الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

قال الشافعي –رحمه الله تعالى (1) _:  " لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم" (2)  وقال البخاري –رحمه الله (3) -: "باب العلم قبل القول والعمل" . والدليل قوله تعالى: } فأعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك{ {سورة محمد ، الآية: 19} ، فبدأ بالعلم قبل القول والعمل(4) . 

 

(1)   الشافعي هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي ، ولد في غزة سنة 150 هـ وتوفي بمصر سنة 204 هـ وهو أحد الأئمة الأربعة على الجميع رحمة الله تعالى .

 

(2)   مراده رحمه الله أن هذه السورة كافية كافية للخلق في الحث على التمسك بدين الله بالإيمان ، والعمل الصالح ، والدعوة إلى الله، والصبر على ذلك، وليس مراده أن هذه السورة كافية للخلق في جميع الشريعة. 

وقوله : "لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم" لأن العاقل البصير إذا سمع هذه السورة أو قرأها فلا بد أن يسعى إلى تخليص نفسه من الخسران وذلك باتصافه بهذه الصفات الأربع: الإيمان، والعمل الصالح ، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر . 

 

(3)   البخاري هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، ولد ببخارى في شوال سنة أربعة وتسعين ومائة ونشأ يتيماً في حجر والدته ، وتوفي رحمه الله في خرتنك بلدة على فرسخين من سمر قند ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين. 

 

(4)   أستدل البخاري رحمه الله بهذه الآية على وجوب البداءة بالعلم قبل القول والعمل وهذا دليل أثري يدل على أن الإنسان يعلم أولاً ثم يعمل ثانياً ، وهناك دليل عقلي نظري يدل على أن العلم قبل القول والعمل وذلك لأن القول أو العمل لا يكون صحيحاً مقبولاً حتى يكون على وفق الشريعة ، ولا يمكن أن يعلم الإنسان أن عمله على وفق الشريعة إلا بالعمل، ولكن هناك أشياء يعلمها الإنسان بفطرته كالعلم بأن الله إله واحد فإن هذا قد فطر عليه العبد ولهذا لا يحتاج إلى عناء كبير في التعلم ، أما المسائل الجزئية المنتشرة فهي التي تحتاج إلى تعلم وتكريس جهود. 

 

 

أعلم رحمك الله : أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل والعمل بهن، الأولى : أن الله خلقنا(1)  . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . 

 

 

(1)   ودليل ذلك أعني أن الله خلقنا سمعي وعقلي : 

أما السمعي فكثير ومنه قوله عز وجل: } هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون { {سورة الأنعام، الآية: 2} وقوله: } ولقد خلقنكم ثم صورناكم{ {سورة الأعراف ، الآية: 11} الآية ، وقوله تعالى : }ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حما مسنون{ {سورة الحجر ، الآية: 15} وقوله : }ومن إياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون{ {سورة الروم ، الآية: 29} وقوله: } خلق الإنسان من صلصال كالفخار{ {سورة الرحمن ، الآية: 14} } الله خلق كل شيء { {سورة الزمر، الآية: 62}وقوله: } والله خلقكم وما تعملون{ {سورة الصافات، الآية: 96} وقوله: } وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون{ {سورة الذاريات ، الآية: 56} إلى غير ذلك من الآيات. أما الدليل العقلي على أن الله خلقنا فقد جاءت الإشارة إليه في قوله تعالى: }أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون{ {سورة الطور، الآية: 35} فإن الإنسان لم يخلق نفسه لأنه قبل وجوده عدم والعدم ليس بشيء وما ليس بشيء لا يوجد شيئاً ، ولم يخلقه أبوه ولا أمه ولا أحد من الخلق، ولم يكن ليأتي صدفة بدون موجد؛ لأن كل حادث لا بد له من محدث ؛ ولأن وجود هذه المخلوقات على هذا النظام والتناسق المتآلف يمنع منعاً باتاً أن يكون صدفة. إذا الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيف يكون منتظماً حال بقائه وتطوره ، فتعين بهذا أن يكون الخالق هو الله وحده فلا خالق ولا آمر إلا الله، قال الله تعالى: } ألا له الخلق والأمر{ {سورة الأعراف، الآية: 54} ولم يعلم أن أحداً من الخلق أنكر ربوبية الله سبحانه وتعالى إلا على وجه المكابرة كما حصل من فرعون ، وعندما سمع جبير بن مطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور فبلغ قوله تعالى: }أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون { * أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون * أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون { {سورة الطور، الآية: 35-37} وكان جبير بن مطعم يومئذ مشركاً فقال: "كاد قلبي أن يطير وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي". (1) 

