة مع زميلى فى هيئة المواد  النووية الأستاذ الدكتور أحمد حشاد، وقد تقدمت بهذه الدراسة فى أوائل  الستينات للحصول على الماجستير فى الجيولوجيا من جامعة القاهرة قبل  سفرى فى بعثة دراسية الى أمريكا للحصول على الدكتوراه. وبعد عودتى قمت  بدراسة أخرى عن مواقع البريل الخمسة فى الصحراء الشرقية مع زميلى فى  هيئة المواد النووية أيضا المرحوم الأستاذ الدكتور حامد الشطورى، ونشرت  هذه الدراسة فى احدى الدوريات العالمية عن التعدين فى اليابان عام  1977. وقد بينت هذه الدراسات وجود البريل بكميات اقتصادية تستوجب اجراء  دراسة جدوى اقتصادية لاستغلاله كأحد مصادر الثروة المعدنية بصفة عامة  وليس كمصدر للأحجار الكريمة فقط.

 

س: وهل تمت متابعة هذه الدراسات أو استخراج أى كميات من هذه الخامات  بناء عليها؟

 

ج: لا، فحسب علمى لم تجر أية بحوث عن البريل فى مصر بعد 1977 وحتى الآن  فيما عدا ما جاء فى مشروع بحثى قام به زميلى الأستاذ الدكتور عبد العزيز  عبد القادر حسين رئيس الادارة المركزية للمساحة الجيولوجية بالهيئة  العامة للمساحة الجيولوجية والمشروعات التعدينية عن الأحجار الكريمة فى  مصر، وقد حظيت مواقع البريل فى الصحراء الشرقية بنصيب وافر فى هذه  الدراسة كمصدر للزمرد؛ فلم يكن الطلب على البريل كخامة معدنية ملحا حتى  عهد قريب، كما أن العثور على النوعيات الكريمة منه عملية شاقة جدا لا  تشجع على الاستمرار فيها خاصة فى المناطق الصحراوية الوعرة التى تستلزم  امكانيات خاصة.

 

س: ولكن ألا تعتقد أن الوضع قد تغير الآن بالنسبة لخامات البريل بما  يوجب علينا التفكير فى استغلال هذه الخامات كمصدر للثروة المعدنية تضاف الى الدخل القومى؟ خاصة بعد الكشف الجديد فى سيناء؟

 

ج: بالطبع، تغير الموقف الآن وأصبح الطلب على البريل يتزايد يوما بعد  يوم، ليس لاستخدامه كحجر كريم، ولكن لكونه المصدر الرئيسى للبريليوم. والدليل على ذلك اهتمام أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا بهذا  الموضوع وادراج مشروع بحثى لحصر وتقييم خامات البريل فى مصر ضمن  مشروعاتها البحثية فى الخطة الخمسية الثالثة. وأتوقع باذن الله أن تضاف  خامات البريل فى المستقبل القريب الى احتياطيات الثروة المعدنية فى مصر  خاصة بعد ظهور نتائج المشروع البحثى الذى تتبناه الأكاديمية. فقد حان  الوقت الآن لمراجعة مصادر البريل فى مصر لتوصيلها الى مرحلة الإنتاج،  كما أننى أعتقد أن استغلال مصادر البريل فى مصر لن يحتاج الى استثمارات  كبيرة، خاصة اذا شارك القطاع الخاص فى ذلك. وأحب أن أضيف أن شق الطرق  من وادى النيل الى البحر الأحمر سيساعد كثيرا على الاستثمارات فى  المناجم الصغيرة التى لا تحتاج الى استثمارات كبيرة والتى تعطى عائدا  سريعا وتوفر فرص عمل للشباب، كما أن استغلال البريل يمكن أن يفتح الآفاق  لاستغلال بعض المصادر المعدنية الأخرى التى توجد مع البريل فى نفس  المناطق أو فى مناطق قريبة مثل بعض الفلزات النادرة.

 

س: من الحديث السابق يبدو لى أنك لا بد وأن تشترك فى مشروع الأكاديمية

عن حصر وتقييم خامات البريل فى مصر، فهل قمت بأى خطوة فى هذا الشأن؟  وما مدى علاقة هذا المشروع بعملك الرئيسى فى هيئة المواد النووية كرئيس  لقطاع الانتاج؟

 

