الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

authentication required

تحظي القيم والأخلاق بمنزلة سامية في الإسلام، حيث جعلها مناط العمل وقبوله عند الله – تعالي- كما جعلها مناط المسئولية والثواب والعقاب في الدنيا والآخرة، فيعاقب الله- تعالي- المفسدين بالهلاك في الدنيا، وبسوء العاقبة وأشد العذاب في الآخرة، قال تعالي:

 " ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين" ( سورة يونس: 13) .

        ويكفي القيم والأخلاق شرفاً أن الله – تعالي – جعلها صفة تهذيب وتعليم لسيدنا محمد- r - فقال تعالي: " وإنك لعلي خلق عظيم" (سورة القلم: 4)، كما جعلها مناط حب الناس واحترامهم، وسبب تعلقهم والفهم عن رسول الله - r - فقال تعالي: " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو  كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل علي الله إن الله يحب المتوكلين " (سورة آل عمران : 159).

        وجعلها الرسول الكريم- r - جوهر رسالته، وقصر بعثته إلي الناس في تحقيقها وهدايتهم إليها، فقال r : " إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق" (رواه أحمد ، حديث رقم 381) وحثنا علي أن نتخلق بقيم الله – تعالي- في قوله: " تخلقوا بأخلاق الله" (رواه مسلم) ، وأخبرنا أن التحلي بها من تمام الإيمان، فقال: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً" (رواه الترمذي، حديث رقم 1162) ، كما جعلها ضابطاً تحكم سلوك المسلم علي المستوي الفردي والجماعي، فقال: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن، (رواه الترمذي، حديث رقم 1987)، بل وتحكم هذه القيم سلوكه إزاء الكائنات جميعاً ، فعن سيدنا عبدالله بن مسعود -  t - قال: كنا مع رسول الله - r - في سفر فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تفرش فجاء النبي - r - فقال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها، ورأي قرية نمل قد حرقناها، فقال : " من حرق هذه؟" ، قلنا: نحن ، قال: " إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار" (رواه أبو داود، حديث رقم 2675)، وكان r مثلاً أعلي يحتذي في التحلي بالقيم والأخلاق، فعن سيدنا أنس - t - قال: "كان النبي - r - أحسن الناس خلقاً" (رواه مسلم، حديث رقم 2150).

ويرجع اهتمام الإسلام بالقيم والأخلاق؛ لأنها تعطي للحياة معني، سواء في ذلك حياة الناس كأفراد أو كجماعات، حيث تبدو أهميتها للفرد في أنها "تحقق له الإحساس بالأمان، فهو يستعين بها في مواجهة ضعفه ، وفي مواجهة التحديات التي تواجهه، وتعطيه فرصة للتعبير عن نفسه، مؤكداً ذاته عن فهم عميق لها، كما أنها تعمل علي ضبط شهواته ومطامعه كي لا تتغلب علي عقله ووجدانه، لأنها تربط سلوكه وتصرفاته بمعايير وأحكام يتصرف في ضوئها وعلي هديها في الحكم علي الخطأ والصواب، والحسن والقبيح، والخير والشر" (الصاوي أحمد، 2005م، 32)(*) ، " وتدفعه إلي إتقان العمل، وتحميه من بعض الأمراض النفسية التي قد تصيبه في مشوار حياته، سواء أكانت من ذاته، أم من الآخرين، وتقدم له الخلفية الأساسية لفهم ما يجري من حوله، وفهم الحياة فهماً صحيحاً ، وتفتح أمامه الباب، لتحقيق المكاسب المناسبة والسريعة، سواء كانت هذه المكاسب: مادية أم معنوية، وتشعره بإنسانيته، وترقي به إلي المستويات التي لا تتحقق إلا بين بني البشر ، وتدفعه لأن يضحي في سبيلها، ويزود عنها بكل ما أوتي من قوة"

    (إبراهيم عطا، 2002م، 46- 47).

