مكانة اللغة العربية:
تحتل اللغة العربية مكانة متميزة ملكتها سنام اللغات على مر العصور؛ نظرًا لما وسمت به هذه اللغة من خصوصية حفظت لها هذا الكيان الرصين. لقد شرف الله اللغة العربية بالقرآن الكريم الذي تجاوز بها حد التشريف إلى الخلود و البقاء للأبد؛ فهي جامعة الأمة و آصرة الملة، واحدة موحدة.
إذًا ليس من سبيل الزهو أو المبالغة أن نقول إن اللغة العربية هي أفضل اللغات؛ فهي اللغة التي نزل بها القرآن الذي هو أفضل الكتب، ولغة الإسلام الذي هو خير الأديان، ولغة الأمة الإسلامية التي هي خير الأمم، ولغة الحضارة الإسلامية التي هي أعرق الحضارات وأنفعها للبشرية، وهي بعد ذلك لغة خالدة خلود التاريخ تولد لغات وتموت، وتبلى لغات وتنقرض أخرى، وهي باقية بقاء العصور إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ وذلك لأنها محفوظة بحفظ الله تعالى القائل: ﴿ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ﴾ [ الحجر 9]. و هي بعد ذلك لغة توفر لها من الدقة والمنطقية والبيان والمرونة والوفاء بالمعاني ما لا يعرف له نظير في غيرها من اللغات.
وقد أدرك هذه الحقيقة العلماء العرب واعترف بها المنصفون من جهابذة الغرب.
إن الأمم تهتم بلغتها الأم اهتمامًا كبيرًا؛ لأن اللغة في أية أمة من هذه الأمم تؤدي وظائف متعددة ومهمة للأفراد والجماعات على حد سواء، فبها يتفاهم الفرد مع بني جنسه ويقضي حاجته وينقل مشاعره وأحاسيسه إلى الآخرين وعن طريقها تحفظ الأمة تراثها وتتناقله من جيل إلى آخر وتنقله إلى الأمم الأخرى، وتتعرف تراث تلك الأمم وحضاراتها.
ولإدراك الأمم لأهمية اللغة الأم في التقدم والتطور في ميادين الحياة المختلفة فقد اعتنيت بلغاتها الأم ، ووفرت لها الإمكانيات اللازمة لتطوير تعليمها وتحسين وسائله وأساليبه، وحظي معلم اللغة الأم في هذه الأمم بقسط وافر من العناية حيث بذلت الأمم جهودا متتالية لرفع قدراته وتطوير برامج إعداده بما يتلاءم والتقدم والتطور التقني في هذا العصر.
ولغتنا العربية – شأنها في ذلك شان أية لغة أم – قد حظيت بدرجة كبيرة من الرعاية والاهتمام ولاسيما في العصور الأولى للحضارة العربية الإسلامية ؛ لأنها الوعاء الذي يحوي أعظم تراث عرفته الإنسانية وهو القران الكريم ، فقد اعتنى العرب بتعليم لغتهم ونشرها في أرجاء البلاد التي فتحوها ؛ من أجل تعليم القرآن الكريم وفهم التشريعات الإسلامية ، إلا أن هذه اللغة قد أصابها الضعف بسبب عوامل عدة ، من أهمها سياسة الاستعمار الأوروبي الذي سيطر على معظم أرجاء الوطن العربي ، تلك السياسة التي هدفت إلى القضاء على اللغة العربية لغة القران الكريم .
وبعد تخلص البلاد العربية من الاستعمار الأوروبي اهتمت الدول العربية بلغتها الأم وعملت على تطوير تعليمها وتحسين أساليبه ووسائله وبذلت – من أجل ذلك – جهودا متتالية ، تمثلت في عقد الندوات والمؤتمرات وحلقات النقاش التي تدرُسُ أوضاعَ اللغة العربية ومشكلاتها في الوطن العربي وتبحث في وسائل تطويرها وتحسين أساليب تعلمها ، ولعبت جامعة الدول العربية – ممثلة في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم – والجامعات العربية ومؤسسات البحث العلمي في سائر الأقطار العربية أدوارا كبيرة في هذا الشأن ؛ حيث شجَّعت الباحثين على دراسة أوضاع اللغة العربية وبحث مشكلاتها في الوطن العربي بهدف الوصول إلى رؤى سليمة لتطوير تعليمها وتحسين أساليب تعلمها.
