نهضة مصر: بعد 25 يناير 2011 -------- أ. د/ ممدوح عبد الغفور حسن

أكثر من نصف قرن مع المواد النووية والثروة المعدنية

 

الفصــل الفصل الأول

الرواسب المعدنيةِ

أهمية المعادن للإنسان:

ترتبط حياة الإنسان على سطح الأرض ارتباطاً وثيقاً بالمعادن والصخور؛ فمنذ ظهور الإنسان على سطح الأرض، وهو يستعمل المعادن بصورة متزايدة. ولعل أول استخدام الإنسان للمعادن كان عندما التقط أحد أجدادنا القدماء حجراً من الأرض، ثم طوحه بيده في وجه أحد أعدائه، أو في اتجاه حيوان يريد صيده؛ وربما كان ذلك أول تعامل الإنسان الأول مع مادة الأرض واستغلالها لمصلحته، تعلم الإنسان بعد ذلك أن ربط قطعة الحجر هذه بيد خشبية، كفرع شجرة مثلاً،  يعطيه القدرة على إنزال ضربات أشد قوة وأكثر تحكماً، ومن ثم استطاع أن يصنع العديد من أدواته من الأحجار بعد أن تعلم بعض خصائص الأحجار من ناحية التماسك الصلابة وكيف يشذب تلك الأحجار ويشحذها لتلبى احتياجاته المختلفة. وبتوالي استعماله للأحجار المتنوعة، تم له اكتشاف الأحجار الكريمة بألوانها الزاهية وخصائصها المميزة من كافة النواحى، وزاد ذلك من اهتمامه بالأحجار والبحث عنها واقتنائها. وعندما تعلم الإنسان استخدام الفلزات، وطرق استخلاصها من خاماتها، أدى ذلك إلى تطور الحضارات تطوراً كبيراً، مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالمعادن. وليس أدل على ذلك من تسمية عصور الحضارة المختلفة في التاريخ البشري بأسماء المعادن التي كانت تُستخدم، ابتداءً بالعصر الحجري، إلى عصور الطاقة النووية والحاسوبات وارتياد الفضاء، وهو العصر الذي نعيش فيه الآن فى الألفية الثالثة.

وإذا ما رجعنا إلى التاريخ البشري، نجد أن المعادن كان لها الأثر الكبير في تحريك عجلة التاريخ، وقيام حضارات، وسقوط أخرى، وتغيير مجرى الأحداث في مراحل كثيرة، والأمثلة على ذلك متعددة، فالحضارة المصرية القديمة اعتمدت إلى حد كبير على الذهب النحاس والحديد والزمرد والفيروز من الصحراء الشرقية وسيناء. وتفوق الإغريق وهزيمتهم للفرس في القرن الخامس قبل الميلاد، كان سببه الأساسي امتلاكهم لمناجم الفضة في أسبانيا مما مكنهم من تجهيز الجيوش والأساطيل. وعندما سيطرت روما على هذه المناجم، استطاعت أن تسيطر على أجزاء كبيرة من العالم، كما كانت هذه المناجم سبباً في رفاهية روما، وثرائها الزائد. ولقد كان البحث عن المعادن، ومحاولة امتلاك مصادرها، من الأسباب الرئيسية لتعمير أراض شاسعة مثل أمريكا واستراليا، ولشن الحروب والغزوات، كما أنها كانت الأسباب الرئيسية لاستعمار الرجل الأبيض للقارة الأفريقية، وما تعانيه هذه القارة من ويلات حتى الآن.

إذن: فالثروة المعدنية لأي دولة، وطريقة استغلالها لهذه الثروة، يشكل الدعامة الأساسية لتقدمها، وأحد المعايير الهامة لمدى قوتها، ومركزها بين الأمم. فالدول التي تملك المصادر المعدنية، يمكن لها أن تقيم الصناعات المختلفة وتسير في طريق التقدم العلمي والتكنولوجي، أما تلك الدول التي حُرمت من مصادر الثروة المعدنية، فليس أمامها إلا توفير احتياجها للخامات المعدنية بصورة مضمونة أو الاعتماد على الزراعة و الصناعات الحرفية، أو التجارة. ومع ذلك فامتلاك مصادر الثروة المعدنية وحده لا يكفي بل لا بد من معرفة كيفية استغلال تلك المصادر على أكمل وجه.

