الانتقادات التي وجهت لنظرية الذكاءات المتعددة:
بالرغم من أهمية نظرية الذكاءات المتعددة وتطبيقاتها في المجالات التربوية، إلا أنها كغيرها من النظريات الحديثة واجهت انتقادات العديد من الباحثين المهتمين بالدراسات النفسية والتربوية. وفيما يلي عرض لأهم هذه الانتقادات مع الردود عليها:
1ـــ لا تزال نظرية الذكاءات المتعددة تقدم فروضاً أولية حول الذكاء الإنساني.
والرد على هذا الانتقاد بإيضاح أن نظرية الذكاءات المتعددة تمثل فكراً جديداً ومتطوراً فلكل ذكاءٍ مجموعة مهاراتٍ وقدراتٍ متعددةٍ وإمكانات لحل المشكلات المعقدة،وبهذا تكون النظرية أعم وأحدث . كما أن جاردنر صاحب النظرية لم يضعها فحسب ؛ بل استمر يطورها ،ويعدل فيها ويضف إليها حتى الآن.
2ـــ لم يتم تعريفها وتحديدها أو تحليلها جيداً حتى الآن ,فلم يقدم جاردنر حتى الآن قائمةً محددةً بالذكاءات التي يمكن قياسها بكل دقةٍ.
ويمكن الرد على هذا الانتقاد بأنه لا توجد اختبارات محددة لقياس الذكاءات المتعددة؛ حيث أن اختبارات الورقة والقلم ليست كافيةً لقياس الذكاءات ؛ لأن لكل ذكاء عدة طرق في قياسه ، فمثلاً: الذكاء المكاني يمكن قياسه بسؤال الشخص عن كيفية معرفة طريقه أو اتجاهه في مكان غير مألوف له .
3ـــ افتقادها إلى معايير قومية ، فسرعة وسهولة انتشارها جعلت هنالك صعوبةً في عمل تصنيفاتٍ للتلاميذ داخل الفصول الدراسية ،وبالتالي يصعب توزيعهم وفقاً لمهاراتهم وقدراتهم داخل الفصول ؛ مما يجعل هناك صعوبةً في وضع معايير على المستوى القومي لنظرية الذكاءات المتعددة.
ويُردّ على هذا بأن نظرية الذكاءات المتعددة وفّرت العديد من المقاييس التي يمكن من خلالها معرفة أكثر أنواعِ الذكاءات انتشاراً لدى التلاميذ ، كما أنها تركت البابَ مفتوحاً لاكتشاف أنواعٍ أخرى من الذكاءات وإعداد مقاييسَ أخرى لها.
4ـــ تأثير المضامين الثقافية في الذكاءات المتعددة ،فالحالات والمواقف التي تعرضت لها نظرية الذكاءات المتعددة وُجد من خلالها أن الثقافة الخاصة بالفرد يمكن أن تلعب أدواراً عديدةً في تحديد جوانب القوة والضعف في ذكاءاته.
ويمكن الرد على هذا الانتقاد ببيان اختلاف الذكاءات المتعددة من مكان لآخر ،ومن بلد لآخر ، فهي لا تتماثل في الأهمية أو القيمة. فمثلاً: يأخذ الذكاء الرياضي والذكاء اللغوي القيمةَ والاهتمام الأكبر في الولايات المتحدة ودول غرب أوربا ، في حين أن الذكاء الحركي يأخذ القيمة الأكبر في دولٍ أخرى مثل دول شرق أوربا ودول الشرق الأوسط. كما أن الذكاء الواحد يظهر بصور مختلفة من شخص لآخر ، فالذكاء المكاني يظهر عند شخص ما في علم الهندسة ويظهر عند الآخر في لعبة الشطرنج، وكل مجال منهما له المكان الذي يوفره ويهتم به.
5ـــ أن هذه النظرية ليست عملية؛ ففي ظل ازدحام الفصول الدراسية بالتلاميذ ونقص المواد أو المصادر ، وما يواجهه المعلمون من مشكلات تربوية نجد أن نظرية الذكاءات المتعددة تكون أقرب إلى المثالية منها إلى إمكانية التطبيق الفعلي الواقعي.
ويُرد على هذا الانتقاد بإيضاح الجوانب المتعددة لهذه النظرية ،فهي تحوي في طياتها الكثير من الاستراتيجيات التي يمكن أن تتناسب مع جميع المواقف والمشكلات التربوية(حسين،2005 :32).
وبذلك يتبين لنا تغلب نظرية الذكاءات المتعددة على كافة أوجه النقد الموجهة لها،فحداثتها ومرونتها،وتعدد استراتيجياتها، تجعلها فعالةً في تطبيقاتها التربوية ،سواءٌ من ناحية الجوانب الشخصية للتلاميذ ،أو من ناحية بناء وتطوير المناهج وفق ما تمليه علينا الرؤى المنبثقة منها .
كما أن وجود المشكلات في الميدان التربوي لا يعد عائقاً أمام تطبيق استراتيجيات الذكاءات المتعددة ؛بل قد تسهم هذه النظرية في إيجاد الحلول المناسبة لها وكشف سبل معالجة بعض هذه المشكلات ، فربما نجد من التلاميذ من كان يُعد بطيئاً في التعلم أو ضعيفاً في قدراته العقلية ،تكون لديه جوانب أخرى متميزٌ فيها لم نستطع اكتشافها وتطويرها من خلال التعليم الذي كانت تقوم ممارساته على النظرة الأحادية للذكاء.
ساحة النقاش