        كما تبدو أهمية القيم والأخلاق للمجتمع في أنها "تحفظ له تماسكه، فتحدد أهداف حياته ومبادئه الثابتة المستقرة التي توفر له هذا التماسك والثبات اللازمين لممارسة حياة اجتماعية سليمة، وتساعده علي مواجهة التغيرات التي تحدث فيه بتحديدها الاختبارات الصحيحة التي تسهل علي الناس حياتهم، وتحفظ للمجتمع استقراره وكيانه في إطار موحد، كما أنها تربط أجزاء ثقافة المجتمع بعضها ببعض حتي تبدو متناسقة، وتعمل علي إعطاء النظم الاجتماعية أساساً إيمانياً وعقلياً يصبح عقيدة في ذهن أعضاء المجتمع المنتمين والمتفاعلين بهذه الثقافة، وتزوده بالصيغة التي يتعامل بها مع العالم، وتضع له أهدافاً ومبررات وجوده، وبالتالي يسلك في ضوئها، وترشده إلي المثل العليا التي يسعي جميع أعضاء الجماعة للوصول إليها" (علي أبو العينين، 1988 م ، 36-37).

        وقد حدد الإسلام الغاية من التزام المسلم قواعد الأخلاق والتحلي بالقيم في اكتساب مرضاة ربه – عز وجل – مما يحقق الصلاح والفلاح بين أفراد المجتمع الإنساني قال تعالي: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً" (سورة النساء:114) وبذلك يؤدي التمسك بالقيم إلي الفوز بالسعادة في الدنيا والآخرة.

        ومن خلال هذه الأهمية التي تحظي بها القيم والأخلاق في الإسلام يتضح دور مناهج التربية الدينية في إكساب المتعلمين هذه القيم والأخلاق باعتبارها المادة الدراسية المنوط بها تحقيق هدف الإسلام في تنشئة أبنائه علي عقيدته ومبادئه وقيمه ومثله، وفي التسامي بفطرتهم إلي الغاية التي رسمها لهم" (حسن شحاتة،1991،5)  وذلك في جميع المراحل التعليمية بصفة عامة، وفي المرحلة الابتدائية بصفة خاصة، حيث تعد مرحلة الطفولة " هي أهم مرحلة في حياة الإنسان، ففيها تتشكل شخصيته بجوانبها المختلفة: الجسيمة ، والعقلية، والنفسية، والاجتماعية ، وأي تقصير في تربية الطفل في الصغر يؤدي إلي نشوئه علي عوج، ثم يعجز الأب والأم والمجتمع بعد ذلك عن تقويم هذا العوج، وبالتالي ينشأ الطفل الضعيف الإيمان فاسد الأخلاق ضاراً بالمجتمع " (أبو بكر دكوري، 2006، 104) ويأتى هذا مصداقاً لقول  الرسول - r - "ما نحل والد ولده نحلة أفضل من أدب حسن" (رواه الترمذي، حديث رقم 1953).

        ومن ثم، فالطفل في هذه المرحلة يحتاج إلي "قيم تربوية عديدة نغرسها فيه ونرشده إليها ونرغبه فيها، وقيم أخري سلبية نحذره منها ونرغبه عنها حتي يتجنبها، لأن جميع تلك القيم مرتبطة بعضها ببعض، وهي إما أن تبني أو تهدم شخصيته، وهي الأسس الرئيسة في بناء شخصية هذا الطفل، كبناء القيم العقدية، والقيم الروحية، والقيم النفسية، والقيم التربوية والتعليمية والمعرفية العلمية، والقيم الاجتماعية، والقيم الفكرية والعقلية ، والقيم الثقافية، والقيم المهنية، والقيم الترويحية، والقيم الفنية والقيم الجسمية، والرياضية والصحية، وكيفية استثمار ذلك من خلال علاقته بالبيئة المحيطة كعلاقته مع ربه- تعالي- وعلاقته مع نفسه، وعلاقته مع والديه، وعلاقته مع إخوانه، وعلاقته مع أصحابه وأصدقائه، وعلاقته مع جيرانه، كما يجب الاهتمام بالقيم الإسلامية وغرسها في سلوكيات الطفل وعدم إهمال قدراته؛ وذلك لمواجهة تحديات العصر وتحقيق طموحاته المستقبلية من خلال الانفتاح الواعي والمتزن على التوجهات الإسلامية والتربوية والاجتماعية والثقافية والتي تجمع بين الأصالة والتجديد، وتطبيقاتها العملية المتعددة والمتنوعة، فهذا العصر هو عصر التسابق الحضاري الذي تعتبر فيه الطفولة أثمن الثروات المخزونة والرصيد المستقبلي ورأس المال الحقيقي والفعلي لحركة مسيرة البناء والإنماء الحضاري" (علي اليعقوب، 2006، 141- 142). 

المصدر: د سيد سنجي
  • Currently 21/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
7 تصويتات / 4441 مشاهدة
نشرت فى 9 يونيو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,643,466