الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

authentication required

  لقد تباينت أراء الباحثين والكتاب في موضوع الجودة في تحديد المبادئ التي تستند عليها الجودة،بحيث تورد بعض المبادئ كمتطلب ،أو يذكر المتطلب كمبدأ لإدارة الجودة الشاملة إلا أن هناك بعض المبادئ أتفق عليها ، وعند النظر في هذه المبادئ نجد أن لها أصول إسلامية واضحة تبرز من خلال بعض الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية الشريفة ، والتطبيقات الفعلية التي وردت في سيرة المصطفى r  وتتلخص المبادئ فيما يلي(75):

1-  وضوح أهداف المؤسسة ورسالتها :

    وتعرف أهداف المدرسة ورسالتها بأنها: الغرض الذي من أجله وجدت المدرسة ، وهي : هوية المدرسة ، ومبررات وجودها ، والتوجهات والخدمات التي تقدمها .وإجرائياً هي تحديد الغايات والأنشطة التي تقدمها المدرسة بشكل واضح وقابل للتغيير يتوائم مع أهداف الجودة الشاملة في التعليم في الإسلام وبالتركيز على المستفيدين من العملية التعليمية .فوضوح الأهداف يساعد على الرؤية السليمة لكافة الإجراءات والجهود المبذولة لقوله تعالى(الملك 22)

  ولقد تقدم الحديث عن الأهداف ووضوح الرسالة والهدف في المنظور الإسلامي وكيف تنبثق أهداف المدرسة ورسالته من الغايات العظمى للحياة الإنسانية، وتساعد على تحديد العمليات ، والأدوار ،والمعايير التي يتم تقييم العمل وفقاً لها .ومن ثم تسهل وضع السياسات والبرامج في ضوء تحليل معمق للبيئة الداخلية والخارجية باعتماد تحليل نقاط الضعف والقوة  في البيئة الداخلية والفرص والمخاطر في البيئة الخارجية لغرض وضع الخطط الشاملة بالشكل الذي يوفر قابلية دعم للميزة التنافسية للمؤسسة التعليمية .  

2-التركيز على المستفيد(العميل) :

  فالجودة هي ترجمة لاحتياجات وتوقعات المستفيدين من العملية التعليمية سواء كانوا مستفيدين داخليين (الطلاب)،أو مستفيدين خارجيين(أولياء الأمور) إلى خصائص محددة تكون أساساً في تصميم الخدمات التعليمية وطريقة أداء العمل في المؤسسة من أجل تلبية توقعات المستفيدين والسعي لتحقيقها  وتحقيق رضاهم ،حيث دعا الإسلام إلى حسن التعامل مع المستفيدين أثناء تقديم الخدمة، فالجودة بدايتها بالمستفيد ونهايتها بالمستفيد، بحيث يطور كل فرد في النظام علاقة طيبة مع العميل المستفيد من الخدمة .

ففي الحديث عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: ( رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى) (76).

    وقد كان الرسول r يتلمس حاجات أصحابه وأفراد أمته ثم يرشدهم إلى ما فيه صلاحهم ، وينفذ ما فيه مصلحة الأفراد والمجتمع . ففي غزوة بدر عندما وجد رسول الله r بين الأسرى من يجيد الكتابة ، جعل فدية من لا يستطيع فداء نفسه أن يعلم عشرة صبيان من المسلمين ، وكان فداء الرجل أربعة الآلاف ، ولكن حرص الرسول في ذلك الوقت على الكتابة أكثر من المال وذلك لحاجة أبناء المسلمين لها(77).

   وفي الحديث : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: قَالَ رَجُلٌ : لَأَتَصَدَّقَنَّ اللَّيْلَةَ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ زَانِيَةٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ غَنِيٍّ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى غَنِيٍّ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ وَعَلَى سَارِقٍ فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ أَمَّا صَدَقَتُكَ فَقَدْ قُبِلَتْ أَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا تَسْتَعِفُّ بِهَا عَنْ زِنَاهَا وَلَعَلَّ الْغَنِيَّ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ وَلَعَلَّ السَّارِقَ يَسْتَعِفُّ بِهَا عَنْ سَرِقَتِهِ) (78). وهنا وقع القبول للصدقة بالرغم من أنها في غير موضعها لأنها كانت فيها تحقيق نفع لمن قدمت له حتى لو لم يكن النفع مادي.