وإذا تأملنا الأنشطة الإنسانية المختلفة، وجدنا جميعها يعتمد على الخامات المعدنية في صورة أو أخرى، فبعضها يعتمد اعتماداً مباشراً، وبعضها غير مباشر. فلولا الآلات والماكينات التي تصنع من الحديد ومشتقاته المختلفة، لما استطاع الإنسان أن يدخل عصر البخار، ولولا النحاس وما يتخذ منه من أسلاك وأجهزة كهربائية، لما دخل الإنسان عصر الكهرباء، ولولا اليورانيوم والخامات النووية المختلفة، لما دخل الإنسان عصر الذرة. وحلم الإنسان الذي كان ما زال يسعى جاهداً لتحقيقه وهو غزو الكواكب الأخرى وإطلاق المحطات المدارية، ما كان ليتحقق دون الاعتماد الأساسي على المعادن المختلفة ومشتقاتها، في صناعة الأجهزة والآلات المعقدة، مثل: أجهزة أشعة الليزر، والبطاريات الشمسية، وخلايا الترانزستور الدقيقة. وإذا ما أجَلْنا البصر في حياتنا اليومية العادية؛ وجدنا أن الجانب الأكبر من حياتنا يعتمد على المعادن اعتماداً كبيراً. فالسيارة والقطار والطائرة ومواد البناء، مثل الأسمنت والجير والرمل، وكذلك المواد الأولية التي تستخدم في صناعة الأدوية، مثل اليود والبروم والكبريت، نجدها كلها مصنعة من خامات معدنية. أضف إلى هذا أبسط الأشياء وأهمها ملح الطعام. ولا يفوتنا أن نذكر النفط والفحم فهما من أهم المواد الأولية المستخرجة من باطن الأرض، وهما وإن كانا يشكلان المصدر الرئيسي للطاقة بالإضافة إلى كثير من الصناعات المختلفة التي تقوم عليهما، إلا أنهما لا يعتبران من المعادن بتعريفنا الدقيق كما سيجئ بعد.

من كل ما سبق، يتبين لنا الأهمية القصوى للمعادن في حياة الإنسان، والطلب المتزايد عليها يوماً بعد يوم، ولذلك؛ فإنه من الواجبات الأساسية للجيولوجي وللعلوم الجيولوجية توفير احتياجات الإنسان من المعادن مما هو موجود بالقشرة الأرضية سواء على اليابسة أو فى قيعان البحار والمحيطات، بل إن هناك من يتطلع إلى المستقبل عندما يبدأ الإنسان في استغلال الثروات المعدنية الموجودة في الكواكب الأخرى.

الجيولوجيا:

إبان القرون الوسطى استخدمت الكلمة اللاتينية Geologia للتعبير عن أية دراسة أرضية تخضع للمنهج العلمى التجريبى، لتمييزها عن الأمور الإلاهية أو الإلاهيات Theologia، ثم تطورت مع التقدم العلمى الإنسانى تطورت كلمة Geologia إلى Geology منحوتة من الأصلين اليونانيين Geo بمعنى الأرض و logos بمعنى كلام منطقى أو علم (زغلول النجار و عبدالله الدفاع 1988 ص 53-54)، ومن هذا نجد أن أول نشاط علمى وتكنولوجى باشره الإنسان هو الجيولوجيا، ومع التقدم الحضارى دخل الإنسان إلى ممارسة النشاط العلمى لأفرع العلوم الأساسية الأخرى، مثل الفيزياء والكيمياء وعلوم الأحياء وتاريخ الأرض وعلاقتها بالنجوم، ومن هنا نستطيع أن نقول أن الجيولوجيا هى مصدر الإلهام لفروع العلم الأساسية، أى هى أم العلوم، ومن ناحية أخرى نستطسع أن نقول أن الجيولوجيا ليست علما مستقلا بذاته، ولكنه البوتقة التى تمتزج فيها العلوم الأساسية كلها لتعطى مزيجا ذا طابع خاص بطعم الكرة الأرضية التى نعيش فوقها على سطحها؛ لذلك كلما كان الجيولوجى على دراية بالعلوم الأساسية مثل الفيزياء والكيمياء والأحياء كان بارعا فى الجيولوجيا وعلوم الأرض بصفة عامة. أضف إلى ذلك فطرة الإنسان فى حب المعرفة وسعيه إلى دراسة الطبيعة لكى يتغلب عليها ويفسرها ويتجنب أخطارها مثل الزلازل والبراكين والسيول وغيرها، وكلها تدخل فى نطاق الجيولوجيا.