ج: مسئوليتى الأساسية فى هيئة المواد النووية هى الكشف عن الخامات  النووية فى مصر وتنمية مواقع تواجدها لتوصيلها الى مرحلة الإنتاج  الصناعى، وصحيح أن اليورانيوم هو المادة النووية الأولى والرئيسية فى أى  برنامج نووى، ولكن المواد النووية الأخرى تحظى باهتمامنا أيضا، وتدخل  ضمن مسئوليات قطاع الإنتاج، لأنها لازمة مع اليورانيوم لأى برنامج نووى  لتوليد الكهرباء. وحيث أن البريل من المواد النووية كما بينت، وأننى  كنت ممن ساهموا فى دراسة هذه الخامة سابقا، فقد شعرت أن من واجبى أن  أتقدم إلى إعلان الأكاديمية بفريق بحثى متكامل معتمد من رئيس الهيئة  لتنفيذ هذا المشروع حيث أنه مقترح أصلا من الهيئة وتقوم بالاشتراك فى  تمويله مع الأكاديمية. وقد حصلت على موافقة زميلى الأستاذ الدكتور عبد  العزيز عبد القادر حسين على الاشتراك معى فى الفريق البحثى لأننا تزاملنا  كثيرا فى العمل الجيولوجى فى مناطق تواجد البريل فى الصحراء الشرقية  وتعاونا كثيرا فى أعمال جيولوجية أخرى. ومن توفيق الله سبحانه وتعالى  أن يجىء أول اكتشاف للبريل فى سيناء بعد تقدمى لهذا المشروع رسميا  بأسبوع واحد فقط.

 

س: أدعو الله أن يوفقكم فى دراستكم المقبلة لمصادر البريل فى مصر  وتكون من نتائجها استغلال هذه الخامة استغلالا اقتصاديا، وفى هذا الصدد  أحب أن أعرف وضع مصادر البريل المصرية بالنسبة للوطن العربى؟ وهل توجد  لدى الدول العربية الأخرى مثل هذه المصادر؟

 

ج: فى الحقيقة لا أستطيع الاجابة على هذا السؤال بصورة مؤكدة، فلم أكن أتابع ما يكتب عن مصادر البريل فى الآونة الأخيرة، ولكن بالطبع من الآن  فصاعدا سيدخل هذا المعدن فى نطاق اهتماماتى، وقطعا سأوجه أحد السادة  الجيولوجيين العاملين معى الى هذا الاتجاه. ولكنى أعتقد أن مصادر البريل  فى الوطن العربى محدودة جدا، فلا أعلم بوجوده الا فى منطقة بالسودان  وأخرى بالسعودية، ولكنهما محدودتين وليستا مثل المناطق المصرية. وعلى  أى الحالات أعدك فى لقائنا القادم باذن الله أن تكون لدى معلومات أكثر وفرة ودقة عن مصادر البريل فى الوطن العربى.

 

س: هذا يجرنا الى سؤال آخر ذو علاقة وهو عن احتياطيات البريل العالمية  وانتاجه السنوى وأسعاره ومدى الطلب عليه؟

 

ج: تحسب الاحتياطيات والانتاج على أساس كمية الفلز نفسه وليس المعدن،  حيث أن هناك حالات توجد فيها معادن أخرى مع البريل، ويبلغ الاحتياطى  العالمى للبريليوم فى تقديرات 1988 حوالى نصف مليون طن موزعة أساسا فى  البرازيل والهند وأمريكا وما كان يسمى الاتحاد السوفييتى سابقا، أما الانتاج العالمى فليس لدى تقديرات أكيدة عنه، ولكنى أعتقد أنه لم يصل  الى ألف طن سنويا فى منتصف الثمانينات، ولكنه فى ازدياد مطرد، ويبلغ  سعر الطن حاليا فى الأسواق العالمية حوالى 80 دولار لطن الخام الذى  يحتوى على 10% أكسيد بريليوم.

 

س: وهل يعتبر هذا السعر مربحا فى حالة خاماتنا، مع الأخذ فى الاعتبار  مناطقنا الصحراوية؟

 

ج: أعتقد ذلك اذا تم استغلاله على نطاق المناجم الصغيرة التى لا تتطلب  المصروفات الباهظة التى لا داعى لها، وفى هذا أعتقد أن تشجيع الشباب على  اقتحام صناعة التعدين بمفهوم ما يعرف بمنجم الرجل الواحد، مع منح  التسهيلات ومنع التعقيدات سيؤدى الى ازدهار التعدين فى مصر وخلق فرص  عمل جديدة وتعمير الصحراء ودفع عجلة التنمية وزيادة الدخل القومى، ويجب  أن نتذكر أن تأميم شركات التعدين الصغيرة فى أوائل الستينات كانت له  آثارا سلبية يجب أن نعيها جيدا فى تخطيط مستقبل التعدين فى مصر.