3-الالتزام بالتحسين المستمر:

  ويشمل التحسين جميع عناصر العملية التعليمية ، وجميع وحدات العمل في المؤسسة ، وهو تعهد استراتيجي ثابت من قبل جميع العاملين في المؤسسة بتأمين الجودة ،فالإحسان في العمل مبدأ أساسي في الإسلام حيث يقوم كل عامل بتأدية عمله على أكمل وجه وبأفضل السبل المتاحة لقوله تعالى : (الكهف 7)  وفي الحديث عن كليب (إن الله تعالى :يحب من العامل إذا عمل أن يحسن) (79).

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي r قال : ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) (80)

فالمعرفة متجددة والمدير والموظفين في المؤسسة يحتاجون إلى تحسين أدائهم ، والتعرف على كل جديد في مجال عملهم عن طريق الدورات والبرامج التأهيلية للمعلمات ، والجهاز الإداري في المؤسسة .كما أن التحسين المستمر يجب أن يكون لجميع أعمال المؤسسة ومرافقها .من منطلق قوله تعالى (التوبة 105)  ولتحقيق التحسين المستمر للعمل عني الإسلام بتنمية كفاءة العاملين عن طريق تزويدهم بالمعلومات والمهارات اللازمة ،لإنجاز أعمالهم بجودة عالية ، فقد حث الإسلام على التزود من العلم بصفة مستمرة لقوله تعالى(طه 114) كما أكد الإسلام على ضرورة تدريب العاملين مع احتياجاتهم الوظيفية فقد كان المسجد النبوي أول معهد للتدريب ، فعن علي  رضي الله عنه قال : "بعثني رسول الله r إلى اليمن ، قال: فقلت يا رسول الله تبعثني إلى قوم أسن مني وأنا حديث لا أبصر القضاء قال فوضع يده على صدري ،وقال:( اللهم ثبت لسانه ، وأهد قلبه، يا علي إذا جلس إليك الخصمان فلا تقضي بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء ).قال : فما اختلف علي قضاء بعد أو ما أشكل علي قضاء بعد " (81).إن التحسين المستمر في ظل الجودة الشاملة يتجلى في قدرة التنظيم على تصميم وتطبيق نظام إبداعي يحقق باستمرار رضا المستفيدين من العملية التعليمية وذلك من خلال السعي المتواصل للوصول إلى الأداء الأمثل من خلال تحقيق الآتي :

-تحسين الإنتاجية والفاعلية في استخدام الموارد .

-تقليل الأخطاء ، والوحدات المعيبة والضياع .

-تقديم منتجات جديدة وتحسين استجابة المؤسسة في وقت قياسي.

وقد تواترت المواقف النبوية التي تشير إلى متابعته r لأصحابه ، وتأكيده على تحسين الأداء والتأكيد على أنه  عملية مستمرة  ففي الحديث عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r   قَالَ : (سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ) (82).

4-التنظيم (النظام الوقائي) : والتركيز على الوقاية بدلاً من التفتيش ؛بأن تبادر إدارة المؤسسة إلى معرفة المشكلات وتتوقعها قبل وقوعها وتضع الأنظمة الوقائية التي تمنع حصولها ،ولقد اهتم الإسلام بالنظام الوقائي بوضع أساليب تمنع وقوع الأخطاء والمشكلات أثناء تأدية العمل حيث دعا إلى تنظيم نشاطات العاملين وفق ضوابط ومعايير محددة يلتزم بها العاملون أثناء تأدية العمل .والعمل على تنمية الرقابة الذاتية لدى الأفراد ،من منطلق قوله تعالى:(الأسراء 13)   مما يدل على رقابة الله على عباده ، وغرس الرقابة الذاتية كأسلوب لضبط السلوك لكي يؤدي العامل عمله بإخلاص وإتقان على أساس من تقوى الله سبحانه وتعالى وخشيته .

وقد أقر الإسلام الرقابة الخارجية (الرئاسية) نظراً لاختلاف العاملين في إعدادهم وخبراتهم وقدراتهم الخاصة ، فحرص على وضع معايير ، ونظم رقابية، ومحاسبية ، بحيث يقلل من حدوث الأخطاء، ويحد من حدوثها ؛وذلك من منطلق الحديث عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) (83) .

