النظرية البنائية المقدمة: لقد تأثرت النظم التربوية في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي بالكثير من الأفكار والمبادئ التي تقود الممارسات التعليمية / التعلمية مثل الفكرة القائلة أن "الإلقاء اللفظي للمحتوى يعتبر دليلاً على التعلم" وأن "التعليم اللفظي المباشر يقود بالضرورة على التعلم" وانتشر ذلك في الأوساط التربوية حتى وكأن أسلوب المحاضرة "أصبح الأكثر انتشاراً والمفضل من المعلمين العرب في جميع المراحل التعليمية، وهذا الأسلوب هو ما يسمى في الأوساط التربوية " التعليم التقليدي " . ولعل السبب وراء هذا التوجه في استخدام الطريقة التقليدية كما يرى الكثير من المربيين هو تأثير الأيديولوجية السلوكية. وازداد الأمر سوءاً خلال العقود القليلة الماضية إذ تم إدخال كل المعلومات ذات الأهمية إلى المناهج والكتب المقررة في مرحلة التعليم الأساسي بدعوى أن المثير يستجر استجابة وأثر ذلك سلباً في نمو الأطفال بشكل عام ونموهم العقلي بشكل خاص الأمر الذي حدا ببعض المربين إلى اعتباره غير أخلاقي ويتنافى مع أسس التعامل العادل مع الأطفال بوصفهم متعلمين (حجاج,1978م: 15). وينقل المؤمني (2003) عن بعض المربين أمثال : (Lawrence , et al 1998 , Goodman , 1990 , shymmansky,1997) ينقل ملاحظاتهم حول كره الأطفال للمدرسة وللمواقف الأكاديمية وعدم قدرتهم على التفكير السليم وضعف تكيفهم مع المجتمع وغيرها من المشكلات العامة في مؤسساتنا التربوية كافة، وهذا كله راجع لأسباب رئيسية تتمثل في الافتراضات التي تقوم عليها العملية التعليمية من حيث أن جميع الأطفال متماثلون في خبراتهم وفي قدراتهم وما علينا إلا أن نحشو عقولهم بالمعلومات والمعارف المهمة من وجهة نظر لجان تأليف الكتب المدرسية. وبناءً على افتراض تساوي الأطفال في القدرات والخبرات فقد أصبح النمط السائد تعليم جميع الأطفال المحتوى نفسه، وبالطريقة ذاتها وفي زمن واحد هو النمط السائد في هذه العملية وذهب الأمر إلى أكثر من ذلك إذ برزت أصوات جديدة تنادي بموضوعية طرق القياس والتقويم للتعرف على مدى تحققه من أهداف من خلال الاختبارات المكتوبة والمقننة وأصبحت مثل هذه الاختبارات المكتوبة التي توزع فيها العلامات بطريقة عادلة الأساس في اتخاذ القرارات المتعلقة بمستقبل المتعلم وتحديد مسؤولياته ((Passidomo,1994. ولكن إذا ما أُخذ نمو الطفل بالاعتبار فإن مثل هذه الطرق غير موضوعية وليست مناسبة مطلقاً لأنها كانت وبحكم انتشارها الكبير في الأوساط التعليمية وفي جميع المراحل سبباً في قتل قدرات المتعلمين الإبداعية خلال السبعينات والثمانينات من القرن العشرين. وعارض عدد كبير من كبار المربين مثل هذه الأفكار أمثال : بياجيه، وأوزبل، وبرونر(Piaget.1994 , Bredekamp, 1987 , Goodman, 1996 , Whitmore , 1992 , Shymansky .1996 الذين قالوا إن الحاجة ماسة لاعتماد أنماط اختبارات بديلة وحقيقية (authentic assessment atrategies) البورتفوليو ، والملاحظة ، والقراءة الجهرية ، وقراءة القصص ، والمقابلات العيادية ، وبناء النماذج التي تشجع الأطفال على استراتيجيات حل المشكلة ، وتحسن من أدائهم الفكري ( (Fromberg , 1989. وبناء على أتباع النظرية التقليدية في عملية التعلم والتعليم فإن على الأطفال ومعلميهم أن يكونوا فقط بمثابة أسرى يسيرون في طريق حددت لهم مسبقاً، وليس لهم الحق في التغيير أو حتى في التفكير بالتغيير، فطريق الوصول إلى المعرفة بحيثياتها تكون ثابتة، يميلها عادة اختصاصيون في المحتوى الأكاديمي (وليس بالطفل) أو تشتق من إدراكات الكبار حول ما تحتاجه الجماعة أو ما يحتاجه المجتمع، وبما أن التعلم في مثل هذا المنهاج يعني أن ينقل المعلم المعلومات إلى المتعلم، فقد اقتصرت نظرة المعلمين للتعليم على أنه وصفة تناسب جميع الأطفال أي أنه مقاس واحداً لجميع الأحجام وبذلك فإن دور المعلم الأساسي دور تنفيذي تقني وليسا قيادياً . وقد نتج عن هذا التركيز على الجزئيات الصغيرة دون أخذ الكل بالاعتبار ظهور عدد من المشكلات لدى خريجي المدارس العربية عبر الأجيال المختلفة مثل: انتشار الأمية وضعف التفكير الناقد وصعوبة التكيف وضعف القدرة على اتخاذ القرار وضعف التخطيط طويل الأمد وضياع العلاقة التي تربط الأجزاء بالكل وزيادة تقبل النمط الاستهلاكي السريع في الحياة وغيرها من المشكلات التي تعتبر جوهر الحياة والتطور . وقد قاد هذا كله إلى ضعف تنافس الخريجين مع متطلبات سوق العمل. ويذكر الخليلي (1993م) "...... أنه على الرغم من التبني والانتشار الواضح لمثل هذه التضمينات التربوية المشتقة من الفكر السلوكي خلال الخمسين سنة الماضية والانتشار واسع النطاق فقد ظهر تيار معاكس وجد تزامن مع هذه الموجه السلوكية بقيادة عدد من المربين المعرفيين الذين عارضوها، فمنذ أكثر من خمسين عاماً اعتقد المربي المعرفي بياجيه بأنه يجب ألا يبدأ التعليم حتى يكون الطلبة قد وصلوا إلى مرحلة من النضج وكانوا على أتم الاستعداد للقيام بذلك ......." . وقد اتفق مع بياجيه الكثير من أتباعه المربين (والكثير من المنظمات التربوية العالمية) إذ رأى بياجيه وأتباعه أن دفع الأطفال باتجاه تعلم مواضيع أكاديمية بسرعة يسبب لهم المتاعب النفسية، الأمر الذي يجعلهم متوترين وتعرضهم للمشكلات سيؤثر في شخصياتهم مستقبلاً وتترك آثاراً سلبية حتى على تعلمهم المستقبلي، كما رأوا أن الهدف من التعلم هو توليد الفهم وليس توفير القدرة على النجاح في امتحان موضوعي أو الإجابة على سؤال المعلم بما هو مكتوب في الكتاب. ونتيجة لهذه النداءات وبسبب الضعف الظاهر في مخرجات هذا المنهج التقليدي، فقد بدأت الأوساط التربوية ترفض هذا النهج وترجع مرة أخرى إلى أفكار بياجيه البنائية إذا أخذت تطفو على السطح النظرية البنائية. لكن ما هي البنائية وكيف تنظر للتعلم والتعليم (المؤمني, 2003م: 15). تعريف النظرية البنائية: لقد ذكر زيتون وزيتون (1992) بأن البحث عن تعريف محدد للبنائية يعتبر إشكالية صعبة ومعقدة فالمعاجم الفلسفية والنفسية والتربوية قد خلت من الإشارة لهذا المصطلح باستثناء المعجم الدولي للتربية الذي قدم تعريفاً لا يوضح إلا