الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

     يستخدم مصطلح المعرفية Cognitive كمظلة للعديد من النظريات التى تختلف فيما بينها فى الأسلوب أو الطريقة، وسوف يتم التركيز بصفة خاصة على نظريات معالجة المعلومات، وكذا النظريات البنائية وسيتم عرض هاتين النظريتين لأن كل منهما يهتم بما يحدث بين المثير والاستجابة فىعقل المتعلم وفيما يلى عرض لهذه النظريات:

أ ـ  نظريات معالجة المعلومات:

     يركز أنصار تلك النظريات على المتعلم، حيث يتم توجيه المتعلم إلى المهام التعليمية بصفة فردية ويقوم المتعلم فى كل مهمة تعليمية بتخصيص مجموعة من الخبرات القبلية والمعرفة الأولية والملاحظات الشخصية المتعلقة بالمهمة موضوع الدراسة، ويتوقع أن يختلف المتعلمون فى كل مجموعة عن باقى المجموعات فى كل من الاعتمادية والاستقلال والرقابة وأساليب ومهارات التعلم، ويتم المزج بين تلك العوامل لتؤثر على طريقة استجابة المتعلم للمادة المعروضة وإحساسه تجاه ذلك.

     وقد قدمت النظريات المعرفية نماذج مختلفة لمعالجة المعلومات لتوضيح كيفية حدوث التعلم يشمل أغلبها على ثلاث مراحل: التركيز الإنتقائى (الاختيارى) للمعلومات والخبرات الجديدة، المعالجة العقلية النشطة للمدخلات الجديدة باستخدام التعلم الأولى، هيكلة التعلم الناتج بما يمكن من الترميز بطريقة ذات معنى ومفيدة فى الذاكرة طويلة المدى.

وخلف هذا النموذج تقع النظرة للمعرفة كهياكل رمزية وافتراضية ترسخ فى الذهن ويمكن إيجاد الهياكل وتغييرها ومزجها كخطة من خلال عمليات ذهنية معينة، وينظر أنصارهذه النظرية إلى مشاكل التعلم على أنها مشاكل ناتجة من فقد المعلومات، وهذا يمكن أن يحدث عند نقطتين فى عملية المعالجة أولاً: طاقة التخزين المحدودة جداً للذاكرة قصيرة المدى تجعل من المستحيل أن يعطى المتعلم إجابات منطقية لعدد كبير من الأسئلة، ثانياً: يتم فقد المعلومات إذا ما بقيت معزولة فى الذاكرة طويلة المدى، وللاستفادة من المعلومات التى تمت معالجتها وترميزها (تشفيرها) فإنه يجب ربطها بالمعارف الأخرى المحفوظة فى الذاكرة طويلة المدى.

     ويقوم مفتاح التعلم الناجح على أساس جودة المعالجة فهذه المعالجة يجب أن ترتبط ارتباطاً نشطاً مع موضوع التعلم، وتتضمن نوعاً من التحويل للمعلومات الجديدة وهذا يمكن تحقيقه بتطبيق مهارات معرفية هامة مثل التركيب والتحليل لتحقيق التكامل بين المعلومات الجديدة مع المعلومات السابق اكتسابها والتى تم استدعاؤها اختيارياً من الذاكرة طويلة المدى، ويمكن للإطار المعرفى أو مجموعة المفاهيم المبدئية التى تشمل كلا من المعلومات الجديدة والقديمة أن تساعد بقوة فى هذا المجال.

     ومن الملاحظ أن هناك تبايناً واختلافاً بين قدرات المتعلمين فى اختيار ومعالجة المعلومات وترميزها فبعض الطلاب أفضل كفاءة فى التعلم من البعض الآخر، وقد أدت هذه الملاحظة إلى تطوير مجموعة من النظريات المعرفية أطلق عليها ما وراء المعرفة Meta cognition والتى تعرف بأنها " وعى الفرد بقدرته على المعالجة المعرفية وقدرته على اختيار استراتيجية معرفية ملائمة للمهمة موضوع الدراسة"، فالطالب الذى يمتاز بالقدرة العالية لما وراء المعرفة سوف يكون لديه وفرة من مهارات واستراتيجيات التعلم ومقدرة على تقييم أدائه التعليمى بطريقة ديناميكية وتعديل استراتيجيات التعلم عندما يتطلب الأمر ذلك.