 

 

ورزقنا (1)  . . . . . . . .  . . . .  . . . .  . . . .  . . . .  . . . .  . . . .  . . . . 

 

 

(1)   أدلة هذه المسألة كثيرة من الكتاب والسنة والعقل أما الكتاب : فقال الله تعالى: }إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين{ {سورة الذاريات، الآية: 58} وقال تعالى: } * قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله{ {سورة سبأ، الآية: 24} وقوله: } قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله{ {سورة يونس ، الآية: 31} والآيات في هذا كثيرة . 

وأما السنة : فمنها قوله صلى الله عليه وسلم في الجنين يبعث غليه ملك فيؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله ، وعمله وشقي أم سعيد. (2)

وأما الدليل العقلي على أن الله رزقنا فلأننا لا نعيش إلا على طعام وشراب، والطعام والشراب خلقه الله عز وجل كما قال الله تعالى: } أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون * لو نشاء لجلعناه حطاماً فظلتم تفكهون * إنا لمغرمون * بل نحن محرومون * أفراءيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون * لو نشاء جعلته أجاجا فلولا تشكرون{ {سورة الواقعة ، الآيات : 63-70} ففي هذه الآيات بيان إن رزقنا طعاماً وشراباً من عند الله عز وجل. 

 

 

ولم يتركنا هملاً (1) بل أرسل إلينا رسولاً (2) . . . . . . . . . . .  . . . . . . . . . . . . . 

 

 

 (1)   هذا هو الواقع الذي تدل عليه الأدلة السمعية والعقلية: 

أما السمعية فمنها قوله تعالى: } أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو { {سورة المؤمنين، الآيتين: 115-116} وقوله : } أيحسب الإنسان أن يترك سدى * ألم يك نطفة من منى يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى * أليس ذلك بقدر على أن يحيى الموتى { {سورة القيامة، الآيات: 36-40} . 

وأما العقل : فلأن وجود هذه البشرية لتحيا ثم تتمتع كما تتمتع الأنعام ثم تموت إلى غير بعث ولا حساب أمر لا يليق بحكمة الله عز وجل بل هو عبث محض ، ولا يمكن أن يخلق الله هذه الخليقة ويرسل إليها الرسل ويبيح لنا دماء المعارضين المخالفين للرسل عليهم الصلاة والسلام ثم تكون النتيجة لا شيء ، هذا مستحيل على حكمة الله عز وجل. 

 

(2) أي أن الله عز وجل أرسل إلينا معشر هذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً يتلو علينا آيات ربنا ، ويزكينا ، ويعلمنا الكتاب والحكمة ، كما ارسل إلى من قبلنا، قال الله تبارك وتعالى: } وإن من أمة إلا خلا فيها نذير{ {سورة فاطر ، الآية : 24} ولا بد أن يرسل إلى الخلق لتقوم عليهم الحجة وليعبدوا الله بما يحبه ويرضاه قال الله تبارك وتعالى: }* إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وإتينا داود زبورا* ورسلا قد قصصتهم عليه من قبل ورسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً{ {سورة النساء، الآيات: 63-165} ولا يمكن أن نعبد الله بما يرضاه إلا عن طريق الرسل عليهم الصلاة والسلام لأنهم هم الذين بينوا لنا ما يحبه الله ويرضاه ، وما يقربنا إليه عز وجل فبذلك كان من حكمة الله أن أرسل إلى الخلق رسلاً مبشرين ومنذرين الدليل قوله تعالى: } إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً*فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيلاً{ {سورة المزمل ، الآيتين: 16.15}. 