وقد ورد في الحديث عن أبي حميد الساعدي قال : استعمل رسول الله r رجلاً من الأسد يقال له ابن اللتبية ، فلما قدم قال : هذا لكم وهذا أهدي إلي. قال : فقام رسول الله r على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه . وقال : ( ما بال عامل ابعثه فيقول : هذا لكم وهذا أهدي لي ! أفلا قعد في بيت أبيه أو بيت أمه حتى ينظر أيهدي إليه أم لا ؟ والذي نفس محمد بيده ، لا ينال أحد منكم منها شيئاً إلا جاء يوم القيامة يحمله على عنقه ، بعير له رغاء أو بقرة لها خوار ،أو شاة تيعر) . ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه. ثم قال : اللهم هل بلغت ؟" مرتين ) (84)

  فالأخطاء التي تبرز في عمل المؤسسة قد تكون ناتجة عن طبيعة النظام المعمول به هناك ، وليس بالضرورة لأسباب تتصل بالأفراد العاملين أنفسهم..فقد كان رسول الله r وخلفاؤه الراشدون يراعون في تقدير الأجر والأعباء العائلية للفرد العامل وصعوبة العمل ومستوى غلاء المعيشة في المناطق المختلفة من الدولة الإسلامية ،وكان الرسول r يعطي المتزوج من الجند حظين والأعزب حظاً واحداً من الفيء ، وفي الحديث عن المستورد بن شداد كان يقول r : ( من ولي لنا عملاً وليس له منزلاً فليتخذ منزلاً ، أو ليس له زوجة فليتزوج أو ليس له دابة فليتخذ دابة فمن أصاب شيء سوى ذلك فهو غال أو سارق ) (85). وذلك من باب الوقاية لكي لا يستغل الموظف وظيفته استغلال سيئاً نظراً لحاجته .

5-المشاركة وتفويض الصلاحية : ويقصد بالمشاركة وتفويض الصلاحية للعاملين تفعيل دورهم بطريقة تشعرهم بالأهمية وتحقيق الاستفادة الفعلية من إمكاناتهم والمشاركة المقصودة هنا هي المشاركة الجوهرية وليست الشكلية،إذ يفترض أن تحقق المشاركة أمرين : الأول تزيد من إمكانية تصميم خطة أفضل ، والثاني : تحسين من كفاءة صنع القرارات من خلال مشاركة العقول المفكرة والقريبة من مشاكل العمل .

  إن نجاح الجودة الشاملة يعتمد على مشاركة العاملين في المؤسسة مع الإدارة العليا في اتخاذ القرارات، وتنفيذ الأعمال مما يجعل الأفراد يحسون بأهميتهم ومساهمتهم في تنفيذ الأعمال وإنجاحها ،لأنهم سيعتبرونه نجاح لهم.وذلك من منطلق قوله تعالى:  (الشورى 38)

 أما تفويض الصلاحية فهي لا تعني فقط المشاركة بل يجب أن تكون مشاركة الأفراد بطريقة تمنحهم صوتاً حقيقياً عن طريق هياكل العمل والسماح للعاملين بصنع القرارات التي تهتم بتحسين العمل داخل أقسامهم الخاصة . فبدون المشاركة وتمكين العاملين .وتوزيع الصلاحيات ،والمهام ، وإعطاء الفرص لرفع الروح المعنوية لفريق العمل والإخلاص الثابت ، والملموس من الجميع لجعل مبادئ الجودة الشاملة وممارساتها جزءاً لا ينفصم من ثقافة المؤسسة فإن كافة الجهود المبذولة محكوم عليها بالفشل .

فقد ورد في السيرة أن الرسول r  أوجد لكل طاقة ما يناسبها من عمل ، ووزع المسؤوليات ففي عهده r تولى علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان كتابة الوحي ، كما كان يقوم بذلك أثناء غيابهما أبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ،وكان الزبير بن العوام وجهيم بن الصلت يقومان بكتابة أموال الصدقات ، وكان حذيفة بن اليمان يعد تقديرات الدخل من النخيل ، وكان المغيرة بن شعبة والحسن بن نمر يكتبان الميزانيات والمعاملات بين الناس . وزيد بن ثابت كان يكتب مراسلات الحكام والولاة بلغات مختلفة (86).  وقد حرص الرسولr بتوضيح تلك المزايا والصلاحيات فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ) (87). 