ونظرا لتطور الجيولوجيا  وتنوع تخصصاتها إلى حد كبير نشأ تعبير علوم الأرض Earth Sciences ليجمع كل تفرعات دراسات الأرض. ومن هذه التفرعات نشأ تعبير الجيولوجيا الاقتصادية Economic Geology ليجمع كل التطبيقات العملية لجميع أفرع المعرفة الجيولوجية لخدمة الإنسان، وهي تختص بعديد من نواحي الأنشطة الإنسانية. فمثلاً جيولوجيا المياه تختص بالبحث عن مصادر المياه الجوفية، وكيفية استغلالها بأحسن الطرق، والجيولوجيا الهندسية تختص بالدراسات الجيولوجية التي يجب أن تسبق أي مشروع من المشروعات الهندسية الكبيرة، مثل إقامة السدود وبناء الأنفاق والكباري واختيار مواقع المفاعلات النووية ومواقع التفجيرات النووية للأغراض السلمية، وجيولوجيا الزلازل والبراكين تختص بدراسة كل ما يتعلق بالظواهر الزلزالية والبركانية، بهدف التوصل إلى طرق يمكن بها التنبؤ بحدوث الزلازل والبراكين، لتجنب البشرية أضرارها وويلاتها. كما أن جيولوجيا البترول تقوم بدراسة كل ما يتعلق بالبترول وتكوينه وتحركه في القشرة الأرضية، وطرق اكتشافه، وهي أحد الفروع الرئيسية للجيولوجيا الاقتصادية. على أن أهم فروع الجيولوجيا الاقتصادية هو علم الرواسب المعدنية Mineral Deposits؛  بل نجد في مفهوم الكثيرين أن علم الجيولوجيا الاقتصادية يكاد يعتبر مرادفاً لعلم الرواسب المعدنية، ولكننا نفضل في هذا الكتاب أن نفصل بين علم الرواسب المعدنية ـ كفرع مستقل من فروع المعرفة الجيولوجيةـ وبين الجيولوجيا الاقتصادية التي تضم عديداً من فروع المعرفة الجيولوجية الأخرى، بالإضافة إلى علم الرواسب المعدنية.

ويختص علم الرواسب المعدنية Science of Mineral Deposits، بدراسة المعادن ذات الأهمية الاقتصادية، وطرق تكونها في القشرة الأرضية، والأماكن والظروف الملائمة لتواجدها بهدف الوصول إلى أحسن الطرق للبحث عنها واكتشافها. وهذا يتطلب استخدام جميع فروع المعرفة الجيولوجية المختلفة، للوصول إلى هذا الهدف. وهذا هو الدور الأساسي للجيولوجي.

