الاتجاه نحو مواجهة تحديات الحياة المعاصرة :
تواجه برامج إعداد المعلمين عامة ، ومعلمي اللغة القومية خاصة في نهاية القرن الماضي تحولات هائلة فرضتها الحياة المعاصرة ، لعل من أهمها وأكثرها تأثيرا في أنماط الحياة الإنسانية : العولمة والنظام العالمي الجديد ، وما يتعلق بهما من تحديات وقضايا فرضت نفسها على الساحة التربوية .
أن البشرية اليوم تعيش عصر عالمية التفكير وعالمية العلم والمعرفة وعالمية الأزمات والإنجازات وعالمية الحقوق والواجبات والطموحات وعالمية القيم الإنسانية ، الأمر الذي يتطلب توعية الشعوب بأننا نشترك في عالم واحد ومستقبل واحد ومن اللازم أن نتعلم كيف نفكر عالميا ، ونعمل محليا ، وهذا يؤكد حاجة العالم إلي المواطن العالمي الذي يتحمل قدرا من المسئولية إزاء التغيرات والمشكلات العالمية إضافة إلي حاجته لجهود خلاقة تستهدف تغير أفكار ومفاهيم لصالح أفكار ومفاهيم جديدة تقتلع جذور العنف والكراهية ، وترسخ حقوق الأنسان ، وتبذر بذور الأمن والسلام والتسامح ، وتبني له حصونا في عقول البشر وتجعل منه ركيزة دائمة لتقدم الشعوب في بيئة نقية نظيفة تدفع بمشروعات التنمية والتقدم الذي تنشده الشعوب ، ومن هنا يتجلى دور التربية الدولية وأهميتها في مواجهة التغيرات العالمية .
ويمكن تحديد مجموعة من الأبعاد المتعلقة بالعولمة ، التي يجب على معلمي المواد المختلفة عامة ، ومعلمي اللغة العربية خاصة أن يكونوا ملمين بها ، ومدركين لدورها ، وواعين بخطورتها ، وهذه الأبعاد هي : البعد الاقتصادي ، والبعد الاجتماعي ، والبعد الثقافي ، والبعد التعليمي ، ومن خلال هذه الأبعاد يمكن اشتقاق القضايا التي تتعلق بكل بُعٍْد كما يلي :
البعد الاقتصادي :شهد النظام الاقتصادي العالمي في العقد الأخير من القرن الماضي بروز مجموعة من الاتجاهات الاقتصادية الجديدة مثل : الاتجاه نحو تداخل الاقتصاد العالمي ، واندفاع الدول نحو نظام الاقتصاد الحر ، والخصخصة ، والاندماج في النظام الرأسمالي كوسيلة لتحقيق النمو ، وتحول المعرفة والمعلومة إلي سلعة " استراتيجية " ، وإلي مصدر جديد للربح ، وكذا منظمة التجارة العالمية ، والشركات دولية النشاط ، هذه الاتجاهات الاقتصادية وغيرها من التطورات تشكل في مجملها العولمة الاقتصادية التي تفترض أن العالم قد أصبح وحدة اقتصادية واحدة تحركه قوى السوق التي لم تعد محكومة بقوى الدولة القومية ، وإنما ترتبط بمجموعة من المؤسسات المالية والتجارية والصناعية العابرة للقارات .
البعد الاجتماعي :حيث تتعرض مؤسسات المجتمع لكثير من الضغوط الخارجية التي تستهدف التأثير في معتقدات أبنائه ومشاعرهم واتجاهاتهم وانتمائهم إلي مجتمعهم من خلال مجموعة التقنيات الحديثة المتطورة والبحث الإعلامي المباشر واختراق سماء تلك الحدود " ومما يزيد الأمر خطورة أن الذين يمتلكون السيطرة على سماء العالم بأقمارهم وإمكاناتهم التكنولوجية الفائقة هم أنفسهم الذين يملكون صناعة المعرفة ، ومن شأن ذلك التأثير في شخصية الفرد نفسيا واجتماعيا وعقليا بتقبل ما يستقبله من أفكار تؤثر في انتمائه للمجتمع .