القليل من معالم البنائية، كذلك فإن منظري البنائية المعاصرين لم يقدموا تعريفاً محدداً لها، وهناك احتمالات ثلاثة في محاولة تفسير عدم تناول منظري البنائية تعريفاً لها: أولـها: جدة لفظة البنائية نسبياً في الأدبيات الفلسفية والنفسية والتربوية، وقد تحتاج لسنوات عديدة قبل أن تستقر على معنى محدد لها . ثانيها: أن منظري البنائية ليسوا بفريق واحد ومن ثم فليس بينهم إجماع على تعريف محدد. ثالثها: أن منظري البنائية قد قصدوا ألا يعرفوها وأن يتركوا لكل منا ليكوّن معنى محدداً لها في ذهنه . (زيتون و زيتون,1992م: 62) وعموماً فإن هناك بعض الكتابات التي حاولت صياغة تعريفٍ للبنائية وأفادت بأنها "رؤية في نظرية التعلم ونمو الطفل قوامها أن الطفل يكون نشطاً في بناء أنماط التفكير لديه نتيجة تفاعل قدراته الفطرية مع الخبرة ". ويرى معظم منظري البنائية الحديثين – وهم الذين نظروا للبنائية بعد بياجيه – أن جان بياجيه Jean Piaget هو واضع اللبنات الأولى لها فقد وضع نظرية متكاملة حول النمو المعرفي ( السليم، 2004م: 256). الافتراضات التي تقوم عليها النظرية البنائية: يمكن تحديد افتراضات النظرية البنائية في النقاط الآتية: 1- أن بناء المعرفة يتم من الخبرة: بمعنى أن التعليم عملية بنائية يتم فيها قيام المتعلم بنفسه ببناء تمثيل داخلي للمعلومات مستخدماً في ذلك خبرته السابقة. 2- المتعلم يقوم بعمل تفسير شخصي: فلكل متعلم تفسيره الخاص، وفى التعلم البنائي لا يشترك أكثر من شخص في تفسير واحد بنفس الطريقة للواقع الذي يحيط بكل منهما. 3- التعلم تساهمى: بمعنى أن هذا النوع من التعلم يناقش المعنى المعروض من خلال أكثر من وجهة نظر واحدة (ويأتي النمو المفاهيمى من خلال المشاركة للموقف أو المفهوم استجابة لوجهات النظر هذه) والتعليم يجب أن يسمح فيه بالمساهمة مع الآخرين لعرض وجهات النظر المتعددة التي يمكن استحضارها للوصول إلى موقف تم اختياره ذاتياً. 4- التعلم يحدث من خلال مواقف حقيقية: ينبغي أن يتم التعلم من خلال وضع المتعلم في مواقف تعليمية حقيقية يتم إعدادها وتجهيزها بحيث تقوم على أساس براهين قوية تعكس إحساس المتعلمين بالعالم الحقيقي ( صبري، 2000م: 66). مقتضيات ومتطلبات استخدام النظرية البنائية: إن استخدام النظرية البنائية يقتضى ما يلي: من الضروري أن يعرف المعلم كيفية بناء كل متعلم لمعرفته حينئذ يمكن مساعدته أن يكتسب الخبرة الجديدة. ويتم ذلك بأن يقدم المعلم بعض الأسئلة الكاشفة التي توضح إن كان لديه خبرة سابقة وبنيات لها علاقة بالموضوع الجديد من عدمه. وهذا بالضرورة يستلزم قيام المعلم بتنفيذ بعض الأنشطة الكاشفة لذلك والتي تعد بمثابة استبانه توضح له مستوى المتعلمين ومدى خبراتهم السابقة. ضرورة أن يتفاعل المعلم في العملية البنائية مع كل واحد من طلابه على حده لكي يرى كيف يقوم كل منهم ببناء المعرفة. ويساعد المتعلم على تشكيل المعلومة وإضافة صفة الذاتية عليها وبالطريقة التي تروق لكل منهم من خلال استخدام المعلم لبعض التوجيهات البسيطة (الخليلي وآخرون ,1993م: 115). و التعامل مع البنائية يستلزم الآتي: - ضرورة التعمق وعدم التعامل مع المفاهيم بطريقة سطحية. الاتجاه إلى التفسير والتأويل الصحيح للمفاهيم والابتعاد عن التفسيرات الخاطئة أو (البديلة). - عدم الإفراط في التمركز حول الذات أو الأنانية حيث تقوم هذه النظرية على استخدام الخبرة السابق بناؤها في عقول المتعلمين وقد يكون لكل منهم خبرة خاطئة يحاول تطبيقها على الآخرين. وهنا يجب أن تزيد من التفاعلات الاجتماعية التي تمنع المفاهيم الانفرادية الخاطئة. الأسس التي تقوم عليها النظرية البنائية: عدّت منى عبد الصبور(2004م) أن النظرية البنائية تقوم على الأسس التالية: 1- تبنى على التعلم وليس على التعليم. 2- تشجع وتقبل استقلالية ومبادرة المتعلمين. 3- تجعل المتعلمين كمبدعين . 4- تجعل التعلم كعملية. 5- تشجع البحث والاستقصاء للمتعلمين. 6- تؤكد على الدور الناقد للخبرة في التعلم. 7- تؤكد على حب الاستطلاع. 8- تأخذ النموذج العقلي للمتعلم في الحسبان. 9- تؤكد الأداء والفهم عند تقييم التعلم. 10- تؤسس على مبادئ النظرية المعرفية. 11- تعمل على استخدام المصطلحات المعرفية مثل (التنبؤ - الإبداع - التحليل). 12- تأخذ في الاعتبار كيف يتعلم الطلاب. 13- تشجع المتعلمين على الاشتراك في المناقشة مع المعلم أو فيما بينهم. 14- ترتكز على التعلم التعاوني. 15- تضع المتعلمين في مواقف حقيقية. 16- تؤكد على المحتوى الذي يحدث التعلم. 17- تأخذ في الاعتبار المعتقدات والاتجاهات للمتعلمين. 18- تزود المتعلمين بالفرض المناسبة لبناء المعرفة الجديدة والفهم من الخبرات الواقعية. خصائص النظرية البنائية: وبناء على ما سبق يمكننا تحديد عدة خصائص بارزة لآراء البنائية والتي يمكن أن يكون لها تأثير في المواقف التعليمية: 1- لا ينظر إلى المتعلم على انه سلبي ومؤثر فيه، ولكن ينظر إليه على انه مسئول مسئولية مطلقة عن تعليمه. 2- تستلزم عملية التعلم عمليات نشطة، يكون للمتعلم دور فيها حيث تتطلب بناء المعنى. 3- المعرفة ليست خارج المتعلم، ولكنها تبنى فردياً وجماعياً فهي متغيرة دائماً. 4- يأتي المعلم إلى المواقف التعليمية ومعه مفاهيمه، ليس فقط المعرفة الخاصة بموضوع معين، ولكن أيضا آرائه الخاصة بالتدريس والتعلم وذلك بدوره يؤثر في تفاعله داخل الفصل. 5- التدريس ليس نقل المعرفة، ولكنه يتطلب تنظيم المواقف داخل الفصل، وتصميم المهام بطريقة من شأنها أن تنمى التعلم. 6- المنهج ليس ذلك الذي يتم تعلمه، ولكنه برنامج مهام التعلم والمواد والمصادر، والتي منها يبنى المتعلمين معرفتهم. 7- تولد البنائية أراء مختلفة عن طرق التدريس والتعلم، وكيفية تنفيذها في الفصل، حتى تكون متسقة مع المتطلبات العالمية للمناهج والتي تنص على أن أفكار المتعلمين سوف تتغير مع اتساع خبراتهم، وهناك دور جوهري للمعلم في هذه العملية فالمعلم يمكنه أن يتفاعل مع المتعلم، ويثير الأسئلة ويستند على التحديات الحالية والخبرات. (عبدالصبور, 2004م:43). التعلم والتعليم في ضوء المنحى البنائي: نلاحظ أن النظرية البنائية