 

 

فمن أطاعه دخل الجنة(1) . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . . . . . 

 

 

 (1)   هذا حق مستفاد من قوله تعالى: } وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون * وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين { {سورة آل عمران، الآيتين: 132-133} ومن قوله تعالى: } ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهر خالدين فيها وذلك الفوز العظيم{ {سورة النساء، الآية: 13} ومن قوله تعالى:} ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون { {سورة النور، الآية: 52} وقوله :} ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً{ {سورة النساء ، الآية 69}. وقوله: } ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً{ {سورة الأحزاب، الآية : 71} والآيات في ذلك كثيرة ومن قوله صلى الله عليه وسلم "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" فقيل : ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني دخل النار"(1) رواه البخاري.

 

 

ومن عصاه دخل النار (1) والدليل قوله تعالى: } إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً * فعصى فرعون الرسول فأخذنه أخذاً وبيلاً { {سورة الزمل ، الآيتين: 15-16}. 

الثانية: (2) أن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته لا ملك مقرب ، ولا نبي مرسل. والدليل قوله تعالى: } وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً{ {سورة الجن، الآية: 18} .

 

 

(1)  هذا أيضاً حق مستفاد من قوله تعالى : } ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين { {سورة النساء، الآية: 14} وقوله: } ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضللاً مبيناً { {سورة الأحزاب، الآية: 36} وقوله } ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا { {سورة الجن، الآية: 23} ومن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: "ومن عصاني دخل النار. {سورة الجن، الآية: 18} فنهى الله 

 

(2)   أي المسألة الثانية مما يجب علينا علمه أن الله سبحانه وتعالى لا يرضى أن يشرك معه في عبادته أحد، بل هو وحده المستحق للعبادة ودليل ذلك ما ذكره المؤلف رحمه الله في قوله تعالى: }وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً{ {سورة الجن، الآية: 18} فنهى الله تعالى أن يدعو الإنسان مع الله أحداً، 

 والله لا ينهى عن شيء إلا وهو لا يرضاه سبحانه وتعالى وقال الله عز وجل : } إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وأن تشكروا يرضه لكم { {سورة الزمر، الآية: 7} ، وقال تعالى: }فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضاه الله سبحانه وتعالى بل إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب لمحاربة الكفر والشرك والقضاء عليهما، قال الله تعالى: } وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله{ {سورة الأنفال، الآية: 39}  وإذا كان الله لا يرضى بالكفر والشرك فإن الواجب على المؤمن أن لا يرضى بهما ، لأن المؤمن رضاه وغضبه تبع رضا الله وغضبه ، فيغض لما يغضب الله ويرضى بما يرضاه الله عز وجل ، وكذلك إذا كان الله لا يرضى الكفر ولا الشرك فإنه لا يليق بمؤمن أن يرضى بهما. والشرك أمره خطير قال الله عز وجل: } إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء{ {سورة النساء ، الآية : 48} وقال تعالى: } إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومآواه النار وما للظالمين من أنصار{ {سورة المائدة، الآية: 72} وقال النبي صلى الله عليه وسلم "من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار" (1)

 

الثالثة(1) أن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب ، والدليل على قوله تعالى:  } لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا غباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون * { {سورة المجادلة، الآية: 22}. 

 

 