وقد سار الصحابة رضوان الله عليهم على نهجه r فقد ورد أن عمر بن الخطاب خطب في الناس بالجابية فقال : ( من أراد أن يسأل القرآن فليأت أبي بن كعب ، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت ، ومن أراد أن يسأل الفقه فليأت معاذ بن جبل ، ومن أراد أن يسأل المال فليأتني فإن الله سبحانه وتعالى جعلني خازناً قاسماً ) (88).

  كما دعا الإسلام إلى إشراك العاملين في اتخاذ القرارات من أجل الإفادة من قدراتهم الإبداعية من خلال تأكيده على مبدأ الشورى لقوله تعالى   (آل عمران 159) وهنا تأكيد على قيمة التوكل على الله  لا على المشورة ؛ففيها توفيق الله وإرشاده إلى حقيقة المشورة وصدقها (89) فالمشورة سبب والسبب لا بد أن يقترن بالتوكل والاعتماد على الله والتوكل على الله لا بد أن يعقل بالأسباب ليسير الإنسان على هدى الله في حياته وأعماله.عملاً بما جاء في الحديث الشريف عن أنس بن مالك يقول : "قال رجل : يارسول الله أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل قال: (اعقلها وتوكل) (90) .

6-التحفيز : ولشحذ همم العاملين لتأدية العمل بجودة عالية ، وضع الإسلام نظاماً للتحفيز يقوم على مكافأة العاملين المتميزين في تأدية أعمالهم،فالتشجيع والتحفيز للعمل الصالح مبدأ رباني يتضح في قوله تعالى  (النجم 39-41)  فوجود حافز للعمل شيء أساسي في تحسين العمل بحيث يزيد المحسن إحساناً ويشجع المقصر على التحسين والتطوير من منطلق قوله تعالى : (الكهف 30) فتقديم التشجيع والتحفيز المادي والمعنوي للأفراد ضروري ،وأن تكون هذه الحوافز مستمرة ، وواضحة الأهداف،وأن يحسن اختيار الزمان والوقت لإعطاء الحافز،وأن يكون الحافز مناسباً لشخصية العامل وحاجته ، لكي يقع الحافز موقعاً جيداً للمقدم له. لذلك ربط الإسلام الحوافز بمعدلات أداء العمل قال تعالى (الزلزلة 7-8) . ودعا الإسلام أن تكون الحوافز ملائمة لاحتياجات ورغبات العاملين فعن المستورد بن شداد رضي الله عنه قال سمعت رسول الله r : يقول : ( من ولي لنا عملاً فلم يكن له زوجة فليتزوج ،أو خادماً فليتخذ خادماً ،أو مسكناً فليتخذ مسكناً ،أو دابة فليتخذ دابة ، فمن أصاب شيئاً سوى ذلك فهو غال أو سارق ) (91) . وحرص الإسلام بأن تكون الحوافز محددة ومعلومة مقدماً للعاملين مع وجوب الوفاء الفوري بها حتى يكون لها تأثيرها على مواصلة العاملين لأعمالهم بجودة عالية .فعن حماد بن سلمة عن يونس عن الحسن "أنه كره أن يستأجر الرجل حتى يعلمه أجره"(92) .وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله r : (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) (93)

  ولأهمية موضوع الحوافز وتأثيره على عجلة الإنتاج والتنمية فقد اهتم الباحثون برصد مجموعة من العوامل التي تؤثر على تحفيز الناس للعمل منها عوامل ذاتية مثل: الحصول على علاوة في المرتب ، أو وجود علاقات طيبه مع المشرفين ،أو وجود أمان وظيفي ... ، وعوامل تحفيزية مثل:أن يرى الشخص نتيجة عمله ، تلقي الثناء والمديح ، التكليف بمسؤوليات أكثر(94) ،وقد حصر الطويرقي أساليب التحفيز الإداري الفعال التي استخدمها الرسول r وصحابته الكرام(95) في الحوافز المادية :مثل توزيعه r الغنائم بعد الغزوات مباشرة بعد أخذ الخمس،والحوافز المعنوية :مثل :تشجيعه r أصحابه بالكلمات التشجيعيه مثل: "ربح البيع صهيب ،ربح البيع صهيب" ،وقوله :"اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة" وكان أكثر ما يستخدم المصطفى r الحوافز المعنوية حين يرى أن الأمر يحتاج إلى تشجيع وأن هناك من يستحق ذلك حقيقة لا مجاملة فيها  (96).