تميزت بما يلي : لا تنقل المعرفة بشكل سلبي من طرف المعلم، ولكن تبنى من قبل المتعلم نفسه. إن وظيفة المعرفة وظيفة تكيفيه، وهذا يعني أن على المتعلم أن يذوت المعرفة حول الحقيقة الخارجية (Glasersfeld,1995). "....... ولهذا افترضت البنائية وجود بنى معرفية لدى الفرد المتعلم, يتم تطويرها ضمن مراحل نمائية من قبل المتعلم نفسه, وقد قسمها بياجيه إلى أربع مراحل لا يمكن تسريعها, ي: المرحلة الحسية الحركية, ومرحلة ما قبل العمليات , ومرحلة العمليات المادية, ومرحلة العمليات المجردة. ولحدوث التعلم يجب أن يحدث ثقب للاتزان العقلي للمتعلم بحيث يشعر أن ما لديه في بناه المعرفية لا يفسر ظاهرة ما, فيقوم بعمليتي التمثيل والمواءمة, وتعرف عملية التمثيل بأنها عملية عقلية تتضمن استقبال المعلومات من البيئة ووضعا في البنى المعرفية للمتعلم, أما عملية المواءمة فتعرف بأنها عملية عقلية تتضمن تعديل البنى المعرفية لكي تستطيع تفسير الخبرة الجديدة. وعليه فالتعلم هو التكيفات العقلية الحادثة نتيجة تكيف الفرد مع بيئته أو العالم الخارجي....." (زيتون,2007م: 28). وأيضا يتطلب التعلم البنائي انخراطاً نشطاً للمتعلمين في بناء المعنى، فبدلاً من أن ينظر المعلمون للمتعلمين بوصفهم مستقبلين سلبيين للمعرفة عليهم أن ينظروا لهؤلاء المتعلمين على أنهم بنائين حقيقيين للمعرفة ويقع هذا الدور للبنائية في إنتاج مناهج مناسبة للطلاب تتحدى فهمهم وتقوي التطور الأمثل لعقولهم. إن إحدى المقدمات المنطقية للبنائية هي أن الأطفال يبنون معرفتهم بشكل نشط وليس بتشرب الأفكار التي يقولها المعلم لهم فعلى سبيل المثال افترض بياجيه بأن الأطفال يكونون المعنى بطرق تختلف عن تلك الطرق التي يستخدمها الكبار ويتعلمون من خلال عملية يحاولون فيها جعل الأحداث تقع بتنظيمهم الذاتي لبيئاتهم. وفي ظل البنائية يحتاج المعلمون إلى تغيير معتقداتهم عن كيفية حدوث التعلم لتشجيعهم على اتخاذ قرارات حول المعاني المطلوبة لتنفيذ التدريس وتقييمه ( أي كيف يجب أن يمارسوا التعليم ) وفي هذا السياق تقترح النظرية البنائية ثلاث نقاط أساسية وصريحة حول ممارسة التعليم هي: أولاً : يهدف التعليم إلى فهم الطلبة للمعرفة وليس إلى تغيير السلوكيات الظاهرة أي أنها تركز على العمليات المفاهيمية وبناء عليه تختلف فكرة التدريس عن فكرة التدريب فالتدريب يركز على أداء المتدرب وهو السلوك الخارجي الملاحظ بينما يهدف التدريس ويركز على فهم المتعلم وهو العمليات المفاهيمية الداخلية التي تحدث داخل عقل المتعلم ففي الوقت الذي يتشابه فيه سلوك المتعلم الملاحظ مع سلوك دب في سيرك أو أفعى ترقص أمام فتى هندي يعزف الموسيقى! نجد أن هذه السلوكيات الظاهرة لا تعتبر فهماً مفاهيمياً ولا يحتاجها المتعلم في بناء المعرفة ومن المهم هنا أن نتذكر بأنه يمكن أن يقال للمتعلم ماذا يقول ولكن لا يمكن أن يقال له ماذا يفكر. ثانياً : تُعد المعرفة شبكة من الأبنية المفاهيمية ولهذا يصعب نقلها باستخدام الكلمات لأنها يجب أن تكون مبنية داخل عقل المتعلم كفرد فأحياناً تكون لدينا أفكار جيدة ولكن تنقصنا الكلمات المناسبة للتعبير عن هذه الأفكار لتكون ملاحظة من قبل الآخرين، ولذلك فإن ما يبني في العقل مختلف عما يمكن التعبير عنه بالكلمات، فعلى سبيل المثال لو أن المعلم أسهب في شرح عمليات الحساب للأطفال بالكلمات فقط هل يكفي ذلك كي يفهم (يطبق) الطفل هذه المفاهيم؟ ولكن الأفضل أن تترك المجال للأطفال كي يلعبوا بأدوات مادية مناسبة وعلى المعلم فقط طرح أسئلة تقودهم إلى فهم هذه المفاهيم كل على حده فالفهم قضية مفاهيمية وليست قضية سلوكية لها علاقة بالمعرفة وليست لها علاقة بالأداء يمكن للأداء أن يكون دلالة للمعرفة ولكن هذا دائما استنتاج ملاحظ بفرصة معينة . ثالثاً : التعليم هو نشاط اجتماعي يتضمن طلاباً ينوي المعلم أن يؤثر فيهم، وبالمقابل فإن التعلم هو نشاط خاص يأخذ مكانه في عقل التلميذ، وحتى يقود التعليم إلى التعلم، فعلى المعلم أن يمتلك فكرة عن الأفكار التي يحملها الطالب حول المحتوى قبل البدء بالتعلم وعن كيفية ربط هذه الأفكار مع بعضها بعضاً ((Lorsbach and Tobin,1992. انعكاس النظرية البنائية على عناصر المنهج: يتفق عايش زيتون(2007م) مع حسن زيتون وكمال زيتون (2003م) حول الرؤية التعلم والتعليم المعرفي من خلال ستة عناصر هي: دور المعلم Teacher Role : تفرض البنائية على المعلم البنائي المعرفي أدواراً جديدة وفي هذا تغيرت أدوار المعلم من المعلم المباشر Directive / Instructive وله السلطة Authority إلى دور المعلم البنائي Constructive التفاعلي Interactive والتفاوضي Negotiation ، والميسّر Facilitator للتعلم والباحث Researcher وأحد المصادر (الاحتياطية) للمعرفة ومستشار Consultant (المعلومات والبحث) والمنظم لبيئة التعلم وإدارته، والديمقراطي Demogratic والمتقبل لذاتية الطلاب ومبادراتهم والمشجع للحوار والمناقشات والمناظرات العلمية والمستخدم لاستراتيجيات الاستقصاء العلمي ودورات التعلم البنائية والمغذي لطبيعة الفضول (الفطري) الطبيعي للإنسان لدى المتعلم والمستخدم لأساليب وأدوات التقييم البديل الحقيقي في مهمات التعلم وأنشطة تشغيل اليدين والعقل (الفكر) مفتوحة النهاية. وفي هذا كله يؤدي دور الأنموذج للطلاب في التعلم المعرفي في ما يسميه الباحثون بالتلمذة المعرفية Cognitive Apprenticeship بوجه عام (زيتون, 2008م: 112). هذا وقد تناولت العديد من الكتابات أداءات التدريس البنائي ومواصفات المعلم البنائي، فقد أوضحت سليم (2004م) نقلاً عن (Yager،2003م) في نموذجه بعض التوجيهات الخاصة بممارسات التدريس البنائي فيما يلي: استخدم أسئلة المعلمين وأفكارهم لقيادة الدرس . تقبل وشجع المتعلمين على استهلال الأفكار . شجع المتعلمين على القيادة والتعلم التعاوني . استخدم تفكير المتعلمين وخبراتهم واهتماماتهم لتوجيه الدرس . شجع استخدام مصادر بديلة للمعلومات . استخدم الأسئلة مفتوحة النهاية . شجع المتعلمين على اقتراح أسباب للأحداث وتقديم التنبؤات . شجع المتعلمين على اختبار أفكارهم . ابحث عن أفكار المتعلمين قبل تقديم