 (1)  أي المسألة الثالثة مما يجب علينا علمه الولاء والبراء ، والولاء والبراء أصل عظيم جاءت فيه النصوص الكثيرة قال الله عز وجل: } يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً{  {سورة آل عمران، الآية: 118}. وقال تعالى: } يأيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين{ {سورة المائدة، الآية: 51} وقال سبحانه وتعالى: } يأيها الذين أمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعباً من الذين أوتوا الكتب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنيين{ {سورة المائدة، الآية: 57} وقال تعالى : } يأيها الذين امنوا لا تتخذوا ءاباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون * قل إن كان أباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال أقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين{ {سورة التوبة، الآيتين: 23-24}. وقال عز وجل: } قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده{ {سورة الممتحنة، الآية: 4} الآية. ولأن موالاة من حاد الله ومداراته تدل على أن ما في قلب الإنسان من الإيمان بالله ورسوله ضعيف ؛ لأنه ليس من العقل أن يحب الإنسان شيئاً هو عدو لمحبوبه ، وموالاة الكفار تكون بمناصرتهم ومعاونتهم على ما هم عليه من الكفر والضلال ، وموادتهم تكون بفعل الأسباب التي تكون بها مودتهم فتجده يوادهم أي يطلب ودهم بكل طريق، وهذا لا شك ينافي الإيمان كله أو كماله ، فالواجب على المؤمن معاداة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب إليه، وبغضه والبعد عنه ولكن هذا لا يمنع نصيحته ودعوته للحق. 

 

أعلم (1) أرشدك الله (2) لطاعته (3) : أن الحنيفية (4) ملة (5) إبراهيم (6) : أن تعبد الله وحده (7)  مخلصاً له الدين (8) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

 

 

(1)  تقدم الكلام على العلم فلا حاجة إلى إعادته هنا. 

(2)  الرشد : الاستقامة عن طريق الحق. 

(3)  الطاعة: موافقة المراد فعلاً للمأمور وتركاً للمحظور . 

(4)  الحنيفية: هي الملة المائلة عن الشرك ، المبينة على الإخلاص لله عز وجل . 

(5)  أي طريقه الديني الذي يسير عليه الصلاة والسلام. 

(6)  إبراهيم هو خليل الرحمن قال عز وجل: } واتخذ إبراهيم خليلا{ {سورة النساء، الآية: 125} وهو أبو الأنبياء وقد تكرر ذكر منهجه في مواضع كثيرة للإقتداء به. 

(7)  قوله "أن تعبد الله"  هذه خبر "أن" في قول "أن الحنيفية" والعبادة بمفهومها العام هي "التذلل لله محبة وتعظيماً بفعل أوامره واجتناب نواهيه على الوجه الذي جاءت به شرائعه". أما المفهوم الخاص للعبادة-يعين تفصيلها- فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "العبادة أسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال، والأعمال الظاهرة والباطنة كالخوف ، والخشية ، والتوكل والصلاة والزكاة ، والصيام  وغير ذلك من شرائع الإسلام. 

(8)  الإخلاص هو التنقية والمراد به أن يقصد المرء بعبادته وجه الله عز وجل والوصول إلى دار كرامته بحيث لا يعبد معه غيره لا ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً قال الله تعالى : } ثم أوحينا إليك أن أتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين{ {سورة النحل، الآية: 123} . وقال الله تعالى: } ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفينه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين * إذ قال له ربه اسلم قال أسلمت لرب العالمين* ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله أصطفى لكم الدين فلا تموت إلا وأنتم مسلمون{ {سورة البقرة، الآيات: 130-132}. 

 

 

وبذلك (1) أمر الله جميع الناس وخلقهم لها كما قال الله تعالى: } وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون {سورة الذاريات، الآية: 56}  ومعنى يعبدون يوحدون(2) . . . . . . . . . . .. . . 

 

 

(1)    أي بالحنيفة وهي عبادة الله مخلصاً له الدين أمر الله جميع الناس وخلقهم لها ، كما قال الله تعالى: } وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فأعبدون{ {سورة الأنبياء، الآية : 25} وبين الله عز وطل في كتابه أن الخلق إنما خلقوا لهذا فقال تعالى: } وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون{ {سورة الذاريات ، الآية:56} . 

(2)   يعني التوحيد من معنى العبادة و إلا فقد سبق لك معنى العبادة وعلى أي شيء تطلق وأنها أعم من مجرد التوحيد. 

وأعلم أن العبادة نوعان: 

عبادة كونية وهي الخضوع لأمر الله تعالى الكوني وهذه شاملة لجميع الخلق لا يخرج عنها أحد لقوله تعالى: } إن كل من في السموات والأرض إلا إتى الرحمن عبداً{ {سورة مريم، الآية: 93} فهي شاملة للمؤمن والكافر، و البر والفاجر . 

