الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

<!--

<!--<!--

ويتسم الفكر الأدبي بالكثير من الحيوية عندما بدأت العلاقات الإقطاعية وابنيتها الثقافية الغيبية تتقوض زمن النهضة الأوروبية، وتعد هذه النهضة- تستغرق لدى كثير من المؤرخين خمسة قرون:  من الثالث عشر إلي الثامن عشر الميلاديين- الانتقالية الكبرى بين المجتمع الإقطاعي والمجتمع الرأسمالي البرجوازي الحديث، فى هذه الانتقالة تمرد الفكر على اللاهوت، وأعلى من شأن العقل، وعاد كثير من المفكرين إلي أرسطو والآثار الفكرية اليونانية، وقامت حركة نقدية وفنية قوية هى ما اصطلح على تسميته في التاريخ الأدبي الكلاسيكية الجديدة، مثلها الأعلى الفكر والفن اليونانيين، وتعاليمها النظرية تكاد تنحصر في دراسة تراث أرسطو، وتوجيه الشعراء والكتاب إلي احتذاء الأعمال اليونانية واستلهامها، وبعد هذه الانتقالة انتهت العلاقات الإقطاعية التقليدية، ونضجت العلاقات الرأسمالية وتخلق المجتمع البرجوازي، وتكونت له ثقافته الحديثة علما، وفكرا، وأدبا.

ويعد الموقف الكلاسيكي هو المفسر لعلاقة الإنسان بعالمه فى ظل علاقات اجتماعية محددة هى العلاقات العبودية والإقطاعية، وكل نزوع كلاسيكي هو في حقيقة أمره تثبيت لتلك العلاقات أو دعوة إلي الرجوع إليها. لقد كان الكلاسيكيون يعدون الفعل أهم ملكات الإنسان، وكانوا يحاصرون الخيال ويخشون شطحاته وغلوه.

2-الموقف الرومانسي (نظرية التعبير:  الفن من زاوية الفنان):  تبدو مظاهر الرومانسية في التراث البشرى صادرة عن أساس اجتماعي محدد هو نضج الطبقة البرجوازية. وتعتبر البرجوازية تجسيدا حيا لتناقضات المجتمع الرأسمالي فهى تسعى إلي استغلال أصحاب (قوة العمل) لكنها تنتهي بأن يستغلها أصحاب (أدوات الإنتاج) وتصل منها قلة إلي صفوف الرأسماليين، بينما تنهار- الكثرة في ظل قوانين الاستغلال الرأسمالي، أنها ترنو ببصرها إلي الغنى والوفرة، وتجزع على نفسها من الفقر والفاقة، ولذا فإنها تنجذب إعجابا إلي أصحاب أدوات الإنتاج فتقع في الاستسلام لغاياتهم، وتخاف أصحاب قوة العمل.

لقد انتهى الفكر المثالي البرجوازي- في النصف الثاني من القـرن الثامن عشر، والثلث الأول من القرن التاسع عشر- إلي بناء أضخـم أنساقـه أمـران:  

أولهما:  من جهة انطولوجية وهى علاقة المادة بالوعي.

ثانيها:  من جهة معرفية وهى علاقة الوعي بالعالم الموضوعي.

وقد جعلت هذه المثالية الذاتية الوجود الأدبي للذات أو للوعي الإنساني، كما جعلت العالم الموضوعي من خلق هذه الذات، إذ أن وجوده متوقف على إدراك مدرك له، وكمال التعبير ها هنا هو قدرة الفن على تصوير أو خلق الذات لعالمها الخاص، فإذا كان الأمر فى الأساس الاجتماعي الإعلاء من الفردية والذاتية وتقديم الفرد على المجتمع فإن الأمر هنا تقديم العاطفة على العقل، والشعور على المنطق، والوجدان على الاتزان، والموهبة على الصنعة، والإسهام على المهارة.

لقد اعترف "كانت Kant (1724-1804م)" رأس المثاليين الذاتيين في المرحلة التي نحن بصددها بوجود الشيء في ذاته أي اعترف بوجود الأشياء خارج الإنسان. وقد أخذ غلاة المثاليين عليه هذه المقولة لأنهم- كما سبق- يقولون بخلق الذاتي للموضوعي أما هو فيقر بوجود الأشياء مستقلة عنا. فها هنا جانب مادي في فلسفته، غير أن هذا الجانب يتوارى في النهج المعرفي الكانتي وهو نهج مثالي ذاتي، فصل كانت فيه بين المعرفة الحسية والمعرفة العقلية وأبعد ما بين المحسوس والمعقول، وما بين العقل والفهم المنطقي أو التفكير المنطقي وقيد العقل بما تقدمه الحواس وفى هذا الصدد فإن كانت قد اعتقد أن هذا الفهم لا يمكن أن يصل إلي ما وراء التجارب الجزئية والمحسوسات، وأن المعرفة لا يمكن أن تصل إلا إلي الظواهر وكانت بهذا مادي في اعترافه بوجود العالم الخارجي الموضوعي مستقلا عن الوعي به، لكنه مثالي فى إنكاره لإمكانية معرفة حقيقة هذا العالم.

لقد بدأ كانت من مبدأ أساسي مثالي ذاتي يرى الموضوعي المدرك هو ما تراه الذات المدركة، وما يتبدى لها منه متفقا وعالمها الشعوري وإدراكها العاطفي.

