الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

التفكير الناقد مفهومه ، معاييره ، مكوناته ، ومهاراته : يشعر إنسان اليوم بأنه يعيش حياة مضطربة ، فهناك المشكلات المتراكمة التي يواجهها سواء في مجتمعه أو على سطح هذا الكوكب المحدود في موارده و الذي يهدده بالخطر ، فبات عليه أن يقف في وجه هذا التحدي ، والبحث عن العقول الناقدة و المبتكرة لتأتي بحلول جديدة و مثالية ، قد تهدئ من اضطرابه و تخفق من حدة الصراع الذي يعانيه و تساعده على تطوير مجتمعه و تقدمه ، و بذلك أصبحت دراسة التفكير الناقد و الإبداعي بمكوناتهما المختلفة من بين الأمور التي تتحدى الباحثين بشكل عام و المربين بشكل خاص . إن إعطاء الفرص المناسبة لنمو الطاقات المفكرة هي مسألة حياة أو موت بالنسبة لأي مجتمع من المجتمعات.( صائب الألوسى 1989 :75) إن التفكير الناقد ليس موجوداً بالفطرة عند الإنسان ، فمهارته متعلمة وتحتاج إلى مران و تدريب ، و التفكير الناقد لا يرتبط بمرحلة عمرية معينة، فكل فرد قادر على القيام به وفق مستوى قدراته العقلية و الحسية و التصورية و المجردة . فالتفكير الناقد يتأتى باستخدام مهارات التفكير الأخرى كالمنطق الاستدلالي و الاستقرائي و التحليلي ، ومن الصعب انشغال الذهن بعملية التفكير الناقد دون دعم عمليات تفكير أخرى . ويعد التفكير الناقد المفتاح لحل المشكلات اليومية التي تواجهنا كمعلمين ، فإذا لم نستخدم التفكير الناقد نصبح جزءاً من المشكلة . و عادة ما يتعرض المعلمون لمواقف يضطرون فيها لصنع القرارات الحاسمة ، والتكيف مع هذه المواقف الجديدة و تحديث المعلومات بشكل مستمر ، هو المبرر للتفكير الناقد . وفي ظل هذه الاهتمامات بالتفكير الناقد كسمة عقلية ضرورية للإنسان ، كان اهتمام هذه الدراسة في تناول هذا النوع من التفكير الإنساني ، و للبحث عن تنمية هذه السمة في الغرفة الصفية . وتهدف التربية النقدية إلى تكوين العقل بما يمكنه من إصدار الحكم على الأفكار و التصورات و الأحكام الأخرى لمعرفة مدى انسجامها و اتساقها عقلياً قبل اعتمادها ، فالعقلية النقدية لا تقبل الأمور و الحوادث كما تروى لها، و لا تسرع إلى تصديقها ، بل تعرضها على ميزان العقل ومحك التجربة لتتحقق من مدى صحتها أو خطئها . لذا ألح ديكارت في قاعدته المشهورة " البداهة "على ألا يسلم المرء بأمر أنه حق ما لم يتأكد بالبداهة أنه كذلك . والتربية النقدية عكس التلقينية ، فالأخيرة تحيل الإنسان إلى وعاء متلق و تغتال فيه كل تفاعل خلاق ، ويصبح السبيل الوحيد للاندماج في الجماعة هو التسليم الكلي للتصورات و الخضوع للأحكام التي تفرضها القبيلة أو العائلة أو الصحبة ، مع فقدان القدرة على مراجعة الأفكار المسبقة أو إنتاج أفكار جديدة . ولكى تعمل التربية على تنمية ملكة النقد ينبغي لها استبعاد التلقين ما أمكن ذلك ، باعتباره عائقاً رئيساً ومثبطاً لكل انفعال نفسي وعقلي ، وباعتباره الربيب الأول للامتثال و الخضوع . ويمكن للمعلم أن يشجع طلابه دوماً على القراءة الفاحصة ، وينمي قدرتهم على الملاحظة الدقيقة ، وألا يتسرع هو في إصدار الأحكام الصائبة و الأحكام الخطأ التي تصدر كاستجابات من جانب الطلاب ، ليشرك الآخرين و يشجعهم على إعمال العقل و يحتفظ المعلم في النهاية بإيجاز الموقف و إغلاقه بصورة مقنعة و ليظهر أن هذا القرار الصحيح ، هو نتاج للتفكير و المشاركة الجمعية بما فيها المحاولات الخطأ. مفهوم التفكير الناقد : من خلال استعراض التعريفات المختلفة المنشورة في أدبيات التفكير الناقد، يلاحظ أن الباحثين يختلفون في تحديد مفهوم التفكير الناقد ، و قد يرجع ذلك إلى اختلاف مناحي الباحثين و اهتماماتهم العلمية من جهة ، و إلى تعدد جوانب هذه الظاهرة و تعقدها من جهة أخرى . في اللغة : ورد الفعل " نقد" في لسان العرب بمعنى ميز الدراهم و أخرج الزيف منها . فنقد الدراهم أي ميز الذهبية منها ، بمعنى أكتشف الزائفة . كما ورد تعبير " نقد الشعر" في المعجم الوسيط بمعنى أظهر ما فيه من عيب أو حسن. و يفهم من ذلك إظهار المحاسن و العيوب و تنقية و عزل ما حاد عن الصواب . في الأدب التربوي : هناك عدد من التعريفات التي وردت للتفكير الناقد ، وعلى الرغم من تعدد التعريفات للتفكير الناقد ، إلا أنه يمكن أن تنظمها صيغتان : الأولى : توصف بالشخصية : وهي تركز على الهدف الشخصي من وراء التفكير الناقد كما جاء في تعريف (انيس Ennis, A. H ,1964)حيث يرى أن التفكير الناقد :تفكير تأملي معقول يركز على اتخاذ القرار فيما يفكر فيه الفرد أو يؤديه من أجل تطوير تفكيره و السيطرة عليه ، إنه تفكير الفرد في الطريقة التي يفكر فيه حتى يجعل تفكيره أكثر صحة ووضوحاً و مدافعاً عنه .Ennis, A. H ,1964) ) ونلاحظ أنه قد ركز على افتراضين في تعريفه للتفكير الناقد أن التفكير الناقد نشاط ذهني عملي . والثانية : تركز على الجانب الاجتماعي من وراء التفكير الناقد ، إذا هو عملية ذهنية يؤديها الفرد عندما يطلب إليه الحكم على قضية أو مناقشة موضوع أو إجراء تقويم . إنه الحكم على صحة رأي أو اعتقاد و فعاليته عن طريق تحليل المعلومات و فرزها و اختبارها بهدف التمييز بين الأفكار الإيجابية والسلبية . ويعرفه آخر بأنه يمثل صورة التفكير التى تعمل عندما يطلب من الفرد الحكم على قضية أو تقويم رأى.(إبراهيم وجيه 1976 : 52) ويعرفه (روبرت هريس Robert Harris ) بأنه عادة عقلية للتقويم الحذر، ويتمثل فى القدرة على التحليل الهادف إلى اكتشاف الأجزاء الرئيسية فى الأفكار والفلسفات والتحمس لمعرفة الحقائق الموضوعية بمناقشة الحجج والبراهين ، والتفسيرات للتوصل لحكم جيد عليها ، وذلك من خلال تحليل الأجزاء لاكتشاف العلاقات بينها حيث يمكن تقويمها بعد ذلك ، وهو أيضاً طاقة بنائية واتجاه بنائى ، لاختبار كل الأفكار والحجج. (Robert Harris ,2001) وهناك تعريفات أخرى للتفكير الناقد منها : فحص وتقييم الحلول المعروضة . حل المشكلات أو التحقق من الشيء و تقييمه بالاستناد إلى معايير متفق عليها مسبقاً . التفكير الذي يتطلب استخدام المستويات المعرفية العليا في تصنيف بلوم، وهي التحليل والتركيب والتقويم. ( فتحى جروان 1999م ) على الرغم من تعدد التعريفات للتفكير الناقد ، إلا أنها تلتقي في قواسم مشتركة منها : الابتعاد عن القفز إلى النتائج تقييم الأدلة المتوفرة و مصادر المعلومات . استخدام العقل بفاعلية عالية . توفر الفرص للتدريب على صنع القرارات . الجديد عن التفكير الناقد : كما أظهرت نتائج الدراسات الحديثة فى مجال علم النفس والتربية ما يلى : أصبح تعليم التفكير الناقد حاجة ملحة ، وممارسة مهارات التفكير تساعدنا على أن نصبح مفكرين . أن نتائج اختبارات الذكاء لا تعبر حقيقة عن مستوى الذكاء ، وأن هناك الكثير من مظاهر الذكاء التي تؤثر في التفكير الناقد لا تقيسها اختبارات الذكاء . إن الأساليب الجديدة في التفاعل مع المعلومات خلال المحاضرات و القراءات و المناقشات الجماعية لتعزيز التعلم و الفهم تؤكد أن التفكير الناقد فاعل و ليس سلبياً . إن الاهتمامات الشخصية و الميول مثله مثل العامل الجمالي والتشويقي لها الدور الفاعل في تطوير الاتجاهات اللازمة للتفكير . زيادة الاهتمام بعمليات التفكير المنطقي تؤدي إلى الاهتمام بمعرفة كيفية صنع القرارات و الاستنتاجات و توضيح طبيعة مثل هذه القرارات و الاستنتاجات . التركيز على فهم وجهات النظر الأخرى و استخدام وجهات نظر مختلفة لتطوير القدرة على التفكير المنطقي ، فالعقول المفكرة ليست بالضرورة متشابهة . القناعة المتزايدة بفكرة " أن ليس هناك طريق واحد للحل " و فكرة " أن ليس هناك جواباً واحداً صحيحاً " بعبارة أخرى أن كل جواب صحيح في سياقه المناسب . الاعتراف المتزايد بفكرة الأخطاء المفيدة وبفكرة أن الفشل المرحلي هو ثمن النجاح و التطور . و الاقتناع بعمليات المشاركة في الخطأ و التي تساعد الآخرين على تجنب نفس الأخطاء . تطوير استراتيجيات جديدة تساعد على الاستفادة من آلية عمل دماغنا و هذا ما يتضمن كيفية تشكيل عادات جيدة للاستقصاء.
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 64 مشاهدة
نشرت فى 5 أغسطس 2018 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,643,453