الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

هناك عدة أسس يتم من خلالها اختيار الطرائق المناسبة لتدريس التعبير، ومنها: أن توفر الطريقة للتلميذ الأمن الذي يطلق حريته في التعبير دون خوف من السخرية أو النقد اللاذع، وأن يرتبط التخطيط فيها بنموه بمعنى أن تراعي خصائص المرحلة العمرية والفروق الفردية التي تجبر المعلم على التنويع في طرائق تدريسه؛ فمثلاً حينما يكون نمط المتعلم حسياً نتبع الطريقة المعتمدة على الحس-عبر الوسائل السمعية والبصرية-، حينما يكون نمطه حركياً يستهويه اللعب توظف الألعاب اللغوية في أنشطة التعبير، وأن تتيح الطريقة للتلميذ اختيار أفكاره في الموضوع المتناول كذلك اللغة التي يعبر عنها وألا نفرض عليه خطاً فكرياً معيناً، بالإضافة إلى مساعدة  الطريقة التلميذ على استثمار فرص التعبير المواتية في مختلف الأنشطة اللغوية، وأن تربط الطريقة بين تعبيره وقراءته؛ بحيث تكون الموضوعات المختارة موصولة بنشاط قرائي سابق أو حافزاً لنشاط قرائي جديد يهدف لتزويد المتعلم بالجديد من الخبرات والمهارات التعبيرية مع تنمية ما مرَّ منها، وأن يظهر المعلم فيها نموذجاً لتلاميذه في التزامه اللغة وترتيب أفكاره، وفي دقه استخدامه للغة(حسن جعفر الخليفة، 2004: 252)

وثمة أسس علمية أخرى تتعلق باختيار طريقة التدريس المناسبة لتدريس التعبير يري الباحث ضرورة مراعاتها، وهي أسس استمدها من تصور ينطلق فيه من إطار فكري يرى من خلاله أن نظريات تعلم اللغة تفرض على القائمين بتعليم اللغة بشكل عام والتعبير بشكل خاص اختيار طريقة التدريس التي تناسب تفسيرها لتعليم وتعلم التعبير، وهذه النظريات هي:

أولا: تبنى نظرية من نظريات التعلم عند اختيار طريقة التدريس المناسبة للتعبير:

شهدت الآونة الأخيرة تغيرات جذرية في تفكير الناس واتجاهاتهم نحو تعليم اللغة؛ حيث تؤكد العديد من البحوث والدراسات والتطبيقات الميدانية التي أجريت في هذا الميدان أهمية النظر إلى دروس تعليم اللغة كمدخل لتشكيل أو تنمية مهارات الاتصال اللغوي لدى الناشئة، وتبنت لتحقيق هذا الغرض العديد من نظريات التعلم التي فسرت من خلالها عملية تعليم وتعلم اللغة وبخاصة التعبير، ومنها:

1: النظرية السلوكية Behavioral Theory: يرى أصحاب هذه النظرية أن السلوك – بما في ذلك السلوك اللغوي – ارتباط بين مثير واستجابة، وبالتالي يكون المعنى هو الارتباط القائم بين المثير القادم من العالم الخارجي والاستجابة اللفظية للفرد، وهذه النظرية تتفق مع أصحاب النظريات البيئية التي تهتم بالجوانب البيئية في تفسير السلوك الإنساني(أحمد مختار، 1998: 61). ويذهب علي أحمد مدكور(2009: 957)إلى أن النظرية السلوكية لم تبدأ حديثا مع السلوكيين في القرن العشرين وإنما تمتد جذورها عبر التاريخ إلى ابن خلدون المتوفى سنة 727هـ وإلى نظريته المسماة "الملكة اللسانية".

2: النظرية المعرفية Cognitive Theory: تشير النظرية المعرفية إلى تصور نظري لتعليم اللغات يستند إلى الفهم الواعي لنظام اللغة كشرط لإتقانها، وأن الكفاية اللغوية سابقة على الأداء اللغوي وشرط لحدوثه(رشدي أحمد طعيمة، 2000: 398).

وتعد هذه النظرية التعليم عملية عقلية بنائية نشطة يقوم فيها المتعلم بدور إيجابي في اكتساب المعرفة بوجه عام والمعرفة اللغوية بشكل خاص، وكذلك في تذكرها وتوظيفها فهم مشاركون في خبرات التعلم ليسوا مستقبلين وحسب بل يبنون معرفتهم ويبذلون الجهد ويعيدون تنظيم معرفتهم السابقة لتحقيق استبصارات جديدة. والمتعلمون في ضوء هذه النظرية ليسوا صحفا بيضاء تسطر فيها ما تشاء لكن لديهم بنية معرفية ويقومون بدور إيجابي في عمليات بناء المعرفة وتحصيلها وتخزينها ومعالجتها(فايزة السيد، 2009: 35).