ب ـ  النظريات البنائية:

     تقدم النظريات البنائية تفسيراً أفضل لعملية التعلم من نظريات معالجة المعلومات حيث ينظر لعملية التعلم على أنها هى" البناء الشخصى للمعرفة من خلال الخبرة فى سياقات معينة "، حيث تأخذ هذه الخبرة أشكالاً متعددة ويؤكد البنائيون الاجتماعيون على المتغيرات الاجتماعية والتاريخية والثقافية التى تحدد ما يحسب كمعلومات أو تعلم فيما يعطى للمتعلم، ويتم تشجيع المتعلمين من خلال مفاهيمهم الحالية والشخصية على تنقيح وتعميق أوتوسيع معلوماتهم من خلال ربطها بمهام حقيقية، فالتعلم ما هو إلا عملية وصفية للتحسين فى مدى وطبيعة الأحداث التى يشحذ المتعلم كل طاقاته الذهنية من أجل استحضارها، ويتم تشجيع المتعلم على إعادة ابتكار المعرفة واكتشاف خصائصها من خلال التقليد والاتصال المشترك مع الآخرين.

     وينظر بعض أصحاب النظريات البنائية إلى الفصل والمعمل على أنهما لا يمثلان الأوضاع الحقيقية للتعلم، فالتعلم الحقيقى يحدث فقط مع المجتمع الذى يعيش فيه المتعلم ومن هذا المنظور يجب أن يستبدل المدرس بالممارس الحقيقى لمجال المهارة أو المعرفة التى يرتبط بها المتعلمون كممارسين للمعرفة، فالتعلم يصبح عملية تتعلق بالتفاعل بين المتعلم والممارس الأكثر تعلماً أو الأكثر خبرة.

     ويرى "سكوت" أنه يجب التعامل مع الطلاب باعتبارهم متعلمين نشطين دائماً ما يبنون ويعيدون بناء أفكارهم حول العلوم التى يدرسونها، ولكى يفهم الطالب بعض المعلومات فإنه يربطها بما هو راسخ فى ذهنه ويدمج المعلومات الجديدة بالمعرفة أو المعلومات الحالية، فالطلاب الذين يقرأون نصاً علمياً أو يستمعون للمعلم يكتسبون مفاهيمهم من خلال ربط ما يقرأونه بما يعرفونه الآن وهو ما يتطلب عملاً نشطاً وبنائياً.

 مدخل المنظومات فى تصميم المنظومات التعليمية

أولا: مدخل المنظومات فى التعليم:

     يتميز التصميم التعليمى عن التعليم التقليدى بميزتين أساسيتين، فبينما يركز التعليم التقليدى على محتوى المادة التعليمية من حيث ما هو هام وأكثر تأثيراً فى المحتوى وأفضل صورة لتقديمه دون تحديد للمخرجات التعليمية فى شكل أهداف يمكن قياسها، يركز التصميم التعليمى على المتعلم واحتياجاته من خلال تحديد ما يعرفه المتعلم وما يحتاج لمعرفته، وتهيئة الظروف التى تسهل تعلمه، وترجمة المخرجات التعليمية فى شكل غايات وأهداف يمكن قياسها، كما أن التصميم التعليمى يستخدم طريقة منظمة للتعليم لا يستخدمها التعليم التقليدى.

     ويعتبر مدخل النظم من أهم الأسس التى يقوم عليها التصميم التعليمى، حيث يتم استخدام النظرية العامة للنظم فى التعليم والتى تعتمد على تحديد ما يجب تعلمه، وكيفية تعلمه، وعملية المراجعة والتعديل (التقويم البنائى)، وتقدير ما إذا كان المتعلمون قد أدوا ما تعلموه بعد إتمام عملية التعلم (التقويم النهائى).

     ويعتمد أسلوب المنظومات على المنهج العلمى فى حل المشكلات، واستخدام الطرق التجريبية فى التوصل إلى الحلول وتطبيقها وتقويمها، ويتميز أسلوب المنظومات عن المنهج التجريبى فى أن المنهج التجريبى جزء من أسلوب المنظومات.

     وتعرف المنظومة System بأنها خطة عامة لعملية تتكون من عناصر تقوم بعدة عمليات فرعية متفاعلة ومتتابعة تعتمد على بعضها وتتسم بالتعديل والانتظام الذاتى لتحقيق هدف محدد أو مجموعة أهداف محددة.

     وتعتبر المنظومة التعليمية Instructional System مثالاً تطبيقياً لمفهوم المنظومة بشكل عام، حيث توجد العديد من التعريفات للمنظومة التعليمية منها:

     المنظومة التعليمية هى تجميع من أفراد ومواد تعليمية ومحتوى تعليمى وأجهزة تعليمية وتسهيلات تعليمية وأساليب متفاعلة قابلة للتعديل لتحقيق أهداف تعليمية مسبقة التحديد.

     كما أن المنظومة التعليمية يمكن أن تكون عدداً من أنواع البيئات تشمل: الفصل الدراسى، المعلم، العروض السمعية البصرية، الكتب، الأجهزة، أو أى تجميع من هذه العناصر.