 

س: ما هى توقعاتك بالنسبة لهذا الكشف الجديد؟ وما هى الخطوات التى يجب  أن يمر بها ليصل الى مرحلة الاستغلال الاقتصادى؟

 

ج: من المساحة المبدئية التى استكشفناها فى هذا الكشف الجديد، أعتقد  أنه سيكون ذو حجم لا بأس به، كذلك فان البيئة الجيولوجية التى يقع فيها  تشير الى أن احتمال تكراره وارد، وبالاضافة الى التركيز العالى للمعدن  ووجود نوعيتين له مع بعضهما، احداهما بيضاء والأخرى خضراء، كل ذلك يشير الى أنه موقع جيد، ولكن لا يجب أن نسبق الحوادث وننتظر تقدم الدراسات  لهذا الموقع قبل تأكيد أى أنباء عنه. أما عن الخطوات التى يجب أن تسير  فيها الدراسات فهى اعداد خريطة جيولوجية اقليمية للمنطقة المحيطة  بالكشف بمقياس 1:40,000  تقريبا، ثم عمل خريطة تفصيلية للكشف نفسه،  وجمع العينات الممثلة لكافة الصخور فى المنطقة ودراستها، وتحليل بعضها  كيميائيا. بعد الوصول الى هذه النتائج يمكن عمل تقييم مبدئى للاحتياطى  المحتمل. فاذا كانت النتائج مشجعة يمكن الاستمرار بعمل بعض الخنادق  بعمق فى حدود المتر أو عمل حفر لبى للوصول الى أعماق قد تصل الى عشرات  الأمتار، فاذا كانت النتائج مشجعة أيضا نبدأ فى فتح منجم أو عدة مناجم  حسب الحالة لاستخراج الخامة، وذلك طبعا بعد حساب التكلفة وقيمة المنتج  لتحديد مدى اقتصادياته وجدواه. ومن محاسن الصدف أن يكون هذا الكشف ضمن  منطقة بحث ماجستير أُشرف عليه للجيولوجى محمد صالح المعيد بجامعة  القاهرة.

 

س: أعلم أن كثيرا من الاكتشافات الهامة للخامات المعدنية تمت بطريق  الصدفة، فهل ينطبق هذا على اكتشاف الزمرد، أو بمعنى أصح البريل، فى  سيناء؟ أم تعتقد أن دراساتك السابقة عنه كان لها أثرا؟ وأرجو أن تجيبنى  عن هذا السؤال بصراحتك المعهودة.

 

ج: بصراحتى المعهودة على حد قولك أقول انما الأعمال بالنيات ولكل مجتهد  نصيب، ومنذ عودتى الى مصر بعد غيبة طويلة فى الخارج أجد توفيق الله  سبحانه وتعالى أمامى فى كثير من خطواتى، وأعتقد أن لقائى بك كان شيئا  من هذا القبيل، وكذلك كان اكتشاف البريل، وصحيح ما قلته أنت عن الصدف  الطريفة والغريبة فى اكتشاف كثير من الخامات المعدنية؛ ولهذا سأوجز لك  كيف توصلت مع جيولوجيى قسم تنمية سيناء الى هذا الكشف وأترك لك الاجابة  على السؤال. فمن أقسام قطاع الانتاج قسم تنمية سيناء وهو يتولى استكشاف  وتنمية مصادر اليورانيوم بها، وكنت فى زيارة للبعثة الجيولوجية لهذا  القسم لمتابعة أعماله الحقلية، ولقد حققنا هذا الكشف دون أن يكون فى  ذهننا أدنى تفكير فيه، بل لم يكن هناك أى توقع له. ففى هذا اليوم كان  تخطيطى مع الدكتور ابراهيم العاصى رئيس القسم والدكتور نبيل حنا  رئيس البعثة هو عبور وادى غزالة لاستطلاع صخوره الجرانيتية وفحصها بهدف  التعرف على امكانيات احتوائها على تركيزات لليورانيوم أو على وجود أى  مظاهر لمعادنه، ثم توزيع العمل على الجيولوجيين العاملين معهما. ومن  عادات المستكشف الواعى عند ارتياد مناطق جديدة أن يسأل كل من يقابله  عن مشاهداته فى المنطقة، خاصة اذا كان هذا المستكشف يبحث عن  اليورانيوم، فمعادن اليورانيوم الثانوية لها ألوان صفراء فاقعة تسترعى  الانتباه سريعا، وقد كان فى مدخل وادى غزالة واحد من بدو المنطقة الذى  رحب بنا فطرحنا عليه بعض الأسئلة العامة عن الوادى ودروبه ومدى جودة  الطريق المار فيه، وعن أى ملحوظات له عن أى ألوان خاصة فى الصخور فى أى  مكان، فوصف لنا بعض مشاهداته ومنها وجود بعض عروق المرو على الضفة  الشمالية فى بعض الأماكن. والحقيقة لم نعط هذه الملحوظة أى اهتمام حيث  أن اهتمامنا كان محصورا فى ألوان معادن اليورانيوم، وأن عروق المرو  شائعة جدا فى الصخور الجرانيتية وليست لها دلالة محددة الا اذا صاحبتها  مظاهر أخرى لا يعرفها الا الجيولوجى الخبير. فدخلنا الوادى ومررنا على  أحد المواقع التى تظهر فيها عروق المرو البيضاء وكان معها بعض  المظاهر التى استرعت انتباهنا فقررنا فحصها، وعند ذلك لاحظنا وجود بقع  من اللون الأخضر فى هذه العروق، وسألنى مراد، وهو أحد الجيولوجيين  الشبان العاملين فى قسم سيناء عن هذا اللون فأجبته على الفور بأن هذا  "بريل"، وبمجرد أن نطقت بهذا الاسم وصلت الاثارة الى مداها وانطلقت  المجموعة كلها فى كل الاتجاهات لفحص هذا المكشف فحصا دقيقا، فقد بدا  على الفور أننا بصدد اكتشاف هام، وبعد فترة كان كل واحد من المجموعة  قد جمع بعض العينات وجلسنا فى شبه مؤتمر حقلى ناقشنا فيه مشاهداتنا  التى توصلنا فيها الى قرار وهو أن هذا كشف جديد للبريل. فما رأيك الآن  بعد هذا الموجز؟     

