نظريات اكتساب اللغة وتعلمها
توجد العديد من النظريات التي حاولت تفسير كيف يتم تعلم فنون اللغة بصفة عامة واللغة الأم بصفة خاصة ؛ حيث تقدم هذه النظريات تصورات مختلفة حول اللغة واكتسابها. ومعرفة هذه النظريات يساعد على اختيار طرائق واستراتيجيات التدريس المناسبة للمتعلمين على مختلف أعمارهم ومن أهم هذه النظريات ما يلي:
أولا: النظرية السلوكية: Behaviorist Theory
يرى أصحاب هذه النظرية أن السلوك – بما في ذلك السلوك اللغوي – ارتباط بين مثير واستجابة، وبالتالي يكون المعنى هو الارتباط القائم بين المثير القادم من العالم الخارجي والاستجابة اللفظية للفرد، وهذه النظرية تتفق مع أصحاب النظريات البيئية التي تهتم بالجوانب البيئية في تفسير السلوك الإنساني ومن روادها " سكنر وسامبسون.
وتفترض النظريات السلوكية عامة أنه ينبغي أن نولى الاهتمام بالسلوكيات القابلة للملاحظة والقياس. ولا يركزون اهتمامهم على الأبنية اللغوية، والمشكلة الأساسية فى هذه المنظور هي أنه نظراً لأن الأنشطة العقلية لا يمكن أن ترى، فإنها لا يمكن أن تعرف وتقاس. فيرى السلوكيون أن الطفل يكون سلبياً خلال عملية تعلم اللغة فالطفل يبدأ الحياة بجعبة لغوية خاوية ثم يصبح الطفل مستخدما للغة في بيئته. لذلك يتفق السلوكيين جميعاً في أن البيئة هي العامل الحرج والأكثر أهمية في عملية الاكتساب، ويؤكدون على الاختلافات التي تحدث بواسطة البيئات الواسعة الاختلاف للأطفال أثناء فترة اكتساب اللغة.
ورائد هذا المذهب هو " سكنر " والذي ركز على جوهر المذهب السلوكي اللغة، حيث أ، اللغة سلوك ومثلها مثل الأنماط الأخرى للسلوك الإنساني فإنها تعلم عن طريق عملية تكوين العادة.
والعادة تحتوى على تلك المكونات الأساسية:
• الطفل يقلد الأصوات والأنماط التي يسمعها حوله.
• الناس تتعرف وتدرك محاولات الطفل من حيث تشابهها مع كلام البالغ وتدعم وتكافئ الأصوات عن طريق الاستحسان أو أي رد فعل محبوب آخر.
• يحصل على مكافآت أكثر يكرر الطفل الأصوات والأنماط، ومن هنا تصبح عادة.
بهذه الطريقة يشكل سلوك الطفل الشفهي حتى تتطابق العادات مع نماذج الشخص البالغ. وبإطار العمل النظري هذا فإن تعبيرات الطفل لا ترى على أنها نظام معالجة بالطريقة الصحيحة بل ترى على أنها نسخة خطأ لكلام البالغ، فالأخطاء هى ببساطة نتيجة التعلم غير التام، عملية تكون العادة لم تكتمل بعد بشكل صحيح.
ويرى " سكنر " أنه حتى يتم تحليل السلوك اللغوي تحليلاً دقيقاً يجب أن تدرس كل العوامل المؤثرة في ذلك السلوك من خلال أدوارها كمؤثرات واستجابات كل كلام منطوق – في الغالب – يتبعه استجابة لفظية وغير لفظية، فالسلوك اللغوي عند " سكنر " لا يمكن أن يدرس إلا في ضوء البيئة المحيطة بمستعملها، أي بمراقبة العوامل الخارجية، ومن هذه العوامل الخارجية عامل الشيوع أو التكرار، الذي يؤدى إلى كثرة استعمال لفظ بعينه في بيئة الطفل. فالطفل من وجهة نظر السلوكيين يقلد السلوك اللفظي في بيئته إلى حد بعيد. وهم يعطون التقليد أو التكرار أهمية عالية في تعلم اللغات ويترتب على هذا أن الكلمات والتراكيب التي تحظى بالشيوع في بيئة الطفل تلعب دوراً مؤثراً في التطور اللغوي لذلك الطفل.