والثاني : عبادة شرعية وهي الخضوع لأمر الله تعالى الشرعي وهذه خاصة بمن أطاع الله تعالى وأتبع ما جاءت به الرسل مثل قوله تعالى: }  وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا{  {سورة الفرقان، الآية: 63}. فالنوع الأول لا يحمد عليه الإنسان لأنه بغير فعله لكن قد يحصل منه من شكر عند الرخاء وصبر على البلاء بخلاف النوع الثاني فإنه يحمد عليه.  

 

 

وأعظم ما أمر الله به التوحيد وهو : إفراد الله بالعبادة (1)  . . . . . . . . . .. . . . . . . . 

 

 

(1)  التوحيد لغة مصدر وحد يوحد ، أي جعل الشيء واحداً وهذا لا يتحقق إلا بنفي وإثبات ،نفي الحكم عما سوى الموحد وإثباته له فمثلاً نقول: إنه لا يتم للإنسان التوحيد حتى يشهد أن لا إله إلا الله فينفي الألوهية عما سوى الله تعالى ويثبتها لله وحده. 

 وفي الاصطلاح عرفه المؤلف بقوله: "التوحيد هو إفراد الله بالعبادة" أي أن تعبد الله وحده لا تشرك به شيئاً، لا تشرك به نبياً مرسلاً ، ولا ملكاً مقرباً ولا رئيساً ولا ملكاً ولا أحداً من الخلق ، بل تفرده وحده بالعبادة محبة وتعظيماً ، ورغبة ورهبة، ومراد الشيخ رحمه الله التوحيد الذي بعثت الرسل لتحقيقه لأنه هو الذي حصل به الإخلال من أقوامهم. 

وهناك تعريف أعم للتوحيد وهو: "إفراد الله سبحانه وتعالى بما يختص به" . 

 وأنواع التوحيد ثلاثة: 

الأول: توحيد الربوبية وهو "إفراد الله سبحانه وتعالى بالخلق، والملك والتدبير" قال الله عز وجل: } الله خلق كل شيء{ {سورة الزمر، الآية: 62} وقال تعالى : } هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا الله هو{ {سورة فاطر، الآية: 3} وقال تعالى: } تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير{ {سورة الملك، الآية: 1} وقال تعالى : } ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين{ {سورة الأعراف، الآية: 54}. 

الثاني: توحيد الألوهية وهو "إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة بأ، لا يتخذ الإنسان مع الله أحداً يعبده ويتقرب إليه كما يعبد الله تعالى ويتقرب إليه". 

الثالث: توحيد الأسماء والصفات وهو "إفراد الله تعالى بما سمى به نفسه ووصف به نفسه في كتابه ، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك بإثبات ما أثبته ، ونفي ما نفاه من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ومن غير تكييف، ولا تمثيل". 

ومراد المؤلف هنا توحيد الألوهية وهو الذي ضل فيه المشركون الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم واستباح دمهم وأموالهم وأرضهم وديارهم وسبى نساءهم وذريتهم، ، واكثر ما يعالج الرسل أقوامهم على هذا النوع من التوحيد. قال تعالى: } ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن أعبدوا الله{  {سورة النحل ، الآية: 29}. فالعبادة لا تصح إلا الله عز وجل، ومن أخل بهذا التوحيد فهو مشرك كافر وإن أقر بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات ، فلو فرض أن رجلاً يقرأ إقراراً كاملاً بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات ولكنه يذهب إلى القبر فيعبد صاحبه أو ينذر له قرباناً يتقرب به إليه فإنه مشرك كافر خالد في النار قال الله تعالى: } إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومآواه النار وما للظالمين من أنصار{  {سورة المائدة، الآية: 72} وإنما كان التوحيد أعظم ما أمر الله لأنه الأصل الذي ينبني عليه الدين كله، ولهذا بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله ، وأمر من أرسله للدعوة أن يبدأ به. 

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 48 مشاهدة
نشرت فى 3 مارس 2012 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,660,666