     والمقرر الدراسى يمثل منظومة قوامها مدخلات وعمليات ومخرجات ويندرج تحت هذه المنظومة مجموعة من المنظومات الفرعية لكل منها مدخلاته وعملياته ومخرجاته، هذه المنظومات الفرعية تمثل وحدات المقرر وتسمى هذه الوحدات بالموديولات ويتناول كل منها موضوعاً محدداً من موضوعات الدراسة، وكل وحدة مكتفية بذاتها من حيث مكوناتها التعليمية وتقوم الموديولات على أساس مبدأ التعلم الذاتى.

ويتطلب بناء أو تطوير المنظومة التعليمية Instructional System Development  تطبيق أسلوب المنظومات لتحليل وتصميم وإنتاج وتقويم واستخدام المنظومة التعليمية.

العلاقة بين نظريات التعلم والتصميم التعليمى:

يمكن استخلاص خصائص معينة للتصميم التعليمى ترتبط بنظريات التعلم السلوكية والمعرفية وذلك على النحو التالى:

أـ  النظرية السلوكية والتصميم التعليمى:

     يمكن استخلاص الخصائص التالية للتصميم التعليمى والتى ترتبط بالنظرية السلوكية وذلك على النحو التالى:

ـ   التحديد المسبق للأهداف باستخدام معايير واضحة وقابلة للقياس لأغراض تقييم الأداء.

ـ تحليل المادة التعليمية إلى خطوات صغيرة ومنطقية.

ـ يتم عرض المادة التعليمية فى صورة قاعدة أو تصنيف أو مبدأ أو صورة أوتعريف يتبعه أمثلة، ويتم إعطاء أمثلة موجبة تدعم صور العرض المختلفة يتبعها أمثلة سالبة لبناء الإطار الفكرى للمتعلم ومساعدته على الاستنتاج  حيث تقوم ديناميكية العرض على الاستنتاج.

ـ وضع تسلسل لأنشطة التعلم لزيادة الصعوبة أوالتعقيد.

ـ المراجعة المتكررة مع فحص الاختبارات عند نقاط استراتيجية، أو تكرار الممارسة باستخدام التغذية الراجعة لدعم الكفاءة التعليمية.

ـ المعدل المنخفض للأخطاء من خلال إعادة تقويم المواد التعليمية المقدمة للمتعلم إذا ما كان أداؤه فى الاختبارات يبرر ذلك.

ـ إعطاء المتعلم الفرصة لملاحظة ومراجعة وتقليد السلوك المرغوب، فالمهارة يتم تحليلها إلى الأجزاء المكونة لها، كما يتم التأكد من أن معايير الأداء المطلوبة قد تم وضعها بشكل واضح.

ـ لتعظيم كفاءة التعلم قد يوجه المتعلم لتكرار أجزاء معينة من المادة التعليمية طبقاً لأدائه فى الاختبار التشخيصى القبلى أو الاختبارات الداخلة فى تسلسل الأنشطة التعليمية، وبالمثل فإن حجم الممارسة أو المراجعة المطلوبة للمستخدم تختلف تبعاً للأداء.

ب ــ النظرية المعرفية والتصميم التعليمى:

يمكن استخلاص الخصائص التالية للتصميم التعليمى والتى ترتبط بالنظرية المعرفية وذلك على النحو التالى:

ـ   أنشطة التوجيه المناسبة المقدمة للمتعلم تساعده على تلقى المعلومات الجديدة، وهذه الأنشطة يمكن أن تكون تجميعاً للمثيرات النصية والسمعية والمرئية وتهدف إلى الاحتفاظ بالمعلومات الجديدة لفترة أطول فى الذاكرة على المدى القصير للسماح للمتعلم بالارتباط النشط بالمادة التعليمية.

ـ المفاهيم المبدئية التى تقدم للمتعلم فى بداية عرض المادة التعليمية تساعده على تلقى المعلومات الجديدة.

ـ أدوات ما وراء المعرفة مثل قوائم الإرشاد أو النصح، وتقديم التسهيلات والارتباطات المقترحة الأكثر فعالية وكذلك معالجة المعلومات.

ـ من المتوقع أن يقوم المتعلم بإنشاء الفروض والتوضيحات وأنواع التعريفات والقواعد وما إلى ذلك من خلال تقديم الأمثلة وانعكاسها على خبراته الخاصة فالاستراتيجية فى هذه الحالة استقرائية.

ـ توفير بيئة التعلم الآمن التى يمكن أن تحدث فيها الأخطاء ومن ثم اكتساب التعلم من خلال هذه الأخطاء.

 

المصدر: الدكتور وجيه المرسي أبولبن
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 1340 مشاهدة
نشرت فى 30 مايو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,661,898