3: النظرية البنائية Constructivism: ينطلق أصحاب هذا الاتجاه من أن سلوك الفرد يكون محكوما ببنائه المعرفي، ويصبح ما لدى الفرد من معرفة مؤثرا بدرجة كبيرة على ما يمكن أن يضيفه المتعلم إلى بنيته المعرفية، وبالتالي على ما يمكن أن يكتسبه أو يتعلمه، أي أن ما يتعلمه الفرد يعتمد على ما يعرفه فعلا، والطريقة الرئيسة للحصول على معلومات جديدة تضاف إلى البناء المعرفي هي أن يقوم الفرد بتمثيل واستيعاب هذه المعلومات على أنها جزء من بنائه المعرفي في عملية احتواء أو دمج ينشأ عنها ما يمكن تسميته بالبناء الثانوي الذي يهتم بعملية ربط الفكرة الجديدة أو المعلومة الجديدة بما هو موجود لدى الفرد من معلومات وأفكار(أنور الشرقاوي، 1998: 138).

وقد انبثق عن البنائية عدة نماذج، وطرائق تدريس، واستراتيجيات تدريس قام بعض الباحثين بتجريبها في تدريس التعبير من أجل الوقوف على فعاليتها في تنمية الأداء اللغوي لدي الطلاب، ومن هذه الاستراتيجيات استراتيجية التعلم المتمركز حول المشكلة، التعارض المعرفي، استراتيجية المنظومات المفاهيمية، وطريقة المهام وغير ذلك.

ثانيا: تبني نموذج من نماذج تفسير التعبيرComposition Models: هناك عدة نماذج تعليمية قدمها التربويون عند تفسيرهم للتعبير، وقد انعكس تأثير هذه النماذج على اختيار طريقة التدريس المناسبة للتعبير وفق الرؤى المختلفة لعملية التعبير ذاتها، وطبيعته، وأنواعه، وأهداف تعليمه؛ فمنهم من ينظر إلى التعبير على أنه إنتاج للفرد، ومنهم من يرى أن التعبير عمليات عقلية وذهنية يقوم بها، وأخيراً يأتي التفسير التفاعلي للتعبير، وذلك علي النحو التالي:

1: التعبير كمنتج Product: ركزت هذه النماذج على المنتج النهائي للتعبير، ورأت أن تدريس التعبير يجب أن يتم التركيز فيه على هذا المنتج في شكله النهائي، أياً كان نوعه مقالاً أم تقريراً، أم قصة وكل ما يمكن إنتاجه تحدثا أو كتابةً، وقد كان التركيز على هذا المنهج من حيث: مقابلة النموذج الأصيل للغة، وانعكاس القواعد في موضوع التعبير، وتوافقاً مع بصيرة المستمعين والقراء. كما تركز هذه النماذج في تدريسها للكتابة على القواعد الإملائية، وجمال الخط، وصحة العبارات النحوية والصرفية، بشكل أكبر، وأهملت جوانب العمليات العقلية للكتابة(فايزة السيد،2009: 34).

2: التعبير كعملية  Process: تنتمي هذه النماذج إلى علماء النفس المعرفيين والبنائيين، وقد ظهرت نتيجة للتطور في بحوث التحدث والكتابة في مجال علم النفس، ويركز أصحاب هذه النماذج على المحتوى والرسالة، والدوافع الداخلية للمتحدث وللـــكتابة، وهو ما يسمى أو ما يصطلح عليه بعمليات التحدث Speaking Processes، وعمليات الكتابةWriting As a Process. لقد تحولت النظرة إلي التعبير من كونه منتجا نهائيا إلي كونه عملية عقلية، تتمثل في أن الفرد لا يسأل نفسه سؤالا واحدا عن الغرض والجمهور المستهدف من الموضوع، ولكنه يسأل نفسه كيف أتحدث كيف أكتب هذا؟ وكيف أبدأ، حيث يقوم كل من المتحدث أو الكاتب بإجراء مناقشات عن كيفية البدء وكيفية تنظيم المهمة على النحو التالي(علي مدكور، 2009: 111):

3: التعبير باعتباره عملية تفاعلية Interactive Process: ترى هذه النماذج أن اللغة نتاج تفاعل العوامل الفطرية مع العوامل البيئية، دون الفصل بينهما أو تفضيل عامل على آخر. ويمكن القول: بأن اللغة نتاج لكل ما سبق، مع الاهتمام بجانب التفاعل والتأثير والتأثر القائم بينها، فلا يمكن أن نصل إلى المعنى بواحدة منها دون الأخرى، مما يجعل تدريس التعبير يركز على تلك التفاعلية في جميع مكوناته، خاصة في الأنشطة التعليمية.

ثالثا: تبنى مدخل من مداخل تعليم اللغة: يعرف المدخل بأنه مجموعة من المسلمات أو المنطلقات والافتراضات المسلم بصحتها بين أهل الاختصاص في التدريس، والتي تترابط فيما بينها بعلاقات وثيقة، بعضها يرتبط بطبيعة المادة، وبعضها يرتبط بعمليتي التعليم والتعلم(فايزة السيد، 2009: 31). وهناك العديد من مداخل تعلم اللغة، يعتمد كل واحد منها على نظرية لغوية أو نفسية أو هما معا الأمر الذي ينعكس على اختيار طريقة التدريس المناسبة للتعبير ومن هذه المداخل المدخل الوظيفي، المدخل الإيحائي ، ومدخل الوعي الأدبي وغير ذلك .

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 525 مشاهدة
نشرت فى 3 أغسطس 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,659,987