التفكير الناقد مفهومه ، معاييره ، مكوناته ، ومهاراته :
يشعر إنسان اليوم بأنه يعيش حياة مضطربة ، فهناك المشكلات المتراكمة التي يواجهها سواء في مجتمعه أو على سطح هذا الكوكب المحدود في موارده و الذي يهدده بالخطر ، فبات عليه أن يقف في وجه هذا التحدي ، والبحث عن العقول الناقدة و المبتكرة لتأتي بحلول جديدة و مثالية ، قد تهدئ من اضطرابه و تخفق من حدة الصراع الذي يعانيه و تساعده على تطوير مجتمعه و تقدمه ، و بذلك أصبحت دراسة التفكير الناقد و الإبداعي بمكوناتهما المختلفة من بين الأمور التي تتحدى الباحثين بشكل عام و المربين بشكل خاص .
إن إعطاء الفرص المناسبة لنمو الطاقات المفكرة هي مسألة حياة أو موت بالنسبة لأي مجتمع من المجتمعات.( صائب الألوسى 1989 :75)
إن التفكير الناقد ليس موجوداً بالفطرة عند الإنسان ، فمهارته متعلمة وتحتاج إلى مران و تدريب ، و التفكير الناقد لا يرتبط بمرحلة عمرية معينة، فكل فرد قادر على القيام به وفق مستوى قدراته العقلية و الحسية و التصورية و المجردة . فالتفكير الناقد يتأتى باستخدام مهارات التفكير الأخرى كالمنطق الاستدلالي و الاستقرائي و التحليلي ، ومن الصعب انشغال الذهن بعملية التفكير الناقد دون دعم عمليات تفكير أخرى .
ويعد التفكير الناقد المفتاح لحل المشكلات اليومية التي تواجهنا كمعلمين ، فإذا لم نستخدم التفكير الناقد نصبح جزءاً من المشكلة . و عادة ما يتعرض المعلمون لمواقف يضطرون فيها لصنع القرارات الحاسمة ، والتكيف مع هذه المواقف الجديدة و تحديث المعلومات بشكل مستمر ، هو المبرر للتفكير الناقد .
وفي ظل هذه الاهتمامات بالتفكير الناقد كسمة عقلية ضرورية للإنسان ، كان اهتمام هذه الدراسة في تناول هذا النوع من التفكير الإنساني ، و للبحث عن تنمية هذه السمة في الغرفة الصفية .
وتهدف التربية النقدية إلى تكوين العقل بما يمكنه من إصدار الحكم على الأفكار و التصورات و الأحكام الأخرى لمعرفة مدى انسجامها و اتساقها عقلياً قبل اعتمادها ، فالعقلية النقدية لا تقبل الأمور و الحوادث كما تروى لها، و لا تسرع إلى تصديقها ، بل تعرضها على ميزان العقل ومحك التجربة لتتحقق من مدى صحتها أو خطئها . لذا ألح ديكارت في قاعدته المشهورة " البداهة "على ألا يسلم المرء بأمر أنه حق ما لم يتأكد بالبداهة أنه كذلك .
والتربية النقدية عكس التلقينية ، فالأخيرة تحيل الإنسان إلى وعاء متلق و تغتال فيه كل تفاعل خلاق ، ويصبح السبيل الوحيد للاندماج في الجماعة هو التسليم الكلي للتصورات و الخضوع للأحكام التي تفرضها القبيلة أو العائلة أو الصحبة ، مع فقدان القدرة على مراجعة الأفكار المسبقة أو إنتاج أفكار جديدة .
ولكى تعمل التربية على تنمية ملكة النقد ينبغي لها استبعاد التلقين ما أمكن ذلك ، باعتباره عائقاً رئيساً ومثبطاً لكل انفعال نفسي وعقلي ، وباعتباره الربيب الأول للامتثال و الخضوع .
ويمكن للمعلم أن يشجع طلابه دوماً على القراءة الفاحصة ، وينمي قدرتهم على الملاحظة الدقيقة ، وألا يتسرع هو في إصدار الأحكام الصائبة و الأحكام الخطأ التي تصدر كاستجابات من جانب الطلاب ، ليشرك الآخرين و يشجعهم على إعمال العقل و يحتفظ المعلم في النهاية بإيجاز الموقف و إغلاقه بصورة مقنعة و ليظهر أن هذا القرار الصحيح ، هو نتاج للتفكير و المشاركة الجمعية بما فيها المحاولات الخطأ.
مفهوم التفكير الناقد :
من خلال استعراض التعريفات المختلفة المنشورة في أدبيات التفكير الناقد، يلاحظ أن الباحثين يختلفون في تحديد مفهوم التفكير الناقد ، و قد يرجع ذلك إلى اختلاف مناحي الباحثين و اهتماماتهم العلمية من جهة ، و إلى تعدد جوانب هذه الظاهرة و تعقدها من جهة أخرى .
في اللغة : ورد الفعل " نقد" في لسان العرب بمعنى ميز الدراهم و أخرج الزيف منها . فنقد الدراهم أي ميز الذهبية منها ، بمعنى أكتشف الزائفة . كما ورد تعبير " نقد الشعر" في المعجم الوسيط بمعنى أظهر ما فيه من عيب أو حسن. و يفهم من ذلك إظهار المحاسن و العيوب و تنقية و عزل ما حاد عن الصواب .