الأفكار لهم . شجع المتعلمين على تحدي بعضهم البعض في المفاهيم والأفكار. استخدم استراتيجيات التعلم التعاوني . وفر الوقت الكافي لتحليل أفكار المتعلمين . شجع المتعلمين على التحليل الذاتي وجمع الأحداث الحقيقية لدعم أفكارهم وإعادة صياغتها في ضوء أحداث وخبرات جديدة . كما أوضح Brooks and Brooks (2004 م) أن المعلم البنائي يمارس ما يلي : يشجع ويقبل استقلالية المتعلمين ومبادراتهم من خلال : صياغتهم للأسئلة والقضايا الخلافية . البحث في الإجابات وتحليلها . القدرة على حل المشكلات . القدرة على إثارة المشكلات . جمع المعلومات . يستخدم البيانات الخام والمصادر الأولية والأدوات أثناء المعالجة والتفاعل من خلال: عرضه لمشكلات حقيقية . عرضه لمواقف معتادة ( شائعة ) وغير معتادة ( غير شائعة ) . حثه المتعلمين على إيجاد الفروق بين هذه المواقف . يصوغ المهام حول مصطلحات وأنشطة معرفية كالتحليل والتفسير والتنبؤ والتصنيف والتركيب . يسمح لإجابات المتعلمين بقيادة الدرس ويغير ويبدل في إستراتيجيات التدريس والمحتوى . يبحث في مدى فهم المتعلمين للمفاهيم من خلال: امتناعه عن التوضيح المسبق للأفكار والمفاهيم . تشجيع المتعلمين على تطوير أفكارهم . يشجع المتعلمين على الاشتراك في الحوار معه ومع بعضهم البعض. يساعد المتعلمين على البحث والاستقصاء من خلال طرح أسئلة تفكيرية وأسئلة مفتوحة النهاية وتشجيعهم على طرح الأسئلة . يطلب من المتعلمين توضيح استجاباتهم الأولية وتفصيلها. يشغل المتعلمين بخبرات قد تولد تناقضاً مع افتراضاتهم الأولية ويشجعهم على المناقشة من خلال: طرح أسئلة تتحدى تفكير المتعلم . استخدام المعلومات الخاصة بالتصورات الحالية للمتعلم لمساعدته على فهم الأفكار المتناقضة . توجيه المناقشة باستخدام الأسئلة المتتابعة . يسمح بوقت للانتظار بعد طرحه للأسئلة . يتيح الوقت الكافي للمتعلمين لبناء العلاقات وإنشاء التشبيهات بحيث : يقدّم أنشطة تساعد على بناء العلاقات. يجهز المواد والأدوات التي تساعد المتعلمين على بناء العلاقات. يشجع استخدام التشبيهات. ينمي لدى المتعلمين حب الاستطلاع من خلال الاستخدام المتكرر لنموذج دائرة التعلم بحيث: يقدم أنشطة مفتوحة تساعد المتعلمين على طرح الأسئلة والافتراضات. يقدم دروساً تركز على أسئلة المتعلمين وترتبط بالمفردات الجديدة. يساعد المتعلمين على صياغة خبراتهم المعملية. يقدم مشكلات جديدة تثير لدى المتعلمين نظرة جديدة للمفاهيم التي تعلموها. دور الطالب (المتعلم) Student (Learner) Role : تقوم البنائية على مبدأ أن المعرفة Knowledge ليست شيئاً (أو حملاً) يمكن نقله من فرد إلى آخر، وبالتالي يجب أن (تبنى) من قبل الفرد (المتعلم) حدّده فيلبس Philips بنائياً بأدوار ثلاثة هي: (1) الفرد (المتعلم) النشط Active Learner (2) الفرد (المتعلم) الاجتماعي Social Learner (3) الفرد (المتعلم) المبدع Creative Learner. وبهذا تنقل البنائية الأفراد (الطلبة) المتعلمين بعيداً عن الحفظ الصم Rote memorization للحقائق والمفاهيم والمبادئ العلمية