ومن المعروف أن اطراد التقدم العلمي والتكنولوجي يزيد من معدل استهلاك المعادن زيادة كبيرة، وقد قدر مجموع ما استهلك من معادن في الفترة بين الحربين العالميتين فوجد أنه يفوق ما استخدم في كل العصور السابقة مجتمعة. ومن هذا نستطيع أن نتصور أيضاً أن ما استهلك من المعادن في الخمسين سنة السابقة يزيد على جميع ما استهلك قبل ذلك؛ وقد أدى هذا الاستهلاك المتزايد للمعادن إلى نضوب العديد من مصادر الثروة المعدنية، كما أن المصادر التي كانت كافية فيما مضى لم تعد كذلك في الوقت الحاضر، ولهذا فإنه من الضروري البحث عن مصادر جديدة للمعادن، لتلبية الطلب المتزايد عليها من ناحية، ولإيجاد مصادر بديلة لتلك التي ينضب معينها. وأخذاً في الاعتبار أن البحث المكثف عن المعادن قد أدى إلى اكتشاف معظم المصادر التي كانت ظاهرة على السطح، فإن البحث والتنقيب أخذ يتجه نحو الكشف عن الرواسب غير الظاهرة على السطح، وهذا يؤدي إلى ازدياد الصعوبة في الوصول إلى كشف راسب معدني جديد، و يجب الاستعانة بالوسائل والتقنيات الحديثة التي تسهل تلك المهمة، بل إن الأقمار الصناعية قد استخدمت لإمداد الباحثين بالكثير من المعلومات الجيولوجية التي تفيد كثيراً في مجال الكشف عن الخامات المعدنية. وقد أدى التقدم التكنولوجي المستمر في طريق التحاليل المختلفة، ومعاملة النتائج بالحاسبات الإلكترونية، إلى تسهيل مهمة الجيولوجي إلى حد كبير، ومن أحدث التخصصات الجيولوجية ما يسمى الجيولوجيا الرياضية Mathematical Geology، ويختص بتطبيق المعالجات الرياضية فى تفسير الظواهر الجيولوجية. إلا أنه مهما كان ذلك التقدم التكنولوجي، فسيظل دور الفكر الجيولوجي البارع هو الأساس في الكشف عن المزيد من الرواسب المعدنية.

ويرتبط علم الرواسب المعدنية، كما هو الحال مع كل فروع العلوم الجيولوجية، بالعديد من فروع المعرفة الأخرى في المجالات العلمية المختلفة. فهو يرتبط إلى حد كبير بالكيمياء، والعلوم الفيزيائية، والبيولوجية، علاوة على أنه يستمد معلوماته الأساسية من فروع العلوم الجيولوجية الأخرى؛ مثل علم الصخور، وعلم طبقات الأرض، وعلم البنية الأرضية، وغيرها. فالجيولوجي البارع إذن هو الذي يعتمد على كل المعلومات الجيولوجية من جميع النواحي في البحث والتنقيب عن الخامات المعدنية.

ومع أن البحث عن الرواسب المعدنية والكشف عنها هو الغرض الأساسي لعلم الرواسب المعدنية، إلا أنه لا يقتصر على ذلك فقط، بل يهتم أيضاً بالمشاكل الأكاديمية البحتة من حيث نشأة هذه الرواسب وتطورها، وذلك بهدف البحث عن الحقائق العلمية البحتة؛ وهذا أيضاً له أهمية كبيرة من حيث فهم الرواسب المعدنية فهما أعمق مما يساعد أيضاً في عمليات الكشف عنها.

تعريف بالرواسب المعدنية:

قبل التعرض لتعريف ما هي الرواسب المعدنية، يجب على القارئ أن يستعيد في ذاكرته تعريف المعدن. فالمعدن هو أية مادة صلبة متجانسة، تكونت بفعل عوامل طبيعية غير عضوية، وذات تركيب كيميائي محدد يمكن التعبير عنه برمز كيائى وترتيب ذري داخلي. أى أننا لا نطلق اسم معدن على أية مادة إلا إذا توافرت فيها الشروط الآتية، وأى مادة تفقد واحداً أو أكثر من هذه الشروط لا تعتبر معدناً:

1.    مادة صلبة متجانسة، أى أن جميع أجزائها متشابهة الماء والزئبق.

2.  تكونت بفعل عوامل طبيعية ليس للكائنات الحية دخل فيها، وعلى هذا فإن كل المركبات الصناعية لا تعتبر معادن، حيث أن الإنسان يقوم بتركيبها وصنعها.

3.    أن تكون ذات تركيب كيميائي محدد، يمكن التعبير عنه بقانون كيميائي ثابت.

فمثلاً: الكوارتز يمكن أن نعبر عن تركيبه الكيمائى بالرمز (SiO2) بمعنى أن كل ذرة واحدة من السليكون تقابلها ذرتين من الأكسجين؛ وأية عينة من الكوارتز تخضع لهذا القانون؛ مع ملاحظة أن كثيراً ما تحل الأيونات محل بعضها في البناء الداخلي للمعادن؛ كإحلال الألومنيوم محل السليكون، أو المغنيسيوم محل الحديد في كثير من المعادن. ولكن هذا الإحلال الأيوني (Substitution) لا يحدث إلا في حدود معينة وتحت شروط معينة لا تؤثر على البناء الذري للمعدن. ولذلك فإننا نقول إن لكل معدن تركيباً كيميائياً محدداً وليس ثابتاً، آخذين في الاعتبار عمليات الإحلال هذه.