إن البشرية اليوم تعيش عصر عالمية التفكير وعالمية العلم والمعرفة وعالمية الأزمات والإنجازات وعالمية الحقوق والواجبات والطموحات وعالمية القيم الإنسانية، الأمر الذي يتطلب توعية الشعوب بأننا نشترك في عالم واحد ومستقبل واحد ومن اللازم أن نتعلم كيف نفكر عالميا، ونعمل محليا، وهذا يؤكد حاجة العالم إلى المواطن العالمي الذي يتحمل قدرا من المسئولية إزاء التغيرات والمشكلات العالمية إضافة إلى حاجته لجهود خلاقة تستهدف تغير أفكار ومفاهيم لصالح أفكار ومفاهيم جديدة تقتلع جذور العنف والكراهية، وترسخ حقوق الإنسان، وتبذر بذور الأمن والسلام والتسامح، وتبني له حصونا في عقول البشر وتجعل منه ركيزة دائمة لتقدم الشعوب في بيئة نقية نظيفة تدفع بمشروعات التنمية والتقدم الذي تنشده الشعوب، ومن هنا يتجلى دور التربية الدولية وأهميتها في مواجهة التغيرات العالمية .
وإذا كانت العولمة التي تفضي إلى انعدام الحواجز والحدود قد أصبحت أمرا واقعا، فإن التمسك باللغة القومية والهوية الثقافية يصبح أمرا جوهريا لا محيد عنه، ومن المستحيل أن يتحقق ذلك إلا عن طريق تعليم اللغة القومية ـ أية لغة ـ وتعلمها بواسطة معلم واع بهذه القضية وخطورتها " والأمرُ في شأنِ العربيةِ { لغةِ القرآنِ الكريمِ } فرضُ عين يَأَْثمُ كلُّ من لا ينهض به؛ لأنها الرباط المقدس الذي ربط الشعوب التي رضيت بالله Y ربا وإلها ، وبالإسلام دينا وعقيدة ، وبسيدنا محمد r نبيا ورسولا، وبالقرآن الكريم شرعا ومنهاجا، فهي مبلغة الوحي الإلهي، وحاملة رسالة الإسلام ، ووعاء ثقافته العريقة، وحافظة تراثه الخالد، ووسيلة دعوته ؛ فانتشرت بانتشاره ، ونمت بفتوحاته ، ومن فضله أفاضت على من عداها من اللغات عطاءً وجودًا ، وبشرفه شرَّفها الله ، فاختارها لغة الكتابة ، خالدة بخلوده ، محفوظة بحفظه، هذا بالإضافة إلى أنها ـ أي العربية ـ وسيلة الاتصال والتفاهم والتعليم والتعلم. لذا فإن البحث في مجالاتها الواسعة ، وتحليل ظواهرها، ومناقشة مشكلاتها ، ووسائل الحفاظ عليها وتطويرها لمواكبة تطور الحياة وتعقدها يجب أن يكون الشغل الشاغل لكل المتخصصين والمهتمين بها والغيورين عليها؛ حتى تظل اللغة العربية ـ في ظل العولمة ـ إحدى اللغات الكبرى المرشحة للاستمرار في عالم القرن الحادي والعشرين إلى جانب عدد محدود جدا من اللغات الكبرى، ولكي يمكنها المحافظة على تراثها الضخم، بل يمكنها تنميته وتطويره ونشره بين ربوع العالم من خلال العولمة، وبهذا تكون العولمة بمثابة القضبان التي نسّير عليها قطار العربية محمَّلا بمميزاتها الفريدة وتراثها الذي لا نظير له لدى أيةٍ من أخواتها من اللغات العالمية ، فيصلُ القطارُ إلى كلِّ ما هو إنسان يعيشُ في أي زمان ويوجد في أي مكان ، سواء أكان ناطقا بها أم بلغة أخرى غيرها ، وبهذا التوظيف للعولمة تصبح ـ أي العولمة ـ خادمة للغتنا القومية وهويتنا الثقافية وليست مضيعة لهما.
ساحة النقاش