إلى الفهم الذاتي ذي المعنى الذي يفسّر ما يحدث والتنبؤ به، وبالتالي الاستخدام النشط للمعرفة ومهاراتها وممارسة التفكير العلمي (زيتون, 2008م: 114). الأهداف التعليمية Learning Goals : على الرغم أن البنائية في التعلم المعرفي قد لا تحقق أهداف التعليم المعرفي جميعها على النحو المنشود أو الغاية المتوخاة ولا تنمّي أنواع المعرفة كلها بالفاعلية نفسها، وبالتالي لا ينبغي أن تكون وحدها السائدة في التعليم المعرفي المدرسي وفق تحليل بعض الأدبيات، إلا أن الأهداف التعليمية تتم صياغتها في البنائية المعرفية في صورة مقاصد أو غايات Goals أو نتاجات Outcomes عامة تحدد من خلال عملية مفاوضة اجتماعية بين المعلم والطلبة بحيث تتضمن غايات عامة لمهمات التعلم Learning Tasks يسعى الطلبة جميعهم لتحقيقها بالإضافة إلى الغايات الذاتية الشخصية Personal Goals التي تخص كل طالب (متعلم) أو مجموعة من الطلاب كل على حده وذلك في ضوء الحاجات الشخصية التي يحتاجها الطلاب والتي بدورها تشعر الطلب المتعلمين بصلة ذلك شخصياً واجتماعياً وربما عالمياً. محتوى التعلم Learning Content : يكون محتوى التعلم وفقاً للبنائية المعرفية في صورة مهام Tasks أو مشكلات حقيقية Real Problems ذات صلة بحياة الطلبة ودافعيتهم، أو ظواهر Phenomena طبيعية. وفي هذا ينبغي لمهمات (مشكلات/ ظواهر) التعليم أن تكون: غير مفرطة في التعقيد إلى درجة تسبب الانكفاء أو الإحباط Frustration لدى بعض الطلبة وربما تراجعهم عن الاهتمام واستكمال مهمات التعلم. تتضمن موقفاً مشكلاً حقيقياً أو مهمة تعليمية لها أكثر من طريقة لمعالجتها وحلّها. قابلة للتوسع والامتداد Extendable وتفتح مجالات لتوليد الأفكار والأسئلة البحثية لاستقصائها. وفي هذا كله ينبغي لمعلم أن يتذكر أن الإثارة Excitement وجذب الميل والاهتمام Interest ومن ثم الانخراط Involvement والانهماك في مهمات التعلم أو المشكلات والظواهر الحقيقية الواقعية يعد عاملاً حاسماً وجوهرياً في استكمال واستقصاء مهمات التعلم وبحثها وذلك باعتبار (الميول والاهتمامات) بمثابة الوقود Fuel الذي يغذّي خطى السير في البحث والاستقصاء واستكمال المهمات التعليمية وبالتالي الفهم وتحسن الشعور بمتعة تعلم العلوم وإثارتها وعلم (فعل) العلم Doing Science لا القراءة حول العلم About Science . وفي هذا كلّه فإننا نصطدم (بكم) المنهاج أو محتواه ومن ثم إنهاء المنهاج أو تغطيته Content coverage حيث تعد! (التغطية) أكبر (عدو) لفهم العلوم من جهة وللنظام التربوي عموماً من جهة أخرى. وهذا يتطلب التحوّل من (الكم) إلى (النوع) والأخذ بفلسفة القليل كثير Less is More في مناهج (محتوى) العلوم واستراتيجيات تدريسها (زيتون و زيتون, 1992م: 115).
الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية: ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م. دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م. ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
2,659,738
ساحة النقاش