4. يجب أن يكون للمعدن بناء ذري داخلي (Atomic structure) محدد. وهذه أهم خاصية للمعدن؛ إذ أن هذا البناء الذري الداخلي هو الذي يحكم كل خواص المعدن الطبيعية والكيميائية، بالإضافة إلى شكله البلوري الخارجي. ولا يمكن فهم المعادن فهماً تاماً دون دراسة بنائها الذري الداخلي، وهذا هو أيضاً الفارق بين المواد المتبلورة (Crystalline) وغير المتبلورة (Non-crystalline).

من هذا كله يتضح أن هناك كثيراً من المواد المتواجدة في القشرة الأرضية لا تعتبر معادن وأكبر مثال على ذلك البترول والغاز الطبيعي والفحم الحجري. كما أن هناك مواد تشبه المعادن إلى حد كبير، وتتواجد معها مثل: الأوبال (Opal) والعقيق (Agate) والليمونيت limonite لكنها لا تعتبر معادن لأنها تفتقد البناء الذري.

 

تقسيم المعادن:

  كان إبن سينا هو أول من خطا الخطوة الأولى نحو تقسيم المعادن  التقسيم العلمى السليم الذى نسير عليه الآن؛ فقد قسم المعادن المعروفة  فى عصره من حيث تركيبها الكيميائى إلى أربعة أقسام هى المعادن الكبريتية، والأملاح، والمعادن الأرضية، والفلزات. ثم أضيفت أقسام أخرى بالتوالى حسب اكتشاف المزيد من المعادن حتى وصلنا إلى التقسيم الحالى الذى يصنف المعادن أولا حسب تركيبها الكيميائى العام إلى أقسام ثم يصنف كل قسم بعد ذلك إلى مجموعات حسب بنائها الذرى. وتشمل الأقسام  الكيميائية للمعادن ما يلى:

1-              العناصر الطليقة native elements:

  وهى العناصر التى تتواجد فى  الطبيعة وتحقق شروط تعريف المعدن، ومنها عناصر فلزية مثل الذهب والبلاتين والفضة، ومنها عناصر لا فلزية مثل الكبريت والجرافيت والماس.

2-      الأكاسيد oxides: تتكون الأكاسيد من اتحاد فلز أو أكثر بالأكسجين، ومن أمثلتها  الماجنيتيت  Fe3O4 magnetite أو حجر المغناطيس وهو من المصادر  الرئيسية للحديد، والكاسيتيريت SnO2 cassiterite وهو المصدر الرئيسى  للقصدير، والكروميت chromite Cr2FeO4، وهو المصدر الوحيد للكروم، وفى بعض المعادن الأكسيدية يدخل الماء ضمن تركيبها الكيميائى، أما الهيدروكسيدات فتتكون من اتحاد فلز مع مجموعة OH الجبسيت Al(OH)3  والبروسيت Mg(OH)2 والجيوثيت FeO(OH).

3-              الكبريتيدات sulphide:

  وهى ما أطلق عليها ابن سينا  المعادن الكبريتية، ويتكون كل واحد منها من اتحاد الكبريت مع أحد  الفلزات، وأحيانا مع فلزين، وتضم المعادن التى تعتبر المصادر الرئيسية  لكثير من الفلزات مثل الكالكوبيريت chalcopyrite  CuFeS2المصدر الرئيسى للنحاس، و الجاليناgalena  PbS المصدر الرئيسى للرصاص والسفاليريت sphalerite ZnS المصدر الرئيسى للزنك. وتُضَم إلى هذا القسم  معادن مشابهة يحل فيها الزرنيخ أو الأنتيمون أو البزموت محل الكبريت وتسمى الزرنيخات أو الأنتيمونات أو البزموتات، كذلك تضم إلى نفس القسم معادن أخرى أشد تعقيدا فى تركيبها حيث تحتوى على واحد أو أكثر من  أشباه الفلزات بالإضافة إلى الكبريت والفلزات، وتسمى هذه المعادن  بالأملاح الكبريتية  sulphosaltsوهى أقل شيوعا من الكبريتيدات.