البعد الثقافي :العولمة الثقافية تتضمن بلوغ البشرية مرحلة الحرية الكاملة لانتقال الأفكار والاتجاهات والأذواق على الصعيد العالمي ، ومن ثم فهي تعني " انتقال تركيز الأنسان ووعيه من المجال المحلي إلي المجال العالمي ، ففي ظل العولمة الثقافية يزداد الوعي بعالمية العالم ، وبوحدة البشرية ، وستبرز بوضوح الهوية والمواطنة العالمية التي ربما ستحل تدريجا محل الولاءات والانتماءات الوطنية ، فالإنسانية ستعيد النظر إلي ذاتها ككتلة واحدة ذات مصير واحد ، وتشترك مع بعضها في قيم عميقة تتخطى كل الخصوصيات الثقافية.
البعد التعليمي : مما تقدم يمكن القول بأن العولمة نمط سياسي اقتصادي اجتماعي ثقافي لنموذج غربي متطور حضاريا متجهة إلي مجتمعات نامية ومتخلفة ، وبالتالي فأن التعامل معها يتطلب بناء الذات والارتقاء بها في المجالات المختلفة ؛ حتى يكون التعامل مع هذه الظاهرة إيجابيا ، وهذا ما نهدف إليه من هذا الجزء .فالحقيقة أن الأوضاع الداخلية في كثير من دول العالم الثالث ـ ومنها مصر ـ لا تؤهلها للتعامل بفاعلية مع متطلبات العصر وتحدياته ، مما يحتم ضرورة الشروع في عملية إصلاح جاد وحقيقي ، ورغم أن عملية الإصلاح يجب أن تكون شاملة ، فأنه من الأهمية التركيز خلال المراحل الأولى على العناصر والمجالات ذات التأثير الأكبر في دفع عملية التنمية ، وإعداد الدولة والمجتمع للقرن الحالي ، ويمثل إصلاحُ نظم وسياسات التعليم والتدريب والتأهيل عنصرًا جوهريا في هذا الإطار باعتباره المدخل الرئيس لتنمية قدرات البشر ، وخلق قوى عاملة مدربة ومؤهلة على استيعاب التطورات المرتبطة بظواهر العولمة.
إن التعليم الذي يمكن أن يساعد الأمة في العمل على الاحتفاظ بشخصيتها وهويتها في عالم كوني جديد لا بد من إحداث إبداعات وابتكارات فيه ، والمعلم الناجح هو الذي يكون قادرا على خلق جيل يعيش حياته الحاضرة بفاعلية ، ولكي يتحقق ذلك لا بد من تغيير فلسفة برامج إعداد المعلم بحيث تقوم أولا على التأكيد على الفلسفة العربية الإسلامية وراؤها للألوهية والكون والأنسان والحياة وقيمتها الثابتة للعدالة والحرية والوحدة والأسرة الشرعية ، والعلم والمعرفة ، والإحسان في العمل بالإبداع والابتكار فيه ، كإطار مرجعي للتربية والتعليم والثقافة والإعلام والفنون والآداب ... ، وثانيا على دعم الثقافة العربية بما يتفق مع الفلسفة السابقة ، وجعلها عاملا رئيسا لوحدة الأمة وتماسكها ، وعنصرا أساسيا في تواصلها الحضاري ، وثالثا على الاهتمام باللغة العربية باعتبارها مفتاح شخصية الأمة ، وجوهر هويتها ، والحارس الأمين على ثقافتها الأصيلة والمعاصرة ، بتطوير التشريعات والسياسات الخاصة بجعلها لغة التعليم والتعلم في جميع المراحل ، وتيسير تعليمها وتعلمها ـ حتى لغير الناطقين بها ـ وتعريب التعليم في مؤسسات التعليم العالي والجامعي ، وتعريب المصطلحات والمفهومات لتمكينها من التعبير عن كل ما هو جديد ، والإضافة إليه بالإبداع والابتكار، مع عدم إغفال تعلم اللغات الأجنبية ـ خاصة اللغة الإنجليزية ، لأنه أمر ضروري في هذا العصر .
ومعلم اللغة العربية بتدريسه الجيد للغة العربية والتربية الإسلامية يمكن أن يعلب دورا رئيسا في تأصيل الشخصية الوطنية خاصة أن الإسلام ينطوي على كل المبادئ الصالحة اللازمة للنهوض بالحياة ، والوفاء بمتطلباتها المتجددة ، ومن ثم يستطيع أن يسهم في تأصيل الشخصية القومية المصرية ، وتأكيد عامل الدين ، ومقاومة الغزو الثقافي ، والاهتمام باللغة العربية ، ونشرها على مستوى العالم ، والتأكيد على الهوية الثقافية الإسلامية ، وتكوين أخلاقها ، وتأكيد قيمها.
ساحة النقاش