7- مداومة الاتصال بالمستفيدين (التغذية الراجعة ):

   وهي الطريقة التي يستخدمها شخص للتأثير على شخص أخر لتغيير أو لتعديل فكره أو سلوكه . وهي اتصال بين شخصين أو مجموعتين يبين لكل منهما كيف يؤثر على الآخر .والتغذية المرتدة تمكن قائد الفريق أو الإدارة من أن يصبح على دراية :بالمشاكل الداخلية قبل أن تستفحل خطورتها ، وشكاوى فريق العمل ، أو صوت العمليات، وشكاوى المستفيدين من الخارج ، أو صوت البيئة الخارجية المستفيده (97). فمن الضروري تقييم سير العمل داخل المؤسسات التعليمية ، والحصول على التغذية الراجعة من جانب المساهمين من أولياء الأمور والطلبة وأفراد المجتمع لتحديد مستوى جودة المنتجات والخدمات الواجب استيفاؤها ، واستخدام الموظفين المدربين لتطوير هذه المنتجات والخدمات بما يرضي المستهلك إلى أقصى درجة ممكنة ، ويحقق أهداف العملية التعليمية. وقد عرف عن النبي r وأصحابه متابعتهم المستمرة للعمل وحرصهم على إتقانه بدليل ما ورد في حديث المسيء صلاته عن رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ t قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ r جَالِسٌ وَنَحْنُ حَوْلَهُ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَأَتَى الْقِبْلَةَ فَصَلَّى فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَعَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r : ( وَعَلَيْكَ اذْهَبْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ) فَذَهَبَ فَصَلَّى فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ r يَرْمُقُ صَلَاتَهُ وَلَا يَدْرِي مَا يَعِيبُ مِنْهَا فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ rوَعَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r  وَعَلَيْكَ اذْهَبْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِبْتَ مِنْ صَلَاتِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إِنَّهَا لَمْ تَتِمَّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ...) (98).

  وقد حرص الإسلام على مداومة الاتصال بالمستفيدين لمعرفة ردود أفعالهم عن مستوى جودة الخدمات التي تقدم لهم ، ومعرفة احتياجاتهم ورغباتهم والعمل على تحقيقها فقد ورد في الحديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ t أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ مُوسَى بِمَا صَنَعَ قَوْمُهُ فِي الْعِجْلِ فَلَمْ يُلْقِ الْأَلْوَاحَ فَلَمَّا عَايَنَ مَا صَنَعُوا أَلْقَى الْأَلْوَاحَ فَانْكَسَرَتْ ) (99).

   وقد حذر الرسول r من عدم المتابعة ومعرفة حاجات ورغبات  المستفيدين في الحديث عَنْ أَبِي الشَّمَّاخِ الْأَزْدِيِّ عَنِ ابْنِ عَمٍّ لَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r أَتَى مُعَاوِيَةَ t فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ :سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : (مَنْ وَلِيَ أَمْرًا مِنْ أَمْرِ النَّاسِ ثُمَّ أَغْلَقَ بَابَهُ دُونَ الْمِسْكِينِ وَالْمَظْلُومِ أَوْ ذِي الْحَاجَةِ أَغْلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى دُونَهُ أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ عِنْدَ حَاجَتِهِ وَفَقْرِهِ أَفْقَرُ مَا يَكُونُ إِلَيْهَا) (100).

وسار على نهجه الصحابة رضوان الله عليهم ،فعرف عن عمر بن الخطاب t متابعته المستمرة لولاته ، فقد أخرج البيهقي وابن طاووس أن عمر t قال : أرأيتم إن استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمر بالعدل أقضيت ما علي ؟ قالوا : نعم قال : لا حتى أنظر في عمله أعمل بما أمرته أم لا. وذلك حرصاً منه t على الجودة ومتابعة العمل .

 

 

المصدر: بدرية صالح
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 330 مشاهدة
نشرت فى 8 يونيو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,661,923