4-               الكربونات carbonates:

  وهى أملاح حامض الكربونيك الذى يتكون من  إذابة ثانى أكسيد الكربون فى الماء، وأهم هذه المعادن هو الكالسيت   calcite CaCO3  الذى يتكون من كربونات الكالسيوم، وهو المعدن الذى يكون  الحجر الجيرى.

5-               الهاليدات halides:

  وتشمل الفلوريدات والكلوريدات والبروميدات  والأيوديدات، وأهم هذه المعادن ملح الطعام ويسمى الهاليت halite،  وقرينه السيلفيت sylvite وهما كلوريد الصوديوم وكلوريد البوتاسيوم على  التوالى، والفلوريت fluorite ويتكون من فلوريد الكالسيوم.CaF2

6-               الأملاح الأخرى:

وتشمل أقسام أخرى من الأملاح أهمها الكبريتات والفوسفات والكرومات والبورات والنيترات.

7-               السليكات silicates:

وهى أكثر المعادن شيوعا فى القشرة الأرضية  وتكون ما يزيد عن 90% من صخورها، وأهم عناصر هذه المعادن هى الأكسجين  والسليكون فى المقام الأول ثم الألمنيوم والحديد والمغنسيوم والكالسيوم  والصوديوم والبوتاسيوم، وهناك تعبير شائع ولكنه غير محدد وهو تعبير المعادى المُكونة للصخور rock forming minerals إشارة إلى المعادن السائدة فى الصخر، والغالبية العظمى لها هى السليكات.

وبعد إلغاء الفرق بين الرواسب المعدنية والصخور، علينا أن نعرّف الصخور تعريفا دقيقا، وهو فى نفس الوقت تعريف للرواسب المعدنية: فالصخر هو تجمع من معدن واحد أو عدة معادن مع مواد أخرى قد تكون شبيهة بالمعادن أو لا. وبالرجوع إلى العديد من المراجع نجد أنها تتفق تماما مع هذا التعريف، ولكنها قاصرة أحيانا، مثلا هل يشمل هذا التعريف أن يكون الصخر متماسكا أم غير متماسك، فالرمال مثلا هل نعتبرها صخورا؟ فالرمال السوداء مثلا غير متماسكة، ولكنها من الرواسب المعدنية الشائعة، كذلك رواسب الوديان التى تحتوى على معادن اقتصادية عديدة مثل الذهب والكاسيتريت فهى رواسب معدنية شائعة أيضا؛ فهل نعتبر التماسك شرطا من تعريف الصخر؟ حالة أخرى، هل نعتبر الماء المتجمد طبيعيا فى المثالج (الجليد ice) معدنا؟ نعم بلا شك، لأنه يتكون بعمليات طبيعية غير عضويه وله تركيب ذرى مميز، وعليه نعتبر الجليد صخرا يتكون من معدن واحد وهو الجليد، من ناحية أخرى هناك صخور رسوبية تتكون فى معظمها من مخلفات عضوية، مثل الحجر الجيرى والفوسفات، وكلتاهما تعتبران من مصادر الثروة المعدنية. لهذا سنتهاون إلى حدٍ ما فى تعريف الصخور على أنها تَجَمُّع من معدن واحد أو أكثر مع مواد أخرى لا تعتبر معادنا، مثل الزجاج الصخرى أو مواد عضوية أخرى. وبالرجوع إلى كثير من المراجع عن تعريف دقيق للصخر لم نجد ضمن تعريف الصخر صفة التماسك إلا فى مرجع واحد (هيكل وهويدى 2008، ص40).

  والآن نستعرض بنائية القشرة الأرضية، التي يبلغ سمكها في المتوسط حوالي 35 كيلومترا. تتكون هذه القشرة أساساً من صخور سليسية، كالجرانيت والبازلت. وتتواجد هذه الصخور المختلفة على هيئة أجسام أو كتل متباينة الحجم، متراصة أو متداخلة في بعضها، وكل وحدة من هذه الصخور قائمة بنفسها، سواء صخر واحد أو عدة صخور، ولها حدود واضحة، تسمى وحدة صخرية (Rock Unit) أو جسم جيولوجي (Geologic body) أو تكوين جيولوجي (Geologic formation). مثال ذلك: طبقة من الحجر الرملي بين طبقتين من الطفلة، أو تداخل جرانيتي في صخور الشست، أو عرق من الكوارتز في جسم من الديوريت، والأمثلة كثيرة. وعندما يحتوي أحد هذه الأجسام الجيولوجية، أو جزء منه، على معدن أو معادن ذات نفع اقتصادي، فإن هذا الجسم أو الجزء منه يسمى راسباً معدنياً (Mineral deposit)؛ مثال ذلك عرق من الكوارتز يحتوي على حبيبات من الذهب، أو طبقة من الدولوميت يحتوي جزء منها على الجالينا. وهناك أيضاً بعض الأجسام أو التكاوين الجيولوجية التي تتكون من معدن واحد فقط له نفع اقتصادي، مثل طبقات الجبس (Gypsum) أو الكبريت، كما أن بعض الأجسام الجيولوجية الأخرى أو أجزاء منها تستخدم كما هي في كثير من الأغراض الصناعية مثل رمل الزجاج، وأحجار البناء، ورواسب التلك والسليكا والفلسبار. كل هذه يطلق عليها اسم الرواسب المعدنية. وعلى هذا يمكن تعريف الراسب المعدني على أنه: تكوين جيولوجي، أو جزء من تكوين جيولوجي يتواجد فيه تركيز معين من معدن، أو مجموعة من المعادن، يسمح باستخلاص عنصر أو مركب مطلوب لغرض أو لآخر، بطريقة اقتصادية، أو يمكن استغلاله كما هو في الأغراض الصناعية المختلفة، بطريقة اقتصادية.

ولكي يكون الراسب المعدني اقتصادياً، لا بد من أن تكون المواد المستخلصة منه تزيد في قيمتها، أو سعرها، عن تكاليف استخراجها من باطن الأرض. ويعتمد هذا على عدة عوامل، منها:

1.  عوامل جغرافية: مثل موقع الراسب بالنسبة للأسواق، وطرق المواصلات، ومناخ المنطقة التي يتواجد فيها، فمثلاً ربما يوجد راسب ذو تركيز عال للحديد في سيبيريا، أقل في قيمته الاقتصادية من راسب أقل في تركيز الحديد بجوار أحد موانئ البحر الأبيض المتوسط.

2.  عوامل اقتصادية: مثل أسعار المواد المستخلصة من الخام وشدة الطلب عليها، وتدخل الاحتكارات العالمية وتأثيرها على أسعار المواد وغيرها.

ويلاحظ أن بعض الرواسب التي لا تعتبر اقتصادية في الوقت الحاضر، ربما تصبح اقتصادية بعد عدة سنوات نتيجة للتطور التكنولوجي في استخلاص الخامات وعمليات التعدين أو إنشاء طرق حديثة بالقرب من موقع الراسب، أو ازدياد الأسعار نتيجة لزيادة الطلب على مادة معينة. وهناك أحد فروع الجيولوجيا الاقتصادية الذي يدرس كل هذه الاعتبارات وهو: اقتصاديــات المعادن (Mineral economics) ويعتبر نقطة التقاء بين العلوم الجيولوجية، والعلوم الاقتصادية والتجارية.

 

دورة الصخور:

                     من المشاهدات والدراسات التى تمت على القشرة الأرضية تم تقسيم صخور القشرة الأرضية من ناحية منشئها إلى ثلاثة أنواع هى: الصخور النارية، والصخور الرسوبية، والصخور المتحولة، ومع افتراض أن الأرض مرت بمرحلة كانت فيها كتلة نارية انفصلت عن الشمس عند تكوين المجموعة الشمسية، ومع انخفاض درجة حرارتها تكون لها غلاف صلب من الصخور النارية البدائية وكانت أول الصخور التى خلقت على الأرض، والتى اشتقت منها الصخور الرسوبية وبعدها الصخور المتحولة، ومن هنا بدأت دورة الصخور الدائبة من الأنواع الثلاثة والتى لا زالت قائمة حتى الآن، ومن المشاهدات والدراسات المباشرة وغير المباشرة استخلص الجيولوجيون دورة الصخور. ومن المنظور التاريخرى نتناول أول حلقة فى هذه الدورة عندما نشأت الصخور النارية على سطح القشرة الأرضية وتعرضت لعوامل التعرية التى فتتها وحللتها إلى رواسب مفككة ومواد ذائبة ثم رسبتها فى طبقات فكونت الصخور الرسوبية بعد طمرها فى طبقات متتابعة، وبعد طَمْر هذه الرواسب المتتابعة فى أعماق القشرة الأرضية تعرضت بالتدريج إلى ارتفاع فى درجة الحرارة والضغط فتحولت بالتدريج إلى الصخور المتحولة، ومع ازدياد درجة الحرارة إلى درجة انصهار الصخور النارية تحولت إلى صهارة أعادت الكرة بصعودها إلى المستويات العليا من القشرة الأرضية لتتعرض لعوامل التعرية مباشرة لو كانت طفوحات بركانية volcanic eruptions أو عند انكشافها لو كانت محقونات نارية igneous intrusions ، وهكذا تتم دورة الصخور منذ أن نشأت الأرض وحتى ينتهى عمرها.

ولكن ليست هذه الدورة بالبساطة الموجزة التى عرضت هنا؛ فهناك اتصال فى هذه الدورة بين هذه القشرة والوشاح مما يجعل التبسيط الذى عرضناه مدخلات من الوشاح إلى القشرة الأرضية على صهارات متنوعة، وفى نفس الوقت غوص من صخور القشرة الأرضية إلى الوشاح فى صورة صخور نارية ورسوبية ومتحولة لتمتزج بالصهارات الصاعدة من الوشاح، باختصار دورة الصخور فى القشرة الأرضية لها مدخلات ومخرجات، وفى نفس الوقت هناك دورات ثانوية داخل هذه الدورة الشاملة، يمكن للصخور النارية التحول إلى صخور متحولة بدون المرور بمرحلة الصخور الرسوبية، كذلك يمكن للصخور المتحولة أن تتعرض لعوامل التعرية وتتحول إلى صخور رسوبية مثلما يحدث للصخور النارية، وهلم جرا، وسنعاود عرض دورة الصخور فى نهاية الكتاب.

هذا عن دورة الصخور فى القشرة الأرضية، ماذا عن الرواسب المعدنية فى إطار ما ذكر عن دورة الصخور؟ سيكون هذا محور الفصول التالية من هذا الكتاب.

 

وهنا قد يظهر التساؤل لماذا الحديث عن دورة الصخور فى كتاب عن الرواسب المعدنية؟ الرواسب المعدنية هى أيضا صخور نارية أو صخور رسوبية أو صخور متحولة، وينطبق عليها كل ما ينطبق على الصخور الأخرى.

ويبين الشكل المرفق إحدى تصورات دورة الصخور مع ملاجظة إضافة سهمين يدلان على إمكانية التفاعل بين القشرة الأرضية والجزء العلوى من الوشاح، والذى قد يمتد من إلى الأستينوسفير، وربما ما تحت الأستينوسفير، ولذا يمحن أن نعتبر دورة الصخور ليست دورة مغلقة، فلها مدخلات من مادة الوشاح على هيئة الصخور النارية، ومخرجات على هيئة الصخور المتحولة أو من الصخور الرسوبية، وهذا يتمشى تماما مع النظريات التكتونية الحديثة.

ويوجد فى الشبكة الدولية عدد كبير من المفات والصور عن دورة الصخور rock cycle منها ما يلى كمثال.

 

 

http://www.rocksandminerals.com/rockcycle.htm 

 

 

 http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/1/16/Rockcycle.jpg/300px-Rockcycle.jpg

 

 

 

المصدر: كتاب الرواسب المعدنية: ممدوح عبد الغفور حسن 1979، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة. الصورة عن موسوعة BRITANICA
  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 2770 مشاهدة
نشرت فى 21 أغسطس 2011 بواسطة mamdouhgeo

ساحة النقاش

ممدوح عبد الغفور حسن

mamdouhgeo
تسجيل خبرتى على 56 عام مع الجيولوجيا والرواسب المعدنية والبحوث العلمية والتطبيقية والإ شراف على رسائل الماجستير و الدكتوراه والتدريس فى الجامعات العربية. »

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

72,941