 

س: لقد أجبت على سؤالى بسؤال آخر، وهذا مما يشجعنى على الاسترسال فى  الأسئلة، وبالرغم من أنه حديث ممتع ولا أريد له أن ينتهى، ولكن لابد مما  ليس منه بد، ولهذا لا أحب أن ينتهى الحديث قبل أن أطرح السؤال العملى  الهام: كيف نستفيد من هذا الكشف فى تنمية سيناء وفى نفس الوقت فى  زيادة الدخل القومى؟

 

ج: يجب النظر لهذا الكشف على أنه اضافة للثروة المعدنية فى مصر، نستطيع  أن نتخذه مثلا لمنهج جديد فى استغلال ثرواتنا المعدنية لتحقيق عائد سريع  باستثمارات قليلة، خاصة وأنه كشف جديد ليست له أية سوابق من أى نوع.  ولنجعل منه نموذجا لتطبيق الأفكار الحديثة فى استغلال الثروة المعدنية،  خاصة بعد التخلص من المفاهيم الشمولية وبعد الاتجاه نحو تشجيع  المشروعات الصغيرة.

 

س: فى الختام يطيب لى أن أقرر أن حديثنا هذا يجب أن تتبعه أحاديث أخرى  كثيرة لأنه أثار تساؤلات أكثر مما أجاب، ففى ذهنى الآن أسئلة كثيرة أريد  أن أطرحها عليك فيما يختص بالبرنامج النووى المصرى وبالثروة المعدنية  فى مصر بصفة عامة و بمفهموك عن المنهج الجديد فى استغلال ثرواتنا  المعدنية بصفة خاصة، فهل نطمع منك فى لقاءات أخرى نناقش فيها هذه  الأمور؟ أو على الأقل نناقش ما تقترحه أنت فى هذه الأمور؟

 

ج: اننى على أتم استعداد لأى لقاء معك ومع قرائك الأعزاء لعرض خبرتى فى  مجالات الثروة المعدنية فى مصر وفى البرنامج النووى المصرى ولن أبخل بأى  معلومة تطلبها، ولكن لتوقعى بما يدور وما سيدور فى ذهنك من تساؤلات  فاننى أحذرك بأننى لن أستطيع الاجابة على كل تساؤلاتك لأننى لا أحب أن  أخوض فى غير تخصصاتى المحدودة، خاصة عندما يكون الأمر معروضا على  القراء الأعزاء، فلا تبتئس اذا كانت اجابتى على بعض التساؤلات موجزة فى  عبارة واحدة هى "لا أعرف"، ومن كان صادقا فى قوله لا أعرف فقد أفتى.

 

 

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 822 مشاهدة
نشرت فى 10 أكتوبر 2014 بواسطة mamdouhgeo

ساحة النقاش

ممدوح عبد الغفور حسن

mamdouhgeo
تسجيل خبرتى على 56 عام مع الجيولوجيا والرواسب المعدنية والبحوث العلمية والتطبيقية والإ شراف على رسائل الماجستير و الدكتوراه والتدريس فى الجامعات العربية. »

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

73,090