إن المثاليين بعد كانت- في مرحلة المحافظة البرجوازية، وأزمة الفكر الليبرالي- ارتدوا إلي مثالية متطرفة فنموا العناصر الذاتية فى فلسفتها، وتخلو عن العناصر العقلية، ولم تدم العلاقة بين الذاتي والموضوعي، بل تحول الذاتي إلي خالق للموضوعي، وصار الموضوعي وهما من الأوهام، كما صار الإبداع نشاطا غامضا عصيا على المعرفة والدرس، ولم يقبل هيجل Hegel (1770-1830م) رأس المثاليين في هذه المرحلة ذاتها الثنائية التي قال بها كانت بين الجواهر والظواهر.

إن جدل هيجل قد ساعده على أن يضع إدراك الإنسان لعالمه، وعلاقاته به فى صيغة أقرب إلي الموضوعية من تلك الصيغة الكانتية الذاتية.

حيث رأى أن فعالية الذات إنما تتحقق من خلال تطور الشيء ونموه، فالحقيقة هي الكل العيني الذي ينتظم الأشياء في علاقاتها، فهو ينفى الآلية في علاقة الإنسان بعالمه، ويدرك الفنان الحقيقة لا كموضوع، ولا كفكرة، وإنما يدركها فى صورة، والعنصر الحسي يحرك طاقة الخيال لدى الفنان، ولذلك فإن أولى الزوايا بالدرس- في رأيه- إنما هي زاوية المدرك، زاوية الفنان، وأولى المسائل فى هذا الدرس، أداة الإدراك:  الخيال، كما برز من الرومانسيين كولردج Coleridge, Samuel (1772م-1834م) شاعرا، وإماما للفكر الفني الرومانسي، ويرى شوقي ضيف أن كولر دج أقرب إلي الحدس، منه إلي التجربة، فقد اعتد بالكشف الحدسي، وبإيجابية الذات العارفة، وبالمعاناة العاطفية فى عملية الإدراك، ومن هنا جاء تأثيره في علم النفس، وفى الفلسفة الوجودية لقد ألح على أن النفس إنما ترى ذاتها فيما تراه، وأن الفكر الصحيح- في رأيه- لا يخلو من العاطفة الصادقة ويميز كولردج بين الخيال والتوهم، فالخيال- في رأيه- ملكة عقلية وقوة عاطفية، لذلك فإنها أداة موحدة تلمح بين الأشياء جوامعها، وترى في الأجزاء والعناصر وحدتها، والتوهم ملكة عقلية تخلو من العاطفية، لذلك فإنها تكدس، وترص، لكنها لا تصل من هذا كله إلي الوحدة، فالتوهم يجمع الجزئيات والعناصر منفصلة متجاورة، والخيال يصل- بقوته العاطفية- إلي ما بين هذه الجزئيات من وحدة جوهرية.

3-الموقف الوضعي (نظرية الخلق:  الفن من زاوية العمل الفني): لقد أخذت الطبقة البرجوازية تفقد ملامحها ودورها التقدمي وتتحول إلي مواقع المحافظة والرجعية، وعاشت هذه الطبقة أزمة خانقة ظهرت في أعمالها الفكرية والأدبية انتهت في الفكر إلي وضعية ضيقة وروافد لا أدرية وحدسية متطرفة، وبدأ عصر الاتجاهات المعبرة عن أزمة الإنسان، فإذا كان للرومانسية مفهومها عن التعبير الذي كان نتاجا لصعود تلك الطبقة وتقدمها، فإن مفهوم الخلق كان نتاجا للطبقة نفسها في زمن أفولها ،وإبان أزمتها الفكرية.

والأساس الفكري لهذا المفهوم يبدو في كتابات مجموعة من المفكرين، قد يكون أقربهم إلي الفكر الأدبي "توماس إرنست هيوم Hume, Thomas Ernest (1883م-1917م) فقد عبر هؤلاء المفكرون عن خيبة أملهم في فردية الإنسان، وذهبوا إلي أن الإنسان شرير بفطرته، وأنه محدود القدرات، فاسد، أناني بطبعه، وأنه سيطر سيطرة واسعة على جوانب كثيرة من عالمه، ولكنه فقد نفسه عندما فقد الوازع الداخلي الموجه إلي الخير، ونادى بعض هؤلاء المفكرين بضرورة العودة إلي الضوابط الكلاسيكية لمحاصرة الأنانية والذاتية والفردية والنوازع الشريرة في الإنسان، وجاهروا بالعداء للوجدانيات والعاطفيات الرومانسية، وقالوا بأعمال العقل والانضباط والتوازن. وهدم النقاد الفطريون منهم نظرية التعبير الرومانسية، ودعوا إلي فن موضوعي يتجاوز أوهام الرومانسيين، وإلي نقد علمي مؤسس على تقدم العلوم، وخلصوا إلي نتائج طيبة فى درس دور اللغة في الأشكال الفنية كعلاقة الأسطورة والرمز والموروث الشعبي بالتجارب، ومنهم من اعتمد فى نظره وتطبيقه على علوم طبية كعلم الأعصاب ويذهب ت.س إليوت (1888-1965م) Eliot, Thomas Stearns إلي أن الشعر ليس تعبيرا عن مشاعر، وإنما هو تخلص من المشاعر، وليس تعبيرا عن ذات الشاعر وشخصيته، وإنما هو تخلص منهما، إن الشعر خلق، وهذا الخلق إنما هو ثمرة التوازن بين العقل والعاطفة، بين ما يسميه إليوت القوة الناقدة، والقوة الخالقة عند الشاعر. إن الشاعر ينفعل بموضوعه، ويتعاطف معه، وعليه ألا يعبر عن انفعاله، بل عليه أن يوجد لهذا الانفعال معادلا موضوعيا يساويه ويوازيه ويحدده.

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 119 مشاهدة
نشرت فى 26 نوفمبر 2014 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,591,424