ويضاف للشيوع بعد التعزيز لأنه يساهم في الوصول بالطفل إلى مستوى الاحتراف، لذا يتمتع التعزيز الذي يبديه الوالدان بدور فعال في العملية التعليمية لدى الطفل. فعندما يقدم الطفل سلوكاً لغوياً مفهوما في البيئة المحيطة ويقوم الولدان بالتعزيز لذلك السلوك، يؤدى هذا إلى تشجيع السلوك اللغوي المنتظم، الموافق لقواعد السلوك المنطوق.
ولقد آمن السلوكيون وعلى رأسهم سكنر بأن اللغة إنما تكتسب كلها بالتعالم، ومن جهة النظر هذه فإن معظم ما يتعلمه الطفل إنما يأتي من التقليد. ومن نمذجة ما يسمع من الكبار. ونظراً لتعزيزهم ما يصدر عن الطفل من ألفاظ وكلمات فالسلوك اللغوي لا يختلف عن أي سلوك آخر، ويتعلمه الطفل بالطريقة ذاتها أي نتيجة التقليد والتعزيز الذي يتلقاه الطفل على قيامه بسلوك ما.
ويرى " سكنر " أن اللغة عبارة عن مهارة ينمو وجودها لدى الفرد عن طريق المحاولة والخطأ، ويتم تدعيمها عن طريق المكافأة وتنطفئ إذا لم تقدم المكافأة، وفى حالة استخدام اللغة فإن المكافأة قد تكون أحد احتمالات عديدة، مثل التأييد الاجتماعي أو التقبل من الوالدين الآخرين للطفل، عندما يقدم منطوقات معينة خصوصاً في المراحل المبكرة من الارتقاء، وقامت هذه المدرسة بتفسير السلوك اللغوي تفسيراً آلياً اعتماداً على مصطلحات المثير والاستجابة المشتملة في عملية الكلام.
ولأن المدرسة السلوكية ترى أن اكتساب اللغة يتم بطرق مشابهة لتعلم الاستجابات غير اللغوية عن طريق المحاكاة (Imitation) الترابط والاقتران (Association) الاشتراط (Conditioning) التكرار (Repetition) التدعيم أو التعزيز (reinforcement) يتضح ذلك جلياً في رأى سكنر فى تعلم اللغة، حيث أوضح أن معنى اللفظ يحدث من خلال الاقتران التكراري بين مثيرين كفيل بحدوث الاستجابة اللغوية بمعنى أن اللفظ ينشأ من عملية اقتران بين اللفظ والمثير الشيء الدال على هذا اللفظ، وهذا يعنى أن المثيرات اللفظية (أصوات كلامية) تقترن مع مثيرات شيئية اقتراناً منتظماً متكرراً.
وتؤمن المدرسة السلوكية بـ:
• أن اللغة مجموعة من العادات يتعلمها الأطفال بالتقليد والتكرار.
• أن اللغة نظام منطوق قبل أن يكون مكتوباً.
• أن البيئة تلعب دوراً أساسياً في نمو اللغة.
• إن اكتساب اللغة يتم بطرق مشابهة لتعلم الاستجابات غير اللغوية عن طريق المحاكاة، الترابط، الاشتراط، التكرار، والتدعيم.
• أن اللغة سلوك، والسلوك يمكن تعلمه باستثارة الأطفال لهذا السلوك.
ويلاحظ أن البيئة في المدرسة السلوكية تؤدي دورا مهما في تشجيع الطفل على الحديث. ... فهي المانحة الأولى (للخبرات والمهارات والمعلومات) وهذه البيئة هي التي تهيئ الطفل (لغوياً) للدخول للمدرسة والتعامل مع أقرانه فإذا كانت لغته موازية لما لديهم من رصيد كان سهلاً عليه التعامل معهم، أما إذا كان رصيده اللغوي فقيراً عنهم فإنه يشعر بأنه أقل منهم، الأمر الذي يجعله (خجولاً) أو (منطوياً) غير منطلق في التعبير عن مشاعره وأفكاره. ... ومن هنا كان على الأهل الحرص على تطوير لغة الطفل وعدم تعليمة كلمات (مبتورة الحروف)، وعلى الآباء أن يتحدثوا مع أطفالهم بوضوح، وهدوء، وبعبارات سهلة تتناسب والمستوى العقلي لأطفالهم.
ساحة النقاش