في الأدب التربوي : هناك عدد من التعريفات التي وردت للتفكير الناقد ، وعلى الرغم من تعدد التعريفات للتفكير الناقد ، إلا أنه يمكن أن تنظمها صيغتان :
الأولى : توصف بالشخصية : وهي تركز على الهدف الشخصي من وراء التفكير الناقد كما جاء في تعريف (انيس Ennis, A. H ,1964)حيث يرى أن التفكير الناقد :تفكير تأملي معقول يركز على اتخاذ القرار فيما يفكر فيه الفرد أو يؤديه من أجل تطوير تفكيره و السيطرة عليه ، إنه تفكير الفرد في الطريقة التي يفكر فيه حتى يجعل تفكيره أكثر صحة ووضوحاً و مدافعاً عنه .Ennis, A. H ,1964) )
ونلاحظ أنه قد ركز على افتراضين في تعريفه للتفكير الناقد أن التفكير الناقد نشاط ذهني عملي .
والثانية : تركز على الجانب الاجتماعي من وراء التفكير الناقد ، إذا هو عملية ذهنية يؤديها الفرد عندما يطلب إليه الحكم على قضية أو مناقشة موضوع أو إجراء تقويم . إنه الحكم على صحة رأي أو اعتقاد و فعاليته عن طريق تحليل المعلومات و فرزها و اختبارها بهدف التمييز بين الأفكار الإيجابية والسلبية .
ويعرفه آخر بأنه يمثل صورة التفكير التى تعمل عندما يطلب من الفرد الحكم على قضية أو تقويم رأى.(إبراهيم وجيه 1976 : 52)
ويعرفه (روبرت هريس Robert Harris ) بأنه عادة عقلية للتقويم الحذر، ويتمثل فى القدرة على التحليل الهادف إلى اكتشاف الأجزاء الرئيسية فى الأفكار والفلسفات والتحمس لمعرفة الحقائق الموضوعية بمناقشة الحجج والبراهين ، والتفسيرات للتوصل لحكم جيد عليها ، وذلك من خلال تحليل الأجزاء لاكتشاف العلاقات بينها حيث يمكن تقويمها بعد ذلك ، وهو أيضاً طاقة بنائية واتجاه بنائى ، لاختبار كل الأفكار والحجج.
(Robert Harris ,2001)
وهناك تعريفات أخرى للتفكير الناقد منها :
فحص وتقييم الحلول المعروضة .
حل المشكلات أو التحقق من الشيء و تقييمه بالاستناد إلى معايير متفق عليها مسبقاً .
التفكير الذي يتطلب استخدام المستويات المعرفية العليا في تصنيف بلوم، وهي التحليل والتركيب والتقويم. ( فتحى جروان 1999م )
على الرغم من تعدد التعريفات للتفكير الناقد ، إلا أنها تلتقي في قواسم مشتركة منها :
الابتعاد عن القفز إلى النتائج
تقييم الأدلة المتوفرة و مصادر المعلومات .
استخدام العقل بفاعلية عالية .
توفر الفرص للتدريب على صنع القرارات .
الجديد عن التفكير الناقد :
كما أظهرت نتائج الدراسات الحديثة فى مجال علم النفس والتربية ما يلى :
أصبح تعليم التفكير الناقد حاجة ملحة ، وممارسة مهارات التفكير تساعدنا على أن نصبح مفكرين .
أن نتائج اختبارات الذكاء لا تعبر حقيقة عن مستوى الذكاء ، وأن هناك الكثير من مظاهر الذكاء التي تؤثر في التفكير الناقد لا تقيسها اختبارات الذكاء .
إن الأساليب الجديدة في التفاعل مع المعلومات خلال المحاضرات و القراءات و المناقشات الجماعية لتعزيز التعلم و الفهم تؤكد أن التفكير الناقد فاعل و ليس سلبياً .
إن الاهتمامات الشخصية و الميول مثله مثل العامل الجمالي والتشويقي لها الدور الفاعل في تطوير الاتجاهات اللازمة للتفكير .
زيادة الاهتمام بعمليات التفكير المنطقي تؤدي إلى الاهتمام بمعرفة كيفية صنع القرارات و الاستنتاجات و توضيح طبيعة مثل هذه القرارات و الاستنتاجات .
التركيز على فهم وجهات النظر الأخرى و استخدام وجهات نظر مختلفة لتطوير القدرة على التفكير المنطقي ، فالعقول المفكرة ليست بالضرورة متشابهة .
القناعة المتزايدة بفكرة " أن ليس هناك طريق واحد للحل " و فكرة " أن ليس هناك جواباً واحداً صحيحاً " بعبارة أخرى أن كل جواب صحيح في سياقه المناسب .
الاعتراف المتزايد بفكرة الأخطاء المفيدة وبفكرة أن الفشل المرحلي هو ثمن النجاح و التطور . و الاقتناع بعمليات المشاركة في الخطأ و التي تساعد الآخرين على تجنب نفس الأخطاء .
تطوير استراتيجيات جديدة تساعد على الاستفادة من آلية عمل دماغنا و هذا ما يتضمن كيفية تشكيل عادات جيدة للاستقصاء.
نشرت فى 5 أغسطس 2018
بواسطة maiwagieh
الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية: ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م. دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م. ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
